الاثنين ٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٥
بقلم محمد زكريا توفيق

هيكوبا - ليوريبيديس

بعد الحرب والنصر وانخفاض وتيرة العنف، بدأت قوى الشر من طمع وانتقام وظلم، تطل برؤوسها القبيحة على السطح. تراجيديا هيكوبا ليوروبيدس، تبين لنا ويلات ومآسي الحروب.

لقد هَزم الإغريق الطرواديين هزيمة كاملة بعد حصار دام عشر سنوات. دُمر جيشهم ومدينتهم عن آخرها. هيكوبا، ملكة طروادة، عاشت ويلات الحرب هذه، لكي تجني فقط المزيد من الأسى والويلات.

تم التضحية بابنتها الحبيبة، بوليكسينا، قربانا على قبر أخيل، البطل الإغريقي الذي قتل هيكتور، قائد جيش طروادة والابن الأكبر لهيكوبا. ابنها الأصغر، تم تهريبه إلى تراقيا لدواعي الأمن. لكنه لم يسلم من المؤامرات، هو أو الثروة التي كانت معه.

استطاعة الملكة هيكوبا رغم هذه الأحداث الجسام الحفاظ على ثباتها وعقلها. التراجيديا بها شخصيات كثيرة، لعبت أدوارا هامة في ملحمة الإليازة والأوديسة لهومير.

يمكننا مقارنة أحداث هذه التراجيديا الخاصة بهزيمة طروادة بتراجيديا أخرى لنفس المؤلف بعنوان "نساء طروادة".

شخصيات المسرحية:
أجاممنون، ملك وقائد جيش الإغريق
أوديس، قائد بجيش الإغريق
تالثيبيوس، رسول
بوليميستور، ملك تراقيا
هيكوبا، ملكة طروادة
روح بوليدوروس، ابن هيكوبا الميت
بوليكسينا، ابنة هيكوبا
خادم
رئيسة الكورس
الكورس
جنود

المسرحية بأسلوب مبسط

روح بوليدوروس: أنا روح بوليدوروس، ابن هيكوبا وابن بريام، ملك طروادة. عندما خشي والدي من سقوط طروادة في يد الإغريق، أرسلني بعيدا لكي يحافظ على حياتي. أرسل معي مبلغا كبيرا من النقود الذهبية لزوم الإقامة والحياة الكريمة في المنفى.

أوكل والدي أمري إلى صديقه المخلص، بوليميستور، ملك تراقيا. ولكن بمجرد سقوط طروادة، ظهر بوليميستور على حقيقته وبانت أطماعه. بوليميستور، الصديق الوفي لوالدي، لم يتردد في قتلي وسرقة نقودي.

بحثت روحي عن هيكوبا أمي. اليوم، يا أمي المسكينة، لن تجدي فقط جثماني ملقى على الشاطئ، بل سوف تشاهدين حتف ابنتك وأختي، بوليكسينا، وقتلها غدرا.

سأذهب الآن، لأنني أرى أمي قادمة وهي لاتزال ترتجف فرقا لرؤيتي في المنام. (تدخل هيكوبا وهي ترتجف وتسقط على الأرض) يا أمي المسكينة، يا ملكة طروادة السابقة، يا أمي المسكينة. لم يبق لك سوى العبودية. العبودية لنفس كريمة مليئة بالعزة والكبرياء.
(تغادر روح بوليدوروس المسرح)

هيكوبا: إنني ضعيفة، لم أعد أقوى على الوقوف. يا نساء طروادة، ساعدنني. يا قبس زيوس، أي رؤى ترسلها لي؟ لقد رأيت روح المجد والفخار، روح ابني بوليدوروس بعد قتله. والآن، ستموت ابنتي بوليكسينا هي الأخرى. إن قلبي يرتجف من الخوف بسبب هذه الرؤى المرعبة. يا إلهي زيوس، انقذ ابنائي.
(تدخل بنات الكورس)

الكورس: لقد أتيناك في عجالة، يا هيكوبا.

قائدة الكورس: لدينا أخبارا نخشى أن تدمي قلبك.

الكورس: ليس لدينا القدرة على تخفيف آلامك.

قائدة الكورس: لقد أصدر الإغريق حكمهم. ابنتك، بوليكسينا، سيتم التضحية بها. أجاممنون، قائد جيش الإغريق، تكلم نيابة عنك.

الكورس: لكن أوديس صوت بالرفض.

قائدة الكورس: سيأتي أوديس هنا لكي يأخذ بوليكسينا من بين ذراعيك.

الكورس: هيكوبا، انهضي واذهبي إلى أجاممنون. توسلي إليه واشرحي حالتك. فإنه سيصغي إليك. اركعي تحت قدميه.

قائدة الكورس: توجهي بالدعاء للآلهة.

الكورس: انهضي، هيكوبا، انهضي.

هيكوبا: لقد فقدت أطفالي وبيتي، وقتل زوجي ودمرت مدينتي. فما عساي أن أفعل؟ وما أستطيع قوله؟

الكورس: انهضي هيكوبا!

هيكوبا: يا نساء طروادة، انتن رسل الشر. ما تحملن من أنباء، تحطمني.
(تدخل بوليكسينا) لدى أمك أسوأ الأنباء يا ابنتي بوليكسينا.

بوليكسينا: أنا لست خائفة، يا أمي. أخبريني بالحقيقة.

هيكوبيا: لقد حكم الإغريق عليك بالموت.

بوليكسينا: آه يا أمي يا مسكينة. كم من الآلام يمكنك أن تتحملين في حياتك؟ أنت التي أشفق عليك. أنا أبكي فقط من أجلك، لا من أجلي. ما نعانيه من آلام كلانا، يجعل الموت لنا راحة وسعادة.

الكورس: انظري هيكوبا. ها هو أوديس قادما.
(يدخل أوديس ومعه الحرس)

أوديس: هيكوبا، لقد حكم الإغريق على ابنتك، بوليكسينا، بالموت قربانا لذكرى أخيل، بطلنا الذي قتل في الحرب. تقبلي هذا الأمر بثبات وبدون معارضة. لأنك لا تستطيعين قول أو فعل أي شئ يمكنه أن يغير ما قد عقدنا الأمر عليه.

هيكوبا: يا آلهتي، لماذا أنا لازلت على قيد الحياة؟ وهل هناك نهاية لآلامي هذه؟ لم يبقني إلهي زيوس على قيد الحياة؟ أوديس، أنا أعرف أنني فقدت حريتي وأصبحت الآن جارية، لكنني أود أن أسألك سؤالا واحدا باختصار؟

أوديس: سؤال واحد باختصار، نعم.

هيكوبا: حاول أن تتذكر أوديس، وارجع بذاكرتك إلى الوراء. تذكر عندما ركعت يوما تحت قدمي طالبا انقاذ حياتك. لقد كنت حينذاك ملكة، رحمتك وقامت بالعفو عنك. هل تتذكر ذلك؟

أوديس: نعم، أتذكر هذا الحدث.

هيكوبا: لقد أنقذت حياتك وأعطيتك حريتك. هل تتذكر؟

أوديس: أنت السبب في بقائي الآن حيا.

هيكوبا: وأنا الآن أركع تحت قدميك. أستجدي الرحمة منك. دع بوليكسينا، ابنتي، تعيش. فهي راحتي وهنائي. هي عصاي التي أتوكأ عليها في سنواتي الأخيرة. هي كل ما لدي الآن بعد فقدي لكل شئ. لقد كنت ملكة ذات يوم لديها كل شئ. وأصبحت أنا الآن لاشيئا. لم أعد أستحق سوى الشفقة. أوديس، بين لي الرحمة. اقنع الإغريق بأن ما يفعلونه هو الخطأ بعينه.

الكورس: أصنت إلى صرخة أم كسيرة القلب يا أوديس. فلا يوجد رجل بهذه القسوة.

أوديس: هيكوبا، لقد طمست الحقيقة بأحزانك. فأنا لست عدوك. وتذكري أنك مدينة لي بحياتك، لا حياة ابنتك. أخيل، بطلنا الذي قتل أثناء الحرب، يستحق أعلا مراتب الفخار. ابنتك بوليكسينا، تم اختيارها لكي نضحي بها على قبر أخيل تخليدا لذكراه. لقد أعطيت كلمتي بالموافقة على ذلك.

هيكوبا: أعرف أنني أكلم نفسي أو أزعق في الفضاء. بوليكسينا، إرجوه. إركعي تحت قدميه راجية انقاذ حياتك.

بوليكسينا: لا، لن أرجوه انقاذ حياتي. ولن أطلب من زيوس المساعدة. لقد كنت يوما أميرة ابنة ملك عظيم. أنا الآن جارية وضيعة. بعيناي اللتان لازالتا حرتين، أرفض ضوء النهار وأهب نفسي للموت. خذني أوديس، وقدني إلى حيث شئت. فلم يعد لدي ما يستحق أن أعيش لأجله. وأنت يا أمي العزيزة، ساعديني على الموت الكريم، الموت النبيل. إنني أفضل الموت على الحياة بهذه الصورة.

الكورس: بوليكسينا هي حقا من أصل نبيل. في كلماتها العظمة والكبرياء.

هيكوبا: نعم، أنا فخورة بك يا ابنتي. ولكن لايزال الكرب معششا في قلبي. أوديس، خذني بدلا منها. اقتلني يا أوديس، وانقذها. أنا عجوز، وهي لازالت في ريعان شبابها.

أوديس: روح أخيل تطلب بوليكسينا، لا أنت أيتها العجوز.

هيكوبا: اقتلنا نحن الاثنين معا.

أوديس: ضحية واحدة كفاية.

هيكوبا: سألتصق بابنتي كما تلتصق نباتات اللبلاب بشجر البلوط.

أوديس: تمالكي نفسك أيتها المرأة العجوز.

هيكوبا: لن أدعها تموت أبدا.

أوديس: كلماتك عنيفة أيتها العجوز. كنت أعتقد أنني أنا السيد هنا وأنت مجرد جارية.

بوليكسينا: كن رؤوفا بأمي، يا أوديس. أمي، لا تجادلي من هم أقوى منك. أمي، أعطني يديك كي أقبلهما لآخر مرة. الآن أشاهد ضوء الشمس للمرة الأخيرة. وداعا يا أمي. ما هي رسالتك إلى أبي وإخوتي؟

هيكوبا: أخبريهم بأنني ملكة الأحزان.

بوليكسينا: خذني أوديس قبل أن يتمزق قلب أمي أكثر من ذلك.

(يوشح أوديس بوليكسينا بالسواد، ويقودها إلى الخارج)

هيكوبا: بوليكسينا، بوليكسينا، لا! آه أيتها الآلهة، انظروا إلى حالي وابكوا.

الكورس: يا رياح المحيطات، إلى أين تعصفين بنا؟ لقد آلت مدينتنا إلى جمر ورماد ودخان. أصبحت أرضا بلقعا خربا بعد الحرب. ونحن الآن جواري وسرايا، حالما نتفرق إلى بلاد غريبة بعيدة.

رئيسة الكورس: انظرن. ها هو تالثيبيوس.
(يدخل تالثيبيوس)

تالثيبيوس: يا نساء طروادة، أين يمكنني أن أجد هيكوبيا، ملكتكن؟

الكورس: هنا، غارقة في الدموع، تدفن رأسها في التراب.

تاليثيبيوس: هذا غير ممكن. هيكوبا ملكة طروادة؟ هيكوبا تدفن رأسها الشامخة في التراب؟ انهضي هيكوبا. ارفعي رأسك عاليا وانظري إلى السماء.

هيكوبا: لماذا تقلق أحزاني؟ من أنت؟

تاليثيبيوس: اسمي تاليثيبيوس، رسول الإغريق. لدي رسالة لك من الملك أجاممنون.

هيكوبا: الخبر الوحيد الذي أود سماعه هو أن يحكم الإغريق علي بالموت. أي خبر خلاف ذلك، لا يهمني.

تاليثيبيوس: ما أحمله من أخبار، هو موت بوليكسينا.

هيكوبا: آه، يا ابنتي بوليكسينا يا مسكينة.

تاليثيبيوس: لقد بكيت عندما قتلت ابنتك، وها أنا أبكي ثانية وأنا أخبرك بموتها. عندما كان ابن أخيل يصلي لروح والده ويحضر بوليكسينا للموت، أظهرت ابنتك شجاعة ونبلا نادرا. مما جعل جيش الإغريق بكامله يصرخون منشدين: "اطلقوا سراحها، اطلقوا سراحها"

لكن بوليكسينا ردت قائلة: "لا، هذا هو عنقي. لا تترددوا في بتره" لقد تمزق جيش الإغريق بين الرحمة والواجب. لقد ترددوا، ولكن فعلها بسيفه الذهبي. بينما وقف بقية الجيش وكأن على رؤوسهم الطير. ثم قاموا بتغطية جسدها بأوراق الشجر باحترام بالغ. أنت محظوظة يا هيكوبا، لأن لك ابنة بمثل هذا النبل.

الكورس: الكوارث تهبط علينا من السماء.

تاليثيبيوس: الآن ستعرفين كل شئ يا هيكوبا.

هيكوبا: لم يبق شئ لي. ذهب كل شئ، كل شئ. (يخرج تالثيبيوس) آه يا ابنتي يا مسكينة. لن أنسى موتك بهذه الطريقة. لا أستطيع أن أكف عن البكاء. إنني أهيم بالأحزان. (تخرج هيكوبا)

الكورس: يحيق بنا ما هو أسوأ من الحزن. الحرب وخراب الديار. الأمهات تبكين أولادهن وبناتهن.
(يدخل خادم)

الخادم: أين هيكوبا؟ أين الملكة؟

الكورس: أي أخبار سيئة تلقيها في طريقها؟ وهل لأحزانها من نهاية؟
(يدخل مجموعة من الخدم يحملون جثمان بوليدوروس ملفوفا بالكفن)

الخادم: لا يمكنني الكلام برقة عن هذه الأحزان.

الكورس: ها هي هيكوبا قادمة. (تدخل هيكوبا)

الخادم: المزيد من الأحزان لقلبك وعينيك، يا مليكتي.

هيكوبا: لماذا أحضرتم جثمان ابنتي هنا؟ اعتقدت أن الإغريق ستدفنها دفنا كريما يليق بها.

الكورس: مسكينة هيكوبا. تعتقد أن هذا هو جثمان ابنتها.

الخادم: هذا هو جثمان ابنك بوليدوروس.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى