الاثنين ٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
بقلم أحمد منير يوسف

ثلاث مسائــل للتأمــل

أحببت في هذا الموضوع أن أسلط الضوء على ثلاث قضايا، ربما بعضها ليس بجديد ولكنها بدأت تنتشر بشكل واسع وكبير بحيث أصبحت ظواهر تستحق التوقف عندها للتأمل والدراسة.

سأعرج عليها على عجل على الرغم من أن كل مسألة من هذه المسائل بحاجة إلى بحث كبير ومستفيض لكي نوفيها حقها، وعلى العموم لن أُطيل في المقدمة وأدعكم مع هذه المسائل.

المسألة الاولى: (لا تنظر إلى القائل وأنظر إلى ما قال)

الذي دعاني إلى طرح هذه المسألة هوظهور تلك النوعية من المسلسلات والتي تعرض لقضايا اجتماعية وظواهر سلبية موجودة في المجتمع، وما أثاره عرض تلك المسلسلات من آراء متباينة حولها، فبين مهاجم ومدافع وداع إلى رفضها جملة وتفصيلا.

وقد قرأت (كما قرأ الكثيرون) العديد من المواضيع والمقالات التي تتحدث عن هذه الأعمال سواءا في الصحف أوالمجلات أوالمواقع الالكترونية.

أنا لا أرغب هنا في إطلاق الأحكام على تلك المسلسلات أومناقشة فكرة (هل تُسيء هذه المسلسلات إلى الدين والمجتمع أم لا)، ولا أريد أن أقدم فتاوى أوأحاكم شرعية تجاهها،
ولكن الموضوع برمته أثار عندي تساؤلا هاما وهو:

هل رفضنا لتلك المسلسلات (لأي سبب كان) يجعلنا نغض النظر عن القضايا الإجتماعية التي تطرحها حتى لوكانت صحيحة، ونرفضها لذلك جملة وتفصيلا؟

هنا تكمن المشكلة، وربما كانت تلك المسلسلات جزءا صغيرا من مشكلة عامة كبيرة نعاني منها،
فنحن دائما ننظر إلى الشخص (القائل) ولا ننظر إلى ما قال حتى لوكان ما قاله صحيحا.

بمعنى أني أنظر دائما إلى (شخص وحال) هذا القائل، فإن أعجبني أخذت منه، وإن لم يُعجبني (لأي سبب كان) رفضت كلامه جملة وتفصيلا حتى لوكان صحيحا!

مع العلم أن الإسلام دعانا إلى البحث عن الحقيقة وتتبع الحكمة، فقال عليه السلام: (الحكمة ضالة المؤمن)، وعليه فيجب علينا دائما أن نقيس ما يُعرض علينا من أفكار واطروحات من باب هل هي صحيحة ومفيدة أم لا، وليس من باب أن من قالها هوفلان أوفلان.

لقد فهم المسلمون الآوائل هذه النقطة تماما، فإطلعوا على جميع حضارات الأمم السابقة من فرس وروم ويونان، وأخذوا منها ما وجدوه صالحا ومفيدا،
ولم يرفضوا كل ما جاء به اؤلئك بحجة أنهم كفار!

المسألة الثانية: (لا تقربوا الصلاة)

هذا هوحال من يأخذ طرفا من المسألة ثم يأتي ليناقش ويضع الآراء ويبني النظريات ويُطلق الاحكام، أعتقد أنه لكي أفهم أي موضوع أوطرح يجب عليّ أن أطلع على هذا الموضوع بشكل كامل، وأن أتعامل معه ككتلة واحدة، لا أن أقرأ مقتطفات منه أوحتى أقرأ العنوان فقط (كما يفعل البعض) ثم آتي لأنتقد وأناقش وأحلل،
فيُصبح حالنا كحال الذين قرأوا آية (لا تقربوا الصلاة) ولم يكملوها، ثم ذهبوا ليقولوا أن القرآن يدعونا إلى ترك الصلاة !!!

وقياسا على ذلك فإن من يريد أن يفهم (فكر) أي أديب أو مفكر، فلا بد أن يطلع على أعماله كاملة حتى يستطيع أن يخرج بصورة صحيحة عن فكر هذا الشخص، لا أن يطلع على بعض أعماله أويجتزئها، لانه سيخرج حتما بصورة منقوصة وربما خاطئة أومعكوسة.

المسألة الثالثة: (القراءة والكتابة والثقافة)

قرأت في أحد المرات الحكمة التالية: (تعلّمت أنه يوجد كثيرٌ من المتعلمين، ولكن قلة منهم مثقفون)، فتوقفت عندها قليلا، وتأملت معانيها، في الواقع هناك فرق كبير بين المتعلم والمثقف، فليس كل متعلم مثقف بالضرورة، فالأديب العربي الكبير محمود عباس العقاد حاصل على شهادة السادس الابتدائي فقط، ومع ذلك قدم من الكتابات والأفكار ما عجز عن كتابته أصحاب الشهادات والاختصاصات.

لقد ركز القرآن الكريم على أهمية التعلم، فكانت أول كلمة نزلت هي كلمة (اقرأ)، ولكن هذا الاهتمام بالقراءة لم يكن هدفا بحد ذاته، على اعتبار أن القراءة تُعتبر المدخل إلى الثقافة واحد أدواتها، ومن حرص الإسلام على بناء فردٍ واع مثقف فاهم لدينه وعالما بقضايا أمته نجد انه بعد أن ركز على موضوع القراءة أخذ يدعوالناس إلى الفهم والتفكر.

إذا فالخطوة الأولى هي القراءة والثانية هي الفهم والتفكر والوعي، وهنا تكمن المشكلة، فبعض الأشخاص وقف عند الخطوة الأولى معتقدا أنها هي الغاية وأنها نهاية المطاف.

وقد نبه الرسول الكريم إلى هذا الأمر فقال يصف آخر الزمان: (ينتشر القلم ويكثر الجهل)، أي يكثر المتعلمون الجاهلون، إذا ليس كل من تعلم القراءة والكتابة كان له حظ في الثقافة، فالثقافة - وعي وإدراك وفهم وأخلاق .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى