الأربعاء ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧
بقلم جميل حمداوي

فاروق أزنابط المخرج الأمازيغي المتميز في منطقة الريف

تمهيـــد:

يعد فاروق أزنابط من المخرجين المتميزين في المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف، ويعتبر من أكثر المخرجين تراكما وإنتاجا، فقد أخرج أكثر من 14 مسرحية متنوعة الدلالات والأشكال. وقد امتلك تجربة إبداعية كبيرة في مجال التشخيص والسينوغرافيا وتكوين الممثل وتدريبه أحسن تكوين، وتميز أيضا بمهارة الإخراج وتأثيث الخشبة الركحية.

ومن المعروف أن فاروق أزنابط بدأ مسيرته الفنية في مجال المسرح منذ السبعينيات بدار الشباب بمدينة الناظور، وانضم إلى عدة جمعيات ثقافية ومدنية (جمعية أهل الدربالة، وجمعية إلماس، وجمعية النهضة،....)، وأحزاب سياسية وخلايا نقابية، وشارك بكل تفان ونشاط وفعالية في تأسيس مجموعة من الفرق المسرحية كفرقة أپوليوس وفرقة أسام.

زد على ذلك، أن فاروق أزنابط هو الذي أخرج المسرح الريفي من عزلته الضيقة إلى فضاءات واسعة، فسافر به داخل الوطن وخارجه، ووصل به إلى مجموعة من المهرجانات والإقصائيات (الدار البيضاء، وأگادير...)، فذهب المسرح الأمازيغي معه لأول مرة إلى مسرح محمد الخامس، وانتقل معه كذلك لأول مرة إلى القناة التلفزية المغربية، وفاز ممثلوه بعدة جوائز تقديرية مادية ومعنوية ورمزية، وأذكر على سبيل الخصوص الممثلة الأمازيغية القديرة لويزا بوستاش.

وما يعرف عن فاروق أزنابط بين عامة الناس ونخبة المثقفين أنه أكثر المخرجين الأمازيغيين اجتهادا ونشاطا وحبا لعمله الدؤوب في مدينة الناظور، حيث يمارس فيها التأليف المسرحي والتشخيص الركحي والإخراج والسينوغرافيا على الرغم من الإمكانيات المادية والمالية الهزيلة والعوائق البيروقراطية التي يتعرض له كل مثقف كيفما كان في هذه المدينة.

1- دلالات الريپرتوار المسرحي:

تناول فاروق أزنابط في ريپرتواره المسرحي المتنوع مجموعة من التيمات والقضايا التي تؤرق الإنسان الأمازيغي بالمغرب الأقصى. ومن بين المواضيع التي تطرق إليها فاروق أزنابط نذكر: الهوية الأمازيغية، واستحضار الذاكرة الأمازيغية القديمة، والتشبث بالأرض، وتناول تاريخ المقاومة الريفية، وتصوير المرأة والحب، والتقاط المشاكل اليومية للإنسان الأمازيغي في الريف كالمشاكل السياسية والاجتماعية والثقافية، وتناول المواضيع القومية والإنسانية.

هذا، وقد تشكلت انطلاقة فاروق أزنابط منذ منتصف السبعينيات حينما ساهم في بلورة عمل مسرحي بعنوان "ءيرحاگد ءاميثناغ/ وصل ابننا"، وقد عرضت هذه المسرحية سنة 1978م في ميضار والعروي وزايو، وقدمت كذلك لصالح عمال مناجم الحديد وعمال شركة السكة الحديدية " سيف ريف" بوكسان، وعرضت أيضا بقاعة الجماعة بآيت سيدال. والمسرحية من تأليف وإخراج جماعي، وقد أعدت في إطار جمعية "أهل الدربالة". ومن الممثلين الذين شخصوا هذه المسرحية فخر الدين العمراني، وفاروق أزنابط، ورشيد العبدي الذي يعد الفقيد الأول للمسرح بمنطقة الريف، ولحميدي محمد، والعربي عبد العظيم، ومصطفى بنعلال، وعبد الكريم بوتكيوت.

وتتناول المسرحية عودة أحد الأبناء من جبهة القتال أثناء الصراع المغربي الجزائري حول الصحراء.

وبعد ذلك، سيخرج فاروق أزنابط مسرحية قومية تتحدث عن القضية الفلسطينية، وتبين كيف تم احتلال الصهاينة لأراضي فلسطين، وكيف أثبتوا مشروعيتهم في البقاء داخل الأرض المحتلة، وهذه المسرحية تم عرضها في سنة 1992م وهي بعنوان: "ثساعات ن سلام/ ساعة من سلام". وقد كتبت هذه المسرحية باللغتين: العربية والأمازيغية من قبل رشيد الشيخ. ومن أهم ممثليها: فاروق أزنابط وفدوى بومزوغ والطاهر بوزمار ورشيد.

وفي نفس السنة، يخرج مسرحية أخرى بعنوان "ءامقاز ءيمظران/ حفار القبور"، وقد كتب هذه المسرحية الأديب والمبدع الأمازيغي المعروف عمر بومزوغ، ومثّل فيها مخرجها فاروق أزنابط. وعرضت المسرحية في طنجة والحسيمة ووجدة والرباط.... كما عرضت في أورپا وخاصة في بلجيكا وهولندا وإسپانيا. وحصدت هذه المسرحية شواهد تقديرية وعرفت إقبالا جماهيريا كبيرا.

وتصور المسرحية شخصا منعزلا عن المجتمع يعيش بين القبور، ولما أراد أن يحتك بالعالم الخارجي، لم يستطع التأقلم معه لتردي قيم المجتمع وانحطاط الإنسان، فقرر العودة إلى مكانه الأصلي ليحفر قبرا يختفي فيه نهائيا، ليرتاح من قسوة العالم الخارجي وفظاظته اللعينة.

وسيخرج فاروق أزنابط في السنة الموالية (1993م) مسرحية أسطورية أخرى تحت عنوان "نونجة"، وأصل هذه المسرحية قصيدة شعرية غنائية أمازيغية كتبها الشاعر أحمد الزياني بعنوان "نونجة" في ديوانه الشعري "ءاذاريغ گزرو/ سأكتب فوق الحجر"، ثم حولت إلى عمل درامي. ومن أهم ممثليها: أحمد زاهد ومحمد الماحي وأحمد العبدلاوي ولويزا بوستاش وفاروق أزنابط، وقد عرضت المسرحية مرتين في سينما الريف.

وتجسد المسرحية صراع الرجل مع الغول لتخليص نونجة التي أوشكت أن تقع بين أنيابه ومخالبه الحادة، وبذلك، فالمسرحية تصور ثنائية الخير والشر. وتحيل نونجة هذه المرأة الأسطورية الحكيمة في قصيدة أحمد الزياني وعرض فاروق أزنابط على الهوية الحضارية للإنسان الأمازيغي وكينونته الوجودية.

ومن جهة أخرى، قدم مسرحية" ثرايثماس" سنة 1993م، بعد أن تم تحويل قصيدة الشاعر الأمازيغي أحمد الزياني بنفس العنوان إلى هذا العرض الدرامي. والمسرحية من إخراج وتمثيل فاروق أزنابط. وقد عرضت في الناظور مرة واحدة، لأنها لم ترق إلى المستوى المطلوب حسب النقاد والمشاهدين الذين عاينوا مشاهد هذا العمل الدرامي.

وتصور المسرحية تجربة غرامية عفيفة بين عاشقين أمازيغيين، وفي نفس الوقت تعالج قضية الحب العذري في البيئة الريفية، كما تجسد نظرة الإنسان البدوي إلى المدينة ومواقفه منها. وقد مثل هذه المسرحية كل من أسماء البقالي ومحمد زروال وفاروق أزنابط.

كما أخرج مسرحية "بويجاروان" التي تهتم بموضوع الهوية والعودة إلى الجذور الأصلية والتشبث بالكينونة الأمازيغية. وقد شخصها كل من محمد البغيوسي وفاطمة الورياشي ومجموعة من الأطفال بالإضافة إلى فاروق أزنابط.

وسيخرج فاروق أزنابط في سنة 1995م مسرحية "ثاندينت ن تيارجا/ مدينة الأحلام"، وهذه المسرحية كما هو معروف عند عموم المثقفين من تأليف الكاتب الأمازيغي الطاهر الصالحي. وهي مسرحية ذات أبعاد تاريخية وأسطورية واجتماعية، وقد احتضنتها جمعية إلماس الثقافية. ومن أبرز ممثليها: فاروق أزنابط، ومصطفى بنعلال، والممثلة الهولندية ميكو صدام التي شاركت بصوتها في دور ملكة نوميديا، وعرضت هذه المسرحية الجيدة مرتين في مدينة الناظور.

ويتناول مضمون المسرحية محاكمة يوغرطة من قبل المناضل ماسينيسا بعد أن تم التفريط في الهوية والكتابة الأمازيغية. وبعد فترة البكاء والندم، تنتهي المسرحية بلحظة الإشراق بتقديم القلم والقرطاس على طاولة الركح للدلالة على بداية لحظة العلم والتغيير والتنوير والتثوير الجذري.

ويواصل أزنابط اجتهاده الدؤوب بمسرحية أخرى سنة 1998م تحت عنوان "ءاظاراف/ الإسكافي" والتي نالت جائزة أحسن مونولوگ في هولندا. وقد قدمت هذه المسرحية الفردية التي أبدعها أزنابط تأليفا وإخراجا وتشخيصا باسم جمعية النهضة الثقافية. وعرضت وطنيا في طنجة والرباط والدار البيضاء ووجدة وتطوان وفاس والحسيمة وفي الجامعات المغربية...

وعلى الصعيد الأورپي عرضت في إسپانيا وبلجيكا وهولندا وتوافدت عليها بكثرة الجالية المغربية والعربية على حد سواء، هذا ما جعلها تنال شواهد تقديرية ومعنوية وتشجيعا فنيا كبيرا.

ويفلسف المخرج في هذه المسرحية التراجيدية الساخرة الأحذية التي كان يصلحها تصويبا وترقيعا، وهي تحيل على أصحابها الذين ينتمون إلى طبقات اجتماعية مختلفة، وسيجد هذا الإسكافي في الأخير حذاء قديما مصنوعا بالحلفاء. وسيشحذ هذا الحذاء القديم ذاكرته بمجموعة من الرموز الأمازيغية القديمة التي تعبر عن الهوية الحقيقية للإنسان الأمازيغي.

أما مسرحية "أمتلوع/ التائه"، فقد قدمت سنة 2001م، وهي من تأليف وإخراج وتشخيص فاروق أزنابط. وعرضت المسرحية في كل من إسپانيا وبلجيكا، وعرضت أيضا سنة 2004م في قاعة "ثشغناس" بإقليم الناظور.

وترصد مسرحية "أمتلوع/ الضائع" تجربة حمو الذي أراد الهجرة نحو إسپانيا من أجل البحث عن الشغل ووسائل الحياة السعيدة والاستقرار، بيد أنه يجد صعوبات أثناء المرور بالحواجز الحدودية التي تفرضها جمارك الدولة المستقبلة. وتشخص المسرحية معاناة حمو وإحساسه بالغبن والدونية أمام بطش الأجانب واستغلالهم للإنسان المهاجر.

وعرضت مسرحية "ثابرات/ الرسالة" لأول مرة سنة 2004م، وهي من تأليف مصطفى القضاوي وإخراج فاروق أزنابط. ومن أهم ممثلي هذه المسرحية: بنعيسى المسيتري ومريم السالمي ومحمد البغيوسي والإسپاني داڤيد ديكوس بلانكو. وقد تم عرضها بمدينة الناظور والحسيمة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.

وعرضت هذه المسرحية للمرة الثانية في قاعة نيابة التعليم يوم الاثنين 01 آب/ أغسطس 2005م في إطار المهرجان الثقافي والفني لمدينة الناظور. ومن ممثلي هذه المسرحية فاروق أزنابط وعمرو خلوقي وآيت إسماعيل ومريم السالمي وإنسي.

وقد تناول أزنابط في مسرحية" تابرات/ الرسالة" قضية الهجرة وعبر عنها بأسلوب يجمع بين الكوميديا والتراجيديا ضمن رؤية اجتماعية إنسانية ترصد معاناة الإنسان الأمازيغي المهاجر، وآثار هجرته على الأسرة من النواحي النفسية والاجتماعية والاقتصادية.

وقدمت "فرقة أسام للمسرح" سنة 2005م مسرحيتها "بوثغواوين/ صاحب القمح المحمص"، وهي من تأليف فاروق أزنابط وبنعيسى المسيتري، وإخراج وتشخيص فاروق أزنابط. وقد عرضت بهولندة بمناسبة 400 سنة من تاريخ العلاقة المغربية الهولندية بدعوة من بلدية دينهاخ بأمستردام.

وتناول فاروق أزنابط في مسرحيته " بوثغواوين/ صاحب القمح المحمص" عدة قضايا اجتماعية وسياسية كهجرة الأفارقة، وانعدام الديمقراطية، والتعرض لإنفلوانزا الطيور، ومعالجة قضية التعليم وإشكالية الهوية الأمازيغية.

وسيقدم فاروق أزنابط مسرحية أخرى ذات أبعاد تاريخية رومانسية تحت عنوان "ءارياز ن وارغ/ رجل من ذهب"، وقد ألف هذه المسرحية التاريخية الكاتب الأمازيغي المعروف أحمد زاهد وأخرجها فاروق أزنابط في نسختها الثانية بعد أن تولى الأستاذ فخر الدين العمراني إخراجها لأول مرة، وقد عرضت من قبل "جمعية أپوليوس" في مهرجان المسرح الأمازيغي الاحترافي بالدار البيضاء سنة 2005م.

ومن أهم الممثلين في هذه المسرحية التي يبلغ عدد أفرادها 23 شخصا منهم: لويزة بوستاش ووفاء مراس وسميرة المصلوحي وفاروق أزنابط ومصطفى بنعلال وحسن العباس وبنعيسى المستيري ومعاشي الطيب والطفلة سارة الدريوشي والطفلان: إسماعيل أزنابط وأنس العباس....

وقد توّجت هذه المسرحية بأحسن جائزة على الصعيد الوطني في المهرجان الأمازيغي الاحترافي في مجال الإخراج (فاروق أزنابط)، وأحسن نص (أحمد زاهد)، وحصلت لويزة بوستاش على جائزة أحسن ممثلة في هذا المهرجان.

ومن المعروف أن هذه المسرحية عرضت في شهر رمضان بمسرح محمد الخامس بالرباط. وهي المسرحية الأمازيغية الوحيدة إلى حد الآن التي قدمتها الإذاعة والتلفزة الوطنية المغربية (القناة الأولى) من منطقة الريف وذلك في 17 تشرين الثانى/ نوفمير سنة 2006 م.

وتشخص هذه المسرحية المقاومة الأمازيغية بمنطقة الريف إبان ثورة عبد الكريم الخطابي في صراعه الملحمي ضد التواجد الإسباني على أراضي المغرب في الشمال الشرقي والغربي. لكن المسرحية تصور نموذجين متقابلين: نموذج المجاهد المقاوم في شخصية " عمرو" الذي كان يقدم مساعدات لوجيستيكية للمجاهدين ويساعدهم بالأسلحة، وقد حول منزله إلى مخبأ للمجاهدين الأوفياء. بينما النموذج المقابل، يتمثل في خونة المقاومة الريفية التي يمثلها كل من بويوزان وأقرقاش.

وقدم فاروق أزنابط آخر عمل مسرحي سنة 2006م في مدينة الحسيمة تحت عنوان "ثازيري ثاميري/ القمر العاشق". وقد شارك في تمثيل هذه المسرحية مجموعة من الممثلين والممثلات ونذكر على سيبل التمثيل الممثلة القديرة وفاء مراس وبنعيسى المستيري.

وترصد هذه المسرحية قصة شاب يحب فتاة ريفية أمازيغية إبان الحرب الأهلية الإسبانية حبا عذريا جنونيا. بيد أنه سيرسل إلى غمار الحرب الضروس ليحارب في صفوف فرانكو ضد الجيش الجمهوري. وبعد فترة، سيخبر أحد المحاربين المرسلين إلى الجبهة الإسبانية عشيقته بموت حبيبها، فتحزن الفتاة كثيرا على فقدانها لعشيقها المخلص إلى أن تموت كمدا ويأسا. ولكن حبيبها سيعود إلى البلدة، فيجد حبيبته قد ماتت، فيقرر في الأخير أن يعود إلى ساحة الحرب بعد فقدانه لمعشوقته المثالية. ومن ثم، فالمسرحية عبارة عن قصة واقعية ذات أجواء حربية ورومانسية.

2- الجوانب الجمالية والفنية:

جرب فاروق أزنابط في إخراج مسرحياته القالب الفردي والقالب الحواري الجماعي، كما زاوج بين الكوميديا الفكاهية والمأساة التراجيدية كما في مسرحيته الجميلة "ثابرات/ الرسالة". أضف إلى ذلك أنه شغّل عدة اتجاهات فنية كالاتجاه الكلاسيكي (جل المسرحيات كلاسيكية من حيث البناء الدرامي)، والاتجاه الرومانسي (ثازيري ثاميري/ القمر العاشق، ثرايثماس)، والاتجاه الواقعي (ثيساعات ن- سلام/ ساعة من سلام)، والاتجاه التاريخي (ثاندينت تيارجا/ مدينة الأحلام، ءارياز ن وارغ/ رجل من ذهب)، والاتجاه الأسطوري (نونجة، بويجاروان).

وتخضع مسرحياته للتحبيك الدرامي الأرسطي من حيث احترام الوحدات الثلاث: وحدة الحدث، ووحدة المكان، ووحدة الزمن، وتقسيم المسرحية إلى مشاهد ولوحات وفصول مع احترام الخطوات الثلاث في التحبيك: تقديم الأحداث، وتعقيد المشكلة، وإيجاد الحل للمشكلة.

وما يلاحظ على أزنابط أنه ينتقل على مستوى المواضيع من القضايا المحلية والوطنية إلى قضايا قومية وإنسانية. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى انفتاحه وتسامحه وصدق إنسانيته، كما يتجلى ذلك واضحا في دفاعه المستميت عن الإنسان الفلسطيني والإنسان الإفريقي.

ويتكئ مسرح فاروق أزنابط على توظيف التراث وتكسير الجدار الرابع واستعمال الأمثال والأغاني والأشعار وتوظيف الأسطورة واستقراء الذاكرة الأمازيغية القديمة والوسيطة والحديثة، واستكناه تاريخ المقاومة الأمازيغية، وتأثيث الخشبة تأثيثا جيدا مع التحكم الحسن في السينوغرافيا والعلامات البصرية.

كما يتشدد أزنابط في مقاييس تدريب الممثل وتكوينه بطريقة صارمة تتسم بالجودة والإتقان والإخلاص والتفاني في العمل.

ومن المعهود أن فاروق أزنابط لا يترك ديكور العرض المسرحي فارغا، بل يؤثثه سينوغرافيا مستعينا في ذلك بالإضاءة والموسيقا والإكسسوارات الوظيفية المكملة، والاستعانة كذلك بأجساد الممثلين كوليغرافيا وحركيا وغنائيا.

هذا، ويتميز أعمال فاروق أزنابط بكثرة الكم وجودة الكيف، إذ يعد في المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف أكثر إنتاجا وتراكما في عدد العروض المسرحية التي أخرجها ومثّل فيها (أكثر من أربعة عشر عرضا مسرحيا)، والتي قدمت في المغرب وخارجه مرات كثيرة (عرضت مسرحية "ءاظراف/ الإسكافي" أكثر من 25 مرة بالمغرب وأورپا).

ومن جهة أخرى، فقد جمع فاروق أزنابط بين التمثيل والإخراج في الكثير من عروضه على غرار فؤاد أزروال. وهو كذلك أول من تعامل مع الشعراء والأدباء كأحمد الزياني وعمر بومزوغ.... وهو أيضا أول من قدم ممثلة أمازيغية من منطقة الريف فوق الركح المسرحي وهي لويزا بوستاش بعد أن كان المسرح في المنطقة محصورا على الذكور.

ويميل أزنابط في مسرحياته إلى استخدام المسرح الفردي وتشغيل المنولوگ طوال المسرحية بروعة فنية رائعة كما في مسرحيته "ءامقاز ءيمظران/ حفار القبور"، ومسرحية "ءاظراف/ الإسكافي"، وقد تميز فيه كثيرا إلى أن أشاد به النقاد الأجانب في أوروپا.

هذا، وقد استقى أزنابط أعماله الدرامية من الواقع والبيئة الريفية ومن التاريخ الأمازيغي القديم والحديث، واستلهم أيضا الموروث الأسطوري وفنون الأدب المحلي.

خاتمـــــة:

يتضح لنا، مما سبق، أن فاروق أزنابط استطاع أن يبوئ المسرح الأمازيغي مكانة هامة، وأن يخرجه من بوتقة الانعزال والانكماش داخل البيئة الريفية إلى فضاءات فنية أرحب. لذا، هاجر بمسرحياته داخل الوطن وخارجه من أجل أن يعرف الآخر بالمسرح الأمازيغي الريفي، لما يمتاز به من نضج فني على المستوى التقني والبصري، وما يتسم به من جودة على مستوى التشخيص والدلالة والسينوغرافبيا والإخراج.

ويستحق فاروق أزنابط بكل صدق وموضوعية تكريما كبيرا وتقديرا معنويا عظيما، نظرا لما قدمه من أعمال درامية بارزة وجادة وناضجة أثرت بكل صراحة وموضوعية ريبرتوار المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف وأغنته بباقات ناضجة من العروض التي أثارت انتباه المشاهدين، وسحرت أعين الحاضرين، وأمتعت قلوبهم بسمو العطاء وكثرة الإنتاج.

كما يستحق منا كل شكر وتنويه وإشادة، لما بذله من مجهودات جبارة في ظروف صعبة وبإمكانيات مادية ومالية بخسة من أجل إرساء المسرح الأمازيغي والسعي جاهدا من أجل إقامته في تربة مازالت هشة ثقافيا، والعمل على تصحيح استوائه في مساره الصحيح فنيا وجماليا.

ويكفي فاروق أزنابط فخرا بأن يكون المخرج الأمازيغي المتميز بكثرة الإنتاج الدرامي وبالعروض المسرحية داخل منطقة الريف.
وعلى أي حال، يبقى فاروق أزنابط معلمة خالدة وصرحا ثقافيا يستوجب الإشادة به كلما تطرقنا إلى المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى