الأحد ٢٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
بقلم الشربيني محمد شريدة

صفحات من كتاب السيف

(1)
صوت
 
سَمعتُكَ يَا صَوتُ
كُنتُ وَقَلبِيَ طِفلَينِ نُصغِي لِصَيحَتِكَ الأَبَدِيَّةِ.
أَنتَ الذِي كُنتُ تَفتَحُ أَعينَنَا
كَي نَرَاكَ عَلَى القِمَّةِ الذَّهَبِيَّةِ
تَنفُخُ فِي البَوقِ
تَنزِفُ كَالبرقِ
تَهتِفُ فِي الأُفقِِ:
هَا اغرِسُوا السَّيفَ فِي كَبِدِ الموتِ
حَتَّى يَفِيضَ المدَى بالنَّفيرِ
وَيَخضَرُّ زَهرُ الرَّدَى فِي الهجِيرِ
وَتَقتَحِمُ النارُ ثَلجَ الضَّميرِ
ويَعلُو صِيَاحُ المآذِنِ
يَصرُخُ فِي جَنَباتِ المدَائِنِ
حَيَّ عَلَى الثأرِ
إِنَّ الدِّماءَ تُسَافرُ فِي النَّهرِ
حَيَّ عَلَى الثأرِ
وَالعَارُ يَنزِفُ مِنْ جَبهَةِ الصَّخرِ
حَيَّ عَلى الثأرِ
وَالناسُ تَركُضُ فِي مَوقِفِ الحشرِ
حَيَّ عَلي الثأرِ
وَالخوفُ يَنثُرُ فَوقَ الرُّؤوسِ رَمَادَ المدَاخِنِِ
وَالذلُّ يَرسِمُ فَوقَ الوُجوهِ أَصَابِعَهُ الخمس
تُخفِي عَنِ العَينِ كلَّ الملامِحِ
وَالنارُ دِائِرَةٌ فِي الحقُولِ
وَقلبُ العَصَافِيرِ يهوِي عَلَى عَتَباتِ المذَابِحِ
وَالرُّوحُ تَطرُقُ بابَ الحنَاجِرِ
تَهربُ مِن طَعَنَاتِ الخنَاجِرِ
وَهي تَجِيء مِنَ الخلفِ
مِثلَ المحارِيثِ تُنذِرُ بالحتفِِ
تَنتَزِعُ النَّبضَ مِنْ رَوضَةِ القَلبِ
تَزرَعُ فِي الأَرضِ أَورِدَةَ الرُّعبِِ
تَنبتُ سَبعَ سَنَابلَ
فِي كُلِّ سُنبلةٍٍ أَلفُ جرحٍ
تَفَجِّر بالدَّمِ
تَحصُدُهَا الرِّيحُ
حَتَّى تَدُورَ بقَلبِ الطَّواحِينِ
تُصبحُ خُبزًا لجوعِ المسَاكِينِ
مُهلاً يُمزِّقُ ثَوبَ الجوَانِحِ
نَاراً تَصِيدُ شُموخَ الجوَارِحِ
تَبلَعُ ظُلمَتُهَا الشَّمسَ
تَقتُلُ صَرخَتُها الهمسَ
وَهي تُدَوِّي عَلى مَسمَعِ الدَّهرِ
حَيَّ عَلَى الثأرِ
لا وَقتَ للدَّمعِ وَالمستحِيلِ
وَلا وَقتَ نَعرِفُ وَجهَ القِتيلِ
وَلا وَقتَ نَحفُرُ قَبرَ الأَحِبَّةِ
أَونَرفَعُ الرَّأسَ، فَالموتُ للهَامَةِ المشرَئِبَّةِ
وَالليلُ يَطوِي خُطَى النُّورِ فِي الشَّرقِ
وَالخيلُ تَجرِي عَلَى جُثَّةِ الحقِّ
تَطبَعُ فِي الصَّدرِ وَطـءَ السَّنابِكِ
تَرمِي عَلَى الكَونِ سَيلَ المهَالِكِ
وَالرِّيحُ تَطوِي صَهيلَ المعَارِكِ
ثُمَّ تُنَادِي عَلَى الدَّهرِ
حَيَّ عَلَى الثأرِ
حي على الثأر
 
(2)
روح
 
عَلى شَفَتي النَّارُ
فِي صَهدِهَا يَتَجدَّدُ لَمعُ الأَسنَّةِِ
فِي حَرِّهَا يَتخلَّقُ نَسغُ الأَجنَّةِِ
يَمتَزجُ الدَّمُ وَالنارُ
يَنفَتِلانِِ مَعًا
فَيصيرُ لِسَانُ اللَّهيبِ حِبالَ الأَعنَّةِِ
تَخرجُ شَامِخةً مِنهُ شَمسُ النَّهارْ
عَلى شَفتِي النارُ وَالقَلبُ يَسقطُ
وَالأفقُ مُمتلئٌ بِخيُولِ الدَّمارْ
على شفتي النار
أَيا وَطَنَ الجرحِ
حينَ رَأى القَاتِلُونَ طَهَارَةَ أمِّي
تُغسِّلُ وَجهَ السَّما
وَملائِكَةُ النُّورِ أَنَّى مَشَتْ
يَطَئُونَ لَهَا فِي الثَّرَى أَنجمَا
ثَارَ بَينَ قُلُوبِهمُ الحقدُ
كَانتْ ضُلوعِي يُوسِّدُهَا المهدُ
حِينَ مضَيٍنَا شَرِيدَيْنِ
يَقتُلُنا التِّيهُ بَينَ بِلادِ الغَرابَةِ
وَاليَومَ مِن بَعدِ أَنْ خَطَفَ الموتُ أُمِّي
وَوَسَّدَهَا اللَّحدُ
صِرْتُ وَحيداً أَسيرُ عَلَى جَمرَاتِ الكَآبَةِ
أَنفَاسُ عِمريَ يُنضِجُهَا الصَّهدُ
حَتَّى أَتَيتُكَ
أَلتَمِسُ اليَومَ عِندَكَ بيتاً لِحلمِي
وَقبراً أُوارِي بِهِ سَوأتِي
وَأُوسِّد فِيهِ بَقيَّاتِ عَزمي
أَتحملُ إِن جَاءَنِي الموتُ
أشلاءَ جسمِي؟
أيا وطن الخوف
قد نزف العمر والخطو يرجع للخلف
والدرب بيني وبينك يبعـدُ
يبعــدُ
يبعـــدُ،
يا وطناً في الدياجير يرقـدُ
لستَ الضريحَ ولستُ المسيحَ
المسيح هنالك
في ساحةِ المسجد المتهدِّم يركعُ
كفاه قابضتان على الجمراتِ
ومعلَّـقتان بأروقة العرش
رجلاه ثابتتانِ بلا خيمةٍ في الشَّتاتِ
ينـزُّ دماً
وهو في سدرة المنتهي يتضرعُ
والحب في صدره
طائرٌ نازفٌ يتوجَّعُ
والسَّهمُ من قلبه الغضِّ ينزعُ
آهته خنجر يتقيؤه الرُّوحُ
تسطو عليه التباريحُ
والكون من حولهِ يتفجَّرُ
والنَّارُ في شفتيه تُكبِّرُ
حيَّ علي الثأر
حي على الثَّأرِ
 
(3)
صلاة
 
نُنَادِي علي الريحِ
يا ثورة الريحِ
هُبِّي عَلَى آهَةِ الرُّوحِ
مِن قَبلِ أَنْ يَزحَفَ المدُّ
أَو يَسقُطَ السَّدُّ
ثُمَّ يُخَيِّمُ لَيلُ التَّبارِيحِ
يَا ثَورَةَ الرِّيحِ
قَد سَكَنَ الموتُ كُلَّ البيوتِ
وَصَارَ تَميمَةَ حُلمٍ
تُعَلِّقُهَا الأُمُّ فِي عُنُقِ الطفلِ
عندَ الصَّباحِ
وَتدفَعُه فِي دُروبِ الرِّياحِ
إِلَى أََنْ يَشبُّ عَنِ الخوفِ
يَركَبُ بَينَ الفَوَارِسِ خَيلَ الضُّحَى
وَالتَّميمَةُ فِي قلبِهِ شُعَلةٌ
توقِظُ الشَّمسَ إنْ سَقَطَ النُّورُ
بَينَ ضُلوعِ الرَّحَى
يَتوضَّأُ بالنارِ مِن بَعدِ أَن سَحَقَ العَزمُ
جَوفَ اللَّظَى فامَّحى
وَيُصَلِّي وَرَاءَ النَّبي
وَقَد وَقَفَ الأنبياءُ
يُصلُّونَ صَفًّا فَصَفَّا
فَيندَمِلُ الجرحُ فِي صَدرِ حَيفَا
وَيكتَمِلُ النَّهرُ
حِينَ تَذُوبَ الأَعَاصِيرُ صَيفَا
وَتَغدُو المرَارَةُ فِي قَلبِه المتَوثِّبِ سَيفَا
وَصوتُ النَّبيِّينَ
تَحضنُ أَشجَانَهُ صَرخَةُ الشُّهدَاءِ
فَتخضَرُّ فِي سِدرَة المنتَهَى
جَنَّةُ الغُرَبَاءِ
وَيُثمِرُ جُرحُكَ يَا وَطِنِي
دَوحَةٌ للفَدَاءِ
عَليهَا بَلابِلُ
كَانتْ تُخَفِّفُ مِن جُرحِ يُوسُفَ
فِي ظُلمَةِ البِئرِ
جَاءت سَتَفدِيكَ
جَاءَتْ تُغَنِّيكَ
وَالأنبياءُ عَلَي صَخرَةِ التَّرحِِ
يَتلُونَ رَغمَ انهيارِ الدُّنَا سُورَةَ الفَتحِ
يَبكُونَ حِينَ تَمرُّ عَلَى جُرحِهِمْ آيةُ الجرحِ
ثُمَّ يُجهِّز بَعدَ انقِضَاءِ الصَّلاةِ
بُراقَ النَّبيِّ
لِيصعَدَ فِي الأُفقِ الذَّهبيِّ
وَفَوقَ يَدَيه ثِيابِ الذِينَ تَطَّهَرَتِ الأرضُ
حِينَ رَووهَا دَمًا سَلسلا
ثُمَّ صَارتْ شَرَايينُهُمْ
فِي حُقولِ الفِدَا جَدْولا
يَتَفَجَّرُ فِي جَنَباتِ العُلا
كُلَّمَا مَرَّ خَطو النَّبيِّ
تَضِجُّ السَّمواتُ بالدَّمعِ
يَصرُخ ُحادِي الملائِكِ فِي الجمعِ
حَيََّ على الثأرِ
حَيَّ عَلى الثأر
 
(4)
رؤيا
 
أُحبِّكِ غَازِلَةَ الكَفنِ المتَشوِّقِ لِي
فَاغرِسي حَدَّ سَيفِكِ فِي مَقتَلِي
سَوفَ يَسقُطُ مِنْ آخِري أوَّلي
تَحتَ رِجلَيكِ يَعبرُ نَهرُ دَمِي فَانزِلِي
أَيَا وَطنَ الجرحِ
إنَِّي أَرَى فِي مَنَامِيَ أَنِّي ذَبَحتُكَ
أَضغَاثُ حُلمٍ تُطَارِدُنِي أينَمَا سِرْتُ
تَسحَقُنِي
مِثلَمَا سَحَقَتْ قَدَمُ الكِبْرِ جَبهتَكَ المريَمِيَّةَ
فَانظُرْ – وَلا تَبكِ – مَاذَا تَرَى؟
هَلْ تَغُوصُ السَّمَاوَاتُ بَينَ الثَّرَى؟
إِنَّه الدَّمُ لَيسَ رَمَادَ القُرَى
انظُرِ الآنَ لا تَتَرَدَّدْ
فَلَسْتَ الذَّبيحَ ، وَلَستُ الخليلَ
الخليلُ هُنَالِكَ
ينظُرُ مِنْ بابَ مِحرَابِهِ وَيُنَادِي
لِيحتَرِقَ الصَّمتُ بينَ البِلادِ
وَتَمتَشِقَ السَّيفَ كَفُّ الجهَادِ
فَتَبلُغَ صَرخَتُه كُلَّ وَادِي
بِحيَّ عَلَى الثَّأرِ
حَيَّ عَلى الثأرِ
أَيَا وَطَنَ الجرحِ
لَستَ الذَّبيحَ وَلَستُ الخليلا
وَلا بُرءَ فِي الأَرضِ يَشفِي العَلِيلا
وَلا نَهرَ فِي الأَرضِ يَروِي الغَلِيلا
وَلا طَيفَ حُلمٍ أَتى عَابِراً
لِيُواسِي الذَّلِيلا
وَلَنْ يُنزِلِ الله كَبشَ الفِدَا
إِنَّ جُرحَكَ يَنزِفُ تَحتَ اللَّيالِي سُدَى
ثَمَّ لا تَنتَظِرْ فِي الضَّياعِ الهدَى
لَن يُلَبِّيكَ مَهمَا تَعلَّلتْ
مَهمَا تَوسَّلتَ
مَهمَا تذلَّلتَ
إلاَّ الصَّدَى
إِنَّه الدَّمُ لَيسَ بَقايَا النَّدَى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى