الخميس ٣٠ آب (أغسطس) ٢٠٠٧
بقلم محسن الذهبي

نساء فيروز سمير..

هواجس الصمت وهموم المعاصرة

فى الوقت الذى يقل فيه انتاج الفن المميز وينتشر اللعب والابهار دون سند موضوعى لامتلاك مفرادات الوعى الناضج من خلال التجربة للارتقاء بوعى المتلقى الذى تبحث عينه الجادة والواعية من لغة الفن البليغة لتتجاوز بهدوء روحى حيث تتوالد اشكالا من الترابط بين احتياجات المشاهد وتاثير العمل الفنى. لكى يكون العمل الفنى فنا و دون ان يتقوقع او يسجن فى بروج وهمية بل يتوالد ابتكارا يحمل رؤية موضوعية متمكنه من دقة الصياغة والتحكم فى ملائمة الشكل وتطويع الامكانيات اللونية الموحية فى ايصال الفكرة.
ان الفن الجيد هو اشبه بالحب او لنقل الاعتكاف اللحظي مع العمل الفنى.

اسوق هذة المقدمة بعد ان جمعتنى الصدفة وحدها مع مجموعة من اللوحات الفنية معروضة فى قاعة صغيرة. فقد كنت هارب من حرارة الشمس متسكعا فى شوارع الاسكندرية عروس البحر المتوسط لاقف امام بناية استفز عينى عنوانها (( مركزالابداع بالاسكندرية)) فدخلت، وحقا رايت ابداعا.
حيث تعرض اعمال التشكيلية القاهرية (فيروز سمير) الاستاذ المساعد بكلية الفنون الجميلة بالفاهرة وتحت عنوان (الوان)
ما يقارب من عشرين عملا فنيا قاسمها المشترك هو المراة المعاصرة. تاملاتها وهواجسها .. عبر ايقاع متميز من خصوصية فنية ونزعة تاملية اتسمت بشفافية الرؤية، وان اكتنفها شئ من الغموض جعل اعمالها تقترب من تيار الوعى بالتداعى الحر للهواجس والافكار، لتتمركز الفكرة فى اعماق الذات لتصل الى المتلقى-الاخر بشكل متنامى.

هذه الرؤية الغامضة التى تزداد وضوحا كلما زاد التامل، رغم عدم خروجها من الشكل التقليدى فى البناء الفنى فان اشتغالها على وتر الاثارة الهادئة ذهنيا لحث المتلقى على متعة التامل، فجاءت لوحاتها عبر دلالات رمزية موحية لعالم الشخصيات (المرأة) الداخلى بتاثير شعورى يفجر اكثر من سؤال عن حلم هذا الكائن وهواجسه وما يعانيه تحت تاثير ضغط الحياة المعاصرة فى محاولة لفك الرموزالمبهمة فى يومياتها والقاء نقطة من ضوء على هواجس هذا المخلوق الجميل المنكسر التى تزداد معاناته بازدياد الهموم اليومية.

ان نساء (فيروز سمير) ينتمين الى مرحلة عمرية متقاربة، اي من جيل واحد تقريبا. قريبا ما يصل الى منتصف العمر، يحملن سيماء المعاصرة ويقعن تحت تاثيرات ما يتعرض له المجتمع من اشكاليات، يتاملن بصمت... ويصرخن فينا بصمت...، ولا يطرحن حلول بل علامات استفهام كبيرة وكثيرة. ليخرجن من التجسيد الآدمي ليتحولن الى معانى وخواطر، منطلقات الى عوالم علوية محفوفة بنورانية باهتة لكنها موحية ومتوحدة، ينصهرن فى مجاهيل الغياب والهواجس ليعدن جزء من انكسار اجتماعى كبير يحاور ذاته بصمت عبر مكونات الذات التى تمور فى اعماق الشخصيات للبحث عن طريق ما، فى معرفة ما هية المتنافضات ومعاقل الحيرة التى تكسر كل محاولات الطمانينة.

اننا امام لوحات توحى بحوار لا يطغى فيه العقل على الوجدان، ولا العكس، وانما هو حوار قد خلق مع العمل، وانما يرتفع الرمز مع مستوى مساوي فى ارتباطه بالضرورة الحياتية كى تغنى مدلول الرمز.

انها نموزج لرحابة الرؤية واتساع الافق والوعى بايقاع العصر دون اللجوء الى الابهار.
انها وثيقة ادانة، تجسد مدى ارتباط الفنان مما يحيط به من هموم العصر، عبر البحث التشكيلى الجاد والتوازن ما بين التشخيص الانسانى التعبيرى والحس من ناحية، وهندسة البناء الملائم لتشكيل اللوحة مما يتيح ان تصبح - لغة الفن- قادرة على حمل المعنى وبلورته من ناحية اخرى. اذ لا تتوقف عند حدود الانفعال بل تشعرنا بالبعد الثالث المنظورى مثلما نحس بثقل
الامتلاء فى توليف الاشكال الرئيسية المتقصدة لبؤرة العمل الفنى عبر توازن هندسى دقيق، وتلك التنويعات المحسوبة لمناطق القاتم و المضئ فى اللوحة لتخلق نوعا من التماثل الرتيب، مما اعطى بعدا تعبيريا للكامن فى داخل اللوحة، كي يتفاعل فى جدل حيوى مع الحس التلقائى الذى يصنعة الانفعال العاطفى.
والذى يقف وراء رومانسية الاشكال وهدوئها ، وزهد واضح فى التعامل اللونى اذ يشكل اللون الاصفر وتدرجاته باتجاه البرتقالى سمه غالبة لأغلب الاعمال، يشاركها تدريجات الازرق والاحمروالاوكر بضرورة احاطة وازدياد كمية اللون الابيض والاخضر المحيطة بها، مما يجعل الاشكال غارقة فى ضبابية لونية ساكنة، اذ تحاول جاهدة اخفاء بهجة اللون الصريح.
ان اعمال فيروز سعد تثبر فى المتلقي، مشاهد من رحلة يدور فيها البصر فى نهم، تزيده حدة التعبيرية التى تحملها

الاشكال، رغبة فى ان يتمثلها ويحس ويعانى ما تعانيه، عله بذلك يلقى من كاهله بعض ذنوبه،
انها صرخه هادئة امام ما تعانيه المرأة اليوم وحسب.

هواجس الصمت وهموم المعاصرة

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى