الاثنين ٢٠ أيار (مايو) ٢٠١٩
بقلم سلوى أبو مدين

نداءات تحت الركام

برعونة الموقف الذي حاصرها وقفتْ بشموخها تتصدع من الداخل
وهمشت كل شيء جانباً . حياة باردة لا حس فيها ولا مذاق لها ، جافة مثل ورقة خريف
جراح تنزف ولا تتوقف .. مطوقة من جميع الجوانب .. سجن أبدي بقضبان آدمية !
ها هي السنون تهرول من حولي وكأنها تودعني سنة بعد أخرى و تنفك مني .
سجني الذهبي طوق حياتي .. ارتباط فاشل ، لنمط حياة باردة . لحظات المرار أقوى من أن تُنسى .
وفجأة.. ألقت بي في غيا هب الظلام .
تبدل سريع دون سابق إنذار !
ابتلعتُ ذلك كله على مضض وواصلت مشواري مكرهة .
وأضحى المرار يسيرني حيث أمضي رغم كل المحاولات التي بذلتها لأعيد لقريني توازنه، فزادت أعباؤه المادية ؛ بعد ما أبعدوه عن دائرة عمله .. وبين عشية وضحاها أصبح عالةً على الحياة .
تفاقمت الأمور أكثر مما ينبغي أعباء المسكن ، مطالب الحياة التي لا تنتهي وغيرها من الأمور .. أخلينا المسكن لصاحبه ، وعدت إلى منزل والدي بروح منكسرة أجُرُّ أذيال الخيبة ورائي .
تحملت وخز تألم في نفسي .. في كل مرة كنت أرتق أحلامي معك .
أمّا أنت كنت كريما في نزفك كبحر .. قاسياً . عنيفاً .. شرساً !
وحان نذير الوداع بيننا في صمت كمأتم .
ويا لها من حياة وأنا أحمل عبء ثلاثة أطفال .
....
بين ليلة وأخرى ..
أضحيت كورقةِ خريف يابسة توشك أن تسقط في أية لحظة .
حتى حجرتي التي طالما توسدت جراحي قبل أن أُزَفَّ إليكَ ..
غدت بألوان قاتمة ..
ولا زلت أذكر ما عانيت نتيجة حبي لك ؛ هناك رقص قلبي فرحاً..
وعند نافذتي غنيت أنشودة السعادة ..
وتحت مصباحها تناثرت مشاعري مثل عصفور هوى من فوق غصن عالٍ .
مشاعر الخوف والرهبة تغتالني عندما أفكر أنك تركتني أصارع العباب تحت قهر الظروف وأنت غير مكترث . !
أدمنتُ السهر واستبدت بي الهموم
فلا أدري هل أشرق الصباح أم لاحقنا الليل .
المرار والملل يغلّفان حياتي بطعم العلقم ..
آه من قسوة الحياة .. بين يوم وآخر تبدّل كلَّ شيء
أخذتْ العزلة مكاناً في نفسي ؛ مُنعت من الزيارات ..
الآن أحيا في سجن انفرادي !
منزل أشبه بمعتقل تجري فيه شتّى أنواع العذاب !
كلّما أردتُ أن أستجمع شتات نفسي ، ألقى من الصدمات ما لا يُطاق .
ماذا بقي لي أن أحيا من أجله ؟ سوى قسوتك تلفني من كل الزوايا ..
والداي جردت العاطفة من نفسيهما فهما يمارسان القسوة ..
وها هي تتبلد مشاعري تجاه أية عاطفة .
لا أعلم هل أندب حظي التعس الذي أفقدني فرصة إكمال تعليمي ،
أم ألوم نفسي التي اُسْتُهين بها ؟
في لحظة خسرت كلّ شيء .
ومضت الأيام بأثقل مما يُقدر .. وتردد خبر ارتباطك بأخرى .
عندها ..
تهاويت فوق مقعد قريب ، مادت الأرض من تحت قدمي ..
لسماعي الخبر فأجهشت ببكاء مرير وابتلعت العلقم مكرهة !
وبعد أيام قلائل عادت أختي الصغرى ، وهي تحمل أوجاعاً وأنيناً يعتصر قلبها.. كانت حاملاً في شهورها الأخيرة .. عندما سمعت مرارتها تبدل مرآتي وعلمت أن الكثيرين يعانون مثلي وربما أكثر .
تحوّل منزلنا إلى جحيم وغطته سحابة معتمة .
لم تكن الأيام كريمة معها .. فقد تركها زوجها مع طفلتها في منزل أبي وابتعد دون أسباب !
واجتاحت حياتها عاصفة مثلما حدث لي ..
ومرت الشهور متثاقلة .. زوج بلا ضمير نسي أن لديه طفلة رضيعة لم يفكر في الاطمئنان عليها .
كثيراً ما كان التفكير يؤرّق مضجعها ، فاقتربت منها للتخفيف عنها ، ولكنها كانت تلزم الصمت .
كان ابتعاد الزوج هو القاسم بيننا ، إلاَّ أنها أوفر حظاً مني فهي تنال من والديَّ معاملة حسنة لم أنل مثلها .
أيامي ثكلى ، وحياتي تتشح بالسواد .. فلم يكن لها معنى بعد أن أغرقتني في هموم أثقل من أن أتحملها .. وتركتني أعاني الويلات !
أفتعل التجلّد أمام الجميع ؛ أمّا بداخلي فإنها أنقاض وأطلال .
المد والجزر يقتسمان حياتي ..
وأنا سفينة متهالكة في عمق محيط ..
وطائر يهوي بلا جناح !
وتسير عجلة وجعي بلا توقف .
احتسى كأس المرار في المعاملة القاسية التي أتجرعها كلّ يوم ،
حُصرت في بوتقة سجني الأبدي
غدوت زوجة مع وقف التنفيذ
فالحرية أمل تلاشى أمام عينيّ
والبقاء في المعتقل سرمدي .
بقوة الجبر والإكراه أُرغمتني أن تأخذ صغاري .
وأعلم يقيناً أن العذاب مصيرهم .. فأنت لست أهلاً لتربيتهم .
لم أصدق عندما حضروا لزيارتي دقائق معدودة وكأني سجينة .. لديها زيارة من أحد أقاربها ، فتهيأت على الفور لملاقاتهم ومر الوقت أسرع من البرق ، صدمتُ عندما رأيتهم كانوا أشبه بالبؤساء المُعدمين ويا لها من غصة ابتلعتها .
ومع هذا تظاهرت بالجلد .
كنتُ طيلة السنوات الماضية أحتضنهم تحت جناحي المتهاوي .
وجئت أنت بكبريائك .. وشموخك وتعنتك ، وحرمتني من رعايتهم كي تقهرني بمسلكك القاسي .
مَن يتحمّل تلك الثقال التي لا تنوء بحملها الجبال ؟
وتسير سفينتي تصارع العباب المضطرب
هل تأملت الضباب الذي أحاط بي ؟ هاك أوجاعي وشجوني .
سفينتي أوشكت على الغرق فالموج يحاصرها . وأنا لا أجيد مقاومة الأعاصير .
لقد هزمتني !
آن أن تنصب رايتك في مكان مرتفع .
وهل بقى المزيد من الآهات والدموع لنبددها ؟
إلى متى نظل نهذي بأوهام وآمال كاذبة ؟
وكما جمعنا اللقاء سيفرقنا لا محالة
ستجدني بقايا إنسان !
أضحيت جسداً بلا نبض .. وعمراً بلا أمل.. ودقات متهالكة
ولا زال ليلي باقياً ؛ يرفض الرحيل
ولا أثر لفجر جديد
وتبقى نداءاتي ثكلى تحت الركام !


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى