السبت ٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩
بقلم زياد يوسف صيدم

ومضات رمضانية

يهرول الناس بعد صلاة العشاء والتراويح إلى بيوتهم ..كل يحاول إنهاء أشغاله للتفرغ لمشاهدة مسلسل باب الحارة في جزءه الرابع.. لفت انتباههم ذاك النفق الذي منه يُدخِلون التموين، ومستلزمات الحياة الأساسية لحارة الضبع المحاصرة.. يربطونه بأنفاق غزة وان كان العدد لا يقارن، فذاك نفق وحيد، وهذه مئات الأنفاق.. يقهقه رجل في السبعين من عمره، رافعا عكازه ملوحا به على امتداد ذراعه المتصلب بقوة غريبة في تلك اللحظات، قائلا جملة من كلمتين _ براو عليهم – وكلمة براو متداولة عند الجيل القديم خاصة، وهى مأخوذة من الكلمة اللاتينية برافو بمعنى شاطر.. يتحولق الجميع من كل الفئات والأعمار حول الشاشة الصغيرة، مشدودة أعصابهم تكاد لا ترمش جفونهم وخاصة أولائك الفتية حيث تزيدهم حماسة اشتراك شباب من فلسطين في تضامن عفوي مع المحاصرين داخل حارة الضبع، ودورهم الرئيسي في اكتشاف مناطق تسلل قوات الدرك الفرنسية إلى داخل الحارة.. وإجهاض المحاولة واسر الفرقة المهاجمة ...

أمس كُنت جالسا مع مجموعة من الأصدقاء الجيران أمام محل لأحد أفراد المجموعة وقد أضاء بمولد صغير بعضا من لمبات الإنارة لانقطاع الكهرباء في تلك الليلة الرمضانية والتي منعت معظم الناس في تلك المنطقة من مشاهدة أحداث المسلسل.. قال احد الأصدقاء: بأنه للعام الرابع على التوالي يصار إلى منع للتجوال بشكل تلقائي، واستنفار عام في بيته.. تململ أبو على كمن لا يعجبه الوضع، وكأنه غير مبالي من الحديث .. سأله أبو احمد: يا أبو على هل نفهم من حديثك بأنك لا تشاهد المسلسل .. أجاب : بلا أشاهده ..!! فضحك الإخوة باستغراب .. قال: لكن الأمر لا يدعوني إلى إعلان حالة استنفار كما تتحدثون .. قفز احدهم وبادره سريعا القول: لكنك تشاهده فصمت ولم يجب فانطلقت قهقهات من أفواه الجميع دون استثناء..

أبو احمد: خطرت الآن على بالى فكرة ؟ يشرفني أن تكونوا معزومين الليلة عندي، حيث سأقدم لكم القطائف بحشوه مميزة قمت بتجهيزها وهى خاصة .. فانبرى أبو على بالقول: يعنى شو خاصة يا أبو احمد ؟! سنزورك جميعنا الليلة على العاشرة وبعدها نحكم بالأمر.. انفض الجمع كل إلى حال سبيله.. في تمام العاشرة كانوا جميعا يقرعون جرس منزل أبو احمد.. رحب بهم وأجلسهم في منطقة مفتوحة في حديقة المنزل والبعيدة عن حرارة ورطوبة أجواء البيت الداخلية حيث لمس الجميع هنا الهواء المنعش ورائحة الشجر وبعض روائح الأزهار.. لحظات وإذ بصينية من القطائف قد وصلت، ومعها إبريق من الشاي بالنعناع، يضعها أبو احمد أمام الضيوف، كان بريقا في عينيه قد بدا واضحا للجميع ..كانت علامات الفرح والثقة متجلية على تقاسيم وجهه.. بدأ الجميع في تذوقها.. وما أن تنتهي واحدة في أيديهم حتى يلتقطون ثانية، مصدرين همهمات الرضي والإعجاب والانبهار بمذاقها الفريد وبخصوصيتها.. من بين الجميع نطق أبو على وهو بالمناسبة يسمونه الثرثار: هذه قطائف من أروع ما أكلت.. إنها باللوز وجوز الهند وعين الجمل والزبيب والقرفة وجوز الطيب فانا تذوقتها وحزرت مكوناتها أليس كذلك يا أبا احمد؟ تساءل كمن له خبرة ودراية .. وما تزال الحبة الثالثة في يده.. نعم لقد حزرت يا أبا على أجابه أبو احمد مبتسما..ثم دارت أكواب الشاي بالنعناع مباشرة بعد انتهائهم من أكل القطائف المميزة حيث همس كل واحد إلى الأخر بهذا ، حتى أن الثرثار قال: ابصم بالعشرة الآن.. استأذنوا لاحقا بالخروج من أبو أحمد فحياهم وشكرهم على تلبية دعوته، ورافقهم إلى بوابة البيت .. كانت الابتسامة والإعجاب بادية على وجوههم .. في تلك اللحظات بينما كان أبو احمد في طريق دخوله لبيته، كان يشكر الله على نعمته وفضله مكررا القول الدارج: رمضان كريم.. اللهم أدمها نعمة وأحفظها من الزوال.

إلى اللقاء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى