الأحد ٢٨ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم وفاء عبد الرازق

نـُقـَطٌ

توطئة:

السمّ والرصاص....

اسمان يحملان الماضي والحاضر، وحتى المستقبل،،هل يمكنني قتل مَن فتح الباب خلسة وأشعل نار الأوراق؟
هل حين ألمس النقط لأضعها على الحروف أقرأ رسالة بعث بين صمت الأقنعة؟
فعلا... إنه سؤال يختصر السمّ و الرصاص.
...
...
....
مُسدَّس..
من السهل أن يصبحا مسدَّساً..
لن تضيف اليهما النقط شيئاً.
في حياتنا...
النقط،، مجرد نقط.
نداري بها عجزنا وهواجس اللغة .

إهداء:

أعرف كيف تنزوي حشودكِ بداخلكِ ،، وفي غيبوبة قلقة تجمعين كل الأشياء المتاحة للوجع وتصبحين وطناً بلا ضجيج.

أروِّض التعب لافتراضاتكِ ، وبين نقطة اللا رجوع و قلب خُنقت أنفاسه...
أكتبكِ.... أخيـَّـتي .. رجاء.
لتبقين نفـْسي ونفـَـسي والنفيس.

*
أحياء يرتجفون بين الواقع والخيال، بين حواسهم الضائعة ودهشة إدراكهم لما يقومون به يوميًا، أتساءل:
هل يمكن أن أدخل بينهم؟

أموات يعبر إليهم القلق وخوف النهوض من القبر، ألعن خوفهم الساحر
أتفهّم سحره، وأتساءل:

هل يمكنني الدخول معهم؟

ليست هذه حقيقة، ولا أكتب عن أشباح، أو أقطف من وقتهم لحظةً أستعيد بها الأمس القريب، بل أجد ركبتيَّ تنثنيان رغماً عنـِّي وتتخذان زاوية مجنونة، ربما هو الجنون الأول أو الدائم،... َمن يدري،، أو رغبة مشروع أوفكرة جعلتني أبتكر أشكالاً جديدة لأبطال قصصي. .
قد أتفق مع أحدهم وأكون ضمن بوح الكلمات واستعذب الحروف التي نـُقـِّـطت والتي دون نقاط...

أيُّ الحروف هذا؟

الراء؟

تحكمتُ به في بدء اختياراتي وأغمضتُ عينيَّ لأتخيَّل شكل القبح ،ربَّما كشفت الهمَّ المغطى في الضلوع ، ربَّما أمضيت به نحو السؤال ،،،،أو أوصلتُني لبريده الأخير..

الإتزان مجرد كذبة في تصفيات حساب الوجع.

أكتب كما أشتهي عرض الوجوه.. لذا جمعتهم على كراسٍ بأرجل ثلاث ....
إنه الزمن الأعرج..

طاولة كبيرة تتوسطة غرفة جلوس تتسع لاثنتي عشرة شخصية، هي مثلهم بثلاث.

المكان غارق بالصمت، وحدي أستمع إليهم وأجنـِّد مخيلتي لاستخراج الأحاديث من صدورهم..
هم جلسوا كل على طريقته..

لنستمع إلى التصاق الأنفاس ببعضها.. كيفما شاءت هي نستمع..

كيفما شئتُ..

أضع حفنة من كتابة.

( الرَّاء والمسدَّس )

لا أحد يستيقظ أبداً،،يحدث لي دائماً ،، حشود حولي،، بل سبع رصاصات ومسدَّس.

مَن أنا الآن؟؟ هل أعرفني؟ هل هذه من خاطرت أمُّها من أجلها؟

هل أنا شعلة ساعة وحشيَّة أم رماد؟

أهو رماد أبي أم أميِّ؟

لا حياة تبدأ إلا من رماد التوحُّش.

بئسكَ أيها الإنسان،، بئسكِ يا" راء"

لا أحد يستيقظ لحظة أن تشهق امرأة وتغمض عينيها كي لا ترى وحشاً يفترس جسدها برائحته النتنة وزبَده العفن.

تستيقظ رصاصة النار الأولى ولا أحد يستيقظ.

الموت ،، وفق مبدأ الرصاصة وسيم وجميل وإن كانت تحت لساني كرة ثلجية. موت رغبتي المكبوتة كأنثى،، فالوحش النتن له ثوان يخور بها كثور ويهدأ نافثا في رحمي سمـَّه.

لا أحد يستيقظ،، لكن أنوثني تصرخ في الليل،، تئن،، تكتوي، تتقلب، تنوح،،وتصمت حين لا ترى أحداً.

أن تعيش بين الـ "لا أحد" رغم كثرتهم،،يكتبك حبر الصبر لتصبح حبراً مثله.

هكذا ابتدأت حياتي بعد أن شعرتُ بقدمي تفقد توازنهما حين تسمَّرت عيني في توديع أشيائي الأولى،، فراشي النقيّ،، ملابسي البسيطة،، العيديات السخيَّة من يد أبي كريم النفس واليد،، نهدة أمِّي وهي تغمض عينيها وتخادع رجفة الوداع في دمعي.

في الشهور الأولى لزواجي قلت لنفسي:

 من حقكِ أن تتخذي من نفسك موقداً ومطفئة...

توقدتُ ،، ذويتُ ،، أطفأتُ جسدي، فتـَّتُ أوراقه على الفراش،، لعقتُ موتي الهادئ ، شممت رائحته، وتعشَّمتُ به كمغيثٍ ساعة انتهاك، لعلـَّه يعطيني يوماً أرتجي به ألاّ يستيقظ جسدي ويكويني بي.

ما أصعب أن يكتوي المرء بذاته، وما أقبح وجه بخيل يخشى الاستحمام كي لاتصل الصابونة نصف الحجم.

خيارات القبح كثيرة ،،من حقي الانتقام منها كامرأة أقرّ قانون الحياة تعذيبها ببخيل ونفس حامضة،،، يكره حتى قلبه حين يخفق لحظة مساعدة لفقير أو محتاج..يده تمتد الى لقمتي ، تختطفها ، إلى محفظتي تسرقها،إلى روحي تهتكها، وإلى الجمرة...... يده العوراء لا تمتد إلى الجمر.
قاموسي لي وحدي وهوالجاهل.

غموسنا اليومي كالعادة،، صنف واحد تنقصه كل مقومات الطهو..

جود الثلاجة بلا جود كصاحبه. اكتفينا بوجبة باذنجان مشوي مراراً، ومراراً بخضار وخبز.

أهبل ،، وخبيث، اجتمعا في بخيل وسخ ...كان هذا اللقاء الأول والمكتوب في عرف الزواج.

يمرّ البخل المعجون في القبح ،،،الأيام تمرّ،، وماكنة الخياطة تحرق عمري.

حصيلة هذا القبح خمسة أطفال..

بعد الخمسة قلت لتلك التي كانت فيَّ:

... تخثـَّري واحمضي،، ثم موتي.

ماتت...
......
....

والقبح بعده حي. بعده المطبخ ،المقلاة، الماكنة، مدرسةالأطفال،الإفطار،الوجبات ،شرب اللبن، وسبعة أسرَّة في السطح..

وقت يكنّ البرد على الأضلاع،، أبرد وحدي،أكنّ وحدي، ووحدي أسمع شخير القبح حين احدودب فيه الكلب..

بعده يحيا ...... ليعوي.... يعوي ثلاث مرات في اليوم،،وأربع مرات أخرى قبل كل صلاة.. خمسٌ ينبحن بعد الصلوات الخمس.. يعوي ،، يعوي.. ينبحن.

..... سبحانك ربي،،أهذا زمن العوي ولا أدري؟

أحياناً يستيقظ ،، من أجبرتـُه ليتعقـَّـل، فقد شاب فيه الرأس،،الا تكفيه مقلاة الأيـَّام ليكبر ويصمت؟؟

شاخت أشجار حديقتنا كما عروقي بكفـِّي،،ولوني اصفـرَّ كشجرة الليمون في بيت الجيران. .. حتى الجار لم يسلم من عوي القبح،، ظل ينبح على الجارة " أم سامح" ..كيف تدخل علينا وبيدها صحن مملوء بالتفاح!

هذا يعني علينا ملأه حين نعيده إليها.

الماكنة تستيقظ ليلا وتخيّطني على الأثواب،، والليل قبيح هوالآخر.

ستُّ رصاصات في البيت ، سأختار كما اختار الله.

في الأولى ... ذويَت أنثى. ياااااااااااه آه على تلك الأنثى ،، حين بسملت القابلة بوجهها وجرتها نحو الحياة ،،أيقظت إبليس الدنيا ليتواطأ مع الأيَّام والقابلة لا تدري... قالت:

إنها زهرة تمتصّ الإبهام .... تريد بهذا القول أن تضع نقطة البسملة،، لا تدري بأن الراء بلا نقطة.

في الثانية ..... سؤال: هل شعر الفرَّان بطعم العرَق المرّ وهو يقدم طبق الخبز؟

خبزتُ نفسي ليأكل أولادي ،،أربعة قمصان أخيطها وأرقـّعها كل عام لباقي الأعوام لأولادي الذكور، البنت وحدها فازت بما يخصها هي.

بنتي الصغرى،، امرأة دافئة فمها قطعة حلوى لا تنطق،، فمها يذيب لسانها ،، الأنثى تـُثلج الشفة واللسان والعين وتخرس.... كم هومقدّس هذا السمّ... تعوَّدنا شربه...

لا تستيقظ حواس الأنثى،،لا يبهجها ما يبهج باقي الناس،، لا تعطيها الملعقة عسل اللحظة..

اللحظة هي الأخرى رعناء،، الرعناء لا تعرف معنى الراء، ، ذلك لان النون توسطت حروفها بنقطة.

الشرف نقطة،، إن طاحت طاح،، وإن عرق جبين سالت.

جبين يعرق؟؟

الثالثة...... تلتها أربع فتـَّاكات.

لا رابعة تحكي... أحكي عنها وأدلكم على مكانها في الجانب الايسر من الصدر.. حبر أحمر أكتبه،، يكتبني ساعات،،ويحكي وحده،، مثلي وحده.
كل شيء ينمو في البيت وأنا والكرسي نشيخ.. لا أشعر بشيء ينتسب إلي

بالضبط.. بالضبط ينتسب إلي ،، يلتصق بي ،،أضع رأسي في حضنه أفوِّض أمري له... ممنونة للدمع يريحيني منـِّي أحياناً..
خامس رصاصة لها الحقّ أن تهذي:

عين عسلية لم تذق نظرة العسل.

فمٌ سكنت فيه الأشياء،، كل الأشياء بسكون ربع قرن.

النوارس تسافر إلى فضائها بينما أصغر أولادي خارج الدار لايملك غير أحلام المسافرين.. أقصته عتبة دارنا المكسورة.
لها الحق الراء... بمسدسها أطلقت آخر رصاصة.

لم يبق غير المسبحة... وميعاد الموت..

الشبيهة لي لا تستيقظ من غيبوبتها ،، هي لعبة والعائلة تهوى لعب الأم ..كم أتعبتُ الصبر وأحنيتُ ظهره.
أتزنتُ بين فقدانين...يااااااااااااه .

وتحمـَّـلتني أيها الصبر؟

روَّضتك لتصير صاحبي الأوحد وتبقى وحدك.. جرب يوما تبقى وحدك.. وحدك بلا نقطة.. الراء ماء..بلا نقطة.

سبحان الله وبحمده نموت ونحيا.

آه يا راء الكرسي الأول..

لها الحق الآه تعشق وجه الراء.

أيهما مصبوغ بالآخر؟

؟
؟
.
.
نقطة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى