الثلاثاء ١٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم سمية البوغافرية

االاستنساخ بشرى عظيمة للمرأة... !!!

نص مقتطف من روايتي الأولى : زليخة ورسالة الأربعاء

لمت زليخة بعض الأطباق الفارغة من فوق المائدة وحثت خطاها إلى المطبخ لتعد الشاي لضيوفها. ظلت السعدية وحدها أمام زوجها(علي) وصديقه تتابع حديثهما بازدراء بعدما بدا لها أن حديثهما بحر لا يقتضي منها حدجا أو غمزا أو وخزا، لا سيما أن سعيدا هو الذي أمسك بزمام الحديث. فأشارت على زوجها بأن ينتبه إلى ابنيهما أحمد وحميد اللذين يركضان في الفناء ثم أقلعت جثمانها الطويل العريض وزحفت به تتمايل في خطى دلفينية لتقتفي أثر زليخة وهي تناديها بلسان مفرنس كأن لهجتها قد أهيل عليها التراب ولم تعد تساير الموضة والعصرنة التي تخرجت من مدرستها.

عقبها زوجها بنظرات لا تخلو من الكراهية ثم قال لسعيد حينما دفعت بجزئها الأيمن إلى داخل المطبخ:
ـ أتعلم ،يا أخي، بأنني مثل سباح ماهر أدركه التعب في وسط البحر، فعجز أن يتقدم أو يعود إلى حيث انطلق. باختصار شديد، أنا غارق. فقد فكرت في العودة إلى المغرب أكثر من مرة، لكني خشيت على أحمد وحميد من نار جهل أمهما أن تلتهمهما قبل أن تتفتح أعينهما.
اندفع من فيه زفيرا مشحونا بالمرارة وأضاف وهو سارح في البعيد وعيناه على ولديه:
 إنهما الأمل الوحيد المتبقي لي في حياتي.

داهمت السعدية زليخة في المطبخ وراحت تدب أرضيته المربعة الضيقة فزادته ضيقا واختناقا بحركاتها المتمايلة ونظراتها الاستكشافية. فلم تجد زليخة من وسيلة تحد بها فضولها وثقلها سوى أن تحاصرها فوق مقعد دائري الذي سرعان ما فاض بكتل لحمها.استقامت في جلستها، ودفعت بزهو هضبتي صدرها إلى الأمام، وأبرزت بغلو وجهها المستطيل المفنطح الذي استوعب كل ألألوان، تاركة ذقنها يهوى لينبطح على أعلى صدرها ثم قالت لزليخة:
 أنت جميلة ورشيقة، لكنك خنقت بهاءك بهذا الحجاب الموروث عن جدتك وهذا اللحاف الطويل العريض، الذي حبست فيه جسدك في عز الصيف. ألا تعلمين أنه قد تجاوزه العصر وأننا في فرنسا صرنا نشمئز منه؟
 أظن أن كل واحد حر في مظهره.
 فأنا كنت من قبل مثلك، مغفلة ساذجة أدفن جمالي وسحر أنوثتي في مثل هذا الزي. لكني منذ زواجي أقلعت عنه وألقيت بأغلال التخلف والرجعية إلى حيث لا رجعة، وانطلقت أستمتع بحياتي كما ترين.
ازدردت زليخة ريقها وردت عليها عن مضض وضيق نفس:
 أما أنا فقد تشبثت بهذا الزي أكثر بعد زواجي..
 كما توقعت تماما...
ثم أطلقت حلقات من الضحك ورّمت بها أذني زليخة، التي قالت لها بنبرة لا تخلو من التذمر:
 وماذا كنت تتوقعين فأكدته لك الآن؟
 إنها بالتأكيد رغبة سعيد..أعلم أن الأزواج عندكم لا يزالون يشهرون الطلاق في وجوه نسائهم كي يرضخن لأوامرهم وإلا طلقوهن و تزوجوا بأخريات ..
ثم فتحت فمها الضفدعي لتحرر نقيقها المدوي فقاطعتها زليخة بصوت هادئ رزين ويداها ترتبان الماعون في أعلى الخزانة:
 أظن أن طاعة الزوج واجبة، وتعدد الزوجات كما الطلاق حقه الشرعي، و...
لطمت السعدية وجهها ثم فخذيها بكلتي يديها وقالت مستهزئة:
 يا لغفلتك! أتعلمين أننا في فرنسا نهدد أزواجنا بالطلاق وبنفيهم من البيت، فيجمد زبدهم وتكسر شوكتهم فيصيرون بين أيدينا كلابا ضالة بدون أنياب؟
 لا تنسي أن زوجك كان مؤهلا بأن يرتقي أعلى الدرجات لو بقي في المغرب، سيما أنه حسب ما يحكي لي زوجي، ذكي ونبيه وقادر على تحقيق طموحه.
 دعك من هذا الهراء، فالسعي وراء الشهادة "العليا" ما هو إلا تضييع للوقت وتعلق بالسراب. فلولاي أنا ما عرف علي المال ولا الجاه، وإلا ترين أنه كان سيطعم أولاده الشعر والنثر ويكسيهم بالكتب والمجلات التي كان يسهر معها الليالي بما طالت. فلقد نبهته وتوعدته أكثر من مرة بأن يكف عن الجري وراء الوهم، فلم يرتدع حتى استفاق يوما عن حرق جل الأوراق التي كان يشحن بها الرفوف، فأرحته وارتحت.
ثم لطمت صدرها براحة يدها وقالت بصوت عال وهي تطل برأسها على زوجها وتصر أن تقرع أذنيه بما تراه معروفا ينبغي ألا ينساه:
 أنا التي صنعت منه رجلا حرا يصول ويجول في فرنسا وكأنه بلده، وإذا لمست يوما ما نكرانه للجميل، سوف أنفيه من الجنة التي لم يكن يحلم بها.
 إن ابن خالتك رجل طيب ولا يستحق منك مثل هذا الـ...
 كنت مغفلة مثلك أفكر بنفس طريقتك. ولكني استفقت من غفلتي والآن أنا مثل أية فرنسية أحمل جنسيتهن وأفكر بطريقتهن.
 اتقي الله واعتزي بعروبتك وبانتمائك لهذا الوطن، فأنت غنية بتاريخك وحضارتك وقيمك...
 كلامك هذا يذكرني بمبادئ علي قبل أن أطهر مخه من هذا اللغو وهذه الأوهام التي خدروكم بها في المدارس.
ثم أطلقت العنان لنقيقها وأضافت تقنع زليخة بما تعتقد أن لا صواب بعده:
 الآن علمت لماذا يعدل الرجال عنكن ويلهثون وراءنا ويقبلون التراب التي تسير عليه أقدامنا..
مضت زليخة تغسل ربطة النعناع كأنها لم تسمع منها شيئا فأضافت بصوت حاد وهي تهز رأسها يمنة وشمالا تتحسر على حال زليخة:
- إنهم يفرون من جحيم تخلفكن ليتسلقوا عن طريقنا سلم المجد والعز، و‌‌ إلا بما تفسرين إذن، إقبالهم علينا وعزوفهم على أمثالك من بنات بلدهم؟

اخترق هذا الكلام أذني زليخة كالسهام وسرى في كيانها كالسم فردت عليها بتشنج قل ما تحدثت به:
 أراك تتحدثين كثيرا عن التقدم والتخلف ولم أهتد بعد إلى المعايير التي اعتمدتها للفصل بينهما فهلا فصحت لي عنها؟
 آه!.. ماذا؟
 أقول لك اتقي الله في زوجك إنه أبو أولادك و..
قاطعتها السعدية بقهقهتها المدوية ساخرة:
 استفيقي من غفلتك، فنحن اليوم، لم نعد في حاجة إلى الزواج والزوج حتى يكون لدينا أولاد و نصير أمهات.
التفتت إليها زليخة مندهشة وهي تسألها ذاهلة:
 ماذا؟!
 أعلم أن النساء عندكم ما يزلن يتلهفن على الزواج وتفني الفتاة عمرها حزينة متحسرة لأنها لم تتزوج ولم تنجب أولادا يؤنسون وحدتها.
 وهل تحملين لهن حلا؟
 بالطبع!
 وما هو؟
 الاستنساخ طبعا!..إنه بشرى عظيمة للمرأة
ضحكت زليخة بملء فيها وقالت وهي تكبح الضحك:
 كيف؟
ثم استرسلت في الضحك فإذا بالسعدية وتقول لها وهي تلوح لها بسبابتها:
ـ كفي عن الضحك واستمعي إلي جيدا علك تستوعبين قولي وتتفهمي قيمتك وحقيقتك. أنت لا تعلمين أن المرأة قادرة على أن تحتضن ما تشاء من الأجنة ذكورا وإناثا ووفق المواصفات التي ترغب فيها، بعيدا عن خلقة الرجل ومتاعبه. فهذا الفحل هو الذي أصبح يطلب رضا النساء عندنا. وإذا فشل انتحر أو أقدم على تغيير جنسه.
وما كادت أن تنهي السعدية كلامها حتى اكتسح وجهها انقباض مخيف كأن ألم المخاض داهمها فجأة، فتنهدت زافرة وأسهبت جفنيها وهي تعض طرف إبهامها وتمصه مصا فقاطعتها زليخة مستخفة بها:
 فهل من جديد آخر تودين اطلاعي عليه يا فيلسوفة؟
بحركة خاطفة مدت يدها وأقفلت باب المطبخ برفق شديد، ودنت من زليخة فهمست في أذنها بصوت خافت:
 إني أود أن أكون أولى المستفيدات من هذا الاستنساخ علي أضمد جرحا قديما...
 كيف؟ وأنت متزوجة وأم لطفلين وزوجك...
 كلا، أنت أسأت فهمي. إني أفكر في استنساخ جدي وجدتي.

حاولت زليخة أن تساير هذيانها وتخنق زوبعة الضحك التي اجتاحت داخلها، إلا أنها سرعان ما انفجرت ضاحكة تخفي وجهها بذراعها الأيمن وربطة النعناع ترتعش في يدها ثم تملكت نفسها وجففت عينيها وقالت لها بصيغة لم تتمكن من تخليصها بعد من نبرات الضحك:
 أ لهذا الحد أنت متعلقة بجدك وجدتك ؟
 بلى، أنا لم أر قط جدتي، لقد هشم جدي رأسها بالفأس وأمي ما تزال طفلة.
زمت شفتيها بعصبية بالغة وعيناها شبه مغمضتين ورفعت يديها إلى السماء تقول: "الله لا يدخل لك عظمة في الجنة يا جدي" ثم واصلت:
 جدي كان مغرما بالنساء تزوج بأربع وجدتي كانت أولهن فقتلها ليتزوج بالخامسة.
 الطلاق أرحم له ولها، فلما لم يطلقها ؟
 كان مستعجلا متلهفا لمعانقة عروسته الجديدة، فحمل الفأس ملطخا بدم زوجته ليحفر قبرها ثم عاد يعلن عن نهاية مراسم العزاء لتدق طبول زفافه في المساء.
 إنه إبليس في صورة آدم وترغبين في استنساخه ؟
 كلا ليس حبا فيه. إني أرغب في استنساخ جدي وجدتي في آن واحد.
 قصدك توأم؟
 أجل، حتى أمكن جدتي الفأس لتثأر منه متى رأيته بلغ سن اقترافه جريمته،
ثم اغرورقت عيناها وأضافت بحسرة قاتلة:
 لكن مع الأسف، لم أعثر بعد على قبريهما، وأكثر ما يحز في نفسي أن يضيع حق جدتي إلى الأبد.

شملت زليخة ضيفتها بنظرة خاطفة من أخمص قدميها إلى قمة رأسها، ثم طافت حذرة بجثمانها المنتصب أمامها مثل هرم أبو الهول، فسحبت إليها باب المطبخ ومضت تستعجل الخروج متحاشية ما قد تخفيه من الأهوال وهي تقول لها:
 يبدو أننا تأخرنا كثيرا على تقديم الشاي. هيا إنهما ينتظراننا.
............

نص مقتطف من روايتي الأولى : زليخة ورسالة الأربعاء

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى