السبت ١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٧
بقلم جميل حمداوي

أدب الأطفال في المغرب بين الكائن والممكن

تمهيد:

يقصد بأدب الطفل ذلك المنتوج الإبداعي الذي يتمظهر في عدة أجناس أدبية وفنية وجمالية، ويضم الأنواع النثرية والشعرية والأنماط السردية والغنائية والدرامية. وأدب الطفل هو ذلك التخصص الذي يتمحور حول الطفل ويجعله محورا ومادة للدراسة والإبداع والتخييل والتشخيص والتصوير. وهذا الأدب قد يكتبه الطفل للطفل أو يكتبه الكبار للطفل وقد يكتبه الطفل للكبار.

وقد عرف أدب الطفل في المغرب تعثرا ملحوظا وتراجعا كبيرا سواء على المستوى التراكم أو على مستوى الكيف، وذلك لعدة عوامل ذاتية وموضوعية. إذاً، ماهو واقع أدب الطفل في المغرب؟ وما هي مواصفات هذا الأدب كما وكيفا؟ وما هي خصائص كتابة أدب الطفل صياغة ودلالة ومقصدية؟ وما هي الجهات المسؤولة عن تردي أدب الطفل في المغرب؟ وما هي الحلول الممكنة للخروج من هذه المآزق والتعثرات السلبية؟

1- واقع أدب الطفل في المغرب كما وكيفا:

أ‌- المســــرح:

من المعروف أن مسرح الطفل أعم من المسرح المدرسي وقد يلتبس به أحيانا. فالمسرح المدرسي مرتبط بفضاء المؤسسة التربوية التي تتمثل في الأرواض والمدارس الابتدائية والإعدادية والمدارس الحرة والخاصة. ويعني هذا أن المسرح المدرسي يمارس داخل الفصل الدراسي أو في قاعات العروض التي توجد داخل المؤسسة التعليمية، ويشرف عليه أساتذة ومدرسون ومربون ويراعون في ذلك خصوصيات التلميذ ومبادئ التربية الحديثة ومستجدات علم النفس أونظريات السيكولوجيا الحديثة.

أما مسرح الطفل فهو في دلالاته مسرح عام يتجاوز فضاء المؤسسة إلى فضاءات خارجية تربوية وغير تربوية يشارك فيه الصغار إلى جانب الكبار، وقد يشرف عليه أشخاص ليس من الضروري أن يكون انتماؤهم محسوبا على المجال التربوي. ويمكن القول: إن المسرح المدرسي جزء لا يتجزأ من مسرح الطفل.

ويعرف الأستاذ سالم أكويندي المسرح المدرسي بقوله في ندوة على هامش المهرجان الوطني الثاني للمسرح المدرسي بمراكش بين24 إلى 28 أبريل 1995م: "المسرح المدرسي مسرح تربوي تعليمي يتم في الوسط المدرسي سواء أكان مادة دراسية حيث يخضع لعملية التدريس، وهذا يتم داخل الحجرات الدراسية أم مادة تنشيطية حيث تحرر الممارسة المسرحية من طابع الدرس النظامي، وتشمل عملية التنشيط المسرحي التي تقوم بأدائها مجموعة من التلاميذ أو الفرق الزائرة للمدرسة. ويشمل مفهوم المسرح المدرسي كل الأنشطة المدرسية التي تحددها المدرسة. وبذلك، نميز في مفهوم المسرح المدرسي بين ممارستين مسرحيتين، ممارسة مسرحية تخضع للدرس الأكاديمي وممارسة تخضع للتنشيط والترفيه".

وعلى أي حال، فالمسرح المدرسي مسرح تربوي تعليمي يهدف إلى تهذيب المتعلم وترفيهه، وبالتالي، فهو موجه للتلاميذ والأطفال الصغار، ويخاطب فيهم مداركهم الذهنية ومشاعرهم الوجدانية ويقوي فيهم جوانبهم الحسية/ الحركية. أما فضاء هذا المسرح فهو المدرسة أو المؤسسة التربوية كيفما كانت خاصة أم عامة.

ومن المعلوم أن لهذا المسرح أبعادا وغايات ووظائف أساسية تتمثل في البعد اللغوي والبعد التربوي والبعد الاجتماعي والبعد النفسي.

هذا، ولم ينطلق المسرح المدرسي فعليا إلا في سنة1987م عندما استوجب الإصلاح التربوي تدريس مادة المسرح ضمن وحدة التربية والتفتح التكنولوجي في السنوات الثلاث الأولى من السلك الأول للتعليم الابتدائي ضمن الموسم الدراسي1987-1988م. وأقيم في هذا الموسم بالذات تدريب وطني في المسرح المدرسي تحت إشراف وزارة التربية الوطنية وتحت مسؤولية جمعية التعاون المدرسي وبتنسيق مع جمعية نادي كوميديا الفن بمراكش. وقد استفاد من هذا التكوين التربوي في مجال المسرح المدرسي عضو واحد عن كل نيابة من نيابات وزارة التربية الوطنية بالمغرب.

وفي سنة1991م، ستتأسس اللجنة الوطنية للمسرح المدرسي باعتبارها إطارا وطنيا يهتم بتطوير المسرح المدرسي وتفعيله وترجمته نظريا واقعيا داخل فضاء المؤسسة التربوية المغربية.

وفي سنة 1993 م، سينظم المهرجان الوطني الأول للمسرح المدرسي في نيابة سيدي عثمان بالدار البيضاء بمشاركة ثمان تعاونيات مدرسية تمثل كل واحدة منها جهة من الجهات السبع بالإضافة إلى تعاونية فرع النيابة المحتضنة. ولابد من الإشارة أن انعقاد هذا المهرجان سبقته تصفيات محلية وإقليمية وجهوية لمختلف نيابات وجهات المملكة. ومازالت المهرجانات الوطنية المتعلقة بالمسرح المدرسي متوالية إلى يومنا هذا.

أما إذا انتقلنا إلى مسرح الطفل، فتعود بداياته إلى فترة مبكرة من القرن العشرين وبالضبط إلى سنة 1923م، عندما قدمت فرقة قدماء تلاميذ مولاي إدريس الإسلامية مجموعة من المسرحيات الطفلية ذات الأبعاد التربوية والاجتماعية والأخلاقية والتاريخية. وبعد ذلك ظهرت عدة فرق وجمعيات مسرحية في الكثير من المدن المغربية كفاس وتطوان وسلا والرباط والدار البيضاء ومراكش وطنجة وأصيلة. وكانت هذه المسرحيات ذات طابع رمزي تنتقد الاحتلال الاستعماري والمجتمع المغربي على السواء.

وبعد الاستقلال، سيختلط مسرح الطفل بالمسرح المدرسي وسيتخذ طابعا تأسيسيا وطنيا. ومن ثم، ستقوم وزارة الشبيبة والرياضة في سنة1962م باستقدام مجموعة من المؤطرين الأجانب لتأطيرالمغاربة في مجال التنشيط المسرحي، وستعقد الوزارة أول مهرجان لمسرح العرائس بالحديقة العمومية بالرباط، وستعقبه ندوة سنة1964م حول مسرح العرائس أو الكراكيز. وتكونت على إثرها ثلاث فرق متخصصة في هذا المجال الفني الجديد في كل من الرباط وفاس والدار البيضاء ومراكش.

ولكن البداية الفعلية لمسرح الطفل كانت سنة1978م، وذلك بالتعايش مع أنشطة مسرح الهواة. وقد نظمت وزارة الشبيبة والرياضة في هذه السنة بالتحديد المهرجان الأول لمسرح الطفل بمدينة الرباط وقدمت فيه16 عرضا مسرحيا، واستفاد من عروضه حوالي9500 طفل دون أن ندخل في هذا الرقم الآباء الذين كانوا مرافقين لأطفالهم.

وبعد ذلك، توالت المهرجانات الخاصة بمسرح الطفل إلى أن وصلت إلى المهرجان الخامس بالجديدة سنة 1986م.

وستستكمل وزارة الشؤون الثقافية مهمة وزارة الشبيبة والرياضة لتعقد اللقاء الوطني الأول لمسرح الطفل في مدينة الجديدة وذلك في الأسبوع الثاني من شهر دجنبر من سنة 1982م، بينما اللقاء الوطني الثاني كان سنة 1984م بطنجة.

ولقد عرف مسرح الطفل مؤخرا نشاطا كبيرا مع حركة الطفولة الشعبية وخاصة فرع الناظور الذي نظم 13 مهرجانا وطنيا. كما أعدت شفشاون مهرجان الطفل المتوسطي في حين تكلفت كل من تازة أولا والجديدة ثانيا بإعداد المهرجان الدولي لمسرح الطفل.

وإذا انتقلنا للحديث عن المسرح الإذاعي، فلقد انطلق الراديو في سنة 1943م، وإذاعة التلفزة في سنة 1962م، لكن ما يقدم فيهما من برامج وطنية هزيل جدا بالمقارنة مع البرامج الأجنبية المستوردة. وبطبيعة الحال، سيؤثر هذا على مسرح الطفل بصفة خاصة وأدب الطفل بصفة عامة.

وعلى الرغم من ذلك، فقد قدمت الإذاعة السمعية المركزية وفروعها الجهوية مجموعة من البرامج الموجهة إلى الطفل المغربي، ولاسيما مسلسل "ألف ليلة وليلة" الذي قدمته الإذاعة في الخمسينيات، ومسلسل "القايدة طامو" الذي اقتبسه خالد مشبال سنة 1958م، وهزليات أحمد البشير لعلج وأحمد القدميري وبوشعيب البيضاوي، وبرنامج "أطفالي الصغار" الذي كانت تشرف على إعداده أمينة السوسي سنة 1960م من إذاعة طنجة، وبرنامج "با حمدون" لإدريس العلام باسم إذاعة الرباط.

وعلى المستوى التلفزي، لابد من ذكر أهم معلمة طفلية ألا وهي القناة الصغيرة التي كان يشارك فيها الصغار إعدادا وتنشيطا وترفيها. ولكنها سرعان ما توقفت عن استكمال أداء رسالتها التربوية والتثقيفية، لتنتقل إذاعة التلفزة المغربية بقناتيها الأولى والثانية لتقديم برامج أجنبية غريبة عن الطفل المغربي سواء باللغة الفرنسية أم باللغة العربية المدرجة. ولا تعبر هذه البرامج سوى عن الاستلاب الحضاري وامتساخ الهوية المغربية وانسياقها وراء مغريات الثقافة الفرنكوفونية والأنگلوسوكسونية، والاعتماد كذلك على مستوردات آسيوية بوذية تقوم على العنف وقوة الحركة وشحن الطفل المتفرج بالطاقة العدائية والرغبة في الانتقام والعدوان والمواجهة والتحدي.

ومن الذين كتبوا النصوص المسرحية للطفل نستحضر: العربي بن جلون ومحمد سعيد سوسان وأحمد أومال ومحمد بوفتاس والمحجوب البديري وعبد اللطيف ندير والمسكيني الصغير وعبد الجليل بنحيدة ومحمد أجديرة ومجدول العربي وحجبي فوزية وفرقة البدوي.

ومن الذين برزوا في مسرح العرائس الأخوان الفاضلي، أما في المسرح البهلواني نذكر ناقوس وسنيسلة.

ومن الذين اشتغلوا ومازالوا يشتغلون بمسرح الطفل أو المسرح المدرسي على مستوى النقد والتنظير نجد: سالم أكويندي وعبد القادر أعبابو ومحمد مسكين وعبد الكريم برشيد ومصطفى رمضاني ويونس لوليدي ومصطفى عبد السلام المهماه وأحمد زكي العلوي ومحمد تيمد ومحمد الكغاط وعبد الكريم بوتكيوت ومهداد الزبير والعربي بن جلون ومؤخرا جميل حمداوي الذي يركز كثيرا على مسرح الطفل الأمازيغي.

أ‌- السرد القصصي والحكائي:

لم تظهر قصص الأطفال في المغرب على حد قول أستاذنا الدكتور محمد أنقار في كتابه الرائد "قصص الأطفال بالمغرب" إلا مع سنة1947م بانطلاق صفحة الأطفال بجريدة العلم، [1] وظهور جريدة "صوت الشباب المغربي" على يد السيد إبراهيم السايح الذي خصصها للأطفال، بله عن "مجلة الأنوار" التطوانية التي برزت في سنة 1948م، ومجلة "هنا كل شيء" التي كانت تصدر في الدار البيضاء سنة 1952م، وما كانت تنشره جريدة منار المغرب في سنتي1957 و1959م تحت عنوان "حكاية جدتي"، ومجلة "أنيس الأطفال" الصادرة بطنجة سنة 1953م.

وظهرت في السبعينيات عدة منابر ثقافية تهتم بقصص الأطفال مثل: "السندباد الصغير"، و"مغامرات سندباد للتلميذ"، ومجلة "أزهار"، و"مجلة الإرشاد"، ومجلة "العندليب" التي ظهرت في سنة 1975م عن جمعية التعاون المدرسي، ومجلة " المغامر" التي صدرت بإشراف أوبريم محمد، و"مناهل الأطفال" التي كانت تسهر عليها الوزارة المكلفة بالشؤون الثقافية إلى جانب "أزهار" و"هدية الندى" و"المغربي الصغير" و"التلميذ" و"براعم" و"أنباء الطفولة "، وهو ملحق تابع لجريدة الأنباء، ومجلة "مستعد" التي تكلفت بها الكشفية الحسنية، وجريدة "الرائدة" التي صدرت في سنة 2007م على يد أمال محمد مسوحلي.

ومن أهم الكتاب الذين كتبوا قصص الأطفال في المغرب نذكر: مصطفى غزال ومصطفى رسام ومحمد شفيق وعبد الكريم حليم وعبد السلام ياسين وعبد الحق الكتاني وعبد الرحيم الكتاني وجاكوب وانونو ومحمد الصباغ ومحمد الهيتمي ومحمد علي الرحماني وأحمد عبد السلام البقالي وعبد الفتاح الأزرق ومحمد إبراهيم بوعلو وعبد الرحمن السايح ومبارك ربيع ومصطفى العلوي وأبا بكر المريني وعبد العزيز المنصوري ودكداك جلول وعبد الملك لحلو والعربي بن جلون ومحمد سعيد سوسان وأحمد بوزفور.

وقد اعتمد كتاب قصص الأطفال على النقل والترجمة والاقتباس والتجديد، وقد تأثروا في ذلك بالأدب السردي العربي القديم (كليلة ودمنة، وألف ليلة وليلة)، كما تأثروا بالآداب الأجنبية والكتابات القصصية العربية المشرقية والمغاربية (تونس) كما كان يكتبها كل من محمد سعيد العريان، ومحمد عطية الأبراشي، ومصطفى دردير، ومحمود أحمد شريت، وفاروق عابدين، ومحمد عبيد، ومحمد سيد أحمد، وكامل الكيلاني، وعثمان جلال، وزكريا تامر.

ومن أهم قصص الأطفال بالمغرب "سلسلة سناء" لعبد الفتاح الأزرق، وسلسلة "كان يا ما كان" لمصطفى رسام، و"سلسلة القصص المدرسية" لعبد الحق الكتاني، و"سلسلة قصص الأطفال" لعبد السلام ياسين وعبد الكريم حليم ومحمد شفيق.

ب- الشعـــر:

ارتبط شعر الطفل بالأناشيد والقصائد الوطنية والأغاني الخفيفة التي كان يرددها الأطفال داخل المدارس أو خارجها إبان الاحتلال الأجنبي أو بعد مرحلة الاستقلال إلى يومنا هذا.

ومن الشعراء الذين كتبوا شعر الطفل نلفي محمد الطاهر الزيتوني وعلي الصقلي صاحب النشيد الوطني، وقد صدرت له بعد سنة 1990م أكثر من مجموعة غنائية وشعرية للأطفال، وأحمد عبد السلام البقالي في "ديوان الصغار" الذي نشر ضمن كتابه "أيامنا الخضراء". [2] ولا ننسى الشعراء المغاربة الرواد الذين كانوا يكتبون للكبار والصغار على حد سواء كعلال الفاسي وعبد المالك البلغيثي والمختار السوسي ومحمد القري وعبد الله كنون ومحمد الحلوي...

وقد سهرت فرقة ناس الغيوان على تطوير أغنية الصغار، ولكن عملها كان محدودا ومتقطعا. [3] ومن الشعراء المعاصرين الذين حاولوا إنتاج شعر الطفل نذكر محمد علي الرباوي في ديوانه "عصافير الصباح"، وديوان محمد لقاح "سأفتح باب فؤادي"، [4] وجميل حمداوي في ديوانه "ليحيا السلام...!". [5]

ج- الفنون التشكيلية:

نال فن الرسم والتشكيل أهمية كبرى ضمن البرامج الموجهة للأطفال، ومازال هذا التقليد ساريا إلى يومنا هذا في إذاعة التلفزة الوطنية ضمن البرامج المتعلقة بالصغار والأطفال.

ومن أهم رواد هذا الفن الأستاذ عبد الله الفيلالي الذي كان يشارك وينشط في الكثير من البرامج الإذاعية الطفلية حيث كان يجري مسابقات بين الأطفال في مجال الرسم والتشكيل، ويعرض لوحاتهم على الشاشة الصغيرة وخارجها. [6]

د- السينمـــا:

ظهرت مجموعة من الأفلام السينمائية المغربية التي جعلت من الطفل محورا لها في قالب درامي اجتماعي وفلسفي وإنساني، ومن أهم هذه الأفلام: "شاطئ الأطفال الضائعين" للجيلالي فرحاتي (1991م)، و"الطفولة المغتصبة" لحكيم نوري (1993م). [7]

2- تقييم واقع أدب الطفل بالمغرب:

وعلى الرغم من هذه المجهودات الثقافية المحترمة التي كانت يقوم بها المبدعون والمثقفون وبعض الجمعيات والمؤسسات والوزارات، إلا أنها لم تستمر لتستفيد منها الأجيال اللاحقة، بل تعثرت هذه المجهودات أمام عدة متاريس بيروقراطية وسياسية وضعف الإمكانيات المادية والمالية، وانعدام التحفيز المعنوي، وتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المغرب بعد فترة السبعينيات بدخول المغرب في الصراع حول الصحراء بين جبهة البوليساريو والدولة الشقيقة الجزائر. وقد استنزف هذا النزاع المفتعل ميزانية الدولة الوطنية، وكان لذلك تأثير سلبي على الثقافة والتعليم والقدرة الشرائية المغربية. وبالتالي، أثر كل ذلك على استهلاك المنتوج الوطني على المستوى الثقافي والأدبي والفني. ونتيجة لهذه الأسباب، سيتوقف أدب الأطفال على جميع المستويات والأصعدة وفي شتى الفنون والأجناس الأدبية.

وعلى الرغم من تلك الأوضاع المتردية والمتأزمة، كانت تظهر من فينة وأخرى بعض المحاولات الجنينية والإرهاصات الثقافية والفنية التي لن تستمر طويلا حتى تنكمش بسبب النقد غير البناء ونقص الموارد المالية والمادية وانعدام التشجيع من قبل الدولة والجمهور.

ومن ثم، فقد استمر الوضع على هذا الحال حتى بعد تحسن الاقتصاد المغربي وانتشار التعليم وانفتاح المغرب على الجوار المغاربي والمتوسطي والخليجي، إذ استمرت الأوضاع الثقافية والتعليمية في التردي بعد سياسة التقويم الهيكلي وسياسة الخوصصة وتأهيل المقاولة المغربية وانتشار البطالة والهجرة السرية.

ويتحمل المسؤولية في هذا الشأن كل من وزارة الشبيبة والرياضة ووزارة الثقافة ووزارة التربية الوطنية بسبب تخليها عن تمويل الأنشطة الثقافية بسبب سياسة التقشف التي انتهجتها أو المفروضة عليها، ناهيك عن التهرب من كل الأنشطة ذات الطابع السياسي أو الديماغوجي أو ذات الطابع الثوري الراديكالي. كما نعاتب أيضا المثقفين والمبدعين الذين تخلوا عن الكتابة للأطفال، وتوجهوا بأعمالهم نحو الكبار نظرا لصعوبة الكتابة الطفلية.

3- خصائص الكتابة الطفلية:

تتميز الكتابة الطفلية بمجموعة من الخصائص التي تتمثل في مراعاة سن الطفل والانطلاق من التصورات التربوية اليبداغوجية والديداكتيكية، والاستفادة من آخر نتائج علم النفس وعلم الاجتماع الطفلي.

لذا، لابد من اختيار البحور الخفيفة والمجزوءة في كتابة الأشعار والأناشيد الموجهة للأطفال، والابتعاد كثيرا عن التعقيد اللفظي والإغراب في استخدام الصور البلاغية والمجازية، والإكثار من التلحين النغمي عن طريق استعمال التكرار والسكون والتوازي الصوتي واللفظي والتركيبي.

ولابد في مجال المسرح من اختيار مسرحيات هادفة أخلاقية وتاريخية واجتماعية وتربوية، والتقليل من الشخصيات والمشاهد والفصول والتعقيدات الإخراجية، واحترام تسلسل الأحداث في سياقها الزماني والمكاني، وتوظيف التراث العربي القديم والتراث العالمي الإنساني كتقنية الراوي وتقنية خيال الظل وصندوق العجائب والسيرك وحكايات الحيوانات وتوظيف الأقنعة ومسرح العرائس والكراكيز، وتشغيل الرسوم المتحركة وتكسير الجدار الرابع واستعمال سينوغرافيا هادفة ممتعة تهدف إلى الإفادة والترفيه والترويح عن النفس.

وينبغي للقصة التي تكتب للطفل أن تكون قصة رمزية فانطاستيكية تثير خيال الطفل، ومن الأفضل أن تكون على ألسنة الحيوانات والشخصيات الخارقة كالعمالقة والأشباح والغولات، وأن تناقش إشكالية الخير والشر في تتابع كرونولوجي وفضائي، وذلك بالاعتماد على أسلوب مشوق ممتع يثير الفكاهة والسخرية من القيم المنحطة.

4- الممكن أو الآفاق المستقبلية:

بعد هذا التردي على المستوى الثقافي فيما يتعلق بأدب الطفل، آن الأوان للاهتمام بفئة الصغار على غرار الدول الغربية المتقدمة سواء الغربية منها أم الآسيوية (اليابان والتينينات الأربع). ومن المستحسن أن نلتجئ إلى الإنتاج الوطني والكفاءات المغربية بصفة خاصة والعربية بصفة عامة. ومن الأفضل كذلك أن تخصص الدولة ميزانية محترمة موجهة لقطاع الأطفال الذين سيكونون رجال المستقبل للبحث عن الطرائق الكفيلة للخروج من هذه الأزمة الثقافية التي نتخبط فيها بالمغرب لأسباب سياسية وديماغوجية، وبسبب النعرات الحزبية الضيقة والتصفيات الإيديولوجية ناهيك عن سياسة الحكومة القائمة على اللامبالاة والتهميش والإقصاء والتقوقع والانطواء على الذات، زد على ذلك تدمير الحساد وأصحاب النفوس المريضة لإخوانهم الذين يحاولون الإبداع وخلق الممكن الثقافي.

ومن ثم، ينبغي توجيه الاهتمام لكل الأجناس الأدبية في صيغتها الورقية والرقمية والإذاعية، مع فتح باب المسابقات لانتقاء أحسن ما كتب في أدب الطفل، وعقد المهرجانات واللقاءات المحلية والإقليمية والجهوية والوطنية لإثراء أدب الطفل، مع الانفتاح على التجارب الأخرى في إطار المثاقفة والعولمة.

ولا يمكن، بالتالي، أن يتحقق النجاح في هذا المجال إلا إذا أسندنا المناصب ومراكز القرار للخبراء والمتخصصين في مجال أدب الطفل بدلا من إسنادها حسب الأهواء السياسية ومنطق الزبونية والعلاقات الإخوانية المشوبة، وإلا سنقع في تجارب مستقبلية فاشلة ونراكم الخيبة والتردي والإفساد الإداري والثقافي كما هو حال واقعنا المغربي اليوم.

خاتمـــة:

يتبين لنا مما سبق أن أدب الطفل قد انتعش نسبيا في السنوات الماضية، بيد أنه في السنوات الأخيرة عرف تعثرا كبيرا وترديا بسبب تراجع الإنتاج الفني والأدبي الموجه للطفل لأسباب مادية ومالية وإدارية وسياسية، دون أن ننسى انعدام التحفيز المعنوي والاعتباري للمبدعين لانهيار الوضع الثقافي في المغرب لعوامل حزبية وإيديولوجية وانتشار الإخوانيات ومنطق الزبونية في المشهد الثقافي المغربي، مما أثر سلبا على الوضع الثقافي والإبداعي بصفة عامة، ناهيك عن تردي مستوى التعليم المغربي بسبب انعدام الجودة الكيفية والكمية.

ومن هنا، نقترح إحداث كرسي أدب الأطفال في الجامعات والكليات المغربية لتدريس المنتوج الموجه للأطفال، ودراسة كل ما يتعلق بالطفل، وإصدار مجلات وقصص ودواوين شعرية ومسرحيات وأفلام سينمائية تستهدف كلها تطوير قدرات الطفل الذهنية ومناحيه الوجدانية وقدراته الحسية الحركية أو تجعل الطفل محورا للمعالجة الدرامية أو الحماية القانونية أو الإصلاح الاجتماعي والأخلاقي.


[1الدكتور محمد أنقار: قصص الأطفال بالمغرب، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، الطبعة الأولى سنة1998م، ص:107؛

[2أحمد عبد السلام البقالي: أيامنا الخضراء، المطبعة الملكية، 1976م؛

[3الدكتور محمد أنقار: قصص الأطفال بالمغرب، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، الطبعة الأولى سنة1998م، ص:95؛

[4محمد لقاح: سأفتح باب فؤادي، دار النشر الجسور، وجدة، ط1، 1998م؛

[5جميل حمداوي: ليحيا السلام!، مطبعة بن عزوز بالناظور، الطبعة الأولى سنة 2005م؛

[6محمد أنقار: المرجع السابق، ص:94

[7مصطفى المسناوي: أبحاث في السينما المغربية، منشورات الزمن، العدد 27، سنة 2001م، ص:136.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى