الخميس ٢٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٧
بقلم مروة دياب

وهذي وفود الشرق قد بايعت معي

أميرَ القوافي قد أتيتُ مبـايعًا
وهذي وفود الشرقِ قد بايعت معي [1]

عذرا..

هو ما نمكله مطأطئي الرؤوس لجدنا الأمير أحمد شوقي.

نعم، لم أكن في يوم من الأيام من مُحِبّي شعره، و لكنني يومًا لم أُدْخِل ذلك سوى من باب "فهي الشهادة لي...... أي له "أحمد شوقي"..

و لكنني -يومًا أيضًا- لم أُنْكِرْها عليه فهو شاعر رغم أنوفنا و هو أحمد شوقي الذي انحنى له كبيرنا قبل صغيرنا.

و بصرف النظر عن كونها مُعْطاةً له بمرسوم ملكي أو غيره، من منا قادر على إنكار استحقاقه لأكثر من ذلك؟ أترانا نبالغ إن قلنا إنه –و البارودي و حافظ و غيرهم- جسر عبور العربية من عصر الانحطاط و تمويه الهُوِيَّة إلى بر خصب نرتع فيه إلى الآن؟؟

لا أنكر أني كنت وسط الجموع التي فرحت لدخول الشعر أخيرا بؤرة اهتمام جماعي غير مسبوق في هذا العصر، و ما دمنا في معرض عرض ما أنكر و ما لا أنكر..

الألقاب: ليس لدينا –و لن يكون- سوى أمير شعراء أوحد، و ملك ضليل و شاعر نيل و شاعر قطرين أوحدون، هذه الألقاب أعطاها الشعرُ نفسه لمن انتزعت شاعريتهم ذائقةَ النقاد و الجمهور.. و النقاد ثلة من الأولين و قليل من الآخرين، أما الجمهور فقد ودعوا مسرح الشعر إلا من رحم ربي و قليل ما هم. أما تساقط الألقاب عبر الفضائيات و الرسائل و أعلام الدول فهو العبث عينه.

تجنيس الشعر: حَوَّلَ الأمر برمته إلى مضمار سباق يمسك الجهلُ و الطائفية القبلية طرفيه.. فلا وجود لملح شعري في فضاء يتردد فيه الشاعر الإماراتي معتوق، أو المصري مصطفى الجزاز، أو السودانية روضة أو الفلسطيني تميم البرغوثي، خاصة أمام غياب ذائقة المتلقي كلية و جهله بأدنى فنيات أو جماليات الشعر واتساع الفجوة العربية العربية حتى بين أبناء القطر الواحد. ظني أنه لو رُشِّحَ فلسطينيان أحدهما من حماس و الآخر من فتح لاندلعت نيران جديدة. أو من الحزب الوطني و آخر من الإخوان في مصر لقرأنا واقعا جديدا.

التصويت: كيف يتاح لجمهور فقد أهليته قبل ولادته ولا يعرف من الشعر إلا اسمه؟!!

تجاوزات علنية: -كما ورد في صحيفة تشرين 15 سبتمبر-

1- شرط العمر، و الذي لم يتجاوز 45 عامًا سوى للمعتوق 48 عاما (وفقا لوثائق معجم البابطين)، بينما ورد في موقع (أدب) أنه من مواليد 1963م.

2- عدم الالتزام بموعد انتهاء التقدم الذي أعلن عنه و استمرار المقابلات بعده بفترة.

3- ارتباك الهيئة التنظيمية و النظام في كل شيء و الذي بدا واضحا على الشاشات و أيضًا في القرارات بإجازة 88 شاعرا بدلا من 60 كما أُعلنَ سلفا.

4- السبعة الذي تم اختيارهم بالقرعة –كما قيل- للمشاركة في الحلقة الأولى، سحبوا أمامنا 6 أسماء لتظهر على الشاشة صور سبعة شعراء.. و تداركا للأمر قاموا بسحب اسم آخر ليطابق بقدرة قادر الصورة التي انتفضت للشاعر السابع.

5- ماذا عن أخطاء لجنة التحكيم نفسها؟!! ماذا عن استبعاد شاعر سكن القافية؟!!!

يحضرني شلال لا حصر له من القصائد المقيدة القافية، نعم ليس معنى أن فلانًا قبلي فعلها فقد قُبِلَتْ، و لكن ما من "رأي" عروضي خَطَّأَ تسكين القافية أو قَبَّحَهُ بل سماها العروضيون -الذين لم يتتلمذوا في مدرسة "مسابقة أمير الشعراء" بعد- بالقافية المُقَيَّدة و عسكها المطلقة أي المتحركة.

المتنبي:

أزائرٌ يا خيالُ أم عائدْ؟
أم عند مولاك إنني راقدْ

ليس كما ظن غشية عرضت
فجئتني في خلالها قاصدْ

المتنبي أيضًا:

بكُتْبِ الأنام كتابٌ وَرَدْ
فَدَتْ يَدَ كاتبِهِ كُلُّ يدْ
يعبر عما له عندنا
و يذكر من شوقه ما نجد

الشابي:

إذا الشعبُ يومًا أراد الحياةَ
فلا بد أن يستجيب القدرْ

و لا بد لليل أن ينجلي
و لا بد للقيد أن ينكسرْ

و ماذا لو لم تكن الكلمة التي اعترضوا عليها قافية أصلاً؟!!!!!! تلك إذا طامة أخرى..

6- الحديث مع الشاعر فيما لا علاقة له بالشعر و إجازته بناء على ذلك!!

 سؤال واحدة عن عمرها سبب في قبولها!!

 ذكر بيت من شعر قديم ورد فيه اسم الشاعر مشتاق من الهند سبب في قبوله!

 جمال فتاة سبب في قبولها!!

7- المستوى الفني المتدني للقصائد المتأهلة، و الانغلاق على الجلبة و الزعيق و الخطابية المباشرة العقيمة و التي تخرج النص من كونه شعرا إلى كلامٍ موزون برتابة قاتلة مقفى بصفاقة.

8- لم يكن البرنامج أو المسابقة أو ما شئتم تسميته لغة عصرنا أو جيلنا.. نحن أغلقنا باب النواح و الجعجعة، و جلسنا نسكب الدمع أمام اللبن الذي سبقه و ندرس بالشعر أوجاعنا و نحلم به و نعيش عليه و ربما لأجله.

9- نهاية.. كيف ننصب أميرًا للشعراء جميعا و لم يشمل الاختيار أعلاما هي الشعر في عصرنا كمحمود درويش وأحمد بخيت و أحمد عبد المعطي حجازي و غيرهم؟؟ و لو افترضنا أن المسابقة للشعراء الجدد فهل هناك شعراء جدد وشعراء نصف عمر و شعراء أكل عليهم الدهر و شرب؟ و لو قلنا إنها لغير المعروفين من الشعراء ممن أدارت لهم الكاميرات ظهورها فهل نأخذ شريحة منهم لنفضلها على البقية ممن عُرِفوا سواء كان ذلك بشاعريتهم أو عن طريق بلاط السياسة الرحب؟

أخرجوا الدين و الشعر من لعبتكم. و اخرجوا مع أميركم، و ليخرج مع قصيدته التي لم تكن سوى عروض فحسب.

جدي أحمد..

قذرة هي السياسة، لم تغزُ شيئًا إلا أسِنَ..

و حين غفلتُ وصيتك:

ففي القتلى لأجيالٍ حياةٌ
وفي الأسرى فدىً لهمُ و عِتْقُ
وللحرية الحمراء بابٌ
بكل يـدٍ مضرجة يـدقُّ

جنيتُ ما جنيتُ و دَنَّسْتُ عرشَكَ بيديْنِ من وهن..

و ها قد فهمتُ، فندمتُ حين لم يعد يجدي الندم و حين استحوذت المادة على قوة الحق و الوجدان و الروح، فلا أظن يا جدي أن من لم ينتفض للدين و الوطن و الوحدة حين أصدأتهم السياسة سينتفض للشعر حين قصت أجنحته النورانية.. فعلى الجمال السلام أيضًا.

فعذرا.. رفعت الأمانة و أوسد الأمر لغير أهله..

فإننا في زمن تنبأ به جدي –و جدك- المتنبي حين قال:

صار الخصي إمام الآبقين بها
فالحـر مستعبـد و العبـد معبود

ما كنتُ أحسبني أحيا إلى زمن
يسيء بي فيه عبدٌ [2] و هو محمود

و عندها لذ طعمَ الموت شاربه
إن المنـيـة عنـد الـذل قنـديد

و عذرا..

لأننا في عصر تنتزع البيعة فيه ليزيد، و ليس بوسعي أن أكون الحسين..


[1من قصيدة للشاعر الراحل حافظ إبراهيم مهنئا أمير الشعراء أحمد شوقي

[2في رواية أخرى "يسيء بي فيه كلبٌ" و في الحالتين لا يُقْصَدُ التعدي بالإهانة على الفائز.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى