الثلاثاء ٣٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧

رأسان لكل مواطن في القاهرة

عبد العزيز نايل

ولا يمل من سرد حكاياته لكل من جالسوه، ودائما يقتحم كلَّ جمعٍ يراه، في البيت، في المقهى، في وسائل المواصلات، في المساجد، فيقصُّ حكاياتِه المؤلمة، حتى أنه كان يقصُّها على المارة.

أكسبته هذه الممارساتُ مهارة في اصطياد من يسمعه، فيحظى مرة بتعاطف بعضهم، كما أنه اعتاد ألاَّ يغضَبَ حين يستشعرُ عدم الاهتمام واللامبالاة عندما ينصرفُ البعضُ من مجلسه، فيتابعهم بابتسامته التي يتكسّر على بريقها، جبلٌ من اليقين، بأنهم كانوا منذ لحظة يجالسون واحدا من المجانين.

ظل يسردُ حكاياتِه، وكأنه يحفظُها عن ظهر قلب، فإذا انتهى منها، تتعلقُ عيناه على شفتي الذي ظل يسمعه، آملاً في وصْفةٍ يخْلُص بها من ألآمه ورعبه كلَ ليلة، ففي كل ليلةٍ كان يستيقظ من نومه فزعاً على أصواتٍ نسائية، وأصواتٍ رجوليةٍ، وأصواتٍ لها فحيحٌ مخيفٌ، تناديه، يسمعها وهو مستغرقٌ في نومه، فيصحو مرعوبا، ولا يزال صوت النداهة ـ كما اسماه بعد ذلك ـ يترددُ في أذنيه، يُدوِّّر عينيه في الغرفة، فوق تحت يمينا ويسارا، تنقبض من الخوف المثانةُ، لتفرغَ نصف مخزونها على سريره، فيسرع لإلقاء ما تبقى فيها ـ وفي طريقه يضغط على أزرار الكهرباء كلها ـ في عين الحمّام، وفي ضوء شقته المبهر، يفتش خلف الستائر وتحت الأسِرّة، ثم يدلف إلى شرفته فلا يجد سوى كرسيٍ من الخيزران يكشف عما تحته فلا يحتاج لأن يقلبه كما فعل مع جميع الكراسي والمناضد وكلَ شيء يسمح باختباء ذبابة واحدة قَلَبَهُ رأسا على عقب، يحدث ذلك كلَّ ليلة، وفي كل ليلة، يتخطى الأشياء المقلوبة، ليقتربَ من الجدران، متصنتا على ما يتخفى خلف البراويز والصور المعلقة والمرايا، لعله يجد تلك الكائنات التي تَفِحُّ بأصواتها في أذنيه، في النوم واليقظة، فلا يسمع شيئاً ولا يرى أحدا، فإذا به وقد خارت قواه، وتَرَهَلَتْ يداه إلى جواره، ليسّاقط على ركبتيه وسط الصالة الكبيرة، و تثّاقل رأسهُ فتميدُ حتى تستقر بين ركبتيه، أخذته سِنةٌ من النوم على هذا الوضع ألطفليّ، ارتعشت عيناه، فقد عاودته النداءاتُ ثانية، وهذا الفحيح المخيف، يتهادى في ممرات الأذن اليسرى وهو نفسه يتهادى في ممرات الأذن اليمنى يتصادمان فيرتفعان إلى قمة رأسه، تتفتح حين يلتقيان فُوّهةٌ خلف فُوّهَةٌ لبراكين خامدة، فتُقرَعُ طبولُ القبائل البدائية، وقرى بكاملها تَضْرِبُ بالعُصيّ فوق الصفيح، تتقربُ لآلهة البراكين حتى لا تستيقظ الحممُ الساكنةُ في رأسه، استنهضته أصواتُ النساء والرجال، وصوت الفحيح، واقفا كتمثال من البازلت، يُدّور رأسه فوق تحت يمينا ويسارا، فلا يرى أحدا، سوى شعاع الشمس يمتطيه الغبار، يجيء من بين فلقتين من الألواح الخشبية لباب شرفته.

الْتَفَّ الجيران حول صديق له، وهو يَقْرعُ الباب لنصف ساعة، قالت إحدى جاراته، هو لم يخرجْ منذ يومين، قالت الأخرى، وما أظنه حياً، ثم أرادت أن تعرف لماذا هَجَرتْهُ زوجتُه وأولادُه، تحول انتباهه إلى اقتراح واحد من الأطفال الكثيرين، أن يُكسَر البابُ كما في الأفلام، تراجع الرجل للخلف استعداداً لأن يندفعَ بكلِ قوته، كي يفتح باب صاحبه عنوة، لكن أحدَ الأطفال سبقه، وأندفع بجسده في الباب، كان البابُ مفتوحا، وخلفَ الباب مباشرة، وجَدوُه مُتَكوِّماً على الأرض وقد الْتَفَّ على نفسه ورأسه بين ركبتيه، امتلأ المكان بالجيران، منهم من تفانى مع صاحبه في إنقاذه ومنهم من صار اهتمامه أن يتفقد هذه الخرابةَ، فبدأ في تعديل وضع الكراسي والمناضد وتعليق البراويز والمرايا في أماكنها، أحضرت إحدى الجارات بصلة مدشوشة ففركت بها انفه، والأخرى أحضرت عِطرا، ولا يزال صاحبه يقلِّبه، فما لبث أن ارتعشت أجفان عينيه ثم كشفت عن العيون الغائرة قليلا.. قليلا... تقافز الأطفال عاليا وهم يرددون إنه حي، انه حي، انه حي، والنسوة يشهقن بالحمد لله....

قال لصاحبه تركتُ الباب مفتوحا، وجلست خلفه، خفت أن أموت وحدي،فأتعفن في شقتي، إثر معركتي طوال الليل،وهي لم تكن معركة متكافئة، فأنا محاط بجيش من النساء والرجال والثعابين التي تقوى على ابتلاع الجاموس والبقر، كل هذه القوةِ الرادعة، تحاربني وحدي وهي متخفية، فتهاجمني فوق سريري، ومن خلف النوافذ، ومن تحت المنضدة والكراسي، ولا أملك في مواجهتها إلاَّ خوفي ورعبي، جيوش لا تستهدف إلا أذنيّ، فما العمل لو أنها ظهرت فجأة، ماذا أصنع، وكيف أهرب من تحت سنابك خَيِلِهَا، لذا أسندت ظهري على باب شقتي، وجلست أرقب هذا الممر الضيق بين باب الشقة والصالة، حتى إن هاجمتني الخيولُ،سأحتمي بهذا الممر الذي لا يسمح إلاَّ لفرس واحد بالعبور فأعددت له عصا رفيعة وقوية، أبقيتها إلى جواري، ولأزرعها تحت بطنه لحظة أن يرفع رجليه الأماميتين،مستهدفا تحطيم جمجمتي، فتبقر عصاي بطنَه، يتهاوى سابحا في دمه، فيُسحقُ تحت جثته هذا الفارس الدميم بصوته الأجش فأكون قد سددتُ الطريق بهما على ما تبقى من هذه الجيوش،و لكنها لم تظهر بعد، يقينا هي ستظهر في ليلة من الليالي القادمة، ضحك صاحبه وردد متهما إياه، بأنه مجنون وابن مجنونة، ثم اصطحبه الي مقهى قريبا من بيته.

ربما تكون هذه الأصوات التي تناديك جزءا من أحلامك ؟

صرخ في وجهه

ـ بل إني اسمعها أكثر وضوحا من صوتك هذا

قال له ربما يكون " احد الهواتف التي تهتف باسمك بصوت مسموع وجسم غير مرئي، قال له أراك وجدت لهذه الأصوات سندا وأصلا،
فأجابه........

لتعرف أنه من عجيب ما حُكيَّ من أمر هذه الهواتف ما حكاه أبو عمرو بن العلاء قال خرجنا حُجَّاجا فصاحَبَنَا رجلٌ وجعل يقول في طريقه ليت شعري هل بغت زوجتي عليّ فلما انصرفنا من مكة قالها في بعض الطريق فأجابه صوت في الظلام ـ صوت بلا جسد ـ نعم نعم وجامعها حُجَيّه وهو رجل احمر ضخم في قفاه كَيَّه فسكت الرجل فلما سرنا إلى البصرة أخْبَرَنَا ذلك الرجل قال دخل جيراني يسلمون عليّ فإذا فيهم رجل أحمر ضخم في قفاه كَيَّه فقلت لزوجتي من هذا ؟ قالت رجل كان ألطف جيراننا بنا فجزاه الله خيرا فسألتُها عن اسمه فقالت حُجَيّه.... فقلت الحقي بأهلك.

سمعا ضحكةً عاليةً أطلقها الرجل الذي يجلس على طاولة قريبة منهما ثم استدار بكرسيه، ومازال يضحك، سحب كرسيه، وتوسطهما، ثم قال متهكما، انه هاتف فتّان، أخبر الرجلَ عن خيانة زوجته، في عصر ابن العلاء ثم مات.... فلو كان على قيد الحياة، لعرف تسعةُ أعشار الرجال بخيانة زوجاتهم... فاستدارت كل الرؤوس على المقهى، إثر الضحك الهستيري للرجال الثلاث...... فاستبدل الثلاثة رجال الضحكاتِ العالية بابتسامات عريضة وكأنها اعتذار...جاء اعتراض الرجل على الهواتف التي تنادي على الناس ولا يرونها، ثم تُلقي بالتراب في عيونهم، هذا الذي كنا نصدقه في قرانا قبل دخول الكهرباء، و استرسل بأنها أكاذيب ابتدعوها، أما صاحبك، فجميع من في المقهى يعرف ما يعانيه، وما كنتُ لأتدخلَ لولا أنني سمعتُك تُحِيلهُ للخرافة، وأرى أن تذهب به، لهذه الكنيسة مشيرا بيده في اتجاهها، فأبونا متى هناك، رجل ماهر ومبارك، في أخراج الشياطين، وصاحبك هذا ملبوس بشيطان قوي، فاعترض صاحب المشكلة، وكيف سأدخل الكنيسة، قال له....إنهم لا يمنعون أحدا من الدخول، فتدخل صديقه مؤكدا أن ذلك كان يتم في قريتهم قال : إن أهالي قريتنا كانوا يستحضرون القسيس من قرية بعيدة عن قريتنا عندما يتعذر على أطباء قريتنا وشيوخها علاج أحد الملبوسين وكانوا يرددون هذه معطاة لأتباع عيسى.............

ثم قام مبادرا يسحبه من المقهى إلى الخارج، و كأنهما يرقصان السامبا وهما يعبران الشارع من بين السيارات المسرعة، إلى الجانب الآخر، حيث تقع الكنيسة......

كانا يسترقان النظرات داخل الكنيسة، ترددا في الدخول، لولا أن مرور أحد القساوسة كان قريبا منهما، فألقى عليهما تحيته، وأشار لهما بالجلوس، في المقاعد الخلفية، والتي لم يتبق سواها خاليا من المنتظرين قدوم أبونا متى اطمأنا و جلسا متجاورين و متلاصقين، دخل أبونا متى وخلفه أحد الخُدَّام سائرا خلفه ويحمل إبريقا من الماء، عرفا بعد ذلك انه ماء مبارك، بدأ أبونا يرش الماء، وهو يلهج بالصلاة سائرا بين الصفوف،ففوجئ كلاهما بأمرأة تصيح وتصرخ بعد أن لامسها الماءُ، أخذت تتلوى بين أيدي صويحباتها وأهلها الجالسين بجوارها، يزداد احتداد أبونا عليها، ويواصل النفخ في وجهها، فيزداد صراخها، ويزداد إصرار أبونا في انتهاره وأمره للشيطان الذي يسكنها أن يخرج فورا، فجأة تصمت المرأة، فيردد أبونا، مجدا للرب، ويردد الجميع شكرهم لله، أن تَمَجَدَ على هذه المرأة بالشفاء

فلما رأى ما رأى ارتعش جسده، وقبل أن يحرك قدميه بعد أن عقد العزم والنية على الهروب من الكنيسة، بعد أن رأى مشهد المرأة الملبوسة، كان أبونا قد وصل إلى جواره، فلامسه الماء، حدث له نفس الذي حدث للمرأة، ولما لم يَخْرج شيطانه بعد معاناة أبونا معه صلاةً وانتهاراً، أشار أبونا لبعض خدام الكنيسة ومعهم صاحبه أن يحملوه إلى الداخل،، أرقدوه ولم يزل يتلوى بين الأيادي ويعلو صوته بالصراخ والسباب، انضم إلى أبونا، أحد القساوسة، ليصليا معا، علا صوت الشيطان رافضا الخروج، هدَّده أبونا بالحرق، فيطالبه الشيطان بالتمهل وسماعه، استجاب أبونا لمطلبه
قال الشيطان : مخاطبا أبونا يا سيد

أنا بعلزبول وليس لي مسكن إلا في جسد هذا الرجل المسجى أمامك، واخترته مسكنا لي مذ كان طفلا، وقبله كنت مستقرا وهانئا في جسد أبيه، وأخوتي الأشقاء يسكنون في أجساد عائلته، زوجته وأولاده، فإن خرجت ربما لا استطيع أن أجد مسكنا في جسد آخر في مصر حيث أنها أصبحت منتجعا لمعظم شياطين الأرض و سأتشرد بعيدا عن أهلي،ساعتها سأضطر إلى الهجرة إلى بلاد بعيدة، أما عن هذا الرجل المسجى أمامك، فقد أخلصت له، وما وقعت عيناه على شيء وتمناه إلا ألهمته بألف طريقة للحصول عليه، كافة أوضاعه وإمكاناته وما ملك... أنا بعلزبول صاحب الفضل عليه، كل يوم معي أعلمه تقنية جديدة تجعله يزداد بهاء و مالا وبريقا وصلابة على كرسيه الذي هو آخر المستحقين له، فهو غبي وأحمق، لكنني جعلته يستحوذ على ما يستحقه الأذكياء والعباقرة، فإن أخرجتني منه، أو خرجت من جسده طوعا فسيقضَى عليه،و يعود، حقيرا وضيعا ممتهنا من المحيطين به، أخْبِرْه حين يعى بشيء لا يعلمه أحدٌ كائنا من كان إلاّ هو، فهو يخطط الآن لرحلة إلى الغردقة....رشوة لبعض التجار، أما الذي أغضبني منه، أنه علَّق لوحة خلف مكتبه في الوزارة، متران في متر،بخط مُذَهب مكتوبٌ بها " هذا من فضل ربي " فبهذه اللوحة يكون قد أنكر فضلي عليه، ولم يكتف بذلك بل اتهم الله بالمشاركة في النصب والاحتيال من أول صفقة إلى آخرها...... وكنت أحب أن يُرجِعَ الفضل لأصحابه فيكتبُ " هذا من فضل بعلزبول " فضايقته كثيرا في الفترة الأخيرة، وطلبت من إخوتي الذين يسكنون زوجته وأولاده، أن يتركوه وحيدا، عقابا لنكرانه الجميل،أيضا ذكِّره بأن الهواتف التي أزعجته وأصوات النساء و الرجال، بدأت تطن في أذنيه ليل نهار منذ اللحظة التي علّق فيها هذه اللوحة، نحن الشياطين لم نخدع الله لكن هذا المصري، علقها خدعة لله، لست معنيا بنذالته مع الله، ولكنني معني بنذالته معي، أنهيت مرافعتي يا سيدي، فإن وافق على أن أخرج سأخرج ومن إصبع قدمه الكبير حفاظا عليه.

استغرق أبونا في صمته فترة طويلة، اقترب صديق الملبوس منه،

أبونا.... هل ستتركه هكذا مسجى أمامك... فلم يلتفت إليه... كان مستغرقا محاولا أن يجد مبررا واحدا لإنقاذ هذا الإنسان، فما سمعه من الشيطان ألقى في عقله بفكرة.... كيف صار الشيطان اشرف من إنسان مع الله ومع نفسه، صرخ أبونا في بهو الكنيسة، يا الله ساعدني.... من منهما أقرب إليك من الآخر... هل أساعد إنسانا يخادعك... أم أساعد الشيطان الذي حزن من أجلك أيضا حين خادعك هذا الإنسان.. تعلّق صديق الملبوس بعباءة الكاهن

ـ يا سيدي لا تؤاخذه وارحمه.... ساعده إن استطعت

نظر إليه من تحت نظارته، قائلا له سأصنع ما تعلمتُ أن اصنعه بحكم العادة، ولأول مرة لست مؤمنا بأن ما أصنعه صحيحا... ولكني سأفعله ربت على رأس الملبوس... فاستيقظ مناديا باسم صديقه الذي انحنى فوق رأسه يرقبه.. أبعده واحد من الخُدام، ليجلس أبونا بجوار الملبوس، آخذا في قص ما حدث مع الشيطان الذي يسكن في جسده، وأطال شرحا، في مدى ما سوف يخسره في أوضاعه المادية، وأوضاعه الاجتماعية، إن أخرج هذا الشيطان من جسده،قال له ستنتفي قدرتك على النصب والاحتيال، وأخْبَرَنَا شيطانُك بمخططك الأخير والذي تبدأه برحلة الغردقة، فلما سمع الملبوس كلمة الغردقة، أدرك الصدق في كل ما قيل له، تَذكَّر فورا أنه كان يستشعر في كل مرة همسا في أذنيه، كان يبرره بأنه وحي والهام، قال في نفسه هي اللوحة التي علقتُها خلفي، من يومها وأنا مؤرق، اللوحة سأنزلها، ولكنني لا استطيع أن أخسر كل شيء، أدرك أبونا أن الرجل غارق في حساباته، فتركه...

وقف الملبوس فاستصلح هندامه، وتقدم باتجاه الباب خارجا، سمع أبونا وكذلك كل من في الكنيسة ضحكة اهتزّ على أثرها كلُ شيء ليس ثابتا في المبنى، أدرك أبونا والخدام أنها ضحكة الشيطان فرحاً..... رمح صديقه خلفه ليمسك به على الباب الخارجي، استدار الملبوس،فلما وقعت عيناه على صديقه، وقع من الضحك على الأرض في الشارع، وهو يقول لست وحدي، وإنما أنت أيضا،

ـ ماذا تقصد بأنا أيضا

ـ عندما تعَرَضَ بعلزبول شيطاني العزيز لهذا الموقف واضطر للإفصاح عن نفسه وعني فلم يعد مقبولا أن تظل علاقتي به وعلاقته بي كسابق عهدنا صارحني بذلك عقب خروجنا بعد أن انتهى من ضحكة الانتصار واستبقائه في جسدي مسكنا آمنا باختياري، واعدا إياي انه سيجعلني أعظم الناس، تقديرا لأنني تمسكت به،وأعطاني قدرة على أن أرى الشياطين في أي جسد وأي مكان، وليس هذا فقط، بل أرى مستوى قوته بين الشياطين، فأحتاط أن كان أقوى من بعلزبول العزيز، هل عرفت لماذا قلت لك أنت أيضا

ـ هل تريد أن تقول أنني أيضا ملبوس

ـ نعم.... ولكن شيطانك ضعيف وعجوز هرم... لذا لو رأيته ستموت من الضحك... وهو غير قادر على أن يصنع من أجلك شيئا...من أجل ذلك فإنك الوحيد الذي انتصبت رأس الإنسان فيه، وتهدلت على صدرك رأس شيطانك،.. فلا تهتم، أنا ابن بعلزبول القوي،وأنت ابن "العجوز" الهرم هل توافق أن أقدم خدمة كبيرة لك.....

ـ نعم

ـ هل أتوسط لك عند شيطاني العزيز أن يجعلك ترى مثلي أن كل شخص في هؤلاء الجالسين أمامك على المقهى يحمل على كتفه رأسين، رأسه المتدلية على صدره ورأس شيطانه المنتصبة في قوة وحيوية...

ـ ساعتها اصدّق ادعاءك الذي تحاول إيهامي به منذ أن خرجنا من هناك، فما انتهى من كلامه، حتى رأى بعينيه ما هاله فأنتفض واقفا يبحلق في الجالسين أمامه، هو يرى بعينه على كل كتف لكل رجل رأسين، وليس ذلك وهما انه تحسس تلك الرؤوس بيديه، وثب في اتجاه الشارع، هاربا من هذا المشهد المريع، أراد نجدة باستدعاء الملايين من الناس التي تدب خارج المقهى ليعلنها حربا ضروسا على هذه الكائنات الممسوخة،ولكنه رأى الناس رُكَّاباً وعابرين حتى النساء و الجنود والبائعين، رآهم يتسابقون حول سيارة رسمية مكشوفة، ورؤوس الناس تتأرجح متعبة على صدورهم، أفواه رؤوس الشياطين هي التي تعلو عقيرتها بالتهليل والصياح، إنهم يهتفون لمن حمل على كتفه رأسا ثانية هي أكبر من كل الرؤوس، رآه وهو يُلَوّح لهم بأياديه الأربعة، وقد تشبث فوق سيارته الفارهة على أربعة أقدام، رآه مختلفا فهو ينظر في الاتجاهات الستة في وقت واحد،فلم يجد في الشارع أو حول الموكب الرسمي شخصا واحدا يحمل رأسا واحدة تقافز في الشارع متجنبا كل رجل وكل امرأة،، وازداد قفزا وهربا عندما رأى على أكتاف بعض النساء، رأسها الذي يتدلى على صدرها رأسَ امرأة ويجاوره على كتف واحد رأسُ رجل من رجال الشياطين، وكلما ابتعد وجد ابن بعلزبول إلى جواره

ومن حيث كان واقفا في وسط ميدان رمسيس، قفز قفزة فإذا به في بولاق الدكرور، واصل هروبه بقفزة أخرى إلى الهرم، ثم حلوان فمصر الجديدة،طاف بكل أحياء القاهرة، لم يجد شخصا واحدا يحمل رأسا واحدة...

استجمع قواه ليقفز قفزته الأخيرة في بحر النيل... قال سأتحلل فيه غضبا واحتجاجا..... فَهُم كل يوم يشربون ملء النيل ماءً،ربما يكون الغضب قادرا على أن يحلهم من اللعنة التي جعلت لكل مواطن في القاهرة رأسين رأسا مدلاة على صدره وأخرى لا يعرفها،

وقف ابن بعلزبول على جرف بحر النيل، بعد أن قفز صديقه قفزته الأخيرة ليتحلل في ماء النيل غضبا واحتجاجا، رأى ابن بعلزبول فقاقيع الهواء تطفو في منطقتين متجاورتين..... أدرك موت الرأسين الذين كانا على جسد صاحبه....... همس بعلزبول لابنه قائلا، هل كان صديقك يعتقد ان القاهرة تشرب من ماء النيل !!!!!!!!

ــــ إذن فأي ماء يشربون ؟؟؟!!!!!!

ــــ ضحك بعلزبول... ثم أجابه، كل يوم نبول ملء النيل ماءً............

عبد العزيز نايل

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى