الخميس ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٥
حدثَ في الجامعةِ
بقلم مي خالد

وطن من رائحة الطابون

في مدينة بعيدة، حيث لا يُسمع صوتُ مؤذن الحرم المكيّ إلا عبر الأقمار الصناعية!

في مدينة جُدّة* الميناء الرسمي لحجّاج البحر الأحمر ، ولكل من يمم قلبه شطر الكعبة ،وفي الجامعة بالذات ،في المبنى الخامس المخصص لكلية الآداب غرفة 508 وفي تمام التاسعة صباحًا،وقفتْ "ميّ " خلف طاولة رفيعة كما لو كانت معدَّة لمايسترو مجهول، وقد فرشت أوراقًاً كثيرةً أمامها،
طبعًا هذه الأوراق ليست نوتةً موسيقية ، لكنها لم تخلُ من الموسيقى بشكلٍ أو بآخر!

وعلى السبورة البيضاء التي تشكل خلفية المشهد أُلصقت صور بأحجام مختلفة : لحنظلة / لناجي العلي ، لغسان كنفاني،لمحمود درويش ،وللمدهش مهند صلاحات!

جيش كامل من الإبداع الفلسطيني الخالد رغم أنف صهيون!
كانت "ميّ " تخصّ نفسها بالكلام : (هؤلاء أعضاء فرقتي،سأدخل للحدود الفلسطينية هذا الصباح،ولن يطلب أحد مني إبراز جواز سفري)!

..
..
..

سنعزف أوركسترا الخلود،ونُشّرع نوافذنا على وطن من زهور البرتقال ، ورائحة الخبز الطازج حيث طابون** أمْ مهند صلاحات الذي يعيش (وابتسمتْ) في قُنِ الدَّجاجات المتمردات (هكذا قالت مي ّ لزميلاتها الطالبات بقسم اللُّغة العربية،في محاضرة فلسطينية صرفة... بينما كانت تحكم عقد الكوفية حول عنقها دفعًا للبرد ، وجلبًا لفلسطين)!
..
..
..

كان مهند صلاحات كرنفالاً مدهشًا في تنوعه الأخاذ من القصة إلى القصيدة إلى مقالات عن حقوق المرأة،ورسائل عجيبة إلى ملكة النحل!
تنهدت ميّ : (أخيرًا مهند صلاحات هنا)!!

بعد أن طاردته ليالٍ طويلة في أكواب الشاي وفناجين القهوة وعلى شبكة الانترنت!
..
..
..

قالت له مرةً: كُن أستاذي؟
فقال: لنكن تلميذين!
كانت تعرف أنّ برتقال فلسطين يجري في عروقه، هؤلاء المناضلون الرائعون ليسوا أساتذةً لأحد..
إنهم أنبياء!
قالت: كُن نبيًّا إذن!
قال: موافق على أن تكون فلسطين رسالتي !
قالت: أنا أوَّل المؤمنين ، كما فعلتْ خديجة***!
هكذا صارت ميّ اثنا عشر حوارية،وكل الأسباط دفعةً واحدة!
ميّ شعبٌ نسائيٌ قانت!
معلمة لا تعلم في فصولها إلا قراءة القرآن، والشعر الفلسطيني فقط!
.
.
.
هل أخبرتكم أنّ التلميذة الخائبة ميّ حصلت على العلامة النهائية بعد أن ألقت دكتورة الأدب
تحية للصمود الفلسطيني وللإبداع اليعربي ولأم مهند صلاحات ، بينما مازجت دموعها دموع الطالبات!
..
..
..
هل تسمعون صوت موسيقى؟
أنا أسمع!
 
19شوال

هوامش


* جُدّة هكذا تلفظ بضم الجيم وليس بالكسرة كما نفعل!
شرحها حمد الجاسر ،وعبد القدوس الأنصاري رحمهما الله.

** الطابون: في اللهجة الفلسطينية هو فرن صغير يدوي الصنع، يُصنع من الطين، يكون في داخل الأرض ويتم إدخال العجين له من فوق، وله أيضاً غطاء مصنوع من الطين ، ويوضع فوقه وحوله النار ليصنع الخبز على الطريقة الفلسطينية أيضاً.

*** خديجة: إنْ شئت جعلتها أم المؤمنين
أو فجعلها قصيدة الشاعر السعودي الكبير: محمد جبر الحربي الخالدة حيث جاء فيها:
..
..
..
جاءت فتاة الليل من صبح الهواء فأسفرتْ
دخلت على الأطفال موالا ً، ومالت للحديث فأزهرتْ
قرأت كتاب الله وانتثرت على الكلمات دفئا ً أسمرا
قمراً على وجع القمرْ.
دمعتْ . . . مشتْ
مشت الدروب على خطاها واكتفتْ
بالصمت حين تحدثتْ :
اللوح أسود
فاستروا عري البلاد وسوأة المدن اللقيطة
واحتموا بوجوهكم
وتبينوا أن جاءكم نبأُ
..
..
.. ا هـ


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى