الثلاثاء ٧ أيار (مايو) ٢٠١٣
بقلم محمد جمال صقر

نَظَرِيَّةُ النَّصِّيَّةِ الْعَرُوضِيَّةِ: قَانُونُ الْفَصْلِ

لا بد للقصيدة المُتْقَنَة من أن تشتمل على فصول مُتَفاصِلَة مُتَوَاصِلَة، يعبر كلٌّ منها عن أحد عناصر مركب رسالتها التي أرسلها طالب الشعر، تعبيرا يستقل به في نفسه ويشارك غيره. وتلك هي صفة البُنْيانيَّة التي يتصف بها كُلُّ عمل مُتْقَن يعمله الإنسان، فيخرج مطبوعا بطابع بنيانه الإنساني نفسه، ذي الأجهزة المتفاصلة باختصاص كل منها بعمله، المتواصلة بتكامل هذه الأعمال.
وعناصر مركب هذه الرسالة ثلاثة أنواع:

1 مُشْكِلَة (مُعْضِلَة، أو مُصيبة)، هي لُبُّ المُرَكَّب، تُلِمُّ بطالب الشعر في أثناء دَنْدَنَتِه، فيَحْتَفِز بها، وينْشَط لها، على حين يظل الناس مختلفين فيها.

2 دَعْوى (رَأْي، أو فَيْصل)، هي شِعارُ لُبِّ المُرَكَّب (الشِّعار ما وَلِيَ الجِسْمَ من الملابس)، يُفْلِتُ فيها طالبُ الشعر من ضيق الأَزْمَة إلى سعة الفَرَج، بما تُفَتِّقُه حيلتُه.

3 دَليل (حُجَّة، أو بُرْهان)، هو دِثارُ لُبِّ المُرَكَّب (الدِّثار ما وَلِيَ الشِّعارَ من الملابس)، يرى فيه طالب الشعر مِثالًا صادق التَّمَثُّل والامْتِثال، بما يُفَتِّقُه نِظامُ حياته.

ولا ريب في تكامل هذه الأنواع الثلاثة بحيث يحتاج إليها جميعا معا مركب رسالة كل قصيدة مُتْقَنَة؛ ومن ثم كان في ضبط طول القصيدة المتوسطة بخمسة عشر بيتا كما سبق في قانون الطول- ما يكافئ ثلاثة الأنواع المطلوبة بثلاثة فصول مُخَمَّسة، وما خرج عن هذا الطول فتفاوتت فيه أبيات الفصول، فقد تفاوتت فيه عند طالب الشعر مظاهرُ الأنواع الثلاثة أنفسها ومَآثرُها، ووجب على طالب علم الشعر أن يراعي هذا التفاوت بذاك.

يَسْتَقِلُّ التعبير عن المشكلة بفصل من القصيدة، والتعبير عن الدعوى بفصل ثان، والتعبير عن الدليل بفصل ثالث، ويتكفل اشتراكها في تكوين مركب الرسالة باتصالها في أثناء استقلالها. ثم لا يخرج ترتيب بعضها من بعض عن يكون على وَفق أحد هذه الأنماط الستة: [1=ش (مشكلة)، ع (دعوى)، ل (دليل)]، [2=ش، ل، ع]، [3=ع، ش، ل]، [4=ع، ل، ش]، [5=ل، ش، ع]، [6=ل، ع، ش]، وهي ستة أساليب يرتاح منها طالب الشعر إلى ما شاء، ويَطَّلِع بها طالب علم الشعر عندئذ على حركة تفكيره الشعري!

ولكن قد يتعدد في مركب رسالة القصيدة، عنصرُ أحد الأنواع (المشكلة، أو الدعوى، أو الدليل)، تعبيرا عن مظاهر ومآثر أخرى من مظاهره ومآثره؛ فيزداد فصلًا على فصله، وربما جَارَ عندئذ على غيره، فلم يترك له موضعا من مُرَكَّب الرسالة، ولا يخلو ذلك من أثر مواهب طالب الشعر التليدة ومكاسبه الطريفة، وليس أكبر عِنايةً بالاسْتِشْكَال من ذوي العقول المُتَفَكِّرة، ولا أكبر عِنايةً بالادِّعَاء من ذوي الأرواح المُتَرَفِّعَة، ولا أكبر عِنايةً بالاسْتِدْلال من ذوي الأنفس المُتَشَهِّيَة. وكما تميل كلُّ طبيعة إلى ما يناسبها، تميل إذا كان معه غيرُه إلى تقديمه عليه.

أَلَا ما أَهَمَّ تَفْصيلَ فصول القصيدة، وما أَدَقَّه، وما أَنْفَعَه ما لم تكن هذه القصيدةُ نفسُها بعضَ فصول قصيدةٍ، لا قصيدةً كاملةً! إن طالب علم الشعر أَحْوَجُ قَبْلَ تفصيل هذه الفصول، إلى تحقيق وُجُود القصيدة نفسها؛ فربما اعتمد فيها دون دواوين الشعراء، على كتب المختارات وما أشبهها، التي يقتصر مختار القصيدة فيها أحيانا على بعضها دون بعض، حتى إذا ما استفرغ طالبُ علم الشعر في تفصيل فصولها وُسْعَه، نَقَضَ عليه عَمَلَه أحدُ المُحقِّقين المُتربِّصين!

على حركة فصول قصائد الشعر اسْتِشْكَاليَّةً وادِّعائيَّةً واسْتِدْلاليَّةً، ينبسطُ سلطانُ قانون الفَصْلِ، ويراعيه وُجودًا وعَدَمًا طالبُ علم الشعر، لأن طالب الشعر يخضع له عَفْوًا وقَصْدًا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى