الجمعة ٢٨ آب (أغسطس) ٢٠٠٩
بقلم ندى مهري

موعد على العشاء على قناة الشرقية العراقية

ضيوف الحلقة يهاجمون المذيعة!

كعادة الأوفياء الكسالى الذين أدمنوا وسقطوا تحت عادة قنوات تلفزيونية بعينها وهاجرهم فضول الاكتشاف وثقافة (التزرير)لإكتشاف عوالم جديدة من القنوات التلفزيونية الكثيرة، حتى التقنيات التكنولوجية دعمت فكرة الوفاء بخاصية المفضلة حيث يضع فيها المتلقي باقته من القنوات التي يتابعها بانتظام،ولكن حدث أن خرجت من عادة الوفاء المتثائب بضغطة زر منذ أن تعرفت بالكاتبة والشاعرة والإعلامية العراقية "رنا جعفر ياسين" وتابعت برنامجها "موعد على العشاء " الذي تعده وتقدمه ويذاع على قناة الشرقية العراقية وصولا لإحدى حلقاتها التي استضافت فيها فنانين عراقيين فأصابتني لوثة دهشة عكرت مزاجي طيلة أسبوع وأنا انتظر ماذا سوف تقدمه في الحلقة القادمة، وهل يتراجع برنامجها بسبب حلقة كادت أن توتر ملامح برنامجها الرزين ولأن الوفاء عادة، لم أتقبل أن يتراجع برنامجها من اطاره البناء وعندما تابعت حلقتها الجديدة شعرت بالإطمئنان الإعلامي لجودة الحوار والنقاش والأفكار والإخراج والضيوف، أقول هذا حتى أكون منصفة في التقييم والرأي كوني إعلامية وصديقة هذا المجال وابنته أيضا.

عندما تابعت ضيوف رنا جعفر ياسين في حلقة سابقة التي استضافت فيها كل من الشاعر ضياء الميالي والملحن نصرت البدر ومهندس الصوت سامر طه سالم.... جزمت أن الإعلام العراقي يعيش نزوة وليس تجربة حقيقية، ذلك أن ظروف ثورته في هذا المجال جاءت متأخرة من حيث الانطلاقة لأسباب عديدة نعرفها جميعا فمرحلة الانتقال من إعلام مغلق الى إعلام مفتوح يمس الفضاء العربي والدولي ليس بالأمر اليسير، ورغم تجربته الفضائية الفتية فهو أفضل حالا من بعض الدول التي لا تزال توجه وتحتكر الإعلام ولا توجد فضائيات خاصة بها كالجزائر مثلا،وحتى لا أطيل في الكلام وأعود لماذا هذه الحلقة بالذات استفزتني وأنا المتابعة لهذا البرنامج منذ انطلاقته؟ هذا بسبب الضيوف الذين أعطوا صورة غير منطقية لثقافة العراق أو ربما هم يمثلون واقع حال ما يمر به العراق، وحتى هذا الواقع ليس بحالة ثابتة فهو متغير وبوادر التغيير كثيرة، فالحوار كان هشا يصل لحد العنف اللفظي في بعض عناصر النقاش ورغم أن المحاورة رنا حاولت كسر الهوة بينها وبين المتحدثين ولكنهم أبوا الا أن يروجوا لقناعاتهم وكأنها مرجع غير قابل للنقاش مستخدمين كلمات رديئة لاتمت لمستوى البرنامج الذي اعتدنا عليه،ومن بين الأحاديث التي استوقفتني تكريس الألفاظ السطحية والنابية في النقاش وأيضا الدعوة الى العنف ضد المرأة ودعوة غير مباشرة لتسطيح الثقافة والفن العراقي، وهذا الموقف يذكرني بانطلاقة فن الراي في الجزائر الذي لم يعرف طريقه الى النور الا بعدما قام بتهذيب لغته اذ كان فن الراي ممنوعا أن تسمعه الأسر الجزائرية لفجاجة مفرداته وألفاظه غير المؤاتية، ونموه كنبتة برية مجهولة في الظل والأقبية المنفردة، هذا من جهة ومن جهة أخرى انقلاب الضيوف الى محققين يحاورون رنا ويسألونها عن أشعارها وينتقدوها وكيف أن ما تقدمت به من مقاطع شعرية لا يمثل ذائقة الثقافة العراقية والمجتمع العراقي الذي يفضل لغتهم وفنهم أكثر.

هذا الموضوع لا يصدق فالعراق عودنا الثقافة الأصيلة والأدب الراقي ولنا في كتاب العراق وشعراءه أكبر مثال.

أما أن ينقلب السحر على الساحر ان صح القول مع فرق في التشبيه وأن تكرس العامية -واقصد هنا عامية المفردة الخشنة او النابية والرديئة- كقناة أساسية للمتلقي العراقي هذا ما أرفضه من وجهة نظري لأن ما يقدمونه يعد أيضا بعيدا عن أصالة الشعر العامي وفنه الغنائي وعمالقة مطربيه وكما لشعر العامية رواده لنا في الشعر الفصيح رواده أيضا والمتلقي لديه القدرة على اختيار ما يتذوق فالفن مثل الحب في القلب،لكل انسان مكانته في قلب محبيه دون اختلاط أو تمازج.

الحقيقة هذا ما استفزني من ضيوف الحلقة الذين لم يقصروا في مهاجمة رنا جعفر ياسين وكأنها تصفية حسابات شخصية على حساب التعريف بمكانتهم على الساحة الفنية العراقية اذ بسلوكهم هذا قللوا من رصيدهم حتى وان اجتهدوا وأعطوا ثمرات جيدة ومختلفة في المستقبل، وبأسلوبهم هذا أكدوا فكرة عدم قبول الاختلاف الذي يطور ويثري ويزود ولا يفسد في الود قضية.

أدرك تماما أن دور الإعلام ينقل كل الأذواق للمتلقي دون اجحاف بها وقد حاولت رنا برزانة امتصاص الاختلاف وحاولت من منطلق وعيها الثقافي رفع اللقاء الى مستواه اللائق وادارة الصراع -عفوا الحوار- لصالح البرنامج الذي هدفه في الأساس التعريف بالوجوه الحاضرة في ثقافة العراق الذي شهد تمزقا عنيفا وهو الان يحاول ترميم جسده المبتور جاهدا في تحقيق مقولة:"لايصح الا الصحيح " والدليل أن هذه الحلقة كانت صورة حية عن هذا التمزق وكانت أيضا محاولة لترميم الخراب من طرف رنا

العراق سيتعافى اجتماعيا وثقافيا وسيبرز رواده الحقيقيين في مختلف المجالات والمشارب دون خلاف بل بوفاق وسوف تزداد تجربته الإعلامية نضوجا ويكون نموذجا إعلاميا مبشرا يضيف ألقا ولونا ونفسا جديدا لرصيدنا الإعلامي العربي.

ضيوف الحلقة يهاجمون المذيعة!

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى