الأحد ١٧ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم تغريد كشك

شهداء مع وقف التنفيذ

انطلقت به السيارة العسكرية إلى محطة الباصات المركزية، ساعة ونصف الساعة فقط ويكون بين أحضان زوجته وطفليه.

طفليه، ما هذه الكلمة؟ ولماذا يجد لها الآن صدى يختلف داخل مخيلته؟

ما هذه الأفكار؟ سأحاول التفكير بشيء مختلف!

ها هي السيارة تصل محطة الباصات المركزية، ينزل منها، يتأمل وجوه المنتظرين رجالاً ونساءً، مدنيين وعسكريين وأطفالاً.

ـ ماهذه الكلمة لماذا تتردد داخل عقلي؟ بعد دقائق يصل الباص، ولكن!

بدأ يتفرس في الوجوه من جديد بحثا عن ملامح عربية،عن لهجة عربية،عن..........

يلازمه الخوف كلما دخل محطة الباصات في الصباح ولا يتركه إلاّ عندما يصل بيته مساء.
لكن اليوم يختلف عن الأيام الأخرى الماضية، اليوم هؤلاء المتوحشون العرب المتخلفون قاموا بإلقاء الحجارة علينا، هؤلاء الرعاع ما الذي جاء بهم إلى الأرض التي أعطانا الله؟

قد يكون أحد هؤلاء الرعاع موجوداً هنا الآن، ماذا لو كان يحمل أسلحة أو متفجرات؟

أشعر بالخوف،بالجنون بالبرد لمجرد التفكير بالموت.

ها هو البرد قد بدأ يتجول داخل جسمه وبدأ بنطاله يهتز خوفاً،وبدأ يحدث نفسه:

ما بك يا شلومو؟ ولماذا هذا الخوف؟ إنه البرد الآتي من أوائل أكتوبر، لماذا هذا الشهر؟ لماذا تراودني الأفكار المزعجة في هذه الساعة؟

أكتوبر شهر التشاؤم والخوف، ألم يهزمنا العرب في مثل هذا الشهر؟!

العرب أولئك الرعاع، الفلسطينيون، إرهابيون هم، حتى أطفالهم!

آه كم أحسست بالارتياح اليوم عندما أطلقت النار باتجاه ذلك الطفل المحتمي بحضن والده، كنت أضغط على الزناد بدون توقف، أحسست عندها أني أقتل كل اطفالهم، كان لا بد ان يموت.

ما الذي جاء بهم إلى أرض إسحق وإبراهيم؟

ها هو الباص يستعد للرحيل.

الرحيل؟! لا لن نرحل من جديد كما رحلنا عن بولندا، كم كان صعبا فراق الجيران والأصحاب، الأهل، الشوارع والبيت،لا لن نرحل هذه المرة، فليذهب هؤلاء الرعاع إلى الجحيم........إلى الجحيم....... إلى الجحيم.

كم أكرههم، كم أتمنى فناءهم، أطفالهم أولئك الذين يقبعون خلف الصخور والجدران وهم يقبضون على الحجارة بأكفهم الصغيرة كمن يقبض على الجواهر والذهب وعندما يلقونها نحونا تتحول إلى غضب، إلى نار ولهب..

أولئك الأوغاد، لقد قتلتهم جميعا ومزّقت أجسادهم، حتى أني وددت لو أهدم ذلك الجدار الذي كان الطفل يقف بقربه، لقد أمطرته بالرصاص، كان يعتقد أن بإمكان أوالده أن يحميه.
أولئك الأوغاد فليرحلوا.

يصل الباص إلى المحطة ويبدأ الركاب بالنزول.

يتوجه شلومو إلى مدخل المحطة، ينظر إلى الوراء، ماذا لو انفجر الباص، الركاب، الجدران؟ أولئك الأوغاد، يحاربوننا بالبؤس،بالفقر وبالحجارة.

يخرج من المحطة، يستقل سيارة أجرة، يتأمل وجه السائق، يتفحص ملامحه الشرقيه.

ـ من أي البلاد جئت؟

يأتيه الجواب.

ـ من المغرب.

يتمتم في داخله غاضباً، أنتم أيضاً أولاد كلب، سفراديم، تشبهون أولئك العرب، تتكلمون لغتهم، تحترمون ديانتهم، كم أتمنى لو ترحلون معهم وتعودون إلى بلادهم.

ينزل من السيارة، يصعد الدرج.

سلفيا... لقد طلبت منه أن يشتري لها كتاب تعلم اللغة العبرية، هذه البولندية المسيحية، لماذا تزوجتها؟ يسأل نفسه بحماقة، إنها لا تحب اليهود، لا تنتمي إلى أرض إسرائيل، تبكي دائماً، تريد العودة إلى بولندا، أرغب بالتخلص منها هي أيضاً.

يطرق الباب بشدة، تفتح سلفيا، تطوقه بذراعيها.
ـ الحمد لله على سلامتك! أطفالك أمام التلقاز بانتظارك...

يدخل مسرعاً، يحتضن ديفيد.
لحظة هي، يتخيله فيها ذلك الطقل الفلسطيني بين ذراعيّ والده، يتمسك بملابسه بخوف ويختبىء خلف حاجز إسمنتي في غزة.

طفلي يحتمي بي أيضاً، لا يصدق أني عدت إليه سالماً، أولئك الأوغاد، لماذا لا يتركوننا نعيش بسلام ؟!

يسترجع شريط القتل في مخيلته، أطفال...أطفال...حجارة...رصاص حي...مطاطي...غزة، رفح، جنين، رام الله، خان يونس، محمد...علي...خالد...عبدالله...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى