الاثنين ٢٨ آب (أغسطس) ٢٠٠٦
بقلم أحمد فضل شبلول

نجوى سالم وفراشاتها الملونة بلون الذاكرة

بقلم: أحمد فضل شبلول

بون شاسع بين ديوان "الجنيات السبع"، وهو الديوان الأول الذي صدر عام 2002 للشاعرة نجوى سالم، وديوانها الثاني الذي صدر مؤخرًا بعنوان "فراشات بلون الذاكرة"، سواء في الرؤية أو الأداة.

يبدو أن قصائد الديوان الأول على الرغم من توافر سلامة اللغة والعروض، إلى جانب بعض الصور الشعرية مما يصنع شعرا لا بأس به، كانت تدريبا على كتابة قصيدة أكثر نضجا، وذات نكهة خاصة، أو حالة خاصة، بعد أن اطمأنت الشاعرة إلى شاعريتها واكتمال أدواتها، ومقدرتها على خوض غمار الشعرية العربية الحديثة، بعد أن أعلنت تخليها عن تفاعيل الخليل بن أحمد الفراهيدي، أو عن عروض الشعر العربي التقليدي بصفة عامة، لتصنع موسيقاها الخاصة من خلال فراشاتها الملونة بلون الذاكرة.

ويبدو أن عزيف الجنيات السبع، جاء متواكبا أو متوائما مع موسيقى تفعيلات الخليل، بينما ثارت الفراشات الملونة على هذه الموسيقى، فصنعت موسيقى أخرى ملونة، تتواءم مع شعرية النص.
وإذا تخيلنا أن للموسيقى أو الإيقاع لونا، فهل تعد ألوان موسيقى تفعيلات الخليل وإيقاعاتها من الأبيض والأسود، وإيقاعات قصيدة النثر من الإيقاعات الملونة؟ أم أن الأمر مرتبط بتجارب نفسية تتحاور معها الألوان ـ سواء الأبيض والأسود ـ أو الألوان الأخرى ـ داخل القصيدة الواحدة، أو النص الواحد، مهما كان شكل القالب؟

ربما يعد الشاعر الفرنسي جان آرثر رامبو أول من نبهنا إلى علاقة اللون بالحرف، أو إلى كيمياء الحرف، ومن المعروف أن قصيدة النثر نشطت في أوربا وانتشرت على يد الشعراء الفرنسيين: شارل بودلير وجان آرثر رامبو واستيفان مالارميه وغيرهم، وقبلها لم يكن مطروحا تلك العلاقة الكيميائية بين الحرف واللون، على هذا النحو.
فقد كان رامبو يطمح إلى أن يقفز إلى الذهن لون معين، عند نطق حرف معين، كأن يقفز الأحمر مثلا، عند ذكر حرف O أو الواو، أو الأبيض مثلا عند ذكر حرف A أو الألف، وهكذا، ومن هنا يقفز إلى الكلمة أو السطر الواحد، ومن ثم القصيدة، عدد هائل من الألوان بعدد أحرف الكلمة أو السطر، أو القصيدة، وربما نجد ـ في هذا الكرنفال الحيوي ـ ألوانا لم يعرفها الرسامون بعد.

تقول الشاعرة:

سأعكس ابتسامة الكون
بألوان لم يعرفها الرسامون بعد.

لقد احتفلت الشاعرة بالألوان في ديوانها الجديد، منذ العنوان "فراشات بلون الذاكرة"، وأيضا داخل أجواء معظم قصائدها.
تقول على سبيل المثال في قصيدة "شعرة":

كم تمنتْ أن يكون
أبيض وأسود
لكنها
ما أبصرته إلا رماديا
فبأي الألوان كان يصبغها؟
لا يهمها كثيرا
إذا ما اتخذت قرارا فعليا
بتحطيم قوس قزح
ربما تجد في اللالون
بعضا من الارتياح.
أو قولها في قصيدة (!):
الأخضر الذي يريدنا
صديق للأزرق الذي نعشقه
ومنذ أعلمني بذلك
وأنا أحاول جاهدة
أن أتصالح معه.

الأمر نفسه أيضا ينسحب على لغة القصيدة، أو لغة النص الشعري، والسؤال في هذه الحالة يكون:
هل هناك كيمياء لغوية معينة يطرحها النص التقليدي أو النص التفعيلي من خلال موسيقاه، وكيمياء لغوية أخرى يطرحها النص النثري من خلال إيقاعاته المختلفة؟
لعل الإجابات التي نتوقعها أو لا نتوقعها، تكون بعض أسباب تخلي نجوى سالم عن تفعيلات الخليل، ولجوئها إلى إيقاعات النثر في ديوانها الثاني، مُطلقةً ألوان الحروف التي ترد على الذاكرة، كي تصنع فراشاتها الشعرية المنطلقة في حدائق الديوان، مبدلة ألوان الكون وهو يلتهم رفرفات الروح.

احتوى ديوان "الجنيات السبع" لنجوى سالم على ثماني عشرة قصيدة، تتراوح ـ كما يقول الشاعر مختار عيسى في مقدمته لهذا الديوان ـ "بين الاعتماد على التصوير، والركون إلى تقريرية مباشرة، وقد نلحظ تقليدية في الرؤى والصياغة حينا، لكنا لا نعدم أن نلتقط مناطق ليست بالقليلة في القصائد ـ حديثة العهد ـ تؤكد لنا أنها تتجه ببراعة نحو أفق أرحب في الرؤية ونسق أكثر حداثة في التشكيل".
تقول الشاعرة في قصيدة "معذرة" المؤرخة 8/2/2002 على سبيل المثال:

معذرة يا ذا البحَّار
فالبحر بعيد الشطآن
والعمق سحيق الأغوار
والخوض مغامرة كبرى
والموج كثير الأخطار
والرهبة جند تحرسني
وبرغم حنيني تُخرسني
والقلب سجين، وكأني
طاحونُ هواء
يطحن في عظم الإعصار!

لعلنا لاحظنا ارتفاع صوت الموسيقى، وضجيج تفعيلات المتدارك الخببي، وسوف تتخلى الشاعرة عن كل هذا الضجيج الموسيقي بعد ذلك في ديوانها الجديد.
وتدور معظم قصائد الديوان الأول في هذا العالم السندبادي ـ إن صح التعبير ـ بجنياته، ورؤاه التراثية المختلفة، ومفرداته المستوحاة من هذا العالم، مثل: البحار، البحَّار، الجنيات، الحور، الخاتم المسحور، السبع بحور، السفر، القمر، جزر الأفكار، الإعصار، القرار، الجواد، القصور، الأوتار، البطل الأوحد، البخور، العطور، الأقداح، الرعد، البحر المسجور، أعصاب الموج، الرياح، النهر، الضفاف، الدوامات، الصخر، حبَّات الدر، شجر الكافور، المد المجزور، المطر، السحاب، .. إلى آخر هذه المفردات التي تصور عالم الديوان واقترابه الشديد من تراثنا الحكائي المرتبط بألف ليلة وليلة والسندباد وأجواء رحلاته المختلفة.

الأمر يختلف تماما في الديوان الجديد للشاعرة نجوى سالم، فهو ديوان شديد العصرية، يقترب من المفردات الحديثة، ومنها المفردات العلمية مثل: (الأوزون، الفيروس، الرسائل الإلكترونية، الحاسوب، الشاشة الزرقاء، العولمة .. الخ) التي أجادت الشاعرة توظيفها فنيا في بعض قصائدها، فضلا عن مفردات الحياة اليومية، مثل: (التلفزيون، الفضائيات، إشارات المرور، الولاعة، السيجارة، طاولة الطعام، الهاتف النقال أو الجوال، البيبسي، البيتزا، الكنتاكي، الطابعة، اللقطات الفوتوغرافية، التنزيلات، صوت بائع الفول، .. الخ).

هنا نلاحظ اشتباكا أكثر، وتفاعل أقوى مع الحياة، ومع اليومي العابر، واليومي الدائم والمستقر، مع القبض ـ في الوقت نفسه ـ على اللحظة الشعرية، بقوة، ومحاولة فلسفتها، ومنحها بُعدا جماليا متجددا، من خلال ثلاثة وعشرين نصا.
تقول الشاعرة في "رسالة إلكترونية إلى إيزيس" على سبيل المثال:

"شركاء الحب والفاقة"
هكذا وصفكم زوجي العائد
مفتشا في هواتفكم النقالة
عن قوائم عصرية
يضيفكم إليها
كي يدعوكم إلى زفاف قصيدته البكر
دون أن يَلعن أقلامه وأوراقه
التي أبت شرب دمائكم السوداء
قبل تحديد مساحة أحزانها
بلون ملتهب
كفنوا قلوبكم
جففوا أطرافكم
وتبرعوا بما تبقى من عقولكم
كي تدخلوا إلى ذاكرة الحاسوب
قبل أن يلتهمها
"فيروس" الخلود
ولا تنسوا أن تتركوا
مساحة من الحزن
تكفي لكتابة رسالة "إلكترونية"
إلى إيزيس،
فلعلها تعثر عليكم،
وهي تبحث عن الأشلاء
فتعيدكم جميعا إلى عروشكم
دون أن تقتص من التاريخ
الذي نسي أن يهبها
مفتاحا جديدا للحياة
طوبي لمن رأى منكم حلما
فلم يغيره
وأطلقه في فضاء يئن بالضجيج
ليرسم به خطوات تنتظر
وزرعا وزيتونا
ألا تزالون في ظلالكم خاشعين
وأنتم عن العزف معرضون؟!
فإلى متى تعوي القافلة
والكلاب تسير؟!

هذا النموذج (المكتوب في 6/3/2005) من نصوص نجوى سالم في ديوانها الجديد يكشف بعمق عن بنية أدائها الشعري الجديد، ولعلنا نلاحظ هذه المفارقة الكبرى في عنوان القصيدة بين عصرين: عصر الإنترنت، وعصر الإلهة أو الربة المصرية إيزيس، في الأساطير الفرعونية، بل المفارقة المقلوبة أيضا في نهاية القصيدة التي وردت في صورة سؤال: إلى متى تعوي القافلة، والكلاب تسير؟ والأصل فيها: "الكلاب تنبح والقافلة تسير".
هل الشاعرة هي إيزيس العصر الحديث، التي تحاول لم أشلاء أبنائها المصريين المعاصرين، المبعثرة على ضفتي نهر النيل الخالد، ودلتاه، متسلحة في ذلك بمفردات العصر العلمية، مثل ذاكرة الحاسوب، والرسائل الإلكترونية، والهواتف النقالة، مع عدم التخلي في الوقت نفسه عن الأقلام والأوراق، أو عن حضارة الورق التي لم تزل سارية المفعول حتى الآن؟.

أيضا هناك هذه المفارقة الموظفة بذكاء بين عالم علاء الدين والمصباح السحري، والشاطر حسن وست الحسن والجمال، وعالم الكمبيوتر، وما توفره شبكة الإنترنت، مع كل ضغطة زر، من أميرات وجوار وحسان وألف شهرزاد.
تقول الشاعرة في نصها "فضائيات أكثر رحابة من عالمك الأعسر":

لا ابتسامة "البيبسي"
ولا عطر "البيتزا"
ولا حرارة "نانسي"
بإمكانهم أن يعيدوا إليك الحياة
في فضائياتهم
الأكثر رحابة من عالمك الأعسر
أتدرك أنك في الصندوق؟
أنك تحمل وجعك وحدك
تصرخ ..
تركض ..
تضحك .. وحدك؟
قد يراك "علاء الدين"
فماذا تظن أنه فاعل بك؟
قطعا سوف يعيرك ابتسامة بلهاء،
ويمضي ..
فما عاد بساطك السحري يبهره
ولا كرة الزجاج
ولم يعد "الشاطر حسن"
في حاجة إلى انتظار الأميرة
"ست الحسن والجمال"
فمع كل ضغطة زر
أميرات وجوار حسان
وألف ألف شهر زاد

ولعلنا نجد هنا عودة أو حنينا إلى عالم الشاعرة الأثير في ديوانها السابق "الجنيات السبع"، في مثل قولها:
جنيات سبع يشعلن لحن العازف الأوحد،
وهاتف يصرخ بالموسيقا
وفي ذكر شجرة الكافور أيضا التي قدمت لنا عنها قصيدة في الديوان الأول بعنوان "شجر الكافور".

ولكن الأمر يختلف هنا، وتوظيف المفردات يختلف، والدلالة تختلف، وبنية النص أيضا تختلف، وكم كانت الشاعرة موفقة في الربط بين البيبسي ونانسي في قولها:

لا ابتسامة البيبسي،

ولا حرارة نانسي

ليس من أجل التقفية، فهذا لا يعنيها، ولا تبحث عنه، بعد أن هجرت الموسيقى الخارجية على الأقل، وليس بسبب التناص الإعلاني الذي يفقأ أعيننا صباح مساء، والذي ربط بين الثنائي (بيبسي ونانسي)، ولكن هذا الربط يعد مؤشرا أو سمة أساسية من سمات عصرنا، أو سمة من سمات الاستهلاك الغرائزي على نحو ما، أو كما قال أحد الأخوة أثناء مناقشة رواية "شيفرة دافنشي" في فرع اتحاد الكتاب بطنطا، إن الرواية تبشر بعودة الأنثى المقدسة، من خلال النمط الاستهلاكي الذي تروج له الإعلانات التي تتخذ من الأنثى كأسا لها.

فهل هذه الرسالة التي تحاول الشاعرة إيصالها، مع أنها أنثى أيضا، ولكنها الأنثى الواعية المثقفة الشاعرة، وليست الأنثى المتعجرمة، إن صح الاشتقاق أو التعبير.
الأمر الذي تشير إليه الشاعرة أيضا، أن في هذا العصر، عصر الفضائيات التي تروج لأمثال بيبسي ونانسي، لا يشعر الناس ببعضهم البعض، وأن كل شخص يحمل وجعه وحده، يحمل ألمه وحده، يحمل بغداده وبيروته وحده، ولن يدافع عنا التراث، بل سيسخر منا هذا التراث المتمثل هنا في علاء الدين ومصباحه، والشاطر حسن وأميرته، ذلك أن التراث يُعيد إنتاج نفسه في أشكال عصرية، ولكن المتوقفين عن المتابعة، أو الذين يعيشون في الماضي، أو يخبئون أنفسهم في الصندوق، أو المنكفئون على ذواتهم، هم الذين لا يدركون مثل هذه التحولات الدالة.

وعلى الرغم من استخدام مفردات شديدة العصرية في قصائد الديوان، فإن الشاعرة لم تتخلَّ عن موروثها الشعري والأدبي والديني، وكما رأينا توظيف الربة إيزيس في القصيدة السابقة، فإننا أيضا نرى تناصا مع قصائد أخرى في التراث العربي، والتناص نوع من الاستلهام أو الاستيحاء، أو التوظيف، أو التضمين، أو النقل سواء بوعي أو بدون وعي.

يعرِّف أحمد الزعبي في كتابه "التناص: نظريا وتطبيقيا" ـ الصادر عن مؤسسة عمون للنشر ـ الأردن ط2 ، 2000م، ص50 ـ التناص الأدبي بأنه "تداخل نصوص أدبية مختارة قديمة أو حديثة شعراً أو نثراً مع نص القصيدة الأصلي، بحيث تكون منسجمة وموظفة ودالة قدر الإمكان على الفكرة التي يطرحها الشاعر".
ومن التناص قول الشاعرة في قصيدة "ماذا لو رششنا بعض الضوء على الفراشات":

مرورًا بها صحبي
على أعناق قصائدهم
وهو تناص مع البيت المشهور لطرفة بن العبد:
وقوفًا بها صحبي عليَّ مطيهم
يقولون لا تهلك أسىً وتجلَّدِ
أيضا هناك تناص مع بعض آيات القرآن الكريم، خاصة في سورة يوسف. حيث تقول الشاعرة في قصيدة "قبل أن تتلون ضفائرها":
دع بعض الغيم في سنبله
واستوقف السيارة
لعلهم يدلونك على الجُب
ولا يشرون دماءهم بثمن بخس.

ويتكرر التناص مع سورة يوسف، في القصيدة المهداة للشاعر الراحل محمد يوسف، في قولها:
يوسف ..
أعرض عن هذا
واستغفري لذنبك.

ولكن الموقف هنا مختلف تماما عن موقف النبي يوسف، حيث المرأة التي تقصدها الشاعرة في قصيدتها، ليست هي المرأة المخاطبة في السورة القرآنية (زليخة) وإنما امرأة القصيدة هنا، ربما تكون الأخت أو الزوجة أو الابنة التي أعطت أمر "أوقفوا الطباعة" التي عنونت بها الشاعرة قصيدتها المهداة إلى روح الشاعر الراحل.

هاتفتني تستغيث
أوقفوا الطباعة ..!
هل أنتِ هي
وردته المشتهاة
أم سكينه الثالمة ؟

وفي هذا المقطع نلاحظ وجود صوتين، صوت المرأة الآمرة أو التي أمرت بإيقاف طباعة ديوان جديد للشاعر بعد رحيله، وصوت الشاعرة المدافعة التي تتساءل (هل أنتِ هي وردته المشتهاة أم سكينه الثالمة؟).
وفي نهاية القصيدة تساءل روح الشاعر المحلقة حولها: هل أوقف الطباعة؟
قلت لصاحبتك:

أيهما أكثر غربة
هجرة إلى رماد الأرض
أم هجرة إلى الدينار؟
لم تجب صاحبتك
أفرغتُ رصاص إجابتي
في القصيدة،
وامتطيتُ الصمت،
وعدتُ أحاور سرب الحمام
حمل الروح إليك
فهل أوقف الطباعة؟

وعودة إلى مسألة التناص القرآني في الديوان، نجد الشاعرة تقول في قصيدة "شعرة":

قلنا:
"كل نفس بما كسبت .."
وهو تناص مع قوله تعالى في سورة البقرة، الآية 281:
"ثم توفى كل نفس ما كسبت، وهم لا يظلمون".
وقوله تعالى في سورة إبراهيم، الآية 51:
"ليجزى الله كل نفس ما كسبت. إن الله سريع الحساب".

وقوله في سورة المدثر، الآية 38:

"كل نفس بما كسبت رهينة".

وهكذا، وأظن أن ما تقصده الشاعرة من تناصها، ومن خلال أجواء النص، هو الأقرب إلى قوله تعالي "كل نفس بما كسبت رهينة".
وأيضا قولها: "ولات حين مناص" وهو تناص مع الآية الكريمة 3 من سورة ص، في قولها:

فينزع السيل أوردتها
"ولات حين مناص"
وتدور في دوامة الكلمات.
فضلا عن استخدامها ألفاظا قرآنية بعينها، لها إشعاعها القرآني الرائع، مثل "أغطش" التي وردت في سورة النازعات في قوله تعالى:
"أخرج ليلها وأغطش ضحاها"، بمعنى أظلم.
تقول الشاعرة في نهاية القصيدة الأخيرة من الديوان:
لن أعود يوما
مع الطيور التي
أغطش أعشاشها
الجليد.

***

اعتمدت الشاعرة في بعض أجزاء نصوصها على فن الإبجرامة، أو قصيدة الومضة، أو قصيدة القطرة، وهو نوع من النصوص يحمل شيئا من الدهشة والمفاجأة والمفارقة والمباغتة في عدد قليل جدا من الكلمات المركزة أو المصفَّاة، وأحيانا يحمل الحكمة، وهناك نوع يكون من نوع الطلقة، أو الرسالة التلغرافية، ومن ذلك قولها:

المشروب الذي ألفناه
أما يزال يفتش في ذراتنا
عن تلك الأسلحة
التي لم يخترعها (الأمريكان)
في مواجهة الأحقاد.
أو قولها:
القبلة المباغتة
تفتح شريانا في القلب
لم يكتشفه علماء التشريح بعد.

لكن في الوقت نفسه هناك إبجرامات لدى الشاعرة، لا ترقى إلى هذا المستوى من الشعرية، مثل قولها العادي جدا:

صبي الشاي
ولا تنسي أن تضعي السكر
خارجا ..
فلكل مذاقه الخاص.

أيضا هناك سطر زائد في إحدى الإبجرامات لو حذف لكان أفضل، وذلك في قولها:

انتبهتُ إليه فجأة

دون أن يلمح طرفي

إنه يسرق من أحلامي

ليضيف إلى عمره

يوما جديدا

ماذا تظنون أني فاعلة به؟

هذا السطر الأخير، الذي جاء في صيغة تساؤل للقراء بإضافة نون الجماعة، أعتقد أنه لو حذف لأعطى الإبجرامة قوة إيحاء أكبر، وخيالا أوسع. لقد حدَّ التساؤل المطروح من انطلاق الخيال بعض الشيء.

هذه بعض القضايا والجماليات التي يطرحها الديوان الجديد "فراشات بلون الذاكرة" للشاعرة نجوى سالم، التي أتوقع أن تفاجئنا قريبا بعمل إبداعي آخر، يثير شيئا من النقاش والجدل، حول إبداعها الشعري الفياض.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى