الثلاثاء ٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٥
بقلم مريم علي جبة

مشكلات وحلول

برامج الأطفال... و«كارثية» المشاهدة
أعمال تفتقد للدفء واللطف والمعلومة المفيدة
وشعارها: «العنف والعدوانية»
لا شك أن التلفزيون يعدّ وسيلة اتصال راقية، ومع أن هذه الوسيلة تكون في كثير من الأحيان «وسيلة خيّرة» لكنها لا تخلو من الشرور، خصوصاً بالنسبة للطفل الذي يرى في التلفزيون «الصورة الجميلة والجذابة» عبر العديد من البرامج التي يتابعها على الشاشة الصغيرة.

غير أن هذه البرامج غالباً ما تشكل خطراً كبيراً على تنمية أفكار الطفل وتوجيه سلوكه، فتأثير التلفزيون على الأطفال يزيد العنف والعدوانية لديهم، خاصة عندما يشاهدون أفلام الرعب والقتل والخطف والاغتصاب، وقلة إدراك الطفل من الممكن أن تجعله يعتقد أن هذه الحالات هي «الحلول» التي يجب اللجوء إليها لحل المشكلات المعقدة.

وفي زحمة القنوات الفضائية، بات من الصعب على المشاهد الاختيار، فكيف إذا كان هذا المشاهد هو الطفل، الذي بات ينشغل بالكثير من الممارسات غير الملائمة له كطفل، فالطفل قد لا يدرك آثار ما يشاهده من برامج، ولكن سرعان ما تتملكه هذه الآثار في سلوكه مع الآخرين، وفي هذه الحالة، يؤكد علماء النفس ضرورة مراقبة الطفل بعد مشاهدة أي عمل موجه له عبر شاشة التلفزيون، فلهذه المراقبة الكثير من الإيجابيات، إذا ما تمت مراقبة الطفل من قبل الأهل، الذين يتوجب عليهم النظر إلى ملامحه: ما الذي اكتسبه من مشاهدة برنامج معين، أو حلقة من حلقات مسلسل كرتوني موجه له؟!... وبعد قراءة ملامح وجهه وبدقة، لا بد من مراقبة حركاته وتصرفاته وحديثه، ليتسنى للأهل أن يعرفوا ماذا قدم هذا العمل الكرتوني أو ذاك البرنامج للطفل، وبالتالي لا بد من طرح الأسئلة التالية: ما الذي اكتسبه الطفل من هذا العمل؟!... وهل أصاب الطفل الشرود بعد نهاية العمل الموجه له؟!.. وهل طرح الطفل أسئلة على من حوله بخصوص هذا العمل؟!..

أسئلة كثيرة تطرح نفسها، تليها عملية التقويم التي لا بد منها، لمشاهدة أعمال موجهة للطفل تكون «أكثر نوعية».
بين الماضي والحاضر..

منذ عقدين ونيف من الزمن، كانت برامج الأطفال تضفي على النفس الكثير من الدفء.. فمن منا ينسى أعمالاً وُجهت للأطفال مثل: «ساندي بل» و«هايدي» و«فلونة» و«ريمي» تلك الأعمال التي شهدت تعاطفاً واسعاً عند عرضها، من قبل الكثيرين من الأطفال الذين تابعوها بشغف، بل والكبار الذين كانوا يشاركون أطفالهم في مشاهدة العديد من هذه الأعمال، التي كانت «برأي الكثيرين» تطرح أفكاراً قيّمة وقصصاً ممتعة، وهنا نذكر المسلسل الكرتوني الهام جداً «من قصص الشعوب» الذي كان يتناول في كل حلقة من حلقاته قصة شعبية لبلد ما، حتى أنه تناول عبر حلقات عدة، رواية «البؤساء» للكاتب الشهير «فيكتور هوغو» وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على الرقي في الطرح، حتى أن البعض ممن تابعوا العمل عندما كانوا أطفالاً، عادوا في شبابهم للبحث عن الرواية ليعاودوا الاطلاع عليها والتعرف على بطلها «جان فالجان».
أين هي الآن الأعمال الموازية لـ « من قصص الشعوب» ولأعمال أخرى لا تقل أهميةً بل ونتساءل: هل كان القائمون على برامج الأطفال في تلك الفترة أكثر اهتماماً بالطفل وبرامجه؟!... أم أن المسألة كانت مصادفة وحسب؟!...
ونحن عبر الإشادة بالأعمال السابقة، لا نقصد «إدانة» الأعمال الحالية، بل تسليط الضوء على الأعمال الحالية التي يمكن أن نصفها في بعض الأحيان بـ«الأعمال الكارثية» ومثال على ذلك الأعمال الكرتونية: «أسياد القوة» و«سبايدر مان» و«فرقة العدالة» وغيرها من أعمال.

ونحن هنا لا نظن أن الرقابة الخاصة بأعمال الأطفال، باتت تنظر إلى الطفل وكأنه ذلك الشخص الذي لا بد من أن يكتسب «القوة العمياء» و«العنف الكريه» ليكون مناسباً لهذا العصر!!.. وفي الحقيقة لا بد من إعادة النظر في الكثير من الأعمال الموجهة للطفل.

هناك أعمال كرتونية لطيفة عرضت على شاشات التلفزة، كالعمل التلفزيوني «دبدوب المحبوب» الذي يذكرنا بعمل كرتوني حمل من الروعة الشيء الكثير، وهو مسلسل «سنان» الذي طرح العديد من الصفات الإيجابية مثل: «التعاون، والتضحية، والمساعدة» فضلاً عن تركيزه على أن الخير في النهاية هو المنتصر، ومن منا يمكنه أن ينسى أغنية هذا العمل بكلماتها اللطيفة والدافئة والتي مطلعها: «سنان يا سنان،

يا أحلى الأصدقاء،
في الغابة الخضراء،
شعارك الوفا، يا خير الأصدقاء،
ها نحن بانتظار،
سنان يا سنان».

ومن خلال ما تقدم عرضه، نرى أن ثمة «شبكة متكاملة» تتعاون لإنجاز أعمال موجهة للطفل، وهذه الشبكة يبدو أنها تنسى أن الطفل لا بد أن توجه له أعمال دافئة ولطيفة وهادفة في طرحها، وليس أعمالاً عنيفة وعدوانية!!
هل هي موجهة للأطفال؟!..

والسؤال: هل تأخذ هذه البرامج بعين الاعتبار، السن المناسبة للطفل لتوجه له هذا البرنامج أو ذاك؟!..

ثمة برامج كثيرة تعرض على قنوات مختلفة، وسنكتفي هنا بالحديث عن برنامجين، الأول: «بريد الأطفال» هذا البرنامج المحلي الذي عُرض على القناة الأولى في التلفزيون العربي السوري، وفي الحقيقة فإن مثل هذا البرنامج يمكن أن يكون حافزاً للطفل ليظهر إبداعاته، لكن إذا أجرينا استبياناً عن عدد الأطفال الذين يشاهدون هذا البرنامج فإنه سيعطينا نسبة أقل بكثير من نسبة الأطفال الذين يشاهدون أعمالاً كرتونية تطرح العنف كمادة رئيسية لها.

أما البرنامج الثاني فهو «بشورة وزكزك» وهو برنامج كان يُبثّ على الهواء على شاشة التلفزيون العربي السوري، ولا نود أن ندخل في تفاصيله حتى لا نوصف بمعاداتنا له، إنما نشير فقط إلى شخصية «زكزك» الذي يردّ على الأطفال عبر الهاتف بكلمات ناقصة الحروف، ومقلوبة الحروف، بمعنى أصح، وعلى سبيل المثال، فإن كلمة «آلو» عند «زكزك» تتحول إلى «آيوو» ونريد أن نسأل: ما المراد من تقديم هكذا برنامج للطفل؟!.. هل المنشود تعلّيمه تبديل أحرف الكلمات تبديلاً «معوقاً» أم ماذا؟!...

أسئلة لا بد من طرحها :

لماذا هذا الضعف في الأداء العام للبرامج المتخصصة في مجال الأطفال ؟

أين هي البحوث والدراسات التي تهتم في مجال الإعلام الموجّه للطفل بشكل خاص؟

أين هي الرقابة (العربية) على البرامج الموجّه للطفل؟

ما الأسباب وراء غياب الشعور بالمسؤولية تجاه برامج الأطفال ؟

لماذا الاعتماد على الجانب (التجاري) فقط في بث برامج هي في الأساس كارثية للطفل ولبناء شخصيته وثقافته ؟

إن ما يثير حفيظة المهتمين بتوجيه أعمال هادفة ومفيدة للطفل هو ذلك الكم الهائل من البرامج الغربية المستوردة والتي يتم ترجمتها للغة العربية وعرضها دون رقابة على القنوات المخصصة ببرامج الأطفال .. وفي إحصائية تقول أن نسبة تتراوح ما بين (40 – 60 % ) من البرامج هي مستوردة من بلدان غربية..ومن المعروف أن مثل هذه البرامج المستوردة .. من المعروف ما هو هدفها وما هي رسالتها ..

وهناك عدد كبير من القنوات الفضائية العربية المخصصة للطفل (كثيرة العدد قليلة النوعية) وإذا أردنا أن نذكر نسبة النوعية مقابل اللانوعية سنجد النسبة تتراوح ما بين 1% نوعية و99,99% لانوعية .. وهذه الكارثة بعينها ..
الحلول :

لا شك أن ثمة إشكالات وعوائق فنية وبرامجية تحدّ من أداء الرسالة التلفزيونية المتخصصة بالقنوات العربية المتخصصة في مجال الأطفال..إضافة إلى غياب التصور المنهجي للرسالة المراد توظيفها للأطفال بشكل خاص إلا أن الحلول ليست مستحيلة .. ويمكن إيجازها بما يلي:

معرفة مكمن الضعف في معظم برامج الأطفال

استحداث هيئة عامة عربية متخصصة يطلق عليها (الهيئة الرقابية العربية على برامج الأطفال) وتكون مؤلفة من اختصايين تربويين ونفسيين وإعلاميين متخصصين ببرامج الأطفال .

التهديد بوقف بث أي قناة عربية تسيء لعقلية وثقافة الطفل العربي .

العمل على إعداد برامج تخاطب عقل الطفل العربي وليس عريزته وعاطفته..فالطفل كما هو معروف يتلقف بسرعة كبيرة كل ما يتلقاه.

التركيز على الشعور بالمسؤولية تجاه برامج الأطفال .

عقد ورشات عمل في كل بلدان العالم العربي في نهاية كل ثلاثة أشهر يتم فيها مخاطبة الأهل والأطفال معاً حول البرامج التي قدمت في فترة هذه الـ (3 أشهر ) ويكون ذلك عن طريق الهيئة الرقابية العربية على برامج الأطفال .
ديمومة الرقابة على برامج الأطفال .
إلغاء مصطلح (البرامج التجارية ) المخخصة للطفل

وفي النهاية طفلنا العربي هو أمل مستقبل الأمة .. فكيف يمكن أن نعده ليكون هذا المستقبل النيّر ؟ باتباع طرق تربوية إعلامية برامجية تخصصية تهمه وتهم المرحلة العمرية التي يمر بها

برامج قد لا تسعنا صفحات كثيرة للحديث عنها، ومن المأمول من المعنيين في قنوات التلفزة، أن يكونوا أكثر دقة في اختيار البرامج الموجهة للطفل، وما نرجوه من القنوات المختصة ببرامج الطفل العمل على إعادة عرض الأعمال الكرتونية القيّمة التي سبق عرضها، وبهذا قد تعمل على إعادة الدفء واللطف إلى عيون وقلوب ونفوس الأطفال الذين باتوا يفتقدون إلى هذه المشاعر، خاصة بعد هذا السيل الجارف من مشاهد العنف والعدوانية التي تغص بها هذه الأعمال.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى