الاثنين ١٣ حزيران (يونيو) ٢٠١١
زينب البحــــــــــراني في كتابهـــــــا:
بقلم نازك ضمرة

مذكرات أديبة فاشلة

تضطرك زينب الاطلاع على تفاصيل كثيرة من همومها وما يفرحها في الحياة

بسبب تصادم زينب مع الناشرين وخبرتها المرة مع بعضهم، كغيرها من الأدباء الصامتين، فلن أبدأ بالتحدث عن عنوان الكتاب وناشره وتاريخه كإشهار للناشر كما جرت العادة، لكنني طالما تمنيت أن تظهر أديبة سعودية عالية الثقافة، تخرج من جلد الكبت، وتعمل على أنسنة التراث ومسايرته لما يناسب العصر، تنبذ ما يفسد الروح ويعطل الحواس الحية، ونحافظ على روح المقصود من الشكليات والمعوقات، أدباء كثيرون وأنا تصورنا بروز امرأة سعودية كإنسان مسلم تتخلص من التراجع والجمود، قلنا ذلك قبل عقدين، ثم قبل عقد من السنين، ثم خلال الأعوام القليلة الماضية، بقينا نتوقع انه لا بد يوما ما أن تظهر هذه المرأة السعودية الحلم ناضجة ومتزنة، واليوم أرى شيئاً من ذلك أمامي وأنا أقرأ كتاب (مذكرات أديبة فاشلة) وبطريق الصدفة، عرفت زينب البحراني عبر ما ينشر منها أو عنها في الانترنت، فلقد قرأت مما كتبت مادتين أو ثلاثة في القصة والمقالة قبل ذلك، لأنني أحرص على متابعة الإنتاجات الأدبية والأبداعية الجديدة وفي كل الأقاليم العربية ما استطعت، لم يصدف أن قرأت لزينب كتاباً منشوراً من قبل.

وفي رأيي فإن عنوان الكتاب يخالف محتواه، فمادة الكتاب تدل على أديبة ناضجة في عالم الثقافة والفكر واللغة وناجحة، ولديها القدرة على الخوض في أي موضوع إنساني او اجتماعي أو نفسي أوسياسي، ذكوري أو أنثوي، وبإخلاص وصدق وأمانة، لهذا أقول وعلى عجل إن كتابها هذا هو مذكرات اديبة ناجحة وبامتياز.

حين تكتب زينب تضع مخافة الله أمام عينيها، ثم تحرص على بلدها وشعبها، وكما بدا لي أنها تكرس حياتها وأوقاتها وتحيا من أجل العمل على توعية مجتمعها والتأثير في القارئ، بل القارئة السعودية، وتظهر لنا زينب البحراني في معظم كتاباتها التي مرت بي أنها نقد بناء وموجه للمرأة السعودية حتى تدرك واقعها وحقوقها، وفي الوقت نفسه لمخاطبة المتحكمين بزمام المراة في المملكة العربية السعودية، وربما، وهكذا أحسّ من كتابتها، أنها تعزو بطء قفز الدولة السعودية إلى الصفوف الأولى المؤثرة في العالم سببه جمود الوعي الحضاري، وأن هذا الإبطاء يتوالد في معظمه من تعطيل المرأة عن مشاركة الرجل في كل أمور الحياة بحرية ومساواة، تأخر مكانة المراة هناك ثقافياً وحضارياً وصناعيا واجتماعياً إنما يعود لإهدار حقوق المرأة وعدم مساواتها بالرجل، ولا تقصد على أساس التراث الأوربي، بل على شاكلة الحرية للمرأة في الأقاليم العربية المجاورة، ومما جاء في مقالها الرابع في الكتاب: " يتقن حبس الأنثى وعضلها وبتر شرايين روحها بحجة الخوف عليها، حتى يبدو وكأن آباء الجاهلية كانوا أكثر رأفة ببناتهم، حين يرحمونهن بوأدهن بعد ميلادهن بقليل، بدلاً من انتظار مرحلة شبابهن" صفحة 33 .
وتستغرب كاتبتنا كيف استطاعت دول وإمارات في أطراف الجزيرة العربية أن توفق مابين الحرية والمساواة من جهة وبين التراث والدين ونظام القبيلة والتقاليد من جهة ثانية، وبمسايرة كبرياء الرجل ولسان حال كاتبتنا زينب يقول: لماذا لا يحصل أي تطور أو تغير في بلدي، والحياة كلها في أي مكان في العالم تعتمد دائماً على التغيير والتطور.

الشعوب لا تكفيها الفتاوى الفردية والمعزولة

الشعوب كيان جمعي يتكاتف لحماية نفسه وأرضه، ورأي الأغلبية هو الذي يوجه الحياة، فزينب البحراني تبين لنا أن التطور لا يعني اللباس والعطور والقصور والفنادق ومطاعم الوجبات السريعة والخدم والحشم وإرضاع الزوج والفتاوى الفردية المعزولة، بل هو التطور الحضاري والفكري الحقيقي دون توقف في البحث عن الأصلح، بحيث يشعر الإنسان بقيمته وأهميته رجلاً كان أو أنثى، فالمراة في دول العالم الغربي تقود الأمم، فالهند وباكستان وسريلانكا والفلبين هي دول اسيوية مثل الدولة السعودية، لكن المرأة في تلك البلاد قادت شعبها وبلدها فسبقت حتى الكثير من الدول الغربية، وأثبتت المرأة انها قادرة على أن تقود مركب الحياة والوصول إلى شواطئ الأمان بسلام مع حصيلة صيد وفير، فلماذا نحن العرب وخاصة في السعودية نحرم المرأة حتى من مجرد خروجها للسوق وحدها، وهل المرأة العربية المسلمة غير أمينة إلى هذا الحد؟ ثم ماذا يقصد الرجل حين يفرض وصايته على المرأة ويريدها أن تحمل افكاره حتى عن نفسها، يفرض عليها غطاء الوجه دون رضاها ولا قناعة منها، هل يريدها أن تقنع نفسها قائلة في داخلها: (إنني لست أمينة على نفسي، وعلى شرفي، وأنا ضعيفة الإرادة والشخصية، وأخشى على نفسي السقوط، لهذا عليّ أن أقبل قيود الرجل التي يريدها تحصيناً لي، وكي أضمن سلامتي وشرفي). وتصف تحكم شبح التراث الذكوري بتدخله في كل مناحي حياة المرأة "لقد قام هذا التيار المتشدد باستحداث بدائل لأغلب احتياجات الناسن لدرحة أنهم حتى في أفراح الزفاف استحدثوا لها أناشيد خاصة تعرف بأناشيد الأفراح" ص 32 وما قصدت زينب قوله إنهم يصرون على إعادة وتكرار المفردات المتوارثة المعروفة منذ قرون للترنم بها بدلاً من الغناء المفتوح الملتزم، أو بدل استخدام العقل والذوق والفن في كل مناسبة حسبما يليق بها، وتتجلى المرارة في نفسها حين تجد المرأة في إقليم عربي صغير مجاور للسعودية تتمتع فيه المرأة باحترام عصري مقنن فتقول في الصفحة 164 من كتابها الذي نحن بصدده "وفي العصر الحاضر نلاحظ امتداداً واضحاً لاحترام المرأة في البحرين، إ نرى قوانين الدولة تكفل للمرأة حقوقها الإنسانية والمعنوية إلى اقصى الحدود، فلا إكراه على الحجاب.... الخ"

لم يقتصر نشاط زينب الكتابي على بيئتها السعودية، بل تناولت أساليب التربية وتنشئة الجيال الشابة واالمتبعة في معظم البلدان العربية، وهي إصرار الأب على فرض رايه على ابنه ليتعلم ويتخصص في المجال الذي اختتاره والده له ، تقول في صفحة 54 " وثانيهما نموذج أنانية الرغبة في أن يحمل الأبناء عبء تحقيق طموحات الآباء التي تسبب الأهل والظروف من قبل في حرمامنهم منها بدلاً من سعي الأبناء لتحقيق طموحاتهم الخاصة على أرض الواقع" ، ومع هذا ترى زينب أن تخصصها في الكتابة والأدب هو شفاء لروحها ونفسها وإرضاء لطموحها ورغباتها برغم متاعب الأدب والكتابة ففي صفحة 62 تقول: "ولولا أن اطلاعي على تاريخ معاناة الأدباء والفنانين، ورفضهم الاستسلام رغم أحزانهم اليومية، لكنت انتهيت منذ زمن"، وفي هذا المعنى تقول أيضاً في رأس صفحة 69 من كتابها "إن نفسية الأديب المرهقة بطبيعتها، والتي تمتاز بخصائص إنسانية مختلفة غير قابلة للتفسير، وغير قابلة للتدجين، وغير قابلة للانسياق مع هامشية النمط العام وسطحيته ..... لهذا نلاحظ انصياع الكثير من المبدعين لخيار العزلة، وقاية لأنفسهم وإبداعهم من أذى الجهلاء"

وأنت تقرأ زينب في كتابها الذي هو مقالات يومية صحفية، ولست متأكداً إن تم نشر كل مقالة على حدة في الصحافة اليومية، لكنها تجمع في كتابتها بين الرأي والتوجيه والسيرة الذاتية، فتخرج مقالاتها مؤثرة ونموذجاً لمقال صحفي يومي. ومما يظهر من كتابات زينب ان لديها الثقافة المتعمقة في التراث والعادات الاجتماعية والوعي السياسي والإنساني، وندعوها لمتابعة الكتابة على هذا النمط بشكل يومي او أسبوعي إلى ماشاء الله، ومادامت على قيد الحياة، ولهذا فإنني أتوقع صدور كتب أخرى تكمل هذا السفر أوتشبهه، والقارئ المتتبع للمواضيع يلمس أن زينب لا تكرر نفسها، بل إن لكل مقال خصوصية، وزينب لديها من الذكاء والفطرة ما يجعل كلامها جذاباً ومفيداً وضرورياً، لأنها تستطيع أن تجعل من نقطة بسيطة موضوعاً حياتياً يلزم التركيز عليه دون الوقوع في التكرار والإعادة والملل.

وكما ذكرنا إن كتاب "مذكرات أديبة" هو سرد وصفي لأحداث وعقبات مرت على الكاتبة نفسها، لذلك ترى الصدق في تعبير زينب مؤثراً في القارئ، وتتناول مقالاتها كل ما خطر على بالها ايام جمع مقالات الكتاب، أو ماجرى معها وعبر مقالاتها، أما عن الخطأ الثامن وخصصته للمتاعب التي يلاقيها الأديب في النشر، فأسهبت في تفاصيل دقيقة ومطولة مرت بها أو مرّ بها غيرها، إسهاباً يصل حد الملل أحياناً مع ما به من طرافة وتنبيه، لكنه يفيد المبتدئين كثيراً، لأن هناك تفصيلات لكل كاتب كيف يتعهد مادة كتابه قبل تسليمها وبعد تسليمها للمصحح وللطابع وللناشر ولفنان الأغلفة . . . الخ، وصلت فيه حد التلقين والنمطية التعليمية، لكننا نشعر معها لأنها تكتب بمرارة، ومن فيض الكبت الذي رافق رحلتها خلال طباعة كتاب أونشر أكثر من كتاب، ونطمئن الأديبة السعودية زينب البحراني، أنها ليست الوحيدة التي عانت من دور النشر والنصابين والمتطفلين وأصحاب الأكواخ مدعي صناعة النشر، بل أعتقد أن كل أديب طبع له أكثر من كتاب لا بد وأن يكون قد عانى وكابد وخاب ظنه وامله، وحقد على هذه الطائفة التي تعمل في كل الأقاليم العربية دون قيود منظمة كما في بلاد الله الأخرى.
ونخشى على زينب أن تزداد جرأتها مستقبلاً وتنشغل عن الكتابة إلى نقد النقد، أو التفرغ للنقد الأشد تطرفاً وربما يصبح مراً، وحتى النقاد لم يسلموا من كتاباتها الناقدة، فعيون زينب ترى كل الحقائق امام عينيها، وتستطيع التعبير عما صادفها أوبالوكالة عمن اشتكى أمامها. لكن لا ننكر أن معظم النقاد في الأقاليم العربية لا يقومون بواجبهم بنزاهة، بل تطغى على ساحة النقد المحسوبية والشللية والطائفية والنفعية والتبادلية، وعلى اتساع الأرض العربية وبدون استثناء، لأن هذا العجوز كاتب هذه السطور يشارك زينب في نقدها للنقاد ويشعر بمرارة لعدم توفر الشفافية في النقد هذا من ناحية ، ثم إن الشعب الذي لا يحترم النقاد فيه مهنة النقد، ولا يغذي النقد الشفاف، لا يمكن أن ينجح في حياته، فالنقد ليس لموضوع كتابة أو نص شعري فقط، بل حين يترسخ أدب النقد، يتناول نقد كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والأدبية والفنية والصناعية، أي جميع مناحي حياة الناس في البلد. وفي هذا الصدد تقول زينب في الصفحة 141 "هناك نقاد آخرون يستهويهم قصف معنويات الكاتب عن سابق تصميم وتصور وسوء نية، وضحالة تهذيب وقصور فاضح في الثقافة والشعور"

وأخيراً لم تنس زينب المثقفين والكتاب، فكتبت الكثير عن معاناتهم ومؤهلاتهم في الفصل الأخير من كتابها الذي يستحق القراءة والوقت الذي يخصص له. وفي الختام إننا أمام كاتبة عربية سعودية كبيرة، تقف بين كاتبات الصف الأول في بلدها، واسعة الاطلاع والثقافة والتجربة، وأضافت الأسفار لها عمقاً في تنويع تجربتها الأدبية، ولقاؤها الأدباء والأديبات من مختلف الأقطار العربية وحضورها بعض المنتديات الأدبية خارج إقليمها، زرع فيها الصمود وجذر روح التصدي والكفاح المتواصل، على أمل أن ترى المرأة في بلدها ولها الأثر الفاعل في القول والفعل كغيرها من البلاد المعاصرة الأخرى، وفي اعتقادي إن زينب إن لم تشاغب، ولم تجد شيئا تكتب عنه فستكتب عن تفاصيل كثيرة في حياتها، وربما أكثر من ذلك.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى