الأحد ٣٠ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم نوزاد جعدان جعدان

تهذيب قويق

أحبّ التمرد والخروج عن المألوف فهجر أهله بعدما كانوا أثرياء المدينة ثم أعلنوا إفلاسهم ,فتبدلتْ أخلاقه وتعلم كلّ الأساليب الملتوية وتحول إلى قذر يتحايل على الناس ,فعندما يمر في الشارع تفوح منه رائحة كريهة.

أمسى شخصا مستهترا لا يهمه شيء وإن بصق على أحد المارة فإن أثر البصقة يدوم لا يزول حتى أن أهل المدينة سموا بصقته ببصقة قويق,وقويق هذا طباعه كطباع البحر الهائج فتارة مد وتارة جذر لم يكن يرسي على ميناء ,قبيل خلوده للنوم يؤنب نفسه ولكن ما باليد حيلة فقد سرى السم في أحشائه,وأصبح كورقة شجرة متساقطة مبلولة من المطر ومحجوزة في دائرة من الماء .
كان أهل المدينة ينعتونه بالقذر فقد امتلأت بشرته بالبقع السوداء جراء وقوفه المطول تحت الظلال وعدم استحمامه, ويضربون المثل عندما يصفون شخصا بأنه أكثر قذارة من قويق.

كعادته كان يمشي في الشارع بين المارة والمارة يضعون المناديل على أنوفهم من رائحته النتنة فبدأ قويق بأغنيته:

أنا قويق..

مهمل من عصر سحيق..

نجمة أطفأ الضباب فيها البريق..

وحيد بلا شقيق..

في أحشائي عقيق ..

لكني أحتاج مكتشفا رفيق..

بلا خارطة أنحوني من الفريق..

بدون بوصلة أضعت الطريق..

زهرتي زال منها الرحيق..

وأمسيت ماء بلا إبريق..

لم يصدق المارة حتى ينتهي من أغنيته بعد أن ملوا من وضع القطن في أذانهم إلا شخص واحد حكيم عاقل ومدّرس في التهذيب معروف بين أهالي المدينة ,كان يعلم جيدا بأن قويق من أصول عريقة ويحمل مكنونات طيبة في داخله إلا أنه بدون مرشد ضلّ في طريقه .

اقترب الحكيم من قوبق ينصحه بالابتعاد عن أفعاله المخزية وقويق يأبى النصيحة ..مرتْ الأيام والحكيم يزوره كل يوم دون ملل أو كلل , بشخصيته الجبارة وطريقه الذي لا يعرف للملل أنيسا اكتشف بذورا صالحة في قويق تحتاج إلى بعض الماء والعناية ,وارتأى بأن السنابل كانت جاهزة للحصاد إلا أن الفلاحين كانوا مشغولين..

وفعلا اقتنع قويق بنصائح الحكيم وكان على وشك دخول دفاتر غينيس للأرقام القياسية بعناده..

ضمه الحكيم إلى مدرسته التي خرّجت العباقرة, واصطحبه إلى بيت طالب كان في نفس المدرسة اسمه فرات وفرات من خيرة الناس ومن أشهر الكتاّب فنتاج كتاباته تقرأ من هضبة أرمينيا شمالا إلى شط العرب جنوبا, ومدّ فرات يده لقويق وساعده على تخطي أزمته وعلمه الطريق السليم كما لقنه القراءة والكتابة .

تحول قويق إلى شخص آخر مثقف ومهذب لا يخرج عن نطاق الحديث إن سأله سائل , ولا يهيج إن رماه أحدهم بحجر بل على العكس يبدي ابتسامة عميقة تدل على نضجه .

وترك عادة البصق وأمسى شخصا حين يقبّل أحد المّارة يُشعره بالحيوية والنشاط وتزهر الورود في قلبه,وأصبح الناس يجلسون بالقرب منه يستمتعون بعبيره وجمال مظهره المتأنق البهي وصارت بشرته بيضاء صافية ناعمة لا تحمل أي ندبات تعكر صفوها ..

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى