السبت ٤ تموز (يوليو) ٢٠٠٩
بقلم عادل الأسطة

نص القدس الشعري

منذ بدأت الاحتفالات بإعلان القدس عاصمة للثقافة العربية أخذنا نقرأ العديد من القصائد التي تدور موضوعاتها حول المدينة (عز الدين المناصرة) في (القدس عاصمة السماء)، و(المتوكل طه) في (القدس .. اسم عاشقة). هذا لا يعني أننا لم نكن، من قبل، نقرأ قصائد كتبت في المدينة أو دراسات أنجزت في القصائد التي كانت القدس موضوعها. فلقد تتبع غير دارس صورة القدس في الشعر العربي والفلسطيني، وفي النثر العربي والفلسطيني (عبد الله الخباص في رسالة دكتوراة، وفاروق مواسي في بحث قصير، وأنا في دراسة، وأحمد حرب في ورقة قدمها لمؤتمر محمود درويش في جامعة بيرزيت، وآخرون أيضاً يمكن متابعة أسمائهم ودراساتهم على (الانترنت) وفي الكتب والأطروحات الجامعية، والحبل على الجرار).

ثمة قصائد كتبها أصحابها وعبروا فيها عن تجاربهم وعلاقاتهم بالمدينة، فقد عاشوا فيها أو زاروها (محمود درويش وعلى الخليلي وفوزي البكري، وإبراهيم قراعين و ... و ... الخ والأسماء كثيرة). وربما شاعت قصيدة محمود درويش وتميم البرغوثي أكثر من شيوع قصائد أخرى. ربما شاعتا بسبب القراءات العديدة التي قدمها هذان؛ درويش وتميم، من على شاشة الفضائيات العربية. هنا نتذكر مقطعاً شعرياً آخر شاع قبل شيوع القصيدتين، مثل شيوعهما أيضاً، وهو مقطع الشاعر العربي العراقي مظفر النواب (القدس عروس عروبتكم). وإذا كان لنا أن نشط قليلاً، ونخرج عن إطار القصائد، فإن أغنية فيروز (زهرة المدائن) ولوحة سليمان منصور (جمل المحامل) كان لهما أيضاً شيوع لافت.

في أثناء قراءة بعض ما كتب هذا العام ثار في ذهني السؤال التالي: هل نحن بحاجة إلى المزيد والمزيد من الكتابة عن المدينة؟ وتلاه سؤال آخر: أنحن بحاجة إلى كم من القصائد أم إلى نوع؟ ومن المؤكد أن كل محبي الشعر ومتذوقيه يفضلون النوع على الكم، وربما لسان حالهم لسان الشاعر الذي قال:

وكم رجل يمر بألف رجل وكم ألف تمر بلا حساب

ولسوف يستبدل محبو الشعر ومتذوقوه كلمة قصيدة بكلمة رجل. سوف يحورون في بيت الشاعر، ليغدو:

وكم قصيدة تعد بألف قصيدة وكم ألف تمر بلا حساب

النوع هو ما يهم، لا الكم، وأظن أنني قرأت مرة كلاماً لأديب عربي قارن فيه بين ما كتبه الإسرائيليون اليهود في المدينة، وما كتبه أدباؤنا فيها، ولاحظ الأديب قلة ما أنجزه أدباؤنا، قياساً لكثرة ما أنجزه أدباؤهم. (انظر: الأيام 2/9/2007، القدس والنص السردي الغائب).

هل نحن، إذاً بحاجة إلى مئات القصائد في موضوع مدينة القدس؟ وهل سنقرأ هذا العام الآلاف أيضاً من القصائد، ذلك أن أكثر الشعراء سيكتبون بهذه المناسبة؟

لا أظن أننا بحاجة إلى هذا الكم ، فنحن بحاجة إلى قصيدة واحدة مميزة ونوعية. والسؤال هو: من الذي سيكتب هذه القصيدة؟ طبعاً لا أحد يدري، فهي ستفرض نفسها، بغض النظر عن كاتبها. حتى اللحظة شاعت قصيدة محمود درويش (في القدس)، وشاعت قصيدة تميم التي تحمل العنوان نفسه، ومن قبل شاع مقطع مظفر النواب(القدس عروس عروبتكم): كما شاعت أغنية فيروز. وربما أثار المرء السؤال التالي: أشاعت هذه القصائد وتلك الأغنية لجماليتها وفنيتها أم أنها شاعت لشيوع أسماء أصحابها، ولجمال صوت فيروز، أم أنها شاعت لأن الفضائيات قدمت خدمة لبعض أصحابها؟ المهم هنا هو إثارة السؤال، فقد تكون الإجابات مختلفة، متنوعة ومتناقضة ومتباينة.

ما ألح على ذهني، وأنا أقرأ قصيدتي عز الدين المناصرة والمتوكل طه هو أن من يريد أن يكتب عن المدينة وفيها عليه أن يكتب حين تلح عليه الكتابة، لا لمناسبة وإنما لشعور يلح على صاحبه، حتى لا تفتعل الكتابة افتعالاً، لأنها حين تكون كذلك، فستكون من ضمن الآلاف التي تمر بلا حساب. وربما نحتاج إلى قصيدة بسيطة سهلة في لغتها ومفرداتها، صادرة عن إحساس صادق وتجربة حقيقية، أكثر مما نحتاج إلى قصائد يكتبها أصحابها لأن هناك مناسبة تتطلب ذلك، أو لكي يظهروا قدرتهم على النظم.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى