الأحد ١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٢
شاعر العامية المصري جمال بخيت
بقلم أشرف شهاب

مطربونا انقادوا وراء موجة التنطيط

جمال بخيت واحد من جيل شعراء العامية الغنائية الشباب الذين نجحوا فى فرض أسمائهم على الساحة الأدبية فى مصر رغم امتلائها بالعمالقة الكبار من الجيل القديم أمثال عبد الرحمن الأبنودى، وسيد حجاب، وأحمد فؤاد نجم. وعلى قدر موهبته، نجح جمال بخيت فى أن يخلق له اسما، وهالة من الضوء تصاحبه حيثما كان. وفيما يلى نص الحوار الذى أجراه معه مراسلنا فى القاهرة أشرف محود

ديوان العرب: كيف استطاع جيل جمال بخيت الصمود، والظهور فى وسط تيار من الشعراء الكبار؟
 بخيت: جئنا إلى الساحة الشعرية، وهى ممتلئة بالكبار من جيل الأساتذة. ولكن الشعر عالم خاص له شروطه، وقواعده التى لا تلغى أحدا. ومن حسن الحظ أن عالم الشعر متعدد الأصوات، وهو يسمح بهذه التشكيلة الفريدة من الألوان التى تضفى على المشهد الشعرى رونقا وجمالا. وكان من حسن حظنا كجيل أننا تربينا وسط جيل من الشعراء الموهوبين مما خلق لنا أرضية خصبة، ووفر المناخ العام لأصوات الشعراء من جيلنا لكى يبرزوا حضورهم. ولهذا أرى فى ظهورنا وسط هذه الساحة الثرية مكسبا لنا، بل إنه دليل على أننا صعدنا عن جدارة، وأثبتنا وجودنا عن استحقاق. وأن أصواتنا نجحت فى فرض وجودها فى فضاء الشعر ليس بسبب عدم وجود شعراء آخرين، ولكن لأن مواهبنا هى التى أهلتنا لهذا المكان.

ديوان العرب: أنتم من الجيل الشاب الذى عاصر فترة من أصعب فترات التى مر بها المجتمع المصرى، فترة صعود الحلم، وانكساره فى الستينيات..
 بخيت: نحن لم نكد نفتح عيوننا على الحلم حتى فوجئنا بتحوله إلى كابوس رهيب طغى على حياتنا، وقضى على الكثير من آمالنا. لقد حاولوا محو كل الثوابت التى كنا نؤمن بها، والتى سعينا إلى إثباتها يوما بعد يوم. وهكذا كان جيلنا محملا ومكبلا بمسئوليات عظيمة. فقد كان علينا أن نخرج إلى الشارع، وأن نضمد جراحنا بعد الهزيمة فى 1967. وكان علينا أن نحول الانكسار إلى إرادة، ومقاومة. وبالفعل نجح جيلنا من خلال الالتصاق بالشارع فى هذا الاختبار. تماما كما كان الشاعر أحمد فؤاد نجم يفعل. لقد التحم بالناس، وحقق المعادلة من خلال الناس لا من خلال أجهزة الدولة.

ديوان العرب: هل تعتقد أن هذا النجاح ظهر فى شكل أغانيكم وأشعاركم كجيل بشكل واضح؟
 بخيت: نعم. ظهر ذلك واضح لدرجة أن أغانينا اكتسبت اسم "الأغنية البديلة".

ديوان العرب: بديلة بأى معنى؟
 بخيت: لقد اخترقنا حصار وحاجز الكلمات القليلة والمحدودة التى كانت متداولة قبلنا فى الأغنية. كانت معظم كلمات الأغانى تدور حول الحب والهجران، والعذاب والعلاقة التقليدية للحبيب العاشق المتخاذل أمام معشوقته. وجاء جيلنا فخلق للعلاقات شكلا آخر. أصبحت نظرتنا للحبيبة على سبيل المثال ترتبط بالوطن، وبالحرية. وأصبحت الحبيبة هى التى تشارك فى بناء الحلم، بناء الوطن. ومع احترامى لكل التجارب الأقدم، والإبداعات العبقرية لجيل العظماء من أمثال أم كلثوم، وعبد الوهاب. ومع احترامى الكامل لكل الملحنين والشعراء إلا أن جيلنا نجح فى ممارسة حق الاختلاف سواء على مستوى مضمون الأغنية أو على مستوى كلماتها. وطرحنا ألفاظا أفكارا لم تكن مطروحة من قبل.

ديوان العرب: هل تعتبر تعددية الأصوات الشعرية الموجود حاليا تعددية حقيقية؟ أم أن محاولاتكم انتهت، وما يحدث الآن منفصل عن تجربتكم؟
 بخيت: نحن نعمل فى ظروف صعبة. وهناك محاولات مستميتة لإقصائنا عن الساحة، وهذه المحاولات عنيفة جدا. وللحق أقول إن أصوات أغلبنا تاهت. وحتى الذين شاركونا الحلم انفصلوا عنه، وأصبحت لهم نزعاتهم الخاصة، وتحولوا إلى نجوم. واعتبر هؤلاء أن نجاحهم حولهم إلى نجوم خارقة، ولم يعودوا يفكرون فى من وقفوا معهم أو أسهموا فى صنع أمجادهم. والبعض اعتبر نفسه مسئولا عن تجربة جيلنا، ونصب من نفسه متحدثا رسميا باسم هذا الجيل.

ديوان العرب: أين هم هؤلاء، نحن لا نرى على الساحة الغنائية سوى مهازل..
 بخيت: كلامك ليس دقيقا. صحيح أن موجة "التنطيط" على خشبة المسرح أصبحت هى السائدة. صحيح أن أصواتا عديدة متميزة فقدت هويتها، وشخصيتها أو بصمتها الفنية المتميزة. ولكن الصحيح أيضا أن هناك مجموعة قليلة من الفنانين الذين واصلوا الحلم. ومع ذلك فمن المحزن أن نرى الكثير من أصحاب المواهب المتميزة والأصوات الفريدة وهم يغرقون فى بحور الملذات. يحزننى أن معظم الأصوات الجادة لم تواصل كفاحها، وفضلت التباكى على المجد الضائع. ولم يواصلوا التحدى كما فعل فنانون آخرون.

ديوان العرب : إذا كان المغنون، وهم طرف فى المعادلة الغنائية قد انسحبوا من مسئولياتهم، فلماذا لم تتواصل المسيرة بأصوات أخرى.. وهى كثيرة؟
 بخيت: من الصعب أن يحدث ذلك. فالأمور لا تدار بهذا المنطق. وصناعة النجم الذى يحمل فكرا، وقيمة، ويقدمها للناس فى قالب محبوب مسألة بالغة الصعوبة. وهى معادلة تستغرق سنوات وسنوات وتحتاج إلى مزيد من الجهد والعرق. و صناعة الفنان الملتزم لا تأتى بين يوم وليلة. كما أن ظروف المجتمع الحالية غير مواتية. ومؤسسات الإذاعة والتليفزيون ترفضان الأغنية الجادة، وليس السياسية فقط.

ديوان العرب: إذن يجب أن نلتمس العذر للمطربين الذين تخلوا عنكم. فربما كانت ضغوط المؤسسات الرسمية أقوى. وربما فعلوا ذلك من أجل تحقيق الانتشار عبر الإعلام الرسمى.
 بخيت: لا، هم ليسوا معذورين. كان من الممكن أن نتكاتف جميعا، وأن نحقق قدرا من النجاح. ولكن مطربينا انقادوا وراء موجة "التنطيط". وهرولوا للحاق بفتات الأغنية الشبابية.

ديوان العرب: هل يعنى ذلك أنك تخلى مسئولية الشعراء عن ما يحدث؟
 بخيت: لا. الشعراء أيضا يتحملون جزءا من المسئولية. ولكن يجب أن نعترف أننا لم نسعى مثل رفاقنا إلى النجومية.

ديوان العرب: كيف وأنت نفسك تعتبر من نجوم شعراء الأغنية..
 بخيت: لم اسع إلى ذلك. ولكن والحمد لله استطعت تحقيق المعادلة، و أوجدت لنفسى مكانة ملائمة.

ديوان العرب: كلامك يعطى انطباعا أن حال الأغنية العربية مترد إلى أبعد مدى..
 بخيت: الأغنية العربية تمر بأزمة. ولكنها أزمة لا تنفصل عن بقية أزمات المجتمع. ومع ذلك فقد قلت إن هناك العديد من الأصوات التى استطاعت أن تحافظ على المعادلة، وتواصل تقديم الفن الجيد. ومن هؤلاء فيروز، وماجدة الرومى، وكاظم الساهر. ولكن المشكلة باختصار شديد هى أن الأصوات الجيدة تعمل كالجزر المنعزلة. لا يوجد تنسيق أو محاولة موحدة للارتقاء بمستوى الذوق العام.

ديوان العرب: ربما لم يجد المطربين الكلام الجيد، فوقعوا فى مأزق "التنطيط"..
 بخيت: لا. الفن الجميل، والكلام الجيد موجود.. ومقاييس الفن الراقى لا تختلف من فترة لأخرى. وأعتقد أن المشكلة أننا لا نسعى كشعراء نحترم أنفسنا إلى التمسح بعتبات المنتجين، أو الجلوس على أقدام المطربين. ربما نكون كسالى إلى حد ما. ولكننا لن نستجدى المطربين للتغنى بأشعارنا. نحن موجودون، ودواويننا مطبوعة، ومستوى أشعارنا وكلماتنا معروف. ولا يبقى سوى أن يتقدم المطرب الجاد الراغب فى التحدى، وتحقيق المعادلة بين الفن الجميل الهادف، والوصول إلى قلوب الناس.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى