الأحد ١٦ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٧
بقلم نازك ضمرة

حرية الكاتب في التعبير

قال لي صديقي العجوز إن مسئول الصفحة التي أكتب بها قد تغيّر، والمسئول الجديد البديل من فئة لا تقبل أمثالي، ولا وقت لديّ للتعريف بنفسي، ولا لتملق مستمر قد لا يثمر، وأنت أدرى بالمواضيع التي أتناولها في تعليقاتي أو اقتراحاتي أو آرائي، عن كتب مؤلفة ومنشورة، أو عن قرارات إدارية، أو تصرفات اجتماعية أو سياسية إلخ، والقائمة لا تنتهي، أصرّ على حقي في حرية التعبير، فحياتي للنبش والعيش، وما أكثر بل ما أسرع تلاحق الأحداث حولنا في هذا الزمان. تلاقت نظراتنا يستطلع كل منا تفاعله مع ما ذكره صديقي العجوز، بدا لي ببشرة وجه جافة، شبه مضطرب في عالم من خيال أو هو في حلم، أردت تهدئة عواصفه (بدل عواطفه) فاستدركت قائلاً: (ماسك السلم بالعرض)، أجابني
 إن غابت عنك أسمع وأقرأ وأرى، ويضنيني عدم فاعلية عقل العربي الجمعي، مقارنة بالآخر.
أسائل نفسي بصوت مسموع، قبل إجابة صديقي العجوز، والذي يظن أنه سيغيّر العالم بكتاباته، ما معنى مفردة (حق؟وما معنى كلمة تعبير؟)) متصوراً موقفه الصعب وخوفه على فقدان حريته أو مصدر رزقه من الكتابة للصحيفة بما ينفع الناس كما يقول، لكنه وقبل أن أتفوه بتهدئة ما، تابع قائلاً
  وهل يوجد إنسان لا يعرف معنى كلمة (حق؟)، عندك حق، وعليك حق، ولك حق، يحقّ عليك أن تفعل كذا وكما جاء في التنزيل الحكيم (لينذر من كان حياً ويحقّ القول على الكافرين)، ويقال حق لك أن تفعل كذا أو تقول كذا أي يسوغ، وحقيق بكذا أي جدير، والقائمة طويلة على ذمة (المعجم الوسيط). أردت بعدها أن أبين رأيي بالمقصود بمفردة (تعبير)، لكنه أوقفني وقاطعني قائلاً: حقٌّ عليك أي واجب فهل لك حق التعبير، أم حقّ عليك التعبير عن رأيك؟ كدت أبتسم، وكان كلانا على عجل من الأمر، فاتفقنا على لقاء لاحق بعد حين.
التعبير أشكال: تعبير شفاهي ويتفرع عنه الأسلوب الخطابي، أو الاعتراض على قرارات وآراء، أو اقتراح، أو إبداء رأي شخصي أو مشاركة مع واحد أو أكثر، أو عبر مذياع أو محطة تلفاز، أو التعبير بالتمثيل.
ثم تعبير كتابي: إما في صحيفة يومية أو في كتاب على شكل نقد أو تعليق أو قصيدة موافقة أو معارضة، أو بإنتاج فيلم، أو رسم فني مباشر أو ملغز والبقية عند السامعين والمشاهدين.
ثم تعبير عملي فاعل: كمشاركة في تمثيل فيلم أو مسلسل أو ما شابه أو مشاركة في تظاهرة أو إضراب أمثلة وليس حصراً. وقبل أن أقفل مبتعداًً أوقفني بإشارة من يده قائلاً:
  يبدو أنه لا توجد حرية مطلقة في هذا العالم، بل أعتقد أنه لم تكن حرية مطلقة حتى في عصور الهمجية، وحتى في الطبيعة البكر، وقبل امتلاء الأرض بالبشر وبشرورهم، فعلها قابيل بأخيه كي يرث المكان والسلطان وحده، وفعلها عمّ الأمير هاملت بأخيه (مثال شكسبيري) ليرث الجمال والملك والأرض والسلطان، فحتى الحيوانات وأقواها الأسد شاهدته في تصوير تلفزيوني يهاجم ثوراً بحرية ودون اعتراض من أحد، غرز الأسد أنيابه في ظهر الثور البرّي ليسدّ جوعه، فثنى الثور رأسه متألماً من عضة الأسد، فبقر قرنه بطن الأسد، تراخى الأسد، واجتذب الثور نفسه مبتعداً نازفاً، وطوى كل منهما جراحه وآلامه، ولم نعرف أيهما سيموت أولاً.

قلت لصديقي العجوز، متعمداً مداعبته، وربما في حذلقة أختبر مدى احتماله، ألا يمكن أن نعيد كلمة التعبير إلى عبرات، أو أن مفردة تعبير هي من مقطعين (تعب) و( ير) نابعتين من لغة آرامية أو سريانيه، أو من عبر يعبر عبور، أو من عبّر الرؤيا أي فسرها، وفي التنزيل الحكيم، (إن كنتم للرؤيا تعبرون) ثم هناك العبري والعبراني والمعابر. غادر صديقي العجوز المكان في صمت، وأنا أتابع ملامحه وحيرته.

عندما كان الحكم للعثمانيين لم يطرح أي مفكر عربي إقليمية أو فئوية بل كان كل العربً يعزفون على وتيرة واحدة ربما بدءاً من الكواكبي (كان أجدادكم لا يركعون إلا لله، وأنتم تسجدون لتقبيل أرجل المنعمين، النبات يطلب العلو، وأنتم تطلبون الانخفاض)، والمثقفون العرب زمن الحكم العثماني جأروا بآرائهم، وتحملوا ويلات الظلم والاستعباد، أحسوا أن هذا حق لهم، بل واجب عليهم، وحين دغدغ عبد الناصر مشاعر العرب القومية، هبّت الأقلام والأفلام والإذاعات والشوارع والنساء والأطفال ملبين مكبرين ومشجعين وبكل ما يملكون من أسلحة الكلام، لكن المؤثرات الخارجية و(القابيليون، أو القبليون إذا أردتم) كانت كلها أقوى من الأمل، فهوى الحلم كبيت أساسه ملح أو رمل بعثرته رياح عاصفة، فعاد التحجم والتحجيم للمفكر العربي، وحتى الفرد العادي في الشارع يحيّرك حين يقول لك (ضاعت الطاسة)، توجعاً من اللجم، وتعبيراً عن قلة الحجم وتعدد مصادر الهمّ.

لا رقابة على الفكر، يولد الإنسان حراً جسداً وفكراً وخياراً، والعاقل هو من يقوم بالخيارات الصائبة في حياته، هو مسئول عنها وعن نتائجها، الحرية والمسئولية وجهان لعملة واحدة.

وحرية التعبير يقابلها حرية المعرفة، وكلاهما حق شرعي للكل وليست حكراً على أحد، وإن وسائل الاتصال المعاصرة ، والأقمار الصناعية ومحطات الإعلام الفضائية، البعيدة والقريبة والهاتف وشبكة الإنترنت أصبحت وسائل مذهلة وفي متناول الفرد العادي، بل تتزاحم في الدخول إلى بيوتنا ومخدعنا، وتسبقنا في نومنا وصحونا وفي خطواتنا، ففتحت لنا جروحاً وقروحا فانكشف الكثير الكثير من المخبوء والمطمور، وما زالت خيبات الأمل تتعاظم وعقل المرء وروحه في حيرة من الأمر، والسؤال الذي يتردد في عقول معظمنا: هل أنا موجود؟ ووجودي كبشر لا يقتصر على لقمة العيش كالحيوان، عنوان وجودي هو حقي في الحد الأدنى من حق التعبير عما يعتمل في صدري، شفوياً أو كتابياً أواعتراضياً نقدياً، استغل غيرنا هذه الثروة الإعلامية، ثورة معرفية لم يعرفها التاريخ من قبل، تسكب أمام سمعنا وبصرنا وعقولنا فيضانات من معلومات لا نقوى على حصرها أو تداولها، و دونما استئذان أو طلب، ولا حدود تقوى على الوقوف أمام اندفاعها، ولا راد لهذا المدّ الذي يغني البشرية بالمعرفة الوفيرة، ؟ بل إنه فاعل بحياة الناس ومصائرهم ما لا يقوى عقل على تصوره أو توقعه. فأين التفاعل العربي في القول والنقد والنقل؟

ومن نافلة القول التذكير بأن حرية التعبير بجميع أشكاله لا تزدهر إلا في ظل ديمقراطية نابعة من فكر الأكثرية ومناسبة للمكان وملائمة، يقول د. حازم قشوع في مقال له بعنوان المواطن هدف أم الأيديولجيا "أن تكون رؤى الإصلاح والتحديث علمية تجسد طموحات المواطنين، وتترجم أهداف المجتمع إلى الواقع للعمل على تعزيز القيم التي من شأنها أن تنمّي الإحساس بالمسئولية الوطنية عند المواطن، وتحقق حافزاً للمشاركة"، ومن ناحيتي كيف يمكن أن تتم مشاركة المواطن والكاتب والأديب إذا لم تتح له حرية التعبير، وهل هناك إبداع حقيقي متواز مع الحياة إذا لم تتح لنا هذه الحرية في حياتنا؟ وماذا يفيدني أو يفيد شعبي ووطني إذا كتبت رأيي سراً، وبقي حبراً على ورق حتى أموت، وإن كنت محظوظاً، وبالتالي وطني، قدر الله أن يطالع أوراقي شخص ما، ولنحافظ على ابن خلدون نموذجاً، ومع كل قراءة لما كتبه، نكتشف مرارة جديدة، وإحباطاً ونقداً متلازمين، كل ذلك يدل على أبداع ذلك الإنسان وعظمته، اكتشفناه بعد فوات الأوان، موضوعنا اليوم هو حق المشاركة في الفكر والتعبير والعمل، والتعبير المطلوب واللائق هو الإيجابي المشارك، وبفكر معرفي لا غوغائي ولا انطوائي ولا عشوائي ولا إقصائي أو انتقائيّ.
والعوائق عند الكاتب والمفكر والفنان من غير العرب تكون دستورية في الغالب، أما في المحيط العربي فهناك الكثير من (التابو)، تقف أمام الكاتب العربي والمفكر بسبب انتقاص الحرية والديمقراطية والعوائق البيروقراطية وتعدد مستويات الرقابة وأشكالها، فهي عوائق تراثية ودستورية ودينية وعشائرية قبلية وأسرية.

المادة 19 من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان تنص على ما يلي:

"لكل فرد حق حرية التمسك بالرأي والتعبير عنه؛ ويتضمن هذا الحق حرية التمسك بالرأي دون تدخل خارجي، وحرية السعي لمعلومات وأفكار، والحصول عليها ونقلها من خلال وسائل الإعلام وبغض النظر عن الحدود."
حرية التعبير عن الرأي من الركائز الأساسية في حياة البشر ، وهي حق فطري اوجده الله تعالى في جبلة الإنسان، وجعلها من مقومات حياته التي من اجلها يناضل، وفي سبيلها يكد ويسعى، ومن خلالها تنمو قواه، وتنطلق مواهبه في العمل والإبداع بكل صنوفه وأشكاله.
ولا يغيب عن الذهن أنه يتعذر على الإنسان أن يعيش في واقع لا يستطيع أن يعبر فيه عن رأيه، ويدافع عنه بالتي هي أحسن، وحرية الرأي تعني حق القول، أو حق الكلمة، والجهر بتلك الحقوق، وإسداء النصح في كل ما يمس الأخلاق والأرزاق والمصالح العامة وحتى الخاصة، غير أن حدود هذه الحرية تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، فأنا حر في حدود ألا أوذي الآخرين، وألا اعتدي على حرياتهم.
هذا عدا عن القول إن حرية التعبير عن الرأي تقدم مساهمة قيمة لقضايا أخرى تحتل الاهتمام، كالحكم الصالح، وحكم القانون، والديموقراطية. وتلعب وسائل الإعلام دورا حيويا في محاسبة وتقييم أداء السلطات التنفيذية، تدفعها إلى إدارة الموارد بأمانة وبأقصى ما يمكن، وتدفع حرية التعبير وضع السياسات بشفافية ومساواة لتشمل أغلبية شرائح المجتمع، وبالمقابل إن تعطيل حرية التعبير قد تقود إلى نرجسية المتنفذين، فيرى المدراء والمسئولون أنهم على صواب يلازم أقوالهم وأفعالهم، وهم وحدهم يعرفون مصلحة الوطن والمواطن، مقتربين كثيراً من الفكر الشمولي، غير مدركين التململ والإحباط -وربما دون غليان- في نفوس المفكرين والمثقفين المحرومين من أبسط حقوق المواطنة.

فالحرية شيء مقدس لكل البشر، وهذا الموضوع تفاعلي شامل يقتضي تناغم الممارسة للحريات لكي تأتي بناءة، وفي مسار الصالح العام، وهذه الممارسة والمأسسة العامة تبدأ بتعليم الجميع قيم الحرية ونشرها بكل الوسائل الإعلامية الممكنة، وتبسيط آليات ممارستها في نسيج البناء التربوي والاجتماعي بدءاً من البيت والحارة والمسجد والكنيسة والمدرسة والجامعة والعمل في أي موقع. وهنا أستدرك بان لا أكتفي بالتعميم، بل أشدد على أن نخصّ أم المجتمع ونصفه الأحلى المرأة، بالتأكيد على حقها في حرية التعبير عن نفسها في مجتمعنا الأردني والعربي:
وحين نتكلم عن حرية الرأي فنعلم أن العنصر الأساس لتوفر هذا المتطلب هو الحرية والديمقراطية والمساواة، وفي رأيي أنني أصرّ على استخدام مفردة (المساواة) لا مفردة (العدالة)، فقد يكون في طلب العدالة شيء من استجداء، أو تأتي منحة من سلطة أعلى، وعوداً لحق المرأة أشدّد في القول: أننا سنبقى أذلة وأمتنا بلا وزن ما دامت المرأة لا تتساوى مع الرجل في كل شئون الحياة، ورأيها يساوي رأي الرجل في الزواج والطلاق والذمة المالية والمشاركة الاجتماعية والسياسية وفي القرارات والوظائف والمسئوليات والواجبات والدخول والخروج،

حرية التعبير وإبداء الرأي في أديان أرض العرب:

إن القرآن الكريم يقرّ بتعددية الآراء وتنويعها حيث يقول تعالى (ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين) (هود118). أي إن الاختلاف بين البشر ليس أمراً طبيعيا فحسب بل انه أمر ايجابي، وفي كل الأحوال يجب أن تكون آراء متعددة في المجتمع الإسلامي تعكس تنوعه وتياراته الفكرية، قال تعالى "المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) (التوبة 71) أي أن المجتمع الإسلامي بشقيه الرجولي والنسوي (المؤمنون والمؤمنات) يتمتع بحرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا لا يقتصر على الأمور الدينية والعبادات والعقائد بل كل نشاط إنساني في التفكير والنقد والمعارضة وتقييم الأمور السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.

ولكن التشبث بالجاه والسلطان والذكورية أفسد هذه الروح التراثية الإيجابية، ولم يكتف بإبعاد المرأة عن مركز القرار بل أبعد حتى أهل الكفاءات عن التأثير والنقد البناء، وفي تاريخنا القديم والحديث لم يقتصر الحال على ذلك بل اتسع الإقصاء الفكري ليشمل جميع المعتقدات والأفكار والعقائد التي لا تنسجم مع الخط الرسمي للسلطة، هوجم معارضون من منظور ديني واتهموا بالكفر والردة. واستخدم ذلك الأسلوب لعزل المعارضة عن الأمة، ونتيجة لمثل تلك المطاردة والمحاربة، نشأت صراعات فكرية وسياسية ودينية، وتلاها تصانيف هائلة في القضايا الكلامية والعقائد، ومؤلفات كثيرة في الرد على هذه الفرقة وتلك الطائفة حتى أصبحنا نمتلك ثروة كبيرة في الأدبيات المذهبية المطبقة والمتنحية والبعيدة عن التطبيق (المعتزلة وطرائق فكرية أخرى كثيرة نموذجاً).

وفي اعتقادي يحرم تكفير أي مسلم، بل لا يحق لأي مسلم تكفير أخر على حرية تعبيره حتى لو سمع منه أو شاهد ما يعتقد انه كفر، بل يكون الشك لصالحه، وللأسف هناك أناس يقلقهم أن يكون الإنسان حرا في تعبيره، وذاك قريب من التعصب وفرض الرأي بحجج وأسانيد مستندين إلى تفسيراتهم. يقول الدكتور حسن حنفي (إن البعض استعملوا قانون الردة ضد المفكرين والباحثين والكتاب، والتفريق بينهم وبين زوجاتهم، وإصدار الفتاوى بقتلهم مما أدى إلى هروبهم من أوطانهم إلى الغرب، وفي التقارير الدولية عن حالة حقوق الإنسان، تظهر الدول الإسلامية في مقدمة الدول التي تخترق فيها الحقوق بالسجن والتعذيب والاعتقال للصحفيين والأدباء والمفكرين) ، وقضية فتاوى حسن الترابي في السودان تتفاعل هذه الأيام، وكلكم سمعتم أو يمكنكم تشكيل آرائكم حسب مفهوم كل منكم لمعنى حرية الفكر والاعتقاد والتعبير، ونجد في بعض البلاد ذات الأغلبية الإسلامية، تمجيداً نظرياً لحرية الفرد وادعاء المساواة والعدالة، في حين أن الواقع عكس ذلك، وتكميم الأفواه وأدبيات السكوت هو السائد، مكتفين بالمقطع الأخير من الحديث النبوي الشريف (من رأى منكم منكراً ... ومن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) ثم ماذا عن الآية الكريمة (لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغيّ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) أو انه ينطبق علينا قول أحد العلماء (رأيت في الشرق مسلمين بلا إسلام، ورأيت في الغرب إسلاماً بلا مسلمين)، وإذا كنا نكره الناس على التبعية ونجبرهم على التخلي عن حرية التعبير والمعارضة، فكيف نتأكد أن التابع الساكت بعيد عن النفاق والتظاهر، طلباً للسلم والسلامة،. . . خوفاً أو طمعاً.

وماذا عن حق حرية التعبير في الديانات السماوية الأخرى:

يقول جورج ناصيف في مقال له تحت عنوان (حقوق الإنسان وواجباته في العهد القديم) فيقول: جاء على لسان أشعيا النبي "ويل للذين يشترعون شرائع الظلم ويسنون قوانين الجور"، ومما جاء على لسان سليمان الحكيم "لا يليق بالحكام والعظماء أن يدمنو السكر فينسوا حقوق الناس ويهملوا دعوى المساكين، افتح فمك دفاعاً عن المتألمين، وعن حقوق جميع المهملين"،
وننوه هنا أن السلوك الصهيوني المعاصر وفكره يتتبع ما جاء في التلمود البابلي الذي أدخلت عليه التعديلات في العصور القديمة وفي العصور الوسطى حتى صار ما يسمى بتلمود العصور الوسطى ثم التلمود الحديث المعدّل عبر القرنين الأخيرين والذي هيأ لقيام الصهيونية العنصرية.
أما موقف الكنيسة الحديثة والكلام هنا لِ جورج ناصيف فيقول: جاء على لسان البابا (بيوس الحادي عشر عام 1931) في رسالة له بأنسنة الحرية الاقتصادية ومقاومة الهمينة والاحتكار، باعتبارهما إساءة إلى الكرامة البشرية. وعن المجمع الفاتيكاني الثاني عام 1965 صدرت وثيقة (الكنيسة في عالم اليوم) ومما جاء في هذه الوثيقة: التزاوج بين الارتقاء الاجتماعي والسياسي والثقافي، مع احترام الهويات الخاصة بكل إنسان وشعب) ويضيف ناصيف في مقاله: إن زبدة القول في حقوق الإنسان، أن المسيحية في تصورها للكائن البشري جعلت كرامة الإنسان من كرامة الله جل جلاله، الأمر الذي تترتب عليه جميع الحقوق معنوية وأدبية واجتماعية. أما الواجبات حيال الإنسان فهي:

رفض العنصرية التي تمتهن الكرامة والمساواة البشرية.

رفض جميع أشكال الحروب، باعتبارها اعتداء على الحياة والسلام بين البشر.

رفض كل أشكال التعذيب الجسدي والنفسي، واحترام حقوق الإنسان التي تنص على حق الفرد بالمعاملة اللائقة وحقه في الدفاع عن نفسه.
حرية التعبير في الغرب:

عبر عنه لويس برانديز رئيس المحكمة العليا في الولايات المتحدة قائلاً: "إذا كنا نريد أن نصل ذات يوم إلى فضح زيف وبهتان فكرة ما من خلال الحوار، وإذا كنا نريد أن نتفادى الشر من خلال التربية والتعليم، فإن العلاج اللازم هو المزيد من حرية التعبير وليس فرض الصمت"
ومن خلال الإنترنت (أو ما عرفت بالشبكة العنكبوتية) طالعت مراسلات مطولة بين غزالة عرفان المسلمة الباكستانية وشارلوتة فيديمان الألمانية. ولا أتحمل مسئولية دقة تعابيرهما، لذا أترك الخيار للراغب بالاطلاع عليها ، وإبداء رأيه بنفسه، لكن المقصود أننا بفضل شبكة الإنترنت أصبحنا نتحاور وكأننا نجلس متجاورين متقاربين أو متقابلين، ومعنا مطلق الحرية لقول ما نريد، ونترك للسامع أو القارئ أو المشاهد للحكم .

من غزالة عرفان إلى شارلوتة فيديمان - 9 أكتوبر 2004

لقد أشرتِ إلى الانفصال القائم بين الواقع والإدراك. إننا نستنكف فعلا عن التفاعل مع الوقائع. وبالمقابل فإن الدين والأساطير هي التي تحدد حياتنا، لا نكف عن الكذب على أنفسنا وذلك بأن نظل نرى على الدوام أنفسنا عرضة لـ"النوايا السيئة". وليس هناك من سبب يمنع أن تكون لنا آراء مختلفة، ومع ذلك يكون بوسعنا أن يحترم كل منا رؤى الآخر ونمط حياته الخاصة.

وأجتزئ من إجابة شارلوتة فيدمان على غزالة عرفان فتقول

وبعد أمسية في "رمسيس هلتون" توصلت إلى قناعة بأن الانحطاط الذي ينسب عادة للغرب يكرع الناس منه هنا في المشرق بلا حساب أو تحفظ. لعلني كألمانية ساذجة شيئا ما، إذ هنا في ألمانيا لا يحبذ الناس التبجح بمظاهر الثراء؛ فمن هو غني يفضل بالأحرى أن يتستر على أحوال ثرائه. ولكم يبدو لي مبررا أن يعمد أهالي القاهرة إلى نظم أشعار ساخرة هجاءً لإخوانهم (وأخواتهم) من أغنياء النفط.

ومن الملاحظ أن بعض الدول الغربية ومنها بريطانيا تحاول أن تظهر نفسها أنها تحرص على حرية الصحفيين فقرأنا وسمعنا أنهم نجحوا في إطلاق سراح تسعة صحفيين في نيبال وبنغلاديش وروسيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ولكن ماذا عن انتقاص الحريات في بلادهم، وما هو حال سجناء الفكر والكلمة عندهم؟
ثم اسمحوا لي أن أتساءل على سبيل المثال لا الحصر أين مبادئ الثورة الفرنسية الثلاث: الحرية والإخاء والمساواة، هل هي مقصورة على حملة الجنسية الفرنسية من أصول أوربية فقط؟ أو هي للصفوة من أبناء الأغنياء ورؤساء المنظمات أو الأحزاب؟ وفرنسا التي تعدّ أول بلد غربي حاول تحقيق الديمقراطية، لكنها ليست الوحيدة في ادعاء الديمقراطية، وليست الوحيدة التي تتنكر لمبادئ حرية التعبير في الغرب الأوربي والأمريكي حين يكون الفرد ملوناً، أو شرقياً أو مسلماً؟.

وأطمئن اللاجمين أن لا كتابة ولا خطابة ولا أي تعبير فردي قادر على تغيير واقع سياسي بالكلمة، وعلى الرغم من الديمقراطية الليبرالية في الغرب، أي حكم الأغلبية، فإن حكم الأغلبية لا بد أن يحرم أقليات من المساواة والعدالة وحق التعبير الحر، من هنا علينا أن نتذكر أن حرية التعبير المتاحة في الغرب، إنما هي امتصاص لاحتقان شعبي أو فردي، بل تعدّ تلك الحرية الشكلية من أسباب نجاحات السياسيين والمترئسين، لا يغضبهم ما يقال عنهم، بل العكس هو الصحيح يستفيدون مما يقال عنهم أو لهم، فإن كان النقد معقولاً ولا يضرّ بمراكزهم، استفادوا منه ونفذوا مقتضاه، وكسبوا المعارضين إلى جانبهم، وإلا فالأيام كفيلة بالدفن
عدم فهم الآخر مع ضعف استيعاب دروس التاريخ
ا لا أؤمن بالرقابة على الأدب أو النقد أو الفن عموما فمن حقنا التعبير بدون إباحية وبدون مخالفة النظام العام، وبدون التعدي على حرية الغير. وهناك فرق كبير بين النقد البناء والنقد الجارح ، وفي رأيي لو لم يستغل بعض الناس الصور الكاريكاتيرية المسيئة لنبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه، لما رفعنا من قيمة ذاك الرسام النكرة والصحيفة التي كانت متعثرة، والكثيرون لا يعرفون عن سبق دولة الدانمرك وشعبها في ريادة التحرر من المألوف، وأشهد أنني شاهدت صوراً خليعة وأفلاماً إباحية واردة من الدنمرك قبل نصف قرن أيام الطيش والمغامراتً، حصل عليها أفراد عرب لديهم مال وقدرة على تهريب تلك المواد حين كنت أعمل في بلد عربي بترولي، وبعض الناس من الدانمرك يتحللون من قيم الدين ومن حرمة الجسد، ويتاجرون بتلك الصفات ، متخطين الخطوط الحمر الموجودة حتى في أكثر البلاد الأوربية حرية وفي أمريكا، وفي غيرها من البلدان الغربية.
لم يسلم حتى المسيح ووالدته البتول، ولا أنبياء اليهود من التهكم والاتهامات وإلصاق صفات خسيسة بهم، سواء في صور كاريكاتورية أو في أفلام أو في كتابات أدبية، وهذا حاصل في االعقدين الأخيرين.

حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، وكان الأجدى بالمسلمين الغيورين الفاهمين اللجوء إلى القضاء والطرق الدستورية، وهو الأقرب إلى العقل الغربي، بل هو الأكثر ردعاً، والخسارة المادية والغرامات المالية هي التي يحسن الغربي فهمها جيداً، ويحسب ألف حساب لثقلها، ولن يروق لصاحب الصحيفة التي نشرت تلك الرسوم أن يدفع مئات الآلاف من الدولارات وربما الملايين، تعويضاً للمسلمين على المساس بمشاعرهم ومعتقداتهم، وبمقتضى قوانين البلد التي تصدر الصحيفة بها، ولكنني ضد التهديد بالقتل وإصدار الفتاوى بهدر الدم، وتذكرنا هذه الحادثة بكتاب (آيات شيطانية) لسلمان رشدي، ولولا هدر دمه لما اهتم العالم بكتابه، بل سيطفو على سطح السيول من الكتب التي تقذف بها المطابع كل دقيقة، لكن مثل ذلك الكتاب كفقاعة سرعان ما يختفي عن الرفوف. وظهرت مؤلفات نال مؤلفوها جوائز عالمية، وشهد لها النقاد وأكبرها الساسة والمفكرون، ثم انطوت في العام التالي، والغربي لا ينظر للوراء، ولا وقت لديه للبحث عن إثارة العام المنصرم، فهو عاجز حتى عن ملاحقة المنتج اليومي، للتجريب والتجديد، سوءا في الكتب أو الأفلام أو المغامرات، ولو تابع مفكرونا وكتابنا ونساؤنا تلك العقلية الغربية بتدبر، لاستطعنا أن نمتصّ أي فورة أو تنمرد أو استعلاء غربي، والحروب الصليبية خير مثال، تحملها المسلمون بصبر وصمود، حتى خفت حدة الهجمة، وعاد العرب متدرجين متحدين وفي صبر وتخطيط وتدبر، والدولة الصهيونية ستذوب في المجتمع العربي، ما دام الأردن قلب العرب النابض صامداً متزناً وسالماً، فهي الجمرة التي ستكوي أذيال الغزاة، وهي عمق للمظلومين في أي موقع من أرض العرب، ومن منطلق حرية التعبير اسمحوا لي القول أن الجديد الذي سيحصل في أفغانستان لا يكاد يذكر، ومثله العراق، أليس موضوعنا اليوم عن حرية التعبير، وها أنا أستخدم هذا الحق ولا قدرة لي على تسبب الضرر لأحد ولا نية، ونذكّر بكتابات الكثير الكثير من المستشرقين الحاقدين على العرب مسيحيين ومسلمين منذ قرون عديدة، ولأنه لم تكن أيامها وسائل التوزيع والإعلام والاحتجاج التي توفرت في العقود الأخيرة، طوى النسيان تلك المؤلفات والإهمال، ولا وقت للغالبية العظمى من الناس للتفتيش والتنقيب عن أمثال تلك الحماقات، إلا من كان متقصداً وله أهداف يستطيع ربطها بحاضر مادي أو استعماري أو استغلالي.

الترجمة في دنيا المعرفة

تشير الإحصاءات في العالم العربي إلى تراجع الكتاب المقروء وإلى تراجع مستويات الترجمة، وسبق وأن عقدت ندوات واجتماعات حول الترجمة، ودور المترجم والناشر والداعم في هذا المجال في أماكن عديدة ، وفي أوقات متقاربة أو متباعدة وفي معظم الأقاليم العربية إن لم يكن فيها كلها، لكننا لا نكاد نلمس آثاراً جلية على عقولنا أو على رفوف مكتباتنا، ولا في وسائل إعلامنا المقروءة والمسموعة والمرئية.
بدأ تأثير الترجمة على الفكر والسياسة مبكراً في التاريخ العربي، يقول محمد عابد الجابري في كتابه نحن والتراث-الطبعة الثانية صفحة 147 (لقد كانت حركة الترجمة في العهد العباسي الأول جزءا من تحرك سياسي اجتماعي ثقافي قامت به القوى النامية في المجتمع، القوى الحاكمة ذات الميول البرجوازية الليبرالية الارستقراطية، لقد كانت حاجة هذه القوى إلى الفلسفة والعلم والمنطق تمليها عليها حاجة المجتمع نحو مزيد من الهيكلية والتنظيم العقلانيين..... وبما أن الدين كان وما يزل يشكل الغطاء لأيديولوجي للمجتمع ككل، بل ولعملية التحول تلك نفسها، فلقد كان لا بد أن تنسحب الحاجة إلى العقلانية على الدين نفسه، الشيء الذي عبّر عنه المعتزلة بشعارهم "العقل قبل ورود السمع"، وعبر عنه الفارابي ب "ما في الدين من مثالات لما في الفلسفة" وواجب المثقفين الذين يطالبون بحرية التعبير والكلمة أن يعملوا ليل نهار على جسر الهوة بين مطالب التراث والأصولية وبين مطالب التحضر والعيش العصري، دون صراعات تغتذي بالعنف والعنف المضاد، حتى يصبح لشخصيتنا البروز الواضح، ومن ثم نتمكن من الوقوف أمام الآخر بشكل مقنع يبرز حقنا في حياة متنامية وفكر متواصل بمنطقية مع مقتضيات العصر. وحتى يصبح الدين بالفعل، دين الجميع- لا ديناً تركبه جماعة ضد جماعة- وبالتالي تصبح الدولة دولة الجميع)

الإعلام وحرية التعبير:

أن إتاحة المعلومة للصحفي وللكاتب والمراقب توضح الحقائق، لكن عملية التعتيم على المعلومة تعطي الصحفي وأي كاتب مجالا للاجتهاد. وتحتاج وسائل الإعلام الحرة والمستقلة أو النزيهة من الحكومات أن توفر لها بيئة تتسم بالشفافية والتنظيم، وتوزيع متساو لذبذبات البث، وتهيئ فرصاً لجميع أجزاء المجتمع للإطلاع على مخرجات وسائل الإعلام، وكذلك المشاركة والمساهمة في مدخلاتها بالقول والفعل والتعبير شفوياً وكتابةً. والضابط هو القانون والمحاكم وليس ترهيب الكاتب أو تعذيبه، ولا الخطوط الحمراء المعلنة أو الدفينة. ونتساءل أيهما الأقوى أهي الكلمة الحرة أم القوة والتسلط والسجون والقيود واستباحة جسد الإنسان، أوأننا ما زلنا نؤمن بمقولة متوارثة كما قالها أحدهم (إن الكلمة ظالمة والسيف عادل؟)
وليس من قبيل التيئيس أتساءل هل كان في يوم ما وفي مكان ما أي أثر فعال للكلمة الصادقة وحرية التعبير أي تأثير على أي نظام أو غيرت واقعاً ما؟ وللاستدراك أرى أن أستثني حالتين في التاريخ، وهاتان الحالتان كما أعتقد هما في حالة الثورة الفرنسية، حيث سبق وهيأ الفلاسفة والأدباء والمفكرون الشارع لما حدث.

والحالة الثانية هي تأثير كتاب الحركة الصهيونية ومفكروها وما يزالون مؤثرين وفاعلين، إذ لم يقتصر تأثيرهم على اليهود وحدهم، بل صدق العالم وما زال مقتنعاً بحق الشعب المختار حسب مقولة (شعب بلا أرض لأرض بلا شعب)، وأن فلسطين هي أرض الميعاد التي وعد الله اليهود بها.
، أبلغني واحد من أهل الفكر والعلم قائلاً:

وشهادة حق أحب أن أنوّه أنه لم يحدث في الأردن حسب علمنا قتل أو إعدامات جماعية ولا فردية، أو حتى متابعة قاسية لمعارضين أو مفكرين عبروا عن آرائهم ببعض من حرية أو في مناسبات عابرة، بينما نقرأ ونسمع أن معظم أصحاب الرأي مضطهدون أو مسجونون أو معذبون أو مشردون في بلاد العرب كلها. والصحفيون أكثر الأفراد تعرضاً للاضطهاد.

ومن ناحية أخرى تقول الدكتورة عيدة المطلق في مقال نشر لها حديثاً (شهدت السنوات الخمس الأخيرة أعنف موجات انتهاك لحرية الصحافة والرأي والتعبير في العالم أجمع، إلا أنه ربما تكون المنطقة العربية الأسوأ، سواء كانت هذه الانتهاكات من قبل النظم المستبدة أو من الظلم الوافد) وتضيف «أن إتاحة المعلومة الصحيحة مصلحة مشتركة للصحفي وللمسئول والمواطن، حيث يعمل الأول على إبراز الحقائق، وتبعد الثاني عن الاتهام والتشكيك، ويطلع الرأي العام على الوقائع دون تحريف أوتشويه».

ومن المفروض أن يمنح مشروع القانون الصحفي الأردني الحق في الحصول على المعلومات والأخبار والإحصاءات التي تهم المواطنين من مصادرها المختلفة وذلك بهدف تحليلها وتداولها ونشرها والتعليق عليها، كما يوجب هذا القانون على جميع الجهات الرسمية والمؤسسات العامة تسهيل مهمة الصحفي وطالب الحصول على المعلومة خلال مدة زمنية قصيرة ومحددة.

أما الصحفي والمدير العام لدار الصباح للنشر عرفات حجازي فيرى أن مسيرة الدول الديمقراطية لا تكتمل إلا بقانون يسهل الحصول على المعلومات، ويقول «أن قانون ضمان حق الحصول على المعلومات تشريع دولي لا تكتمل الديمقراطية إلا به».

شهدت الأعوام الأخيرة عددا كبيرا من حوادث انتهاك حرية الصحافة ومحاولات إعاقة الإعلامي وتهديده بسبب أدائه مهمته في نشر الحقيقة، كما تعرض إعلاميون للاغتيال وآخرون للاعتداء بالضرب والاعتقال القسري في بلاد عربية وغربية.

وفي 22 نوفمبر/ تشرين الثاني تنشر صحيفة الديلي ميرور البريطانية مذكرة بالغة السرية تضمنت اقتراحا للرئيس الأميركي جورج بوش بقصف مقر قناة الجزيرة في قطر، وذلك في محضر حديث جرى بين بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير. وأشير إلى ما يسمى ب(علقة أحمد منصور) في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2005 حيث تعرض أحمد منصور وهو من العاملين في محطة الجزيرة الفضائية لاعتداء بالضرب بينما كان واقفا قرب مكتب الجزيرة في القاهرة، ثم شاهدتم أو سمعتم ما حدث لمراسل الجزيرة حسين عبد الغني ثانية في مصر، وتعرض عدد آخر غيره ومصورون لمضايقات خلال تغطية الانتخابات البرلمانية المصرية في نوفمبر/ تشرين الثاني، وندعو بالرحمة على روح الصحفي الأردني الشاب طارق أيوب. ولا نريد أن نأتي بالأمثلة عن أدباء فلسطين تحت الاحتلال ولا الصحافيين هناك، فهي ملء أسماعنا بل حواسنا الست صبح مساء وكل يوم تقريباً، واسألوا محمود درويش لماذا فضل العيش في المهجر، مع أنني ضد فكرة الهجوم بالرحيل، وفرق بين صدق إبداع من يعيش بشكل دائم تحت سوط الظلم، وبين أدب الاستدعاء والذكريات.

ثم أن حوادث اعتداء أو ضرب أوإهانة أوتوقيف أو حبس حصلت في تونس واليمن وسوريا وليبيا والكويت
ويوصف العمل الصحفي في الوقت الراهن في أي بلد دون قانون عصري يحفظ كرامة الصحفي والكاتب والناقد بأنه «عمل في الظلام"
ان حرية التعبير عن الرأي يجب أن تكون ضوابطها نابعة من القانون لا من أهواء شخصية أو رغبات خاصة والقانون الذي يضبط حرية التعبير عن الرأي يجب أن يكون قانونا عادلا غير منحاز لجهة أو طرف ولا يخدم مصالح خاصة أما بالنسبة لاستخدام الانترنت فانه أمر شخصي لا ينبغي وضع القيود عليه بل يجب رفع مستوى الوعي لدى المستخدمين من أجل استخدامها بشكل مفيد.

حرية التعبير الأدبي والسياسة:

لطالما سمعنا المقولة العربية التي تقول: (الناس على دين ملوكهم) ولاشك أن كلاً منا سيتساءل عن مغزى هذه المقولة وأبعادها، هل هي خاصة بالمجتمع العربي فقط، أم قالها حكيم لتعنى العمومية في كل زمان ومكان، وهل لهذه المقولة جذور في أديان الآخرين وحضاراتهم. وإن تجاوزنا هذه المقولة، لنرى كيف يعاملنا الغير إن اخترنا ما يلزمنا بحريتنا أو رفعنا أصواتنا بحاجتنا،
مرة أخرى لا يمكن أن يعاب على العرب تأخرهم في مجال التعبير الحر بحسب تقارير التنمية الشهيرة ويعاقبوا على ممارسة حقهم في التعبير في الآن معا. أو أن يطلب منهم أن يعبروا كما يشتهي الآخرون. فكيف يكون التعبير حرا إذا ما كان مشروطا بمقابلة فلان والامتناع عن مقابلة علان. وحجب هذا الخبر ونشر ذاك والنطق بهذا الرأي وعدم النطق بذاك.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: هل لجم الكلمة توقف التهيّج؟ فالمسكوت عنه بين ثنايا المفردات قد يكون سلك التفجر، (والمعنى في بطن الشاعر) كما يقولون، والشاعر التونسي محي الدين خريف يقول:

عندما يستفيق الصباح ترى حاملات
الهدايا يوزعنها
فرحات على كل طفل بكى أو تضوّر يدعو
أباه الذي
غاب عن قلبه في المتاهات منذ تصاعد
في الأفق
سور الظلام فهذا بقايا حطام
ولذلك بارودة أو قذيفة
وعلى كل صدر تعرض للريح ألف وسام

وقد يسيطر فعل الكتابة على حرية المنشئ وينشغل بوصول الرسالة أكثر من احتفائه بالرسالة نفسها، لا سيما إذا أجريت اللغة على نحو قريب من المألوف، كما في قول الشاعر أحمد القديري - من المغرب العربي- حيث يقول:

الأرض تحتكم كالمومس العجوز
لا خصب، لا حياة، لا رجاء
كقطة تموت في الشتاء.

والتركيز هنا على صورة المومس وقد فقدت نضارتها تحت أقدام الموسرين الجشعين في مجتمع الاستغلال واستباحة كرامة الإنسان، الأرض تحتكم كالمومس العجوز، يوئسها العقم والموت واليأس، لا خصب لا حياة لا رجاء، والمعنى يتوالد ويتزايد في بطن الأديب الكاتب أو الشاعر حين تحدّ حريته في التعبير، بل يزداد تأثير التعبير عن إحساسه بعمق أكثر، وتصبح كلماته مسارب وطرقاً سالكة أو شائكة يتتبعها العارفون، وقاصدو الثراء الفكري الإنساني.
ومثال آخر عن تمكن الكاتب الشاعر قول ما يريد أدبياً وفلسفيا واجتماعيا وحتى سياسياً مشاركا أو معارضا، يقول سعد الدين شاهين من الأردن في قصيدة له من ديوانه (عطش النرجسات)

أتلهى ببعض بيت من الشعر
وأطلب من غفلتي أن تعيد حوار النجوم
لعهد القبيلة
لست أدري.. أيأذن لي سيدي
أن أمرّ على ذكره كلما عنّ لي خاطر
أن أكون؟

وأين المعتزلة؟ بل وأين ابن خلدون ونظرياته في الإسكان والحكام والمكان؟ ولماذا لم يؤثر الكواكبي في العرب، وأين الجابري، والعروي وشرابي وحنفي والأنصاري والهويدي وعبد الناصر، ثم محمد حسنين هيكل ومنذ ما يزيد عن نصف قرن وهو يحاول أن ينشئ للكلمة تأثيراً على الجمع العربي، حتى وأين أم كلثوم وفيروز و(شوارع القدس العتيقة)، وأين (عندك بحرية يا ريس) وملحم بركات.
حرية التعبير والعولمة: وبالمناسبة فإنني لا أتفق مع الناس الذين يخشون العولمة، فنحن أمة ذات جذور ضاربة في التاريخ، ولنا الكثير من الركام التراثي، حاول الصليبيون أن يعولمونا فعوربناهم، وحاول العثمانيون عولمتنا فأضعفناهم وأضعناهم، بل أعتقد بأننا بحاجة إلى العولمة والانفتاح على الآخر حتى لانظل في قوقعة التراث المتجمد الجنوبي، ولست دارساً ولا متعمقاً في أي مذهب ديني أو طائفي أو حزبي، ولكنني مخلص للثقافة المحلية أولاً ثم القومية، وأرى أننا بممارستنا لحريتنا في الفكر والتعبير فإننا نعمل على صهر الثقافات المحلية والقومية والفردية والطائفية والخارجية في قدور كتابتنا وكلامنا، فكيف نحمي حريتنا في التعبير ونكرسها لخدمة أفكارنا ومعتقداتنا وطموحاتنا وحاجات أمتنا

1- وقف القيود على حرية الإبداع وذلك بعملنا الدؤوب لكسب ثقة المحيط الاجتماعي والسياسي بتجنب التشنج، والحرص على الشفافية في التعبير الحرّ عن قناعة واقتدار

2- التفاعل مع الثقافة الموروثة بروح العصر، مع مراعاة المحلية والخصوصية، وبالمعرفة والتحرك في الحدود المتاحة، والتدرج بالمطالبة بتوسيع الهوامش دون توان.

3- ككتاب وأدباء وصحافيين وفنانين علينا عبء كبير، فلا بد من مسح ثقافة الإحباط من نفوسنا ونفوس من هم حولنا، أو التقليل من أثر مثل هذا الإحباط، وعلينا أيضاً دوام نقد الذات دون دوام جلدها، والعمل المخلص على إبراز خصائص الشخصية العربية ونقائصها.

4- فتح الأبواب المعرفية أمام القارئ والمستمع والمشاهد، والعمل على فسح المجال أمام الحوارات والنقاش والتحليل بشكل متواصل.

5- الاعتراف بالآخر استماعاً وقراءة وحواراً وتفهماً ومعارضة ومقارعة الحجة بالحجة. والعرب كانوا مصدر إشعاع ثقافي حضاري لقرون طويلة، وتفاعلت الثقافة العربية مع كل الثقافات ولم تتقاطع معها، بل تبنت وعدلت واستوردت وعوربت الكثير الكثير من تلك الثقافات، وحاولت تجنب رفض الآخر أو إلغائه أو الصدام مع ثقافاته.

6- الوقوف بجانب المبدع الحقيقي ودعم حريته في التعبير عن نفسه، ولنحارب جميعاً من أجل دعم النشر والتأليف والنقد البناء، ودعم كتابات الشباب الواعدة من الجنسين، وفي كل المناطق والمواقع، لا حصر ذلك في العاصمة والمدن الكبرى.

7- القراءة وتجديد الفكر، ومطالعة المترجم من الثقافات الأجنبية وآدابها وترجمتها ونشرها ما أمكن واستيعابها، وتحليل ظروفها وبيئتها.

8- مشاركة المرأة في التنمية الثقافية، بتفهّمها وفسح الفرصة لها لتتبوأ بقدراتها الفردية المكانة اللائقة ، مساوية للرجل أو حتى قبول تقدمها على الرجل إن كانت مؤهلة، وأرى أن المرأة الأردنية خطت خطوات واسعة في بلدنا كي تتبوأ دوراً نفتخر به، وذلك بدعمها رسمياً ومؤسسياً واجتماعياً وقبولاً، لكنني أعجب كيف تقبل امرأة مثقفة تثق بنفسها أن ينظر لها على أنها ليست أمينة على نفسها، وأن حمايتها من التطفل والإغواء تأتي بوصاية أو نصيحة ذكورية، ولست بصدد إثارة إشكالية ، وأرجو أن تتذكروا أننا في جو حرية الكلمة.

أرى أن حرية التعبير عامل أساسي للرقى الحضاري للأمم، وهي ضرورة تتناسب مع المدارك العقلية والنفسية للفرد، وهنا أتذكر صديقي العجوز إن كان ما زال حياً، أو. . . . (إنك ميت وإنهم لميتون).

(ملاحظة: كلمة في ندوة أقيمت في مكاتب رابطة الكتاب الأردنيين بدعوة من لجنة حرية التعبير يوم السبت الموافق 29/4/2006)


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى