السبت ١٥ آذار (مارس) ٢٠٠٨
مريم وطارق شعلة تنير الأعشاب
بقلم رحاب الصائغ

في عمق تصورات المبدع

للشعراء حضور في مسألة التجارب الإنسانية تطغى على مساحة كبيرة من معاناتهم، كتبوا باتجاه صوفي رداؤه إحساسهم العميق، لا عندهم التباسات حين يتجهون صوب المرأة، تطرح قصائدهم ما يعتلي دوافعهم من انجذاب إلى المرأة بصفتها صفة من صفات الجمال في الكون، الشاعر ينتمي إليها بكل وجدانه وحيويته لأنه مدرك للضمير المنتمي داخله، في خلق الإبداع خارج حدود العلة، الشاعرة حين تكتب عن المرأة تجاهد من إيجاد طريق لمكنون وجودها، فتحاكي أنوثتها المستلبة، خطاب الشعراء يختلف عن أي رأي أو خطاب آخر، إنه صوت يأتي من داخل العمق الإنساني، والمتعدد في إحياء قيمة العلاقة الوجودية بعطش مرهف، تجد ذلك في مضمون قصيدتين / الشاعرة مريم المرميثي، والشاعر طارق حربي.

الشاعرة مريم الرميثي، وقصيدتها (يابس الأجفان) /شاعرة إمارتية.

تدمج التضاد في لغتها الشعرية، للمرأة دائماً سلسلة من العذابات، غمدتها الشاعرة مريم صنعة الشعر، أرادت أن تباغت التحرر الذي تريد، خاطبت عمقها تكوينها الأنثوي، متجاوزة تكوينها الجسدي، في ذاتها انفراد اعتلى الإحباط، بفكرة محو الهروب معذبة فيما اختارت، قامت فكرتها على بناء لولب التشظي في داخلها وبقت مصرة، على ما يحمل تمردها من معانقة الجفاف، فكانت قصيدتها، (يابس الأجفان)، الشاعرة مريم الرميثي لغتها الشعرية خرجت من أطراف جوهر نفسها، أمرأة تكتب ومضات لاقطة من ضوء التعايش الإنساني، تؤانس وحدتها ومشاعرها إسقاطات حياة اختارتها كاشفة أعتلاجات نبضها وكم من الصور المندرجة تحت هذا المقدر، بحميمية تُفَصِلْ المعاناة اليومية، بقولها:

مساءُ أعذب من كآبة
يعانق وجع ليل طويل
خلف قسوة الوقت الرحيل
ينوء بحمله العمر
بلا عودة
دثرتني الغربة وامتطت الجسد كله
فكان الفراق اختياري
حين تقطعت سبل اختياري
وخانتني انعكاسات الأشواق
وهاجرت أسراب الحب أللاهبة

الشاعرة مريم الرميثي استعملت التنكر المواكب لهالة الاحساسات المتعجرفة، انتابتها الريبة من وحدة العيش في أحلام ما عادت تفك عنها الاسترسال، لذا نجدها، تخاطب ظنونها لشعورها بأن الحياة توقفت، بقولها:

ألوي على نفسٍ
شردها الحنين
وجسد عاشق على هَمسِ مثير
يسيج مشاعره
قبل الصعود
إلى أرضٍ لا يقطنها عطر وصدى وحب
تراك أدركت أن رحيلي مُؤكد!!
أم تراني أنا أرحل ويرحل في الهوى قلبي!!
اعتباري ارتحالي.....
أصداء روح عبرت
وما بقي منها احتضنته الأحلام
بهدوء ساعة أزف الغياب فيها
سؤال بات يقلقني...
هل توقفت ساعتي

إبداع الشاعرة مريم الرميثي، يكمن في نسيج صور اللحظات والحيرة التي تشبه زقزقة عصافير صحت على أثر خراب أصاب عشها، الشاعرة مريم امرأة شديدة الالتصاق بنفسها، ترفض الخضوع أو التنازل، في نفس الوقت تشعر بالحنين والألم، بقولها:
ومتى يجف النهر العاصف؟!

وقد تنفجر من منابع الأرق
وعلى شاطئ العيون الغافية
بحثت عن قطرة في مقلتيك فلم أجد!
بل استنجدت...... ولكنها لم تأتِ
وحدها أشلاؤها المبعثرة على الجرح المنسي
أحاول أن أكون شيء آخر في كيان تقاسيم الشتات..

الشاعرة مريم الرميثي كان تريد أن تقول، أن العنف لا يقوم اعوجاج، وقولبة الفضيلة، لا بد أن تكون مع التكييف والعمل على الولع في فهم التألق، المتكاثف كالظلال على شفاهها.

الشاعر طارق حربي/ العراق، وقصيدة (على الفرات) و قصيدة (تنتظرين وتنتظرين طويلاً) أوصل مسافات الضمير بكنوز الفن التشكيلي، لم يخترع نظريات أو مذهب، غرف من موج ارجواني أو فضاء النبوءات، وأخذ يتكاسل من فوق ر كبتي الغموض، ناشد التراكم الهائل من نسيم القمر، أجلس على أغصان التفاصيل مساءات الشعر، ترك هواجسه تنزلق إلى النهر، فكانت قصيدة (على الفرات) يُشهِد التألق المنساب على جمال المرأة العراقية، ويدرجها ضمن عوامل نفسية منطلقاً من قسمات وجهها ويحدد أمرأة عراقية، بقوله:

أرى الظلال تكاثفت
على شفتيك
شفتك السفلى على وجه الخصوص!
أقصد لُماها ونورها!!
مقوسان
حاجباك مقوسان يا امرأة عراقية
على مجهول ما يلد الكلام
وينطلقان
كأحسن ما تكون عليه
رشاقة الصياد

الشاعر طارق حربي في قصيدته يجد جمال المرأة ساقية تهدر مياهها صافية شتاءً وصيفاً، ربيعاً وخريفاً، تمنح للرائي انبثاق حاسم على الاحتكام في التحول من المتروك والمحمول للمفردة، بامتلاك الحجة في اللغة الشعرية، أدخل الشعر في السالب من السلوك الموجب، نغمات إنسانية وثمة تكنيك جمالي، ميز أحلامه في قوة استمدها من المرأة لما تملك من عطاء، وتدرك مدى هذا العطاء، حتى بالصمت، بقوله:

من الصمت
كيف حررت الثلوج
بعد دهور من الصمت
لا أقول أذبتِ
ما خطَّ الزمان في فقه الوجود

لا تخلو مفردة الشاعر طارق، من دلالة مستوحاة من معاناة المرأة، قد نجد في قصائد الحربي، طابع مميز في النظم أرتكز على الحس العقلي وأطره الرمزية، بقوله:

من ذهب يسيل
من نفط بلادي
أنا في الحقيقة مستعد
أن أبدد حصتي من نفط بلادي
لكي ارضي دلالك
غنجك جمالك
ماذا جنينا من النفط
سوى الحروب
والمنافي
والمقابر الجماعية!!؟

الشاعر طارق حربي صهر جمال المضمون بالمنطق المشروط، للمعنى والمادة الشعرية لمعدن يتلخص وجوده بالشقاء، في حياة كل عراقي.

أما قصيدة (تنتظرين وتنتظرين طويلاً) أمعن الشاعر طارق في ظاهرة تحمل خاصية الخروج عن التقليد، محاولاً الهيمنة في التواصل المستمر بعيداً عن أشكال المراوحة في زوايا خانقة يخفت ضوءها في اصطياد الجمالية، فأبدع في تجنب قصيدته الموت والعدائية، لأن المرأة عنده تمثل شروط القوة للوجود الإنساني، بقوله:

يذكر الربيع شمساً لنهديك
سقطت وراء سياج!!
تشربين خمرة الحب: صبوحها وغبوقها
ولا تنتشين!؟
إنك تبردين وراء النوافذ
أيتها الرغبات
تهرمين ولا تسلمين

الشاعر حربي، كي يثبت جرأة المرأة، وضع موقفه منها موقف العاشق لفنون براءتها وابرز العلاقة الجمالية بينها وبين ما يحيط بها، من سياسة وسلطة وحياة عامة، اعتنى في قصيدته بالسهل الممتنع، ممتطياً تطور الكدياليكتيكِ، بقوله:

تتكئين
كأن غادرتك أمم من العشاق
قوافلهم مرت خفافا
على مفرق شعرك
بقي منهم غبار
وسمعت من صاح:
ليس ريقك عذباً
ولا بحر يديك زاخرا
تمدين الأعناق أبواقا
ورياح الأشواق المطمورة
تنفخ وتنفخ
على سالفيك تحثو تراب!

عند التحليل للقصائد، وتذوق الجانب الجمالي في فهم مدلولات اللغة، والتطبيق في المعنى وتقاسم صورة الرمز(المرأة) يعترى التناغم الداخلي عند كلا الشاعرين، مريم الرميثي، والشاعر طارق حربي، وما يشتعل من شك وتنكر للجسد، وحصاد الذكريات التي تركت في أرض الوطن والنفس، واستعادة التقاليد التي تحتفي في رثائها وريائها في زف الخواء الساكن بمعاجم الجسد المتآلبة رغباته في كشف الاحتقار لألوان الحضارة المعجونة بكل ما يسمى بعصر التقدم، والصور الدخانية المنبوذة لها، أخذا لا يستعينان بها بعد أن حملاها معهم في ترحالهم كذكريات، الشاعرين يسكنهما إنسان يريد أن يخلق عوالم جديدة لصور عامرة بالحب وليس بالهم الذاتي والغائر في مؤتلفات الحياة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى