الثلاثاء ٤ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم زكية خيرهم

الفنانة المغربية سميرة جموشي: فن شرقي غربي في قالب واحد

رغم الألق والقلق ورغم تيارات الزمن العصي، حيث يمارس فيه كل أنواع العنف وتحتضر فيه جمالية الإنسان، يبقى المبدع جوهرة نادرة لنفض الغبار وغسل الأرواح واجتذابها لعلاقة إنسانية أسمى .....

إنها الفنانة المغربية سميرة جاموشي و ارتباطها بالفن عميق للغاية، يلامس وينصهر في تلك الروح التي أصلها من جذور أمازيغية مغربية . ولدت ودرست في بلجيكا واستقرت في النرويج. فنانة متمرسة وموهوبة ، نجحت في حياتها وذلك نتيجة التجارب التي عاشتها و ما زالت تعيشها. تمازج ثقافي جميل : أمازيغي، عربي، إسلامي، وغربي. امتزاج مدهش ترسخ ليشكل في وجدانها الفكر والفن الحر الذي جعل منها نورسا يعشق التحليق فوق فضاء جبال الأطلس والألب وفوق مرتفعات المحيط الاطلسي الشمالي لتأتي بفن وإبداع عميق ، يعبر عن روحها المتطلعة لفضاءات أكثر حرية واختلافا. ذلك المزيج الثقافي المدرك والواعي كان ثراء للفنانة سميرة جاموشي، حيث استطاعت بفضله أن تلمس حقيقة كونها لا يمكن أن تنسلخ عن إحدى تلك الثقافات التي تأثرت بها. كل ما نسجته ورسمته من صور أو أشكال مجسدة هو نتيجة انفتاح الفنانة على الثقافات الأخرى ، ومن هذا المنطلق نجد تزاوجا في إبداع متعدد الثقافات، يظهر نقاط الإختلاف والإنسجام لإعطاء حلول أو فرضيات ونتائج لأجل التطوير. إنها فلسفة الفنانة سميرة جاموشي للوجود والإنسان الذي يبحث عن الصفاء المكلل بالمحبة. إنها كغيرها من المبدعين الذين يحلمون بالتغيير، بعالم فردوسي تتعايش فيه البشرية كافة بحب رغم اختلاف انتماءاتهم أو عقائدهم وثقافاتهم حيث التواصل مع الإنسان من الشرق أو الغرب. إنه حلم سميرة جاموشي ككل فنان مبدع تتلبسه هواجس وحب الاكتشاف للوصول إلى الحقيقة والرغبة الجامحة للمحبة والسلام، في زمن تتصارع فيه مجتمعات لإبادة مجتمعات أخرى ، وحيث القوي ينهب الضعيف والفرد يحقر الفرد الآخر بل ثقافة تحقر أخرى وأفراد تستعبد أفرادا أو تبيعها سلعة بأبخس الأثمان.

التفكير الإبداعي في نتاج الفنانة سميرة جاموشي

تستعمل الفنانة سميرة جاموشي طريقة تقليدية في حياكة الصوف رغم أنها لم تعمل في حياتها في الحياكة ولا تعرف الطرق المتبعة في هذه المهنة. تحيك مستعملة خيوطا صوفية بيضاء وسوداء وبنية وهي تحيكها بعد تثبيتها على الأرض إلى أن تصل إلى السقف أشكالا منفردة أو على شكل مجموعة. أشكال تصور للمشاهد صورة حقيقية لحياة الإنسان في عالمنا. في كل مجتمع وزمن، نفس التجسيدات تشكل أيضا وضعية الشعب النرويجي من 150 سنة حيث كان ثلث هذا الشعب يهاجر إلى امريكا بحثا عن الإستقرار الإقتصادي. هذا الموضوع حول " الهجرة" الذي يعتبر في يومنا أكثر حضورا لملامسته أسبابا عدة: اقتصادية واجتماعية وسياسية. تريد الفنانة أن تعكس لنا صورة الإنسان في بحثه عن المكان الذي يجد فيه نفسه. يستشف المشاهد في جل أعمال الفنانة رغبتها الملحة في البحث عن حلول أو التوصل إلى نتيجة وفهم قد لا يكون واضحا أو مطروحا من قبل ، أو فقط النظر إلى المألوف بطريقة غير مألوفة. برزت الفنانة سميرة جموشي في عالم الفن في النرويج ، حيث تعتبر من ضمن أولئك الفنانين الذين يوصلون أفكارهم في أكثر من مجال أو شكل عن طريق الرسم أو النحت أو الشعر أو المسرح أو الرواية . إبداع لتقديم صنف متنوع من التفكير ثم الانتقال به من تفكير عادي إلى آخر مبني على الإستجابة ورد الفعل وإستدراك الأمور. إنها الأفكار الحاضرة التي تقدم بطريقة فنية خارجة عما هو شائع وتقليدي.

تأثير الموروث الشعبي في شخيصية الفنانة سميرة جموشي

إن تجربة الرسامة الفنية هي نتاج ما عاشته وتعلمته كلا الدولتين بلجيكا والنرويج ، إضافة إلى ما حملته من الثقافة والموروثات من بلد والديها وما تعلمت عن غير وعي لمجرد النشوء في عائلة معينة ومحيط إجتماعي معين. ثقافات تداخلت وتفاعلت فيما بينها لتبدع فنا معاصرا برؤية فلسفية إنسانية تتعدى القومية والعنصرية والمذهبية والعشائرية . فن يربط الشعوب فيما بينها ويكسر الحواجزمتجاوزا تيارات التعصب والإختلافات ، حاملا بعدا إيديولوجيا حيث تتعانق فيه الإنسانية كالجسد الواحد وقد ظهر ذلك جليا في معرضها الأخير الذي أقيم في مدينة أوسلو. كان العرض عبارة عن أشكال ومجسمات يرى المرء من خلالها أن وراء هذه الموهبة إبداع أنبثق من خلفية ثقافية وتجربة حياتية ثرية ومن ذاكرة جميلة تتحلى بعمق التفكير والإنسانية. في تلك المجسمات التي عرضت وأيضا في معارض أخرى قدمت فيها أشكال مجسدة من الطبيعة ، حيث يلاحظ المتلقي أن وراء هذا الفن رسالة حضارية بما يعبر عنه ويقدمه من قيم ومعتقدات وأخلاق إنسانية سامية. وهنا نرى إبداع الفنانة يجمع موروثات شعبية متعددة : فنانة من جذور مغربية ولدت ودرست في بلجيكا وأستقرت في النرويج. ثلاثة ثقافات بداخلها وتأثير الأسرة كما تأثير المدرسة والمجتمع وكل موقع جغرافي عاشت فيه وتفاعلت معه. إنه تراكم الفكر والتجربة لتصبح ثقافة ورثتها من كل الأوطان التي تنتمي إليها ، فأصبحت موروثات متعددة تصطدم بالسلوك اليومي لينتج عنه إبداع فني رفيع حساس ومرهف.

الفن ليس له وطن

قدمت الفنانة سميرة جموشي معارضها في العديد من الدول الأوروبية : الدانمارك ، بلجيكا ، فرنسا، سويسرا، وإسبانيا ، والآن هي تعمل باحثة في مؤسسة للفن المعماري في حياة الحضر والريف. تقول الفنانة سميرة جموشي : ( أنها في بحثها الفني تدرس المكان من أبعاده الثنائية والثلاثية . كباحثة تفتش في الحياة المدنية من خلال أصوات سكان المدينة والمقابلة معهم وفي أطروحتها للدكتوراة تدرس إختلاف الثقافات في المدن. في دراستها تتناول مدينة أوسلو من خلال قصص مواطنيها وهؤلاء السكان الذين تناولتهم في بحثها يحملون خبرة من المدن المغربية التي قدموا منها و من حياتهم في مدينة أوسلو أيضا . الهدف هو معرفة كيف يعيش ويتعايش الإنسان القادم من ثقافة مدينة في ثقافة مدينة أخرى ) . ترّكز الفنانة على المكان في إنتاجها الإبداعي لترسم وتصور ما يختلج في عقلها وانطباعاتها عن العالم الذي من حولها، ضمن رؤية تتمنى سيادة السلام والمحبة والتعايش رغم أية خلافات عقائدية أو قومية، فر مفر أن يتعايش الجميع ضمن عالم واسع جعلته عولمة التكنولوجيا مجرد قرية صغيرة.

أسلوب الفن التشكيلي عند سميرة جاموشي

تعمل الفنانة سميرة من خلال تقنيات تقليدية مثل التطريز والصور الزيتية على النسيج، وتجمع ذلك في أفلام وصور رقمية تعبر عن معنى أو فكرة تحسها الفنانة في العالم الخارجي وتترجمها بأسلوبها الذي تحاول من خلاله البحث عن علاقات الرموز والخطوط والمساحات والألوان بعد وضعها في صيغ جمالية مميزة.

سميرة المبدعة والنموذج والقذوة

عملت الفنانة سميرة مع مجموعة من الفنانين على تقديم مشروع لعرض إنتاج فني يقدم إنتاجا جديدا من نوعه حيث التواصل بين الثقافات ، وكانت هي المشرفة المباشرة على ذلك المعرض الذي كان مصحوبا بندوة حيث قدم كل فنان إبداعه و تعرف الحاضرون على أفكار هؤلاء الفنانين وأحلامهم. وهاهي الآن تستمر في الإبداع الفني من خلال ما تصنعه من أشكال بالصوف أو الألوان والنحت لكي تعكس من خلال ذلك الإنتاج ماذا يبدعون وما الهدف من وراء ذلك الإبداع؟

الفنانة سميرة جاموشي ليست مبدعة وفنانة فقط ، فهي تشغل منصبا إداريا عاليا، أثبتت فيه جدارتها وتفوقها في تقديم الجديد ثقافيا وإجتماعيا للمجتمع النرويجي. وكانت من ضمن الفائزين العشرة بشهادة تقدير لما قدمته كأفضل مثال للمواطن النرويجي من أصول أجنبية، ولم تكن فرحة كثيرا لأنها تعتبر نفسها إنسان في المجتمع النرويجي وليست دخيلة عليه.

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى