الثلاثاء ١ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم رواء الجصاني

من سجل الجواهري، السياسي

جهد الكثير من الباحثين والمعنيين بتاريخ الجواهري وحياته، على توثيقه لأحداث العراق، والأمة، والانسانية شعراً... دون ان يركزوا كثيرا في هذا السياق على مشاركاته المباشرة في الفعاليات والأنشطة السياسية، وذلك ما سنحاول التوثيق له بإيجاز افي هذة الكتابة ...
... تعود أولى مشاركات الجواهري الجماهيرية – على ما ندري - حين راح وهو فتى، في لصق وتوزيع البيانات على جدران وأبواب مرقد الامام علي في النجف اثناء حصارها عام 1917... ومن ثم في قصائده المباشرة عن الثورة العربية ضد العثمانيين، وبعدها في ثورة العشرين، وعنها... وحتى انتقاله إلى بغداد ، وانضمامه فترة من الوقت لديوان الملك العراقي الأول فيصل بن الحسين، وذلك في أواخر عشرينات القرن الماضي، وهي عشرينات الجواهري في آن...
ثم يترك الجواهري البلاط الفيصلي منتقلاً للصحافة، ليمارس عبرها التنوير والتثوير والدخول في المعترك السياسي المباشر دون حدود... وهكذا راحت مقالاته، دعوا عنكم قصائده، تاتي أُكلها في فعاليات البلاد الوطنية وأطرها المختلفة... ومنها انحيازه لانقلاب بكر صدقي وانقلابه عليه أواسط الثلاثينات، وفي تأسيس حزب الاتحاد الوطني عام (1946) مع عبد الفتاح ابراهيم ونخبة من مثقفي ذلكم الزمان، وليستقيل منه بعد فترة وجيزة لاختلاف الرؤى والآراء...

... وفي التجاه ذاته يهم الجواهري ان يدخل في العمل البرلماني فيترشح في الانتخابات النيابية عام 1946 ليفشل فيها... ثم يترشح ثانية ليدخل مجلس النواب مرة أولى وأخيرة، عام 1947 وليستقيل منه بعيّد وثبة كانون عام 1948..... منحازاً للجماهير، والتي ما وجد، وعاش، إلا لها، ومعها، برغم كل الاغراءات وقد تحمل ما تحمل جراء ذلك:

حتى إذا شبكوا قناةً مُرَّةً شوكاءَ ، تُدمي من أتاها حاطبا
واستيأسُوا منها ، ومن مُتخشِّبٍ عَنَتاً كصِلِّ الرّملِ يَنْفُخ غاضبا
حُرٍّ يُحاسِبُ نفسَهُ أنْ تَرْعَوي حتى يروحَ لِمنْ سواه مُحاسِبا
حتى إذا الجُنْديُّ شدَّ حِزامَهُ ورأى الفضيلةَ أنْ يظَلَّ مُحاربا
حَشدوا عليه الجُوعَ يُنْشِبُ نابَهُ في جلدِ "أرقطَ" لا يُبالي ناشبا !
وعلى شُبولِ اللَّيثِ خرقُ نعالِهم ! أزكى من المُترهِّلينَ حقائبا

وبعد فترة انكفاء سياسية قصيرة ، بحسب الجواهري ذاته عام 1953 استنهض الجواهري النفس تالياً ليخوض غمار السياسية المباشرة مجدداً، وليضطر للجوء إلى سوريا عام 1956 ويعود منها عشية حركة الرابع عشر من تموز: 1958 فيشارك في أحداثها، ليس شعراً وحسب، بل وفي معمعانها ، ومنها رئاسته أبرز موقعين ثقافيين في البلاد في آن واحد، ونعني بهما: اتحاد الأدباء، ونقابة الصحفيين... ولم يكتف بذلك بل دخل ضمن أبرز طالبي تأسيس الحزب الجمهوري عام 1959 والذي لم يجز أيضاً... ومن قصائده في تلكم الفترة، محرضاً شباب البلاد للنهوض والارتقاء:

أزف الموعدُ ، والموعدُ يعن والغد الحلو لأهليه يحن
والغدُ الحلو بنوه أنتم فاذا كان لكم صلب ، فنحن
فخرنا انا كشفناه لكم واكتشاف الغد للأجيال فنُّ

... وبسبب مواقفه السياسية ومقالاته،فضلا عن قصائده ، تعرّض الجواهري من جديد لمضايقات السلطة الجمهورية، وزعيمها عبد الكريم قاسم مباشرة، وصلت حدّ اعتقاله، وان لساعات... فقرر للمرة الرابعة،بعد مصر وايران وسوريا ، الاغتراب من البلاد، إلى مغترب جديد، في براغ، ولنحو سبعة أعوام متصلة...

وهناك، لم يكف الجواهري عن دأبه الوطني ، وليس بالشعر فقط... فكان بيته، ومقامه في العاصمة التشيكية، مزار الزعماء والمسؤولين السياسيين العراقيين بشكل رئيس: لقاءات واستشارات وتبادل آراء، بل واستشفاف نبوءات ، بحسب أحاديثه الخاصة للمقربين... ثم، وإلى المعترك مباشرة حين ترأس اللجنة العليا للدفاع عن الشعب العراقي بعيّد الانقلاب الدموي البعثي في شباط 1963...

... ويعود الجواهري للبلاد عام 1968 متفائلاً، كما هي حال الكثير من الأحزاب والقوى السياسية والزعماء والأفراد... وجددت له رئاسة اتحاد الأدباء، وعضوية الهيئة العليا لمجلس السلم والتضامن العراقيين، ومعروف ما ترتب على ذلك من انشغالات ثقافية وسياسية وغيرها...

وإذ تتأزم الأوضاع في أواخر السبعينات الى حد ٍ لا يطاق في البلاد، ولتشمل الاعتقالات والعسف حتى بعض افراد عائلته، يشدّ الجواهري الرحال، وإلى براغ مرة أخرى، حيث واصل اهتماماته الوطنية والتي انعكست في الصمت احياناً متبنياً مقولته: ولقد سكت مخاطباً... إذ لم أجد ، من يستحق صدى الشكاة مخاطبا... فضلاً عن خوض الغمارات ذات الصلة بأحداث البلاد وتداعيات سياسات النظام الدكتاتوري الذي كشف كل أوراقه، وممارساته المدمرة، ومن أشدها الحرب مع ايران، وغزو دولة الكويت... ولعل أبرز مواقف الجواهري المناهضة بهذا الشأن مشاركته في مؤتمر المعارضة العراقية في بيروت عام 1991 فكان، بحسب سياسيين يعتد بهم: فصيلاً وطنيا سابعاً، بمفرده، إلى جانب الفصائل القومية والاسلامية والديمقراطية الستة التي شاركت في ذلك المؤتمر.... وهكذا دامت المواقف والقصائد والمشاركات، ودون حدود، وحتى لفترة قصيرة قبيل الرحيل، عام 1997.

... أخيراً لابد من الاشارة أيضاً في هذه التأرخة السريعة إلى أن الجواهري لم يحصر مواقفه ومشاركاته السياسية في بلاده وحسب، بل انشغل ووثق – بالشعر على الأقل – أحداث وشؤون وشجون الأمة - بأتراحها وأفراحها – في قصائد باهرة ومتفردة تتحدث بنفسها عن نفسها.... ولنا عندها وقفات لاحقة، كما نسعى...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى