الأربعاء ١٢ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم محمد ملوك

حمـــى خطيرة

مات الرئيس، وبحث المهتمون عن خلف صالح، وكثر القيل والقال عن الرجل المناسب لمنصب رئاسة الدولة، وبعد أخذ ورد مصاحبين لطول انتظار وترقب أطول، وقع الإختيار علي، فخرجت المدن والقرى على حد سواء لمبايعتي، وفي القصر استقبلني الجيش و الوزراء السابقون بحفاوة رائعة،... نزعوا عني ثياب الوسخ والردن، وألبسوني ملابس لم أستطع لمسها من قبل، فالثبان من حرير والقميص من مستخلصات الياقوت والسروال من مستحضرات المرجان والتاج من ذهب وألماس والحذاء من فضة صافية، ثم حملوني بهدوء وحذر شديدين ليجلسوني على كرسي فاخم وناعم وقبل أن ينفضوا من حولي هتفوا بإسمي ودعو الله مخلصين أن يبارك لي في عمري وأن يحفظني من خلفي ومن تحتي...

حلاوة الكرسي أبهرتني، وجمالية المكان وشساعته جعلتني أسبح في يم من خيال واسع فقررت في قرارة نفسي أن أصدر المرسوم تلو المرسوم بتوريث الحكم لأبنائي من بعدي، وجعلِ كل من يمت إلي بصلة فوق القوانين الجاري بها العمل، ثم هيأت بنود دستور في مخيلتي وكيفتها بما يتوافق ومصلحتي الشخصية، واخترت أسماءً وألقابا رأيتها مؤهلة في ذلك الوقت لتحمل المسؤلية الجديدة...

سبحت وسبحت وإذا بموجة عاتية تصفع خدي، وإذا بهاتف من وسطها يدوي كالرعد ويقول لي من غير إنذار أو إستئذان : " لو دامت لغيرك ما وصلت إليك "... حاولت مراودتها عن نفسها فأبت إلا أن تقض مضاجع أحلامي بصرخاتها المتتاليات، فاستسلمت لها وعدت مرغما إلى سكة الصواب.

وفي الصباح الباكر من اليوم الثاني لتقلدي عرش أسلافي أذن مؤذن : "يا أيها الناس إن رئيس الدولة فتح أبواب قصره لكل مظلوم، وأصدر مذكرة بحث في حق كل من ثبت تورطه في سرقة ونهب جيوب الشعب، وسن قانون المساواة للجميع أمام العدالة، ورفع الحصانة عن كل مسؤول، فإن أخطأ فصححوا أخطاءه، وإن أصلح فأعينوه على إتمام الإصلاح والترميم وإنما السيل اجتماع النقط"

توافد الناس علي من كل فج ومصر، واستمعت للكل بآذان الرحمة والتؤدة، ونزلت عند مطالبهم فحررت العبيد والجواري، وهجرت القصر لأسكن في كوخ قصديري، ووزعت الخيرات بالتساوي على المواطنين، فشاع العدل وعمت الطمأنينة والسكينة وارتاحت الرعية، فشوهد الذئب يرعى مع الغنم ورأيت بأم عيني الثعالب وهي تلعب مع الأرانب، وفي إحدى الليالي الماكرات وصلتني برقية من وزارة الخارجية الأمريكية، فتحتها لأقرأ ما فيها فتفجر اللغم في وجهي وشبت النيران في جسدي النحيل، وبكى الناس في جنازتي، وتحدثوا عن رحيل ملك عادل، وفي القبر وبينما التراب ينهال علي من فوق أحسست بدموع حارة تخترق كفني، وتعانق خدي فقمت فزعا من هول اللحظة وإذا بالطبيب يقول لأمي :

“الحمد لله على السلامة، ها قد استقرت درجة حرارته، ولن يعود بعدها إلى مرحلة الحمى الخطرة "


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى