الأحد ٢١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧
الشاعرة نوارة لحرش:
بقلم عمار بولحبال

السنة الثقافة مناسبة أخرى لتمديد سياسة الفلكور...

صدق من قال: يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر.. فالشاعرة نوارة لحرش ينطبق عليها هذا القول، إذ تنسج خيوطها من مدينة بئر العرش الصغيرة لتمدها إلى أقاصي الأرض شرقا وغربا.. فهي تتميز بعلاقاتها الكبيرة والواسعة والطيبة مع مختلف أدباء المشرق والمغرب.. وكتاباتها الشعرية حتى وإن طُبعت بهول الألم فهي تأتي منسابة تعبر عن قلب كبير.. وفي هذا اللقاء قالت أشياءها..

- اختيارك ضمن سفراء الشعر.. ماذا يعني لك.. وماذا أضاف لطموحاتك التي أعرف أنها كبيرة جدا؟
 نـوّارة لحـرش: لقد تفاجأت فعلا بالاختيار، لم يكن الأمر متوقعا أبدا، لم يخطر ببالي مطلقا أمر السفارة هذا وما إلى ذلك، لأنني لا أفكر في مثل هذه الأمور بتاتا ولا في الألقاب ووجاهة الألقاب، أنا لا أنتمي إلى هكذا أمور، إنما أنتمي لنصي / للغتي /لمفردتي /لسمائي التي أحاول أن تكون أكثر اتساعا وأكثر زرقة، سماء تشبهني، تقولني تذرفني وتدللني إن لزم الأمر، سماء تربت علي وعلى العمر والقلب حين تكون المواسم بردا أوغربة أوجرحا طارئا أومتأصلا ومستفحلا، أما عن ما أضاف لي هذا الإختيار/ أوهذا اللقب فصدقني لوقلت لك أن الإختيار أضاف لي إحساسا آخر كبيرا وضخما بالمسؤولية أمام الذين اختاروني ووضعوا ثقتهم في، يعني هولن يضيف شيئا إلى طموحاتي قدر ما يضيف إلى درجة إحساسي بثقل المسؤولية، أما طموحاتي الكبيرة كما تقول، فهي ستظل قائمة ولا حـد لسمواتها، ستظل كبيرة ومستمرة، فالطموحات الكبيرة والمتواصلة لا تحتاج إلى ألقاب لتضيف إليها، أولتبررها، لكنها تحتاج إلى نبض غير مطفأ وإلى حاسة غير مطفأة، نبض حلم وحاسة حلم، الأحلام تهيء السماء والأرض الإنسانية للطموحات، والأحلام هي توأم الطموحات دوما وأبدا.فالحلم يرادف ويوازي الطموح تماما...تماما جدا.

- بعد " نوافذ الوجع " ما جديد الإبداع عندك؟
 نـوّارة لحـرش: نوافذ الوجع كان كتابي الأول، كان نافذتي الأولى وشجري البكر في غابة الشعر اللا منتهية المدى، وهوباختصار تجربة أولى وكفى، تجربة بكل ما فيها من اجتهادات ومن ايجابيات ومن سلبيات، فالتجربة الأولى تبقى فاتحة لمسيرة الكتابة رغم كل ما تحمله من محاسن ومن مساوئ على حد سواء، قد تكون المساوئ أكثر، لكنها تبقى تجربة أولى، يعني خطوة أولى على درب مديد، نعم الكتاب كان تجربة أولى وكفى، لأنني كتبته ونشر وانتهى الأمر بالنسبة لي، الآن دور القارئ ليكتشفه أكثر، ليحبه أوليذمه وينفر منه، ليحضنه أويرميه بحجر الهجر، دور النقد أيضا ليشتغل عليه، ليفتح فيه نوافذ أخرى، نوافذ وظيفتها أن تقوده إلى حالات التفكيك والتأويل، حالات المعنى المفتوح على كل الممكنات والإحالات.

أما عن جديدي فهوديوان جديد بعنوان " أوقات محجوزة للبرد "، وقد طلبت مني الصديقة الشاعرة زينب لعوج أن تنشره لي في دار النشر الخاصة بها الفضاء الحر، لكن وقتها الكتاب كانت قد أخذته جهة أخرى من قبل للطبع، وكان من المفروض أن يصدر في جوان لكن هذا لم يحدث. مع وتيرة الطبع في الجزائر خلال هذه التظاهرة لا أظن أنه سيطبع هذا العام. بدأت أشك فعلا في هذا، لكن، لا يهم.

- الجزائر عاصمة الثقافة العربية...ما تقييمك لها بعد هذه المسافة التي قطعتها؟
 نـوّارة لحـرش: ما يمكن أن أقوله عن هذه السنة أنها كانت سنة لبعض الأسماء التي عادة ما تتسيد المشهد وتستحوذ عليه بحق أوبدون حق، السنة لم تقدم كثيرا للثقافة بالمعنى الجدي والفاعل أوالفعال، كل ما كان خلال الأشهر الماضية التي انقضت من عمر هذه السنة هوكرنفالات الأسابيع الثقافية للولايات أوبعض الأسابيع الثقافية العربية وهذه الأسابيع عادة ما تقدم وتمجد الفلكلور والرقصات الشعبية وحتى الأكلات الشعبية، يعني تنحصر الأسابيع الثقافية المزعومة في هلاميات كرنفالية، هي أسابيع لا تشتغل على الفكر الناضج عادة ولا على الإبداع الراقي ولا على قيم فنية جمالية فعلية لافتة. السنة الثقافية هذه أرى أنها كانت مناسبة أخرى لتمديد سياسة الفلكلور ولمنحه مساحة أخرى شاسعة وواسعة على حساب الفكر والأدب والإبداع والثقافة الحـقة. ومع هذا لا أظن أن تقييمي لها سيكون له شأن أوأهمية طالما أن المؤسسات الرسمية ترى أنها حققت إنجازات عظيمة في هذه السنة وطالما أنّ الأسماء الرسمية ترى أنها أبدعت وقدمت أقصى ما يمكن أن تبدعه وتقدمه. فالشأن العام والهام لهذه السنة هومن اختصاصها ومن ابتكارها ومن استحواذها واحتكارها، وأنا مجرد عابرة في هذه السنة، عابرة عادية في سنة فلكلورية، لكن ربما الشيء الجميل في هذه السنة الذي حدث ومازال يحدث هو" ليالي الشعر العربية المشتركة "، أيضا الشيء الجميل في هذه التظاهرة هوكمية الكتب التي طبعت خلال هذه التظاهرة والتي ستطبع ربما لاحقا قبل نهاية العام، هذا هوالمكسب الحقيقي والأكيد، ( وهذا قياسا فقط بعدد ما كان يطبع في السنوات الماضية ).

لكن هذا لا يعني أن المطبوعات بريئة من بعض السلبيات، فالملاحظ حتى الآن أن الطبع مس كتبا قديمة وأعاد منحها شرعية أخرى ربما لا تستحقها. لماذا أصلا الجهات المعنية بمسألة الطبع تبدأ بطبع الأعمال المطبوعة سابقا وتدعم الأسماء المكرسة التي ظلت مدى عمرها وهي مدعمة ومبجلة بحق وبغير حق، ومن جهة تؤجل وتؤخر عملية الطبع للأعمال الجديدة وبخاصة أعمال الجيل الجديد، أكاد أقول أنّ حتى عملية الطبع خدمت أسماء وهمشت أخرى، وأنّ هناك ديناصورات كثيرة هي التي استفادت كعادتها دوما من كرم المؤسسات الرسمية، وهذا مؤسف حقا وحرام وهوأمر مجحف في حق الجيل الجديد. هذه نقطة أراها سلبية جدا في عملية الطبع وأراها ظالمة أيضا.

- هل كانت نوارة لحرش معنية بهذا الحدث الثقافي؟
 نـوّارة لحـرش: أبدا لست معنية لا من بعيد ولا من قريب بهذا الحدث /التظاهرة، فقط معنية بمتابعة ما يحدث هنا وهناك عبر الصحافة ووسائل الإعلام من باب المتابعة ليس إلا، عدا هذا أنا بعيدة جدا عن ما يحدث، فلا ناقة لي ولا جمل في هذا الحدث ولا نافذة لي ولا جدار. حتى كتابي الذي من المفروض أن يطبع في إطار هذه التظاهرة لم أعد أنتظره، ولم يعد مهما لي أن يطبع في هذه التظاهرة أوخارجها، من الأفضل ربما أن يطبع خارج التظاهرة، شخصيا لست من الذين يتسرعون في النشر، ولا من الذين يتهافتون على المؤتمرات والملتقيات.

- تتميزين عن غيرك من المبدعات الجزائريات بعلاقاتك الطيبة والكثيرة مع عدد كبير من كتاب المشرق العربي... ماذا أضافت لك هذه العلاقات؟
 نـوّارة لحـرش: الحمد لله وهذه نعمة من نعم الله، نعم لي علاقات وصداقات كثيرة مع كتاب وكاتبات المشرق العربي والخليج ومنهم المقيمين في المهجر، هي صداقات مبنية على الإحترام والمحبة والتواصل الدائم والنبيل، منذ أيام اتصل بي صديقي الكاتب الخير شوار وفي سياق الحديث سألني: " كيف حدثت كل هذه الصداقات الكثيرة والجميلة بينك وبين المبدعين العرب؟ " ثم أضاف: " هل تصدقين؟ معظم الكتاب العرب عرفتهم من خلالك ومن خلال حواراتك معهم ". ثم صداقاتنا ليست فقط إيميلات وحوارات، هناك مكالمات هاتفية بينا وتواصل دائم وهناك كتبهم التي تصلني إلى مقر البيت، هناك شجر المحبّة الذي يظللنا جميعا وهناك وهناك، وما أضافته هذه العلاقات لي هوالكثير من الفرح والكثير من الإيمان بجدوى الصداقة والكثير من المحبة والتقدير. وهذا مكسب كبير وحقيقي. وطبعا مكاسب معنوية أخرى كثيرة.

- أشعارك وجع.. ألم.. بكاء..ذكرى.. ورطة...ألا يصنع الفرح شعرا؟
 نـوّارة لحـرش: الفرح؟.. الفرح ليس وظيفة المبدع كما يقول الماغوط ، لوكان الفرح يصنع شعرا لما كان الشعر وجعا وألما وما إلى ذلك من مواسم هاطلة بالغربة الداخلية والقسوة المعنوية والأعطاب المعنوية والخرابات المعنوية ( الحقيقة في الغالب). لكن هذا لا يعني أن الفرح عقيم، بإمكان الفرح أن يصنع شيئا أوبالأحـرى أشياءً كثيرة، يكفي أنه كما الحبّ يمدنا بالرغبة في الحياة وفي التطلع إلى الغد بكثير من الحلم والإصرار والبهاء، يكفي أنه يفتح في القلب مواسم الربيع ولوفي غير أوانها.

ربما الحزن ضروري في الكتابة لكن ليس في الحياة، لأنه في الكتابة ملاذها وتيمتها، وربما لأن الكتابة هي الفن الحزين كما قال همنغواي.
- كيف تقيمين الصفحات الأدبية في الجرائد الوطنية؟
 نـوّارة لحـرش: الصفحات الأدبية في الجرائد الوطنية وعلى قلتها فتحت الكثير من مساحات الضوء للكثير من الأقلام، هناك الكثير من الأقلام التي برزت من خلال هذه الصفحات والمنابر الأدبية، وهذه الصفحات كانت شجرا قليلا في صحراء مديدة، وهذا الشجر كان من خلق المبدعين الذين يؤمنون بالأدب والشعر والفكر، لأن هناك جرائد كبرى لكن الصفحات الأدبية بها منعدمة لأنها لا تؤمن بهكذا فن وهكذا فعل، رغم أنها واسعة الإنتشار والمقروئية لكنها مجحفة وظالمة في حق الأدب والثقافة عموما، مع أنّ ملحق أدبي أسبوعي لن يضرها في شيء، لكنها تفضل تهميش الثقافة والأدب لقناعات خاصة بها وهي بكل تأكيد قناعات خاطئة في حين هناك جرائد قليلة الإنتشار والمقروئية لكنها اجتهدت في منح الأدب والثقافة صفحات أسبوعية مهمة لإيمانها بالأدب ودوره وهذا كأقل ما يمكن فعله ولها أجر الإيمان هذا ولها أجر التواجد والتواصل.

- لمن تقرئين هذه الأيام ؟
 نـوّارة لحـرش: حاليا أنا منكبة على قراءة بعض الروايات والمجموعات الشعرية التي وصلتني من أصدقائي وصديقاتي من المشرق العربي والخليج وبعض الكتاب العرب المقيمين في المهجر، لكن أكثر كتاب قرأته هذا الصيف ومازلت أقرأه لحد الآن وفي كل قراءة أستمتع به أكثر هوكتاب " تواضعت أحلامي كثيرا " للشاعرة الكويتية سعدية مفرح، لكني كلما قرأته أتساءل: لماذا تتواضع أحلامنا أصلا.

- تنشرين في كثير من المواقع الأدبية..ماذا أضاف لك هذا النشر الإلكتروني؟
 نـوّارة لحـرش: النشر الإلكتروني ليس بديلا عن النشر الورقي مطلقا، شخصيا لا أنشر أي عمل إلا بعد نشره ورقيا، بعدها أنشره الكترونيا في ما تيسر من مواقع، لكنه(أي النشر الإلكتروني) أصبح ضرورة حقيقة فاعلة ومهمة وجدية في عصرنا الحالي، يكفي أنه يمنح للعمل سرعة الإنتشار والتداول أكثر وعدد أكبر من القراء. وما أضافه لي هذا النشر هومعرفة نصي أكثر، هذا تقريبا ما يضيفه النشر الإلكتروني عادة.

- ماذا تقولين كآخر الوجع... آخر الكلام؟
 نـوّارة لحـرش: ربما لا يوجد آخر وجع تماما كما لا يوجد آخر كلام...هذه حقيقة حـدّ اليقين، لكني هنا في هذه السماء الحوارية التي ورطتني فيها أحبّ أن أشكرك كثيرا وأن أحيي فيك قلمك وإبداعك.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى