الأحد ٢٨ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم زياد يوسف صيدم

التمدد العمرانى فى المشرق العربى

الجزء الأول

(الفصل الأول)

• مقدمة عامة على المشرق العربى

إن المشرق العربى يكتسب أهميته الكبيرة فى كونه يقع فى منطقة تعمل كجسر يربط قارتى آسيا وإفريقيا بقارة أوروبا وكذلك كونه مصدراً للمواد الأولية ولأهميته الأثرية والأدبية وفى دوره السياسى البارز.

كذلك ترجع أهميته الكبيرة للقارات الثلاثة القديمة فى كونه منبعاً للديانات السماوية الثلاث- اليهودية والمسيحية والإسلامية -،ولكونه أرض الحضارات القديمة- الفرعونية-اليونانية-الرومانية-فى مصر،و-البابلية-الآشورية-الفارسية- فى العراق،و-الفينيقية-اليونانية-الرومانية- فى بلاد الشام.

وتم تقسيم المشرق العربى إلى أربعة أقسام جغرافية وهى المنطقة الأولى وتضم كل من(السودان ومصر)،والمنطقة الثانية وتضم كل من(سوريه-الأردن-لبنان-فلسطين) والمنطقة الثالثة وهى شبه الجزيرة العربية، وأما المنطقة الرابعة فهى العراق.

إن الديانة الإسلامية التى صبغت المنطقة والتى بدأت فى بداية القرن السابع الميلادى فى مدينة مكة فى شبه الجزيرة العربية والتى كانت تخضع لمجتمع القبلية والوثنية ومجتمع من البدو حيث يعيشون فى خيام وبيوت بُنيت من الطين،..ومع إنطلاقة الدعوة الإسلامية تحت راية الرسول محمد عليه الصلاة والسلام تم إنشاء أول مسجد فى مدينة مكة وهو مكون من أربعة حوائط بغير سقف وكان يحيط ببئر زمزم المقدس وكانت حوائطه من طوب الطين المجفف بالشمس.

وبإنتشار الدعوة الإسلامية رويداً رويداً وبخطى ثابته وعزيمة قوية وصولها إلى المجتمعات المختلفة والثقافات القديمة من الهند شرقاً وحتى أسبانيا والمغرب غرباً ومن جزيرة سيشل فى البحر المتوسط شمالاً وحتى اليمن ووسط إفريقيا جنوباً.

ومن التفاعلات المختلفة للمد الإسلامى الكبير كانت العمارة والفن المعمارى الذى إكتسب قيمة كبيرة من بين جميع الفنون الموجودة.فمن خلال المرحلة الأولى لفجر الإسلام الأول بقيادة الرسول عليه الصلاة والسلام ومن بعده الخلفاء الراشدين فإن العمارة تميزت بالبساطة ولم يُعرف عنها الكثير سوى بيت الرسول فى المدينة فى السنة 622 ميلادية والذى كان يشمل حوائط من بلكات الطين المجفف بإرتفاع 3.15 سم ومساحة 45 متر مربع وكان السقف يرتكز على أعمدة من جذوع النخيل وعلى سقف مغطى من جريد النخيل والطين ولكن البيت تم تحويله إلى مسجد فى السنة 674.م وترجع بساطة العمارة فى هذه الفترة إلى أن الديانة الإسلامية كانت تحرم رسم الشخوص والأشخاص وكذلك رسم الحيوانات وتقليد الطبيعة...فلم تدخل الديكورات فى أماكن العبادة بشكل عام..

بإنتقال الخلافة إلى دمشق فى العهد الأول للأمويين فى أعقاب -عهد الرسول والخلفاء الراشدين- والذى يعد بداية الفن المعمارى الإسلامى حيث تم إنشاء كثير من الجوامع ودور العبادة والقصور والتى هى شاهد حتى يومنا هذا على تلك الفترة الهامة من ذلك العهد الإسلامى فعلى سبيل المثال:بناء المسجد الأقصى أو ما يعرف بقبة الصخرة فى القدس وهو شاهد فريد من نوعه حتى اليوم على عظمة الفن المعمارى الإسلامى فى العصر الأموى الأول للخليفة الوليد والذى يعتبر من أهم وأجمل معالم البناء فى العالم الإسلامى عامة فى المشرق العربى وخصوصاً أن المسجد تم بناؤه حول الصخرة المشرفة والتى إنطلق من خلالها سيدنا محمد عليه السلام إلى السماء فى ليلة الإسراء والمعراج فأهميته تكمن فى قدسيته الدينية إلى الجانب المعمارى الأصيل والذى سنتحدث عنه لاحقاً كأحد أساليب البناء فى العصر الإسلامى.وشاهد آخر للعصر الأموى هو المسجد الأموى الكبير فى مدينة دمشق.
مع هزيمة الخليفة الأموى الأخير تبدأ مرحلة جديدة فى العهد الإسلامى ألا وهو العصر العباسى،وبه تصبح بغداد العاصمة الجديدة للخلافة وتحديداً للخليفة المنصور بعد أن وضع أساسها وقام على تشييدها.

إن أساليب وطرق تشييد مدينة بغداد واحدة من نوادر الأعمال فى الفن المعمارى،والتى تكمن فى تصميمها والذى أخذ شكلاً دائرياً،حيث كان لها أربعة بوابات رئيسية يحملن أسماء الأقطار الأربعة حسب إتجاه البوابة التى تفتح عليها فمن ناحية الجنوب/الشرقى بوابة البصره ومن ناحية الشمال/الشرقى بوابة خورسان ومن ناحية الشمال/الغربى بوابة دمشق ومن ناحية الجنوب/الغربى بوابة الكوفة،وبلغت مساحتها الدائرية 7.200 متر مربع،والمسافة بين بوابة وأخرى بلغت 1.800 متر،حيث بلع سمك الحائط 4.5 متر والإرتفاع الداخلى للحائط بلغ 15.75 متر وترتفع عليها أبراج تزيد عن إرتفاع الحائط بمقدار 2.25 متر، وقد تم إستخدام حجارة مربعة الشكل من الصلصال الكلسى بعد تجفيفه تحت أشعة الشمس بطول ضلع للحجر مقداره 45 سنتمتر.

أما عن المدخل الرئيسى فهو عبارة عن ممر مسقوف بطول 9 متر وبعرض 5.4 متر وينتهى بمركز المدينة حيث قصر الخليفة أما المناطق السكنية فكانت تتواجد بين الحائط الرئيسى ومنطقة الفراغ الخاصة بالقصر وهذه المنطقة مقسمة إلى أربعة أقسام نتيجة إلى الطرق الأربعة المؤدية من البوابات الأربعة الرئيسية إلى منطقة الفراغ لقصر الحاكم ومسجد الحاكم.

عندما قام الخليفة العباسى بإرسال أحمد بن طولون حاكماً إلى مصر، كان ذلك نهاية العصر العباسى والذى بدأ بالعصر الفاطمى وبإنشاء مدينة القاهرة على يد الخليفة المعز لتصبح عاصمة الخلافة الإسلامية حيث تم إنشاء كثير من الأبنية ذات الفن المعمارى والتى لا تزال شاهداً على تلك الفترة، فجامع الأزهر على سبيل المثال والذى يعد اليوم من أكبر الجامعات فى المشرق العربى، خير شاهد على ذلك.

فى أعقاب العصر الفاطمى والأيوبى يبدأ عصراًً جديداً من عصور الإسلام وهو العصر المملوكى والذى من خلاله وصلت الأصالة والرقى فى الفن المعمارى والهندسة إلى قمتها من التقدم والإزدهار والحضارة حيث تمت تسميته حقيقة بالعصر الذهبى للعمارة والفن المعمارى الإسلامى -حيث سنرى ذلك لاحقاً-.

إن تطور العمارة والفن المعمارى فى مختلف مراحله التاريخية لم يولد من صدفه ولكنه بالتأكيد قد تأثر بالثقافات والحضارات السابقة والتى سيطرت الحضارة الهيلينية على معظم الفنون فى ذلك الوقت فى بلاد الشام والفارسية فى العراق والقبطية فى مصر،ومعظمها كانت ذات أصول بيزنطية حيث تميزت فيها الفنون المعمارية والعمارة بتكوينها من بيوت الحجر والمبانى كانت تحتوى على أعمدة من الرخام وسقوف من الخشب حيث كانت غابات الأشجار منتشرة بكثرة فى بلاد الشام فى ذلك الوقت،والقصور والبيوت إحتوت على الديكورات والتى صنعت من الموزايكو والقيشانى والألوان الجميلة.

وعودة إلى الفن المعمارى المملوكى على وجه الخصوص والذى من خلاله أُعتبر البدء الحقيقى فى الأخذ بالإعتبارات القيم الأساسية التى ميزت العمارة الإسلامية بشكل عام كالأخذ فى الإعتبارمثلاً العوامل الطبيعية والإجتماعية والثقافية فى مختلف التصاميم فعلى سبيل المثال شِح الأمطار أو إنعدامها فى منطقة المشرق العربى عملت على تحديد نوعية وشكل السقوف فى المبانى فهى مستوية وكذلك بالنسبة للتوزيع الداخلى للمساكن فهى متشابهه فى معظم الأقاليم فى المنطقة فهى تحتوى على الإيوان وهى صالة الضيوف والتى تفتح فيها فتحات للتهوية بإتجاه تيارات الهواء وعلى ملاقف الهواء ووجود المشربيات والمداخل الرئيسية للبيت لا تفتح بشكل مباشر على داخل البيت ولكن بشكل متعرج..وعلى وجه العموم فإن المساكن فى العهد الإسلامى عامة والمملوكى خاصة كانت تنقسم إلى قسمين الأول للضيوف والثانىللعائلة ووجود خاصية تميزت بها بيوت الأغنياء وهى الديكورات على الواجهات الخارجية والداخلية والتى صنعت من ألوان طبيعية وأشكال هندسية جميلة الألوان،وفى فصل الشتاء فى المناطق الباردة كان الناس يستخدمون دفايات الفحم الخشبى.
ومما سبق فإننا نستشف بأن الثقافة الدينية والتقاليد قد هذبت وصقلت معاملة وعادات الرجل فى حياته المدنية وذلك بترسيخ وفرض بعض الأنماط المعمارية بإستخدام فلسفة واحدة فى الأنحاء المختلفة لمنطقة المشرق العربى،ويتأكد ذلك حين النظر على سبيل المثال إلى مدنٍ مثل القاهرة-دمشق-بغداد ومكة فإنها جميعاً تتصف وتتميز فى وحدة التكوين المعمارى وفى النمط العمرانى الإسلامى والتى تشترك فى ميزات مشتركة فى علاقتها الوطيدة مع البيئة والمناخ وذلك كدليل واضح على ما نقوله.

وعليه فالعامل الدينى والإجتماعى والبيئى إنعكس على العمارة وتكوين المبانى ولهذا جائت المنازل لتطل على فراغ داخلى عام مع حماية فى الرؤيا بين الفراغ الخاص بالمنازل والفراغ العام،كذلك نلمس الإطار الآخر للمساجد حيث أنها مرتبطة بمبانى أخرى مثل المدرسة،وكذلك على البازار ومحلات الصناعات اليدوية والمساكن وهذا يجعلنا نؤكد بأن العوامل الإجتماعية والثقافية إلى جانب العامل البيئى جميعها أعطت الطابع التأثيرى بشكل كبير على العمارة عبر تاريخ المجتمعات المتعاقبة وقد تم بناء المسجد بشكل خاص على القواعد والمبادىء الدينية الإسلامية والتى شكلت وأوجدت خصائص الفن العربى الإسلامى فيما بعد أى البساطة-الوحدة-الخصوصية-إحترام الطبيعة الإنسانية،وهناك عناصر أخرى مشتركة ميزت منطقة المشرق العربى تكمن فى المنشآت السكنية والتى تُظهر وجود أشكال ثابتة مثل الإيوان والحوش وهما عنصرين قد تم تطبيقهما فى كل المنطقة وفى النهاية وإختصاراً نوضح بأن العمارة التراثية الأصيلة بدأت فى القرن السابع الميلادى وتعاظمت حتى وصلت إلى أوج حضارتها وتطورها فى القرن الثالث والرابع عشر،لتبدىء بعد ذلك الضعف وفقدها لكثير من القيم الأصيلة حتى القرن الثامن عشر ومع بداية القرن العشرين فإن المشرق العربى مثله كمثل المغرب العربى وقع فريسة الإستعمار والإحتلال والدكتاتورية والتى شكلت التحدى الكبير من جراء المأزق الذى إنوجدت به العمارة والطابع الحياتى للمدن العربية بشكل عام،ومما لا شك فيه فقد حدث ذلك من جراء إنقطاع الإستمرار والإتصال التاريخى والثقافى حتى ولادة وإنبعاث متغيرات قوية من الناحية الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والمعمارية فى معظم أنحاء المشرق العربى -كما سنرى لاحقاً-.

(الفصل الثانى)

الطرق والأساليب المستخدمة فى بناء العمارة القديمة فى المشرق العربى.

المناخ والعمارة:

إن الدوران المائل للأرض حول الشمس يعمل على إستقرار فصول السنة والأشهر،وتتحدد المناطق الباردة أو الحارة من بُعدها أو قربها عن خط الإستواء وكما نعلم بأن الشمس تعمل على توزيع الرطوبة والرياح،فالمناخ لا يؤثر بشكل فعال على خصائص النبات والحيوان أو الأشخاص فحسب ولكنه يؤثر أيضاً على عمارة الإنسان،فى مختلف فترات حياته وبالتأكيد فليس غريباً أن المناخ من العوامل الهامة والأساسية فى تحديد طبيعة أى حضارة،فنجد أن الإنسان الأول فكر فى الحماية من الظواهر الطبيعية المتغيرة فتولدت نتيجة لذلك الفكرة البدائية والتجربة الأولى له للمسكن وملائمته مع البيئة التى يتواجد بها.

وعلى وجه العموم فالمناخ السائد فى المشرق العربى هو حار/جاف وفى بعض المناطق حار/رطب فى فصل الصيف، وعليه فإن ما تتميز به هذه المنطقة من الحر والشمس الساطعة عملت على بروز مشكلتين أساسيتين للسكان وهما على كيفية الوقاية من أشعة الشمس وعلى كيفية تقليل الرطوبة ومن أجل حل تلك المشاكل،بنى الإنسان بيته ومسكنه بشكل يضمن حركة الهواء بحرية تامة داخل المسكن وكذلك بنى سقف المنزل من الطين وأوراق الأشجار أو تبن القمح مع ميلان فى السقف لإنحدار مياه الأمطار،وقد عمل على إنشاء منطقة مسقوفة أمام الغرف وذلك للحصول على أكبر مساحة من الظلال داخل المسكن وهكذا إستطاع السكان أن يكيفوا مساكنهم ضد أخطار ومشاق البيئة مع الأخذ فى الإعتبار بعض الأحوال الخاصة وذلك لإختلاف الذوق وحسب بعض العادات ولكن وبصفة عامة نجد بأن معظم أساليب البناء والشكل العام للمساكن إرتبطت بالبيئة لهذا فإن الإنسان ذهب دوماً للتقرب وإيجاد الشروط المناسبة للعيش والتكيف مع البيئة فى مسكنه وذلك بمعرفته للعناصر المناخية الرئيسية والتى تؤثر وبشكل مباشر على مسكنه وأبنيته وعليه شخصياً وهى درجات الحرارة،أشعة الشمس،حركة الهواء والرطوبة وهى جميعها عبارة عن قوى الطبيعة التى دائماً أثرت وتؤثر بشكل مباشر على جميع الأشياء وعلى رأسها عالم الأحياء على سطح الأرض بإختلاف بيئتها المناخية والتى لها تأثير على تشكيل المبانى وطرق بنائها والتى على خلفيتها تتحدد وتتكون العمارة فى المناطق المختلفة مناخياً.

إن الشكل المناسب فى منطقة المشرق العربى لمناخ حار فى العادة هو الذى يختزل ويحتفظ بكمية حرارة فى فصل الشتاء ويتلقى أقل كمية حرارة فى فصل الصيف،.. ولهذا كانت أشكال المبانى مربعة وتحتوى على أقل سطوح خارجية مع فتحات صغيرة وبأشكال طولية قليلاً وتتجمع المساكن لتشكل وحدة سكنية جامعة ومتكاملة فى إتجاه شرق/غرب وهو الأكثر ملائمة بالنسبة لأشعة الشمس.وللحصول على النسمات الباردة تم بناء الإيوان داخل المنازل وبإتجاه تيارات الهواء وكذلك تم إنشاء ملاقف الهواء على سطوح المنازل أو ما تعرف بأبراج التهوية حيث تحتوى على فتحات ضيقة نسبياً وذلك لضمان إندفاع الهواء إلى الداخل وإحتوت على وعاء للماء تم وضعه أسفل الملقف حتى يعمل على تلطيف الحرارة وتقليل الرطوبة.

إن هذه الأساليب فى البناء إعتمدت على وجود مشاكل أساسية للحصول على شروط وأسباب للتهويه والتبريد فى منطقة دراستنا هذه مع الأخذ فى الإعتبار المواد المستخدمة والتى تعود وبشكل طبيعى للخصائص المناخية والأجواء الحارة-جاف/رطب- والتى تميز المنطقة،وكذلك تتدخل فيها الثقافات المحلية والتى ترتبط بالبيئة الطبيعية التى أثرت على معظم أساليب البناء فى العمارة العربية القديمة.

وكذلك نؤكد على أن المناخ الحار بأنواعه لم يؤثر فى تشكيل وتكوين المبانى وتحديد الأساليب المناسبة والملائمة للببناء فحسب ولكن هذا الجو والذى يتميز بسماء صافية فترة طويلة خلال العام وطقس جاف وإختلافات قوية فى درجات الحرارة على مدار اليوم ساعد فى تحديد إتجاه وتوجيه المبانى وعلى إختيار نوع السقف وعلى أنواع المنشآت والتوزيع العام،والألوان ونوع المواد المستخدمة.

وفى حالة الرطوبة فإن المناخ يتميز بإرتفاع فى درجات الحرارة وإرتفاع فى البخار(ضغط بخار الجو) وعليه ففى أجواء مناخية كهذه فإن الحصول على حركة الهواء والظل لهما من أوائل الأولويات والأهداف لتشييد وبناء أى من المنشآت بإستخدام مواد ذات قدرات منخفضة على إمتصاص الحرارة.

*إستخدام نظام القباب فى بناء السقوف:

يعتبر نظام القبة فى البناء وخصوصاً فى العمارة الإسلامية من الأساسيات لإرتباطه بعوامل مناخية،ثقافية، وتكنولوجية أيضاً...حيث أن نظام القبة فى السقف يلعب دوراً هاماً فى عمليات التبريد الطبيعى وهذا يوضح ويفسر إنتشارها الكبير فى منطقة دراستنا هذه..ويمكن شرح عملية التبريد الطبيعى للقبة فى أنه عندما تهب الرياح فوق سطح القبة فإن ضغط الهواء يقل فىالقمة وأعلى القبة مما يعمل على إخراج وسحب الهواء الساخن من المنطقة الواقعة أسفل الفتحات المتواجدة فى المنطقة العلوية للقبة وهذا بدوره يحتفظ بظروف أفضل وأقل حرارة بالنسبة للسكان وكذلك شكل القبة كنصف دائرة والذى يعمل على تقليل مساحة السطح المعرضة لأشعة الشمس.هذا من جانب ومن جانب آخر لها بعد ثقافى ذا طابع دينى فكما نعلم بأن إضائة الكون مستمدة من الشمس العالية فى السماء والقبة بفتحتها العلوية تعمل على تمرير الهواء وأشعة الشمس والضوء أيضاً من هنا الإيحاء الجمالى لها على القلوب،ويستخدم فى بنائها مواد مختلفة منها بلوكات من الطين والحجارة أو من حجر الطوب المصنوع من الطين المجفف بالشمس.

وأولى القباب أُنشئت فى مصر فى سنة1401 وكانت على أشكال هندسية وتم إستخدام الحجر على حين عند إستخدام الطوب كانت القبة تأخذ شكل ورقة الشجر.

وتعتبرالقبة الذهبية فى مدينة القدس، واحدة من أهم وأجمل المنشآت على صعيد العالم الإسلامى كله والتى تشمل المسجد الأقصى والصخرة المقدسة والتى من خلالها سرى الرسول الكريم عليه السلام إلى السماء فى ليلة الإسراء والمعراج.

ويتخذ المسجد الشكل متعدد الأضلاع بطول ضلع 20.90 متر وله4 بوابات رئيسية تفتح فى الإتجاهات الأربعة ويبلغ إرتفاع البوابة الواحدة منها 9.5 متر وهو مكسو بشرائح رخامية ذات ألوان زرقاء وخضراء هذا بالنسبة للواجهات الخارجية،ومن الداخل يلاحظ الأعمدة قريبة من الحوائط تعمل على تشكيل أرمونية(إنسجام) مع بعضها البعض أما بالنسبة للأعمدة الأربعة والتى تحمل القبة حيث تبرز لوائح الموزايكو والرخام والرسوم القرآنية والزجاج الملون.،وهذا الفن المعمارى كله الشاهد على عظمة العصر الأموى.

• الملقف:(برج التهوية)

وهو بناء على شكل مدخنة، حيث تم تصميمه لإدخال الهواء من خلال فتحات كبيرة فى أعلى البناء وعادة تكون موجهه بإتجاه الرياح وفى داخله يوجد به صحن من المعدن يحتوى على الفحم الخشبى ويتم إدخال قليل من المياه به وهكذا حين يمر الهواء الساخن والرطب عندها يتم إمتصاص الرطوبة بواسطة الفحم وأما الماء فيعمل على تلطيف حرارة الهواء وأحياناً يتم إستبدال الفحم بنافورة مياه فى وسط القاعة أسفل الملقف وبهذا تنخفض درجة حرارة الهواء الداخل إلى المنزل عبر الملقف.. وبهذا عمل على حل مشكلة توجيه المبانى بإتجاه الرياح، وجعل التركيز على مشكلة الشمس والحرارة الناتجة عنها فى فصل الصيف.

• المشربية:

عبارة عن نوع من أنواع الشبابيك البارزة، صُنعت من الخشب وتحتوى على كثير من الفتحات الصغيرة والتى تعمل على إدخال ضوء الشمس بشكل مناسب ولطيف مما يمكن من هم بالداخل مشاهدة من هم بالخارج دون حدوث رؤيا للداخل وخصوصاً النساء وبالمقابل يحدث العكس حيث لا يمكن رؤية الداخل حين النظر من الخارج،هذا من جانب ومن جانب آخر كانت توضع قوارير المياه للشرب فى فترة الصباح بجوارها وذلك لإكسابها برودة،بالإضافة لكونها عنصراً من عناصر الجمال والزخرفة فى العمارة العربية الأصيلة.

أساليب أخرى نتيجة التأثربالحضارات الأخرى:

• الأعمدة والعقود:

فى بداية العمارة العربية الإسلامية لم يكن معروفاً تصاميم وأساليب الأعمدة التى أطرافها النهائية عبارة عن عقود فهى ترجع فى أصولها إلى الرومان والإغريق،وأولى الأعمدة من هذا النوع تم إستخدامها فى بناء المساجد تم أخذها من معابد وكنائس قديمة مهدمة أو غير صالحة وذلك بفضل مرور الزمن عليها،أو تم إستخدامها مباشرة بطريقة التقليد والنسخ الكامل، وقد ظهرت لأول مرة فى المشرق العربى فى قصر الخليفة المعتصم فى سمرقنده فى العراق، ثم فى مصر فى مسجد إبن طولون فى القاهرة حيث أخذت الأعمدة أنماط رومانية وكانت العقود على شكل أجراس كنائس،ولكن مع مرور الزمن أخذت تنتشر آخذة أشكالاً متعددة منها الدائرى والمخروطى ثم تطورت لتصبح متعددة الضلوع ويظهر ذلك فى قصر (قيت باى) بالقاهرة ثم أصبحت على أشكال هندسية مختلفة ومتعددة كما نرى اليوم.

أما بخصوص العقود التى كانت تنتهى فى نهيات الأعمدة فقد أخذت أشكال هندسية مختلفة منها ذات 8 أضلاع، ومنها الدائرى وكانت تحتوى على ديكورات وروسومات بارزة على أشكال أوراق الأشجار أو النباتات.

وفى القرن الثامن عشر بدأ إستخدامها فى حل مشكلة السقوف والواجهات الخارجية وذلك بربط نهاية كل عمودين بقطعة من الخشب وهى تسبق تكوين القوس بينهما ثم يتم تشكيل السقف فيما بعد على شكل خيمه.

*المآذن:

أسلوب مأخوذ عن الحضارات الأخرى (البيزنطية) ولكنه تطور بعد ذلك وإنتشر بشكل واسع فى العمارة الإسلامية وقد ظهر للمرة الأولى فى دمشق فى المسجد الأموى وقد تم إستخدام الحجارة فى بنائها كما فى بلاد الشام ويستخدم الطوب الحرارى كما فى العراق وشبه الجزيرة العربية،وقد أخذت المآذن الأولى أشكالاً مربعة كما فى مسجد إبن طولون حيث كانت القاعدة على شكل مربع ثم يصبح على شكل إسطوانى ثم متعدد الأضلاع وفى القمة يأخذ شكل القبة.

وهناك مأذنة فى سمرقنده بلغ إرتفاعها 40.44 متراً،وعلى وجه العموم فإن المآذن تنتهى فى قمتها بأشكال دائرية حيث تتواجد أعمدة تحمل البلكونات الدائرية فى الأعلا كما يحدث الآن مع إختلاف بأنها بارزة (معلقة) وبإستخدام الرخام فى الأعمدة والجبس فى الديكور حالياً.

وجاء اقتباس وتطور بناء المآذن كلمحة جمالية وكإحساس روحانى متمثلاً فى ذراع طويلة متجهة إلى السماء حيث يتواجد رب العالمين، وذلك لطلب المغفرة والسماح، والمناداه للصلاة من مكان عالى حتى يُسمع الصوت من الجميع ويصل إلى اماكن بعيدة.

تجارب البناء بالطين بإستخدام خبرات جديدة:

إن البناء بإستخدام مواد أولية من الأرض لهو أسلوب من التراث القديم، وقد مثل الطريقة الوحيدة لكثير من الناس فى بناء المسكن وخاصة فى معظم البلدان الفقيرة وهى ترتكز فى أساسها على الثمن الرخيص فى البناء،وعلى التكلفة البسيطة من المواد المستخدمة فيها حيث تعتمد على طوب اللبن أو المجفف بالشمس المصنوع من الطين وهذا يعود إلى الأوضاع المختلفة المحلية منها (البيئة الطبيعية- العادات والتقاليد-الحالة الإجتماعية والإقتصادية) للسكان فى مختلف المناطق التى تخضع تحت نفوذ دراستنا هذه.

فالبناء بإستخدام الطين طريقة قديمة كانت تستخدم فى معظم المشرق العربى وخصوصاً فى مصر وشبه الجزيرة العربية ويعتمد هذا الأسلوب فى البناء على مكونات رئيسية وأولية هى الطين والرمل والقش والشيد الكلسى ويتم إستخدام مربعات معدنية أو خشبية على شكل ألواح تعطى الشكل المطلوب ويتم وضع الطين مع القش فيها ثم تترك بعد فصل الألواح عنها معرضة للشمس حتى يجف وذلك قبل إستخدامها للبناء فهذا النوع من الطوب يعمل على الإحتفاظ بالحرارة منخفضة وعلى العكس فهو يحتفظ بدرجات الحرارة ويختزلها فى فصل الصيف وهذا ما يحدث أثناء النهار فالمساكن باردة طبيعياً ولكن فى الليل فهى حارة جداً لإختزال الحرارة طوال النهار فتبدأ بالتسرب ليلاً..لهذا فالسكان يعيشون فى الطابق الأرضى نهاراً وفى الطابق الأعلا خلال الليل.

وفى سنوات الأربعين لهذا القرن بدأ التفكير فى مصر بإستخدام الطين لأسباب منها البحث عن التراث القديم وجعله متصلاً بالحديث والأخذ فى الإعتبار النواحى الإقتصادية لسكان القرى ولتحسين وضعهم المعيشى بأثمان منخفضة عن طريق تسخير مصادر محلية فى متناول اليد فجاء إنشاء مشروعين لقريتى (قورنة) و(باريس) للمهندس المعمارى حسن فتحى.

المشروع الأول: عبارة عن قرية فى غرب النيل بجانب مدينة الأقصر وهى على شكل مستطيل له بوابة رئيسية تفتح على فراغ من جانب ومن جانب آخر هناك بوابة أخرى فى الإتجاه المقابل تماماً يفتح على القرية تماماً وهو يحدد الطريق الوحيد حيث فى منتصفه توجد الساحة الرئيسية والمسجد،ودار البلدية،ومدرسة صناعات يدوية والسوق وهو عبارة عن معرض للمنتجات أيضاً ومن الشارع الرئيسى يتفرع شارعان حيث تتواجد كنيسة صغيرة،حمام عام،مركز للشرطة ويلاحظ للشوارع زوايا وملفات كما فى المدن الإسلامية القديمة وكذلك فى التوزيع الداخلى للخدمات فى نفس المسكن حيث قاعة الضيوف وحظيرة الحيوانات فى الدور الأرضى وفى الدور العلوى تتواجد غرف النوم، كل ذلك يعود بالتصميم إلى العادات المحلية والأسلوب العربى الإسلامى القديم كما يلاحظ فى نظام التهوية المتواجد فى كل منزل وهو ما يعرف بالملقف.

المشروع الثانى: وهو القرية الإشتراكية (باريس) فى واحة الخارجة فى الصحراء الغربية لمصر وقد تم إستخدام أُسلوب النوبة (القبة) فى التهوية الرأسية للمساكن..،والقرية مقسمة من 20 - 30 وحده عائلية وتم تطبيق نظام منقول عن البيت الرومانى القديم وهو وجود غرفة مغطاه تفتح على صحن المنزل وعلى حديقة المنزل فى وقت واحد وقد صممت المنازل بمساحات مختلفة حيث يتواجد فى الطابق الأرضى غرفة الطعام والجلوس وغرف النوم والبلكونة فى الطابق العلوى.

إن التجديد الملحوظ والمتطور يتجسد فى الطرق المتعامدة والمستقيمة والتى منها تتفرع طرق تخدم المساكن وتوجد طرق خاصة بالحيوانات متواجدة خارج نطاق مركز القرية أو فى داخلها..

إن هذه التجربة فى قرية بارس وإن لم يتم تنفيذها أو إنجازها فقد كانت حلاً لمشكلة المساكن ذات الثمن الزهيد أو ما يعرف بمساكن الفقراء وكحل أيضاً من الناحية البيئية.

وبعد مرور حقبة من الزمن على هذه التجارب والأفكار فإن التجارب التى تُعمل فى الولايات المتحدة الأمريكية أو فى فرنسا لتقييم الطوب الطينى كحل لجميع دول العالم الفقيرة واللذين ينتمون إلى بيئة معينة تلائم تلك الأساليب والطرق فى البناء فى أيامنا الحالية.

ومن الطبيعى أن معظم بلاد المشرق العربى يجب أن تهتم فى مثل تلك الأبحاث وذلك لأسباب مناخية وإقتصادية وإجتماعية سواء فى قرى أو فى ريف المشرق العربى.

المشاكل التى تواجه عملية البناء بإستخدام الطين:

أهم المشاكل التى تواجه عمليات البناء بإستخدام الطين هى تكنية بالدرجة الأولى ويمكن حصرها فى: -) عملية القواعد والأساس. -) السقف.

فى الحالة الأولى يتبع عدة أنظمة وطرق بإستخدام عوازل لمنع تسرب المياه أو إستخدام حفرة تملىء بالرمال حتى مستوى القواعد والأساس...،أما فى الحالة الثانية فأفضل الطرق المستخدمة هى فى إستخدام نظام القباب.

(الفصل الثالث)

التقدم العلمى والتراث الأصيل فىالعمارة:-

التقدم العلمى فى أى بلد بوجه عام وفى مجال البناء بوجه خاص منوط بالوضع الإقتصادى والتكنولوجى للبلد،فالتطور العلمى فى بلاد الغرب تقدم بشكل كبير وبخطى واسعة نحو الأمام فى مجال البناء مما أدى إلى فقد القيم الإنسانية والتراثية فى العمارة فى تلك الأقطار.
وفى البلاد العربية فإن صناعة البناء حتى الآن فى مراحلها الأولى مقارنة لما هو حادث فى بلاد الغرب وذلك بسبب نقص التكنولوجيا والأيدى المدربة فى ذلك المجال،تسبب فيها صعوبة الأوضاع الإقتصادية فى معظم أقطارها بإستثناء بعض الأقطار الغنية فى المشرق العربى(شبه الجزيرة العربية) والتى إستطاعت إحضار هذه التكنولوجيا من خلال الشركات الأجنبية المتخصصة والتى عملت فى تلك الأقطار دون أى مراعاه أو إعتبار لمدى ملائمتها مع البيئة أو المجتمع والتى سارعت فى نشوء عمارة مختلفة وبعيدة كل البعد عن العمارة ذات الطابع التراثى الأصيل والتى تميز المدن العربية.

إذن فالهدف هو الوصول إلى التقدم التكنولوجى المطلوب والذى يضمن ويكفل ملائمته للمجتمع والبيئة وذلك حتى يتم إحترام الشكل العام للمدينة العربية مع الإستمرار فى تحديثها، مع العلم بأن ذلك ليس بالأمر السهل فى زمن التقدم الإجتماعى والإقتصادى والذى من خلاله تم فَقد التوازن بين الضرورة والحاجة المادية من جهه وبين الضرورة والحاجة المعنوية من جهه أخرى وهنا تكمن خطورة الموقف وحساسيته والذى يتوجب علينا التفكير والوقوف لإستعراض التأثيرات السلبية لهذا التقدم التكنولوجى وعمل كل ما هو مستطاع حتى يخدم ويساعد الوصول للحفاظ على القيم أو بعضها لتلك المدن العربية والتى تفقد رويداً رويداً قيمها التراثية الإنسانية الأصيلة.

مثال،(شبه الجزيرة العربية):

شبه الجزيرة العربية ترجع فى جذورها الإنسانية إلى أوصول واحدة بالرغم من تعدد أقطارها المختلفة وتنوعها جغرافياً..وهى مقسمة إلى مملكات وإمارات ودول وهى: (المملكة العلربية السعودية-الكويت- الإمارات العربية المتحدة-قطر-البحرين-عُمان-واليمن).وقد لعب المناخ دوراً هاماً وأساسياً فى تنوع الحضارات الإقليمية فيها والذى عمل على تجمعها على طول سواحلها البحرية الشرقية والغربية والجنوبية وهذا يشرح بدوره عمليات التبادل بين الحضارات الأخرى المجاورة والتى كانت متواجدة فى العراق وبلاد الفرس فى الشرق وإفريقيا فى الجنوب ومصر وبلاد الشام فى الغرب والشمال.

إن المكانة الكبيرة لشبه الجزيرة العربية وأهميتها التاريخية تنبع من كونها مهدا للإسلام فى القرن السابع وأرضاً لكثير من الحضارات الغابرة فى الزمن السحيق والتى جاء ذكرها فى القرآن الكريم أمثال قوم ثامود وهم اللذين نحتوا بيوتهم وقصورهم فى الجبال الواقعة فى الشمال والغرب واللذين تأثروا فيهم فيما بعد عبر التاريخ المكتوب كل من الرومان والإغريق.

إذن العمارة بدأت هنا بإنشاء البيوت بنحتها فى الجبال أو بإستخدام الحجارة فى المناطق السهلة حتى تأثر المنطقة بالحضارات الثلاثة اللآحقة فى الجنوب والشرق والشمال، وكانت الكعبة المشرفة أولى البيوت فى المدينة والتى إكتسبت فيما بعد مكانتها المقدسة لجميع مسلمى المعمورة على حد سواء.

بهجرة الرسول الكريم إلى المدينة قادماً من مكة أصبحت المدينة مركزاً ومنطلقاً للفتوحات الأولى للإسلام فى خارج شبه الجزيرة العربية نحو الشرق والغرب والشمال وتميزت هذه الفترة بعمارة بسيطة دون أى قيمة معمارية تذكر وذلك مرجعه إلى أن الإسلام كان مهتماً بادىء ذى بدء ببناء الإنسان على بناء وإنشاء البيوت والقصور.

وبإنتقال الخلافة إلى دمشق فى العصر الأموى خضعت شبه الجزيرة تحت القيادة الأموية حتى بداية العصر العباسى وعاصمته بغداد وبشكل موازى كان الأيوبيين يحكمون مصر حتى إنتقال الخلافة إليها بعاصمتها القاهرة.إستمر ذلك حتى مجيىء العثمانيين للمنطقة العربية بأسرها بحجة حماية الأماكن المقدسة فخضعت شبه الجزيرة تحت الولاية العثمانية كجزء من المنطقة بأكملها.

إذن فالعمارة التراثية فى شبه الجزيرة العربية سجلت أولى بداياتها بنحت البيوت فى سفوح الجبال وبإستخدام المواد الأولية المتواجدة فى البيئة الصحراوية والتى تميز المنطقة وهى الطين والرمل والحجارة وبإستخدام سعف النخيل فى إنشاء سقوف البيوت وهذه المواد مجتمعة ميزت العمارة فى شبه الجزيرة فسُميت بعمارة الطين،وعليه فالمناخ والمواد الأولية عملت على صبغ الطابع والشكل للعمارة وتصديقاً لذلك نجد بأن العمارة لم تزد فى إرتفاعها على طابقين بإستثناء تلك الموجودة فى المدن والتى أُستخدمت فيها الحجارة لتدعيم وتقوية الطين،بالإضافة إلى أن البيوت والقصور توجهت نحو الداخل مع إنشاء فراغات أمامية لها أيضاً للوقاية من المناخ الحار والجاف بالإضافة إلى بنائها قريبة من بعضها البعض وإحتوائها على سور من الطين لتخدم نفس الغرض.

وبوجه عام فإن العمارة كما سبق وذكرنا قد تنوعت من منطقة إلى أخرى فى شبه الجزيرة طبقاً للمناخ فمثلاً فى الجنوب حيث تتساقط الأمطار نجد إحتوائها على الحجارة وعلى العكس فى مناطق الشمال فهى تخلو من الحجارة وإقتصارها على الطين وذلك لعدم تساقط الأمطار مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ومع الهزائم التركية المتلاحقة إحتلت بريطانيا شبه الجزيرة،ودخلت المنطقة من جانب آخر فى حروب داخلية نشبت بين القبائل المتصارعة على الحكم والسيطرة ساعدت على خلق أوضاع داخلية صعبة للغاية على جميع الأصعدة،وقد تركت الفترة العثمانية أثرها على العمارة من حيث تأثرها بها فنجدها فى مدينة جدة على سبيل المثال،وبإنتهاء الربع الأول من القرن العشرين ومع إكتشاف البترول وإنتهاء الصراع الداخلى بين القبائل ونشوء العربية السعودية والأقطار الأخرى وذلك بعد الإستقلال عن بريطانيا العظمى آنذاك فإن شبه الجزيرة بدأت عهداً جديداً ومختلفاً تماماً من حيث التطور والتقدم الإقتصادى والإجتماعى فى معظم مناطق شبه الجزيرة العربية- والذى سنتحدث عنه لاحقاً-.

  العمارة المحلية وأسباب فقدها للقيم الأصيلة فى(شبه الجزيرة):

العمارة المحلية لأى منطقة هى بالتأكيد تمثل مرآة تنعكس عليها معظم الحضارات التى تتعاقب عليها وتأتى الدراسات والبحوث لكشف النقاب عنها،وهى ظاهرة هامة ومسؤولية كبيرة والتى تقع على عاتق المهندسيين المعماريين تحديداً وذلك من حيث تأثرهم بالعمارة الغربية وتراثها وخصوصاً عندما يتجاهلون كثيراً من تلك الحقائق التاريخية والإجتماعية للمناطق التى يعيشون فيها حين يقومون بتطبيق حلول ليس لها وجود فى البناء الإنسانى -إن صح التعبير- ويتجاهلون أيضاً ردود الفعل للمجتمع العربى وذلك لعدم درايتهم ومعرفتهم الكافية بالعمارة المحلية أو تلك التراثية مستخدمين-بشكل لا يخالف العادات- الإمكانيات والوسائل الحديثة والتكنولوجيا من أجل الأخذ بالجانب الإيجابى وترك الجوانب السلبية وبتعبير آخر لم يستطيعوا خلق عمارة ذات ميزات محلية ملائمة ومناسبة لعصرنا الحالى،ويرجع هذا لإعتقادهم بأنها لا توفى ولا تخدم المجتمع الحديث أو المتطلبات العصرية الحياتية فى الوقت الحالى.

فى القرن العشرين المشرق العربى كما فى غالبية الدول النامية بدأت فى تطبيق عمارة ذات طابع غربى معتقدة بذلك أنها ستواكب التقدم الحادث فى الغرب بسرعة كبيرة...مما تسبب عنه إنتشار أشكال وأنماط أجنبية وبسرعة مذهلة فى معظم مناطق شبه الجزيرة، توازى ذلك مع ظهور مشاكل إجتماعية معقدة من الناحية التراثية والعادات والتقاليد وقطيعة كلية مع العمارة ذات البعد الإنسانى والتراثى الأصيل.

وسنتطرق الآن لأهم الأسباب الرئيسية التى ساعدت فى التوجه نحو العمارة ذات الطابع الغربى:-

 الحاجة الملحة لإيجاد حلول للمشاكل المتعلقة بالسكن وذلك بعد الزيادة الكبيرة فى أعداد السكان.
 الحاجة الملحة للحاق بوكب التطور والتقدم السريع الذى يميز الغرب.
 إكتشاف مصادر البترول والتحولات الآحقة وهو من العوامل الرئيسية والذى سنتحدث عنه لاحقاً.

وبعد إستعراض تلك الأمور والتى سارعت فى إنتشار العمارة الغربية فى بدايات القرن العشرين فى معظم بلدان المشرق العربى والموضحة أعلاه، متسببة فى هجر كلى للبيئة الطبيعية والإجتماعية تقريباً فيما يتعلق بالعمارة التراثية وذلك بالتأئر بالنهج الغربى على أنه الحلم بمستقبل متطور وأفضل،وعليه بدأت تشاهد أشكال ومكونات ذات أنماط أجنبية وغريبة ومختلفة تماماً عن التراث ونستطيع القول بأنه تغْير جذرى أصبح يلاحظ فى معظم مناطق شبه الجزيرة الأمر الذى أوقع الفكر العربى فى المنطقة تحت تأثير مدارس مختلفة منها اليونانية والإيطالية والفرنسية دون إمعان الفكر فى أنها نشأت فى ظروف وبيئة إقتصادية وإجتماعية وسياسية مختلفة تماماً عما نعيشه ونحياه.

والآن سنستعرض بعض الأمثلة لهذا التأثير فى مناطق متنوعة فى شبه الجزيرة ولكن قبل ذلك لابد من التنويه إلى وجود شرائع ولوائح تنظيمية وقوانين خاصة مرتبطة ومعقدة وخصوصاً فى بعض الأقطار التى تتبع أنظمة إشتراكية حيث التأثير بدى ضعيفاً وغير ملموس ونلمس ذلك فى المشاريع الحكومية والمنشآت الشعبية كمساكن وغيرها..، على حين فى الأقطار ذات الإقتصاد الحر نسبياً! بدى واضحاً وجلياً من خلال التغير والإختلاف والتنوع بالتطبيع النمطى الغربى والذى لم يعنى قطعياً بتكلفة مواد البناء المستخدمة أو بالتراث المحلى فمثلاً نجد أبنية ذات أنماط سويسرية فى مدينة الرياض! وأنماط رومانية فى ضواحى مدينة الكويت!!. أو أشكال هندية كما ضهر فى مسجد أبو ظبى الكبير فى الإمارات العربية المتحدة!،ومن ناحية أخرى ظهرت عمارة ذات طابع عشوائى غير منظم فى ضواحى مدينة جدة والمناطق النائية والريفية فى شبه الجزيرة لأنها أكثر قابلية على إحتياجات السكان وتكيفهم من النواحى البيئية والإجتماعية...إخ وهذا قد يكون رداً من المجتمع على ما يرونه من تأثر غير مناسب بالعمارة الغربية.

إذن فتكنولوجيا البناء بشكل عام فى المشرق العربى وشبه الجزيرة بشكل خاص لهو بلا شك إمتداد للغرب متمثلاً فى إستيراد كل جديد دون تدقيق لملائمة المواد المستخدمة أو النمط المعمول مع المجتمع والبيئة على إختلافها.،إذن للوقوف أمام هذه التغيرات السريعة فى التقدم التكنولوجى الغير مراقب ومواجهته وذلك من أجل الحفاظ على الخصائص المعمارية التراثيةالأصيلة بدأت - وللحق- تُسمع كثير من الأصوات والآراء والتى تنادى وتطالب بإنشاء عمارة محلية ملائمة وتتناسب مع الأحوال الإجتماعية والبيئية فى المنطقة، لإعتقادها الراسخ بأنه من هنا يمكن إعادة اللحمة وزيادة الروابط بين الإنسان وبين المسكن الذى يعيش فيه، حيث أن العلاقة وطيدة بين البيئة والعمارة ومن هنا تبدىء الطريق السليمة لإنشاء وخلق عمارة ملائمة ومناسبة لكل مناطق المشرق العربى.

  التحولات الجذرية فى العمارة بعد إكتشاف البترول فى المنطقة:

لقد تحدثنا سابقاً عن أهم الأسباب التى سارعت فى التوجه والتأثر بالعمارة الغربية، وكان أحد تلك الأسباب الهامة هو إكتشاف مصادر البترول.

فى سنوات 1940 بدأت العمارة فى شبه الجزيرة عهداً جديداً تميز بالإنفتاح الكبير وألا محدود تجاه الغرب وتجاه العالم بأكمله بوجه عام مما تسبب عنه صعوبة كبيرة فى إيجاد أى أثر للعمارة المحلية -الإقليمية-،وبهذا دخلت المنطقة فى مرحلة مختلفة تماماً عن العادات والتقاليد التراثية للسكان وبشكل موازى أصبح مألوفاً مشاهدة أشكالاً معمارية لا عربية ولا أجنبية إن صح التعبير أو بعبارة أخرى لا تنتمى لأى شخصية نمطية معروفة، فانتشرت بل واكتسحت المنطقة أنماطاً وأشكالاً معمارية مختلفة ومتنوعة وبشكل سريع وقد حدث ذلك عن طريق: الأول العمارة الرسمية (الحكومية) أى المنشآت الكبيرة التى يتم إنشاؤها بواسطة المعماريين الأجانب دون الأخذ بإعتبارات إقتصادية حيث الميزانية المالية الكبيرة التى تمتلكها وهى مبانى البنوك- الفنادق- القصور العامة والخاصة للأسر المالكة-،فأصبحت المنطقة حقلاً للتجارب المعمارية وللمعماريين الأجانب وملعباً يتسابق فيه الجميع،حدث ذلك طوال السنوات الماضية حتى مجيىء الربع الأخير من هذا القرن وتحديداً فى مدينة جدة فى العربية السعودية أن تنبهت بلدية جدة وأخذت المبادرة فى الرقابة العامة لجميع مشاريع البناء.

الطريق الثانى عبر العمارة الخاصة أى البيوت والقصور السكنية والتى تنوعت واختلفت حسب الأحوال الإقتصادية والإجتماعية والثقافية وخضعت أيضاً للمزاج والأهواء الشخصية لأصحاب تلك المنشآت واللذين فرضوا رغباتهم المختلفة لما يشاهدونه فى الغرب على المعماريين سواء الأجانب منهم أوالعرب وذلك على إطاعة أمزجتهم وتلبية رغباتهم وتطلعاتهم. وبهذا فقدت العمارة المحلية أصالتها وجذورها فى النواحى الإجتماعية والبيئية فى معظم المدن الكبيرة،هذا من ناحية ومن ناحية أخرى من حيث العمارة الصحراوية فى القرى والمناطق النائية والأرياف فبعد إكتشاف البترول هجرها ساكنيها إلى المدن أو إلى المناطق القريبة من مصادر إستخراج البترول ومع مرور الزمن والزيادة السكانية المتصاعدة ومع قدوم أعداداً ضخمة من العمالة الأجنبية طلباً للرزق ساعد ذلك فى حدوث هجرة معاكسة فتوجه من هجروا قرآهم وأريافهم إليها مرة أخرى ناقلين معهم كل مستحدث وحديث من أشكال وأنماط البناء المختلفة وحجتهم بأن المساكن القديمة لم تعد تؤدى غرضها وأهدافها العصرية ومستلزمات الرفاهية والأوضاع الإقتصادية الجديدة...وهذا أحدث بدوره آثاراً متبادلة لما حدث فى المدينة وبهذا يفسر الإنتشار الكبير فى جميع مناطق شبه الجزيرة دون إستثناء للتأثر والتطبع بالغرب والعمارة الأجنبية بوجه عام والذى ذكرنا سلبياته آنفاً.

(الفصل الرابع)

ضياع التراث الأصيل فى العمارة الحديثة فى المشرق العربى.

لقد إكتسب المشرق العربى فى الماضى أهمية كبيرة وذلك لأهميته الثقافية والجغرافية كنقطة وصل بين قارتى آسيا وإفريقيا من ناحية وبين أوروبا من ناحية أخرى.،إستمر ذلك حتى إكتشاف مصادر الطاقة فيه فأصبح المشرق العربى فى زمن قصير نسبياً قوة إقتصادية ذا أهمية عظيمة على الصعيد العالمى..،وبنفس الوقت توازى ذلك مع نمو سريع وكبير على الصعيد الصناعى والتكنولوجى والذى بدوره أسرع فى عملية التجديد وهبوب رياح التغيير على المجتمع المحلى حتى يستوفى ويسد حاجة السكان المتعطشة والمحرومة والتى ما فتئت من المعاناه الطويلة تحت وطئة الإستعمار....

من هنا نشأت المشاكل الوخيمة فى المجتمع العربى حيث أن معظم التدخل الأجنبى على إختلاف ثقافته وعاداته ترك بصماته على العمارة المعاصرة وعلى ميلاد العمارة الحرة والتى تأثرت بالغرب حيث لم تستطيع إحترام الأصالة القديمة أو إحترام القيم المعمارية الإسلامية فعلى سبيل المثال لم تعد موجودة فى البناء ملاقف الهواء أو المواد المحلية رخيصة الأثمان وأيضاً لم يعد موجوداً ذلك الإنسجام والتوافق بين السكان والمدينة أو بين السكان كجيران...وبعبارات مختصرة فإن جميع التداخل الذى حدث كان فى معظمه بعيداً كل البعد عن المجتمع وعاداته وتقاليده وتعاليمه وأصالته وعن البيئة بكل مكوناتها المختلفة.

إن العمارة الحديثة فى المشرق العربى ولأسباب إقتصادية نتيجة لإكتشاف البترول والتقدم التكنولوجى-كما تحدثنا سابقاً- فى المجال العمرانى وفى البناء بشكل عام،حيث من الممكن ملاحظة: البساطة، وجود قليل من الديكورات والزخارف، إستخدام تكنولوجيا البناء الجديدة أى الحديد المسلح بدل الحجارة أو الطوب ولكن قبل كل هذا هناك التأثر من العمارة الغربية حيث الإختلاف فى الحجم، والسقف المنحنى بشكل هرمى،كذلك ضياع للقيم الأصيلة للعمارة العربية وقد وصلت حد الأبنية الدينية حيث نجد أن المساجد لم ُتستثنى فى كثير من علامات التغيير من حيث النمط والأسلوب الذى إتبع العمارة الغربية،فمثلاً قد يتخيل إلينا بأن ذلك البناء هو لمتحف على سبيل المثال ولكن فى حقيقة الأمر نجد بأنه عبارة عن مسجد..!ولكنه فقد البساطة والقداسة والروحانية فى التصميم وحتى فى التوزيع الداخلى.

وعلى صعيد المدينة الحديثة فى المشرق العربى إختفت ولم تعد موجودة علامات ومظاهر الأصالة والعمارة الإنسانية بكل معانيها والتى تتمثل على سبيل المثال فى كون المسجد يجسد قلب المدينة مع مراكز الخدمات الرسمية، والأسواق التخصصية -القيسريات- الأقواس التى تزين البيوت والحوائط،المشربيات على الشبابيك،الحديقة المنزلية أمام المسكن،كل تلك الأمور والتى ترمز إلى أصالة التراث المعمارى جميعها قد إختفت ولا تلاحظ إلا فى المدن الصغيرة القديمة.

عند الحديث عن بعض مظاهر العمارة الغربية فإننا نذكر على سبيل المثال - الفيلا- والتى إنتشرت فى كل من سوريا والأردن وفلسطين وأيضاً كمثال آخر- التكنولوجيا الحديثة فى البناء- بشكل عام والتى قد لا تتلائم مع المجتمع أو البيئة فمثلاً قد نجد عمارة زجاجية فى الرياض حيث درجات الحرارة تصل إلى 45ْم وأكثر فى فصل الصيف الطويل.

• الحفاظ على الملامح التراثية الأصيلة فى بناء المدينة العربية الحديثة:

يمكن الحفاظ على الملامح التراثية الأصيلة للعمارة فى المناطق الجديدة للمدن العربية الحديثة عن طريق تطبيق القيم المعمارية الأصيلة مع الأخذ بالإعتبار التكنولوجيا الحديثة للبناء وكل الإحتياجات الحالية للمجتمع والتى لا تتعارض بشكل طبيعى مع المجتمع العربى بثقافاته وعاداته الإجتماعية فى المدينة العربية الحديثة،فهذا ليس أمراً سهل لأن هنا مكمن إختفاء الأهداف الأساسية للبناء الحديث..!

وبإسترجاع الذاكرة للوراء على الملامح العامة للمدينة العربية القديمة فإنه كان من الممكن ملاحظة أنها تشكلت وبُنيت على قاعدة ذات أبعاد وأُسس إنسانية والتى تنشأ من التصرف الطبيعى للرجل العربى نفسه ومن الأواصر والروابط القوية مع البيئة الطبيعية، والآن وللأسف يحدث العكس تماماً بالنسبة للملامح العامة للمدينة العربية الحديثة والتى وجدت نفسها وقد تأثرت من الأبعاد والأسس المادية والتى تنشأ من: تحرك تلقائى ميكانيكى ومن تصرف إصطناعى متغير حسب الحاجة...

وعليه فالتفكير الرئيسى والإستراتيجى للأخذ بأسباب التقدم الحديث يجب أن يصوب نحو الهدف بدقة وهذا الهدف هو إيجاد المعادلة المناسبة والملائمة بين البعدين المذكورين أو إيجاد العلاقة التى تستطيع أن تربط المكونات (الفراغ- الزمن - المكان) مع الهيكل العام للمدينة الحالية.، هنا فقط نستطيع القول والجزم بأن القيم الجمالية والأصيلة قد عادت فى بناء وتشييد المناطق الجديدة وذلك بتحديد كل المتطلبات والإحتياجات للمجتمع الجديد والذى يتفق مع القيم الأصيله فى العمارة العربية.

ولكن للأسف الشديد نجد بأنه فى المناطق الجديدة والتى فى طور الإنشاء والبناء فإن الأمر ُيترك فى أغلب الأحيان إلى المقاولون أو المستثمرون حيث يختارون حسب أمزجتهم وأهوائهم تحديد الملامح المعمارية للمبانى الجديدة مما ينشأ عن ذلك إختيارين وهما:- الإختيار الأول: وهو إحترام القيم التراثية الأصيلة.

والإختيار الثانى: وهو ترك الأمور للمزاج الشخصى لكل مهندس معمارى وحسب فلسفته وأهوائه فى إختيار الشكل والنمط وبحرية تامة. وهذا بدوره يقود العمارة إلى أن تَضل طريقها وتبتعد عن المجتمع العربى بعاداته وتقاليده وثقافته وبيئته.

من هنا تبرز الأهمية فى المناطق الجديدة وذلك لإيجاد الطرق والتى نستطيع من خلالها التحكم فى الملامح والهيكل العام للعمارة فى المدن الحديثة ومن المؤكد بأن هذا يعتمد على الإستثمارات وعلى التطور المعمارى فى تلك المناطق من حيث كونه إستثمار عام أو خاص ومن الملاحظ بأن الإستثمار العام عندما ينمو ويتقدم يحدث بأن عملية التحكم والمراقبة تكون على ما يرام وعلى أكمل وجه فى تحديد الأشكال وعلى الهيكل العام.

وأما بالنسبة للإستثمار الخاص والذى لايُعنى ولا يتقيد بالقواعد والأسس والقوانين العامة للبناء فى معظم جوانبه لهذا فلا يمكن إحترام الهيكل العام والملامح التراثية الأصيلة للمدينة العربية.

إن الخط العام للسياسة التى تتبع القاعدة والتى تبحث فى بناء المناطق الجديدة والتى ستنعكس عليها القيم الحضارية الأصيلة وهى وجود المسجد فى قلب المدينة حيث يتجانب مع الخدمات الثقافية والإجتماعية والصحية من جانب ومن جانب آخر المناطق التى تطل على الساحة الرئيسية حيث الخدمات الإدارية-بلديات-أمن-مكاتب عامة- حيث تأخذ إرتفاعاً أقل من الجانب الأول والذى يشمل على المسجد وذلك حتى يظهر بشكل واضح وجلى وذلك لقيمته الدينية والإجتماعية، ومن ساحة المسجد تبدأ الطرق الرئيسية أو ما تسمى بالعمود الفقرى كونها الشارع التجارى والذى يحتوى على المحال المتخصصة والتى تطل على واجهته ومن فوقهما يرتفع طابق للمكاتب ومن فوقهما أيضاً تظهر وحدات سكنية لمن يعمل فيها،وهذا الشارع من المفروض أن يكون للمشاه كونه مركز المدينة، وعلى جانبى الطريق الرئيسية يتم تحديد قطع الأراضى لإنشاء وبناء المساكن ذات الطابع الأصيل والتى تحتوى على فراغات داخلية وذات إرتفاعات أقل من التى تتواجد على الشارع الرئيسى،وعلى شوارع وطرق مشاه تننهى على الطريق الرئيسية للحى.

وبخصوص الفراغات المتبقية تترك للمستثمر فى القطاع الخاص كل حسب معرفته وثقافته فى العمارة والفن المعمارى الإسلامى آخذاً فى الإعتبار بعض القوانين والتشريعات والتى توضح الإرتفاعات والألوان والتوجه أو تلك التى تبحث فى الفراغات بين المبانى وذلك بهدف الحصول على ملامح تتناسب وتتفق مع مركز المدينة.

ومن جانب آخر المناطق الخضراء والتى من المفروض أن تكون حول الأحياء السكنية صانعة بذلك حزاماً أخضر واقياً من التلوث البيئى بأنواعه المختلفة،وضعه حول كل حى يجعله أكثر فعالية وتأثير من كونه حول المدينة.

أما بخصوص الخدمات الأخرى مثل المدارس - رياض الأطفال - الرياضة والتسلية فيمكن إقامتها بإنشاء طريق آخر عمودية على الطريق الرئيسية وماره فى الساحة المركزية(ساحة المسجد) مع الأخذ فى الإعتبار دوماً للعوامل الإجتماعية والبيئية والتى تؤثر فى العمارة الإسلامية والتى ذكرناها آنفاً.

*الشكل العام للمبانى فى تحديد الملامح العامة للمدينة العربية الحديثة:

بعد تحديد الشكل العام لكل حى من أحياء المدينة العربية الناشئة، تبدأ مرحلة هامة والتى تُعنى بشكل ووضع المبانى والفراغات الخاصة والتى تحدد وتثمن القيم التراثية الأصيلة فى المدينة الحديثة من خلال حجم المبانى حيث الفراغ الداخلى مستقل عن الفراغ الخارجى والذى يطل على الشارع،وبهذا تكون المبانى متجاورة وشبه مجتمعة حول الفراغ الداخلى(الساحة الداخلية) وبهذا الوضع يمكن الحصول على الظل والإستفادة منه إلى أبعد حدود.وأيضاً ربط الفراغ الداخلى بالخارجى من خلال ممر يعمل على تحريك تيارات الهواء داخل المبنى،وعلاوة على ذلك فإن الفراغ الداخلى يعمل على توجيه النشاط للسكان نحو الداخل أكثر منه إلى الخارج وهذا بدوره تجسيداً للقيم الأصيلة والأساسية للمدينة العربية آخذاً دوماً فى الإعتبار ميل زاوية الشمس وحركة الهواء.

ولتحقيق هذه الرغبات والأهداف نجدنا أمام قوانين وتشريعات ولوائح حالية والتى تعيق وتحول وتخالف هذا التوجه للأسف الشديد.وعلى وجه العموم فإن إستخدام الفراغ الداخلى للمبانى العامة مختلف عنه فى المبانى الخاصة أو فى المبانى الشعبية..هذا الإختلاف يساعد على الحفاظ على الحياة الخصوصية للسكان وعلى المجتمع عامة بشكل يعمل على إحترام التراث الأصيل للمدينة العربية الحديثة.

ومع العلم وبنفس الوقت تأثير البيئة الطبيعية والتى تلعب دوراً هاماً وأساسياً فى تشكيل وتكوين الهيكل العام للمبانى والتى تختلف فى المدن الصحراوية عنها فى المناطق المستوية أو المرتفعة..فإن القيم الأصيلة لا تتأثر بإختلاف البيئة الطبيعية أو المناخية والتى تؤثر فى البيئة الإجتماعية والثقافية فى المجتمع الإسلامى وهنا يمكن توضيح القواعد والنظم الأساسية للتحكم بالشكل والكيفية سواء لمبنى منفرد أو لمجمع من المبانى وذلك بهدف التحكم والسيطرة على الملامح العامة للمدينة العربية الحديثة فى المشرق العربى.

(الفصل الخامس)

الأزمة الحالية ومستقبل العمارة فى المشرق العربى :

المتتبع لتطور العمارة فى المشرق العربى عبر العصور المختلفة فإنه يلاحظ بوضوح عوامل الوحدة والإختلاف فى كل تلك العصور، فالمواصفات المشتركة والموحدة ترجع فى جذورها إلى عوامل بيئية وإلى التأثر بالحضارات الأخرى المجاورة والتى إشتملت على نقاط مشتركة كثيرة فبالنسبة لعوامل الإختلاف فمرجعها إلى الخصائص الطبيعية للأماكن المختلفة، فعلى سبيل المثال وكما نعلم بأن العمارة بدأت بنحت المساكن فى الجبال كما حدث فى شبه الجزيرة العربية وفى عصر الفراعنة فى مصر، أو نشأت فى الكهوف كما حدث فى بلاد سوريا والأردن.ومثال آخر نجد عوامل الوحدة فى العمارة المحلية فى مصر والعراق ونجد فى نفس الوقت عوامل الإختلاف وذلك للمسافة بين المنطقتين، حدث ذلك حتى ولادة الإسلام والذى حمل معه خصائص الوحدة الثقافية والدينية واللغوية والتى أثرت بلا يقبل الجدل على توحيد مبادىء العمارة وذلك على إختلاف عصور وفترات الإسلام سواء فى بدايتها فى المدينة أو فى العصر الأموى فى دمشق أو فى العصر العباسى فى بغداد أو فى العصر المملوكى والفاطمى فى مصر، فعوامل الوحدة تظهر جلياً فى العمارة الرسمية مثل قصر الوالى -الحاكم - والمساجد على حين نجد عوامل الإختلاف فى العمارة الشعبية مرجعه إلى حرية السكان فى إستخدام المواد الأولية المتواجدة فى البيئة المحلية متبعين الأسلوب التراثى مع إختلافات مرتبطة بالتراث تم إكتسابها من حضارات أخرى فبقيت فى تقاليدهم وعاداتهم دون أن تتصادم وتتعارض مع القيم الدينية والإجتماعية.

كذلك نجد بعض الخصائص الموحدة من خلال النماذج والأسلوب الأوروبى والذى غزا المنطقة ومن خلال المعماريين والمخططين الأجانب والعرب على حد سواء واللذين حاولوا إيجاد العمارة التراثية الأصيلة فى بعض المناطق وخصوصاً إبان فترات الإحتلال الإنجايزى والفرنسى للمنطقة ونجد أيضاً عناصر الوحدة فى بعض مناطق المدن الكبيرة وذلك لحفاظها على العمارة التراثية مع عناصر الإختلاف الملموسة فى المواد المستخدمة فى البناء من بلد إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى.

أما موضوع الوحدة والإختلاف فى العمارة الحديثة فهو منوط إلى حد كبير مع مدى ملائمتها مع المجتمع الحديث فهو مقياس الوحدة والإختلاف فيها.

وهذه الملائمة تنقسم إلى ملائمة مادية وأخرى معنوية فالأولى تعتمد على الحاجة العملية فى المبانى العامة أو الحياتية فى المساكن الشعبية والعمارات العالية فهنا تتداخل عوامل أساسية منها الثقافية والإقتصادية وذلك للملائمة المادية.ولكن بالنسبة للملائمة المعنوية فهى إعتمدت على الحفاظ على المكان هادئاً للسكينة النفسية والمعنوية وهو منوط بالمستوى الثقافى لأصحاب المنشآت والمعماريين ولا يشمل العامل الإقتصادى ولكن فى حال حدوث تنافر بين المستوى الثقافى والإقتصادى فإنه يعمل على حدوث الظواهر الغريبة فى العمارة والتى نشاهدها بوضوح فى شبه الجزيرة والتى ترجع فى أصلها إلى التباين والإختلاف الواضح فى طبقات المجتمع ومرجعه طبعاً إختلاف فى المستوى الثقافى والإقتصادى فى المجتمع والذى ينعكس بما لا يقبل الجدل على العمارة وبهذا نجد أنفسنا أمام عمارة ذات ميزات غريبة عن بيئتنا فالتقدم الحديث للأسف لا يشمل ما هو بداخل المساكن ولكنه يتدخل فى الفراغ الخارجى والمحيط المستخدم للبناء سواء الداخلى أو الخارجى وبالتالى على المواد المستخدمة وعلى الألوان.

ذكرنا ذلك لنقول بأن عوامل الوحدة والإختلاف فى العمارة الحديثة نجدها عبر المكونات والمميزات المعمارية مثل الأبواب والشبابيك والأعمدة والبلاكونات أو فى مواد البناء وألوانها فهى عوامل إختلاف بإستثناء المواد الطبيعية المتواجدة فى البيئة المحلية مثل الحجارة والرمل والأسمنت.

ونذكر مثالاً ندلل فيه على عدم ملائمة العمارة المستوردة فى بيئتنا مثال تلك البلكونات الطويلة والملتفة فنجدها قد طبقت بشكل واحد فى كثير من المدن العربية ولكنها إختلفت بعد ذلك من حيث الإستخدام فطبقاً للأوضاع الإقتصادية والمعيشية السائدة نجدها قد أُدخلت فى مسطح السكن فى الأحياء الفقيرة ويتم إستخدامها كمخازن للمساكن فى الأحياء المتوسطة المعيشة.

إن الأزمة الحالية والتى تعانى منها العمارة فى المشرق العربى نتجت كمحصلة لتعامل الإنسان نفسه فالعلاقة قوية بين مرحلة التصميم والتخطيط وبين مرحلة التنفيذ ولكن المتغيرات والتردد فى المزاج الشخصى له نتيجة حتمية لفقد التحكم والسيطرة على المرحلتين الهامتين من قبل المعماريين والمخططين كما شاهدنا بوضوح على سبيل المثال فى شبه الجزيرة العربية حيث لا يؤخذ بالحسبان العامل الإقتصادى كعقبة وذلك من جراء الثراء الفاحش والذى تعيشه المنطقة،لهذا فالإنسان وقع تحت تأثير مباشر وبشكل متعمد أو غير متعمد للعمارة الأجنبية بكل مساوءها وعيوبها فى المجتمع المحلى أو البيئة المناخية فتسببت فى إنتشار عمارة ذات طابع غريب على البيئة -كما أوضحنا آنفاً فى مجال دراستنا- فإن دل هذا على شيىء فإنما يدل على عدم القدرة والقصور تجاه التقدم التكنولوجى وفقد القيم الإنسانية والجميلة للعمارة التراثية والإسلامية وعلى الضعف الثقافى فى مجال البناء.

كذلك فالأحوال الإجتماعية لنفس العائلة تؤثر بشكل سلبى على طابع الوحدات السكنية والتجمعات البشرية وبالأخص الشعبية منها فمثلاً عندما تزداد أعداد الأسرة فإنها تتجه نحو إستغلال أكبر للفراغ السكنى كإدخال البلكونات من ضمن الفراغ السكنى أو إغلاقها لتؤدى نفس الغرض وكذلك على البناء فى الطوابق الأرضية أو فى بناء طوابق إضافية على السطوح وأحياناً الذهاب بعيداً تحت وطأة الحاجة الملحة فتضرب بعرض الحائط جميع القوانين والتشريعات فتنشأ المبانى العشوائية فى ضواحى المدن كما يحدث فى ضواحى القاهرة أو جدة أو بغداد أو غزة...إلخ.

فهذه المساكن والبيوت تمثل العمارة العشوائية والتى تنشأ من الحاجة الملحة للناس فى التوسع على حساب الفراغ الضيق وعليه لا يمكن أن تتخذ شكلاً أو نمطاً مدروساً وفق قوانين وأنظمة وتشريعات للأسف الشديد.

إذن فمستقبل العمارة فى المشرق العربى يتأثر بقدرة الإنسان على كيفية البناء والتخطيط وإستخدام المواد الحديثة..وكيف لا...وهو نفسه الإنسان العربى الذى فى عصوره الذهبية إستطاع خلق عمارة نادرة من نوعها سواء فى التصميم أو فى التكنكة المستخدمة والأسلوب،فخير شاهد على ذلك القصور والأسواق والمساجد وتكنكات البناء المستخدمة لهذا الغرض ومنها القباب والأفنية الداخلية وملاقف الهواء والمشربيات و...إلخ، فهى جميعها توضح تكنولوجيا البناء والتى كانت ذات علاقة قوية ووطيدة مع الإنسان وثقافته وبيئته ومنوطة بقدرته الخلاقة،حدث هذا بقرون كثيرة قبل أن تبدأ الثورة الصناعية فى أوروبا والتى سبقت التقدم الهائل فى مجال البناء والمواد المستخدمة فيه.

ومما لا يقبل الجدل فإننا ندرك أن مستقبل العمارة فى المشرق العربى لا يمكن أن يعتمد على الإنسان فحسب وإنما على مستقبل تكنولوجيا البناء بحد ذاته وعلى مستقبل التقدم والإزدهار الثقافى فى مجتمعاته المختلفة على إختلاف درجات الحاجة بإيجاد تكنولوجيا بناء مناسبة وملائمة لمختلف مستويات المجتمع وعلى مختلف المستويات الإقتصادية للأقطار المتعددة فيه ولكن قبل كل هذا فى إيجاد التكنولوجيا والأسلوب المناسب والملائم للمناخ الطبيعى والجغرافى وهذا بدوره يجعلنا نؤكد على ما جاء فى سياق دراستنا على المطالبة بتطوير نظم البحث العلمى فى مختلف كليات الهندسة المعمارية والمعاهد والمراكز المتخصصة وذلك للوصول إلى ربط نظريات البناء مع البيئة المحلية على المستويات الإقتصادية والإجتماعية والمناخية.

وبإتباع تكنولوجيا حديثة على قواعد عملية أكثر منها نظرية وهذا كما أشرنا يتطلب تغيير جذرى فى التشريعات الحالية سواء فى القطاع العام أو الخاص والذى يعمل فى مجالات البناء ولا يمكن أن نغفل أيضاً أن عمليات البناء بشكل عام فى المشرق العربى قد تراجعت للخلف نتيجة حتمية للأحوال السياسية التى تعيشها المنطقة والتى أثرت بشكل سلبى على الإنتاج التكنولوجى المحلى بوجه عام وذلك من جراء الحروب المستمرة بين العرب والدولة العبرية والتى كانت المشكلة الفلسطينية لب الصراع المستمر منذ العام 1948 وحتى يومنا هذا.(وسنتحدث عن محافظات غزة كنموذج لتراجع العمارة تبعاً للوضع السياسى وذلك فى الجزء الثانى من هذه الدراسة).

إذن فالأزمة الحالية للعمارة فى المشرق العربى تنصب على كاعل المعماريين وسوء نواياهم سواء عن جهل أم عن تعمد وعلى مزاج الإنسان العربى نفسه وعن مجموعة من العوامل والظروف السياسية والإجتماعية والإقتصادية والتشريعية.

وهذه الظروف والأحوال لا تحيدنا عن الأمل والصبو نحو عمارة تحقق القيم الأساسية للعمارة الإنسانية الأصيلة وهذا لا يعنى أبداً ولا يفهم خطأً بأننا ندعو إلى تطبيق خصائص المدن القديمة أو التراثية بشكل كامل ولكننا نأمل ونهدف إلى القيم الإنسانية والجمالية والأصيلة والتى تنعكس إيجابياً على المجتمع فى كافة مراحله التاريخية وعصوره المختلفة.

الجزء الثانى

(الفصل الأول)

العمارة والتطور الحضرى فى محافظات غزة:

*مقدمة تاريخية:

تعتبر مدينة غزة واحدة من أقدم مدن العالم عامة والمشرق العربى خاصة والتى ترجع فى قدمها إلى عصور ما قبل الميلاد،وتميزت بوضعها الخاص على مستوى فلسطين لموقعها الإستراتيجى والذى لعب دوراً هاماً عبر التاريخ فى مقاومة الغزاة والمحتلين منذ القدماء المصريين ومروراً بالآشوريين والفرس واليهود والإغريق والرومان والصليبيين والعثمانيين والإنجليز على التوالى وحتى الإحتلال الإسرائيلى.
تمثلت فى فلسطين ثلاثة حضارات محلية منذ القدم وهى: حضارة وادى غزة أو (تل العجول) والحضارة الأوصولية وحضارة بئر السبع، وما يعنينا فى مجال دراستنا هى الحضارة الأولى والتى كانت فى وادى غزة.

ميلاد مدينة غزة:

نشأت مدينة غزة فى العصر البرونزى (3100- 1200) ق.م بإسمها تل العجول،بناها الكنعانيون وهم سكان فلسطين القدماء وكانت تمثل موقعاً مقدساً للعبادة بجانب وادى غزة والذى ينحدر من جنوب مدينة الخليل وينتهى فى البحر المتوسط مُشكلاً قبل مصبه فى البحر ما يعرف بمنطقة وادى غزة.

وفى العام 1720 ق.م تعرضت مدينة تل العجول إلى تدمير جراء الغزو الهكسوسى وعلى أثر ذلك هجر سكانها المدينة نحو الشمال قليلاً ليضعوا أول لبنة لمدينة غزة القديمة فى القرن السابع قبل الميلاد، وقد ظهر إسم غزة فى عصر الفراعنة وفى عهد تحتمس الثالث تحديداً من العام (1468-1436) ق.م وذلك حسب ما تم العثور عليه من ورق للبردى والنقوش على جدران المعابد الفرعونية فى تلك الحقبة.

وصول الفلسطينيون:

كان ذلك فى العصر الحديدى (1200-586) ق.م حيث ولأول مرة فى التاريخ وصل الفلسطينيون قادمون من جزر يونانية تابعة لجزيرة كريت فى البحر المتوسط ليستوطنوا فى الجزىء الجنوبى لأرض بنى كنعان بعد معارك طاحنة مع الكنعانيين والفراعنة حلفائهم حيث كانت الروابط قوية ومشتركة مع الفراعنة فى مصر وكان لهم تواجدهم..وقد ثبت ذلك بالعثور على آثارهم فى منطقة دير البلح وكذلك العثور على إثباتات تاريخية على وصف كامل لطريقة قدوم الفلسطينيين للمنطقة وذلك فى عهد رمسيس الثانى حيث جاء فى الوصف بأنهم جاؤوا مبحرين فى سفن حربية والتى كانت إحداها تحمل الإسم اللآتينى فلستيز نسبة إلى جزيرة فليتسيا اليونانية حيث تم تحريف الإسم بعد ذلك بالعربية إلى فلسطين.. وقد أصبحت الخارطة السياسية فى هذه الحقبة التاريخية على النحو التالى: الكنعانيون فى الشمال والوسط، الفلسطينيون على الساحل الجنوبى للبحر والعبرانيون فيما بعد فى منطقة الشرق الجبلية واللذين قدِموا من أراضى دجلة والفرات فيما بعد وبعد حروب مع الكنعانيين. ومع بداية القرن الثامن ق.م إجتاحت البلاد الغزوات الآشورية قادمة من بلاد الفرس وبعدها الغزو الإغريقى والرومانى للمنطقة وحسب ما تم العثور عليه فإنه أمكن تسجيل العصور الإغريقية والرومانية لمنطقة غزة وهى:

العصر الإغريقى:

وتعد هذه الفترة فترة غزو عابرة قياساً بغيرها من العصور، فبدأت بإجتياح الكسندر الأكبر للمنطقة فى القرن الرابع ق.م بعد أن إجتاح معظم بلاد آسيا وقد أوقفته أسوار غزة المنيعة قرابة سبعة شهور ومن مميزات هذه الفترة هو إقامة ميناء غزة وكان يحمل الإسم الإغريقى اللآتينى أنثيدون وبعد موت الكسندر الأكبر دبت فى القيادة الإغريقية الإنقسامات الخطيرة وأصبحت المنطقة تحت وطئة المعارك والتى تهدف إلى السيطرة وفرض الهيمنة وذلك بين قيادتى بطليموس والذى كان يحتل مصر ودمتريوس والذى كان يحتل سوريه الكبرى وبالرغم من كل ذلك بقيت غزة تحتفظ بصفاتها الهامة كبوابة رئيسية تفصل بين آسيا وإفريقيا وكمدينة تجارية هامة أيضاً وقد جاء وصف المدينة على النحو التالى:

تبعد المدينة مسافة 3.5 كم من البحر المتوسط غرباً وترتفع 45 متراً على مستوى سطح البحر وتقع بين خطىعرض 31.3 درجة شمالاً و34 درجة شرقاً بمساحة 1 كم مربع ولها سور منيع يحوى على أربع بوابات رئيسية تفتح فى الجهات الأربعة وهى باب البحر /غرباً وعسقلان /شمالاً والخليل /شرقاً وداروم /جنوباً. وهذا وصفاً لمدينة غزة القديمة فى العام 312 ق.م فى عهد جانايوس وقد تم بناء غزة مرة أخرى فى العام 57 ق.م وسُميت بغزة الجديدة ومع نهاية العصر الإغريقى يبدأ العصر الرومانى بكل ما حمله من تقدم وإزدهار معمارى وحضرى والذى ميز المدينة - والذى سنتحدث عنه بإسهاب لاحقاً عند حديثنا عن العوامل السياسية والتى أثرت فى العمارة لمدينة غزة.

• العصر الإسلامى:

تمتعت مدينة غزة بمكانة كبيرة فى هذا العصر ليس كونها من أقدم المدن فى منطقة المشرق العربى فحسب ولكن من جراء مكانتها كنقطة إلتقاء هامة للطرق التجارية القديمة بين مصر وبلاد الشام إلى بلاد أوروبا عبر البحر المتوسط.

فتح المسلمون المدينة فى عام 634.م كأول مدينة إستراتيجية وهامة فى جنوب فلسطين تطل على الحدود المصرية.

الوصف الهيكلى للمدينة فى هذا العصر تبلور كالآتى: أُحيطت المدينة بسور منيع فى خارجها وتم تقسيمها إلى أحياء وشوارع أخذت أسماؤها من القبائل التى تقطنها،وأشتمل كل حى فيها على سوق رئيسى والذى تفرع منه عدة أسواق أخرى تخصصية فى نوع ما أو تجارة ما سُميت بالقيسريات،وكذلك إشتمل الحى على مسجد ومقبرة، بمعنى أنه كان بمثابة مدينة صغيرة حيث إحتوت الأحياء على بوابة تفصل فيما بينهما، هذا بدوره ساعد على الإحساس بالأمن والأمان ومن تلك الأحياء والتى بقيت حتى يومنا هذا - بنى عامر- و- التركمان-.
الطرق والشوارع لم تكن مستقيمة ولكنها كانت على شكل زيق زاق لأسباب إجتماعية وكنظام أفضل للحماية والدفاع عن المدينة بوجه عام.

على الطرق الرئيسية تجمعت المحلات التجارية والتى إرتفعت عن سطح الأرض مسافة 50.سم لوقايتها من التراب والغبار وللحفاظ عليها نظيفة، وأمامها تم إنشاء المصطبة من الحجارة وتواجدت أيضاً أمام المساجد وذلك بغرض الجلوس عليها.

أما المواد المستخدمة فى البناء فهى من الرمل والطين للعامة من الناس والحجارة لمساكن الأغنياء،وسقوف المساكن معظمها مستوية وكانت تشتمل على طبقة من الأسفلت كطبقة واقية من مياه الأمطار.

المبانى العامة:

 المسجد الرئيسى، إشتمل على مدرسة لتعليم الكتابة وتحفيظ القرآن الكريم وكذلك إحتوى على مكتبة مجسداً بهذا دور المسجد فى العصر الإسلامى، وتم إستخدام الحجارة والصخور الكركارية المتواجدة والمنتشرة فى المنطقة فى عمليات بناء المساجد.
 الحمام الشعبى، كان يخدم فى الصباح للرجال وفى أوقات العصر للنساء،واشتمل على غرف للملابس وأحواض للمياه الساخنة،وصالات للراحة بعد ذلك حيث تواجد حلاقون للرجال ومسرحات شعور للنساء وخدمات أخرى، وكانت هناك صالة فسيحة تُستخدم للمناسبات كالأفراح وقد أُستخدمت فى بناء الحمام مواداً مثل المرمر(الرخام)، الحجارة والخشب.
 إحتوت المدينة على مكتباً للبريد وقصر الوالى وأحتوت المدينة على موريستان (مستشفى).

المبانى السكنية:

المتتبع لمدينة غزة فى هذا العصر يستطيع الملاحظة بسهولة لكيفية وشكل المساكن والتى تتشابة إلى حدٍ كبير لتلك الموجودة فى المشرق العربى عامة،وكيف لا..وهى قطعة من المشرق العربى.

فبالنسبة لجدران المساكن الخارجية لم تحتوى على شبابيك وإنما إحتوت على فتحات صغيرة لضمان حركة الهواء وحتى يمكن رؤية من فى الخارج دون أن يستطيع من فى الخارج رؤية من فى الداخل، الأبواب الرئيسية للمساكن صُنعت من الخشب وبعضها إحتوى على بروز من الحديد يفتح فى ممر يؤدى إلى القاعة السماوية أى إلى غرفة الضيوف الرئيسية والتى كانت على شكل مربع وأحياناً على شكل مستطيل وأرضيتها من الرخام أو المرمر،وفى زاوية منها يوجد المطبخ لصناعة الخبز والطعام وفى الزاوية البعيدة يتواجد الحمام وذلك فى بيوت الأغنياء فقد كانت الحمامات العامة منتشرة لخدمة سواد الشعب.

وبالنسبة للجدران التى تفصل بين الجار فهى بغير فتحات أو شبابيك وأما تلك التى تفصل بين الغرف فكانت تستخدم لعمل حافظات ملابس بالجدران،وفى المساكن متعددة الأفراد كانت تلجأ إلى إنشاء طابق علوى يحتوى على شبابيك تطل على الإيوان أو على ممر موازىٍ له بعرض 1.5.متر بشكل يجعلها تطل على الداخل،وللعلم فإن معظم البيوت لم تتعدى طابقين فى الإرتفاع والمواد المستخدمة فى البناء كانت من الطين المخلوط بالقش لإعطائه نوعاً من الصلابة وأما بيوت الأغنياء فكانت تُستخدم الحجارة من الصخور الكركارية كما أوضحنا آنفاً.

وفى بعض المساكن إحتوت شبابيكها على مشربيات متأثرة بذلك بالأسلوب والتكنكة المصرية وتلك التى فى شبه الجزيرة وقد أمكن ملاحظتها بوضوح فى حى الدرج (بنى عامر سابقاً).
كذلك تم إنشاء نافورة مياه فى منتصف الإيوان لتلطيف المناخ وكعنصر جمالى أيضاً، وبالنسبة لدهان الجدران الخارجية فقد أُستخدم لذلك اللون الأبيض والذى تم الحصول عليه من الصخور الكركارية بعد حرقها وتركها فى الماء لعدة أيام وهو ما يعر بالشيد ثم بعد ذلك يستخدم فى طلاء الجدران الخارجية والداخلية على حدٍ سواء،أو كخليط لتمسيك البناء والحجارة بعد أن يتم إضافة الرمل والرماد إليه.

التطور الحضرى والمعمارى داخل نفوذ المدينة:

أولاً على الصعيد الحضرى:

تمددت المدينة بشكل لا يستهان به مرجعه إلى الزيادة الديموغرافية للسكان وإلى التمدد العمرانى،فقد تكونت ثلاثة أحياء رئيسية فى الشرق والغرب والجنوب وهى:
  حى الشجاعية،فى شرق المدينة وسُمى كذلك نسبة إلى شجاع الكردى أحد أبطال المقاومة ضد الصليبيين، وينقسم إلى منطقتين سكنيتين شمالاً وتسمى الجديده وسكانه من الأكراد اللذين قدِموا لنصرة صلاح الدين فى حروبه ضد الصليبيين وجنوباً وتسمى التركمان وسكانه من الأتراك اللذين قدموا أيضاً لنفس الأسباب السابقة.
تم إنشاء الحى حول طريقين رئيسيين شمال/جنوب وشرق/غرب يتقاطعان فى ساحة عامة حيث السوق الرئيسى (القيسرية) والذى يتفرع إلى أسواق تخصصية كالنجارين فى شمال السوق والحدادين فى جنوبه والخضار فى مركز التقاطع أى فى الساحة الرئيسية.
 حى التفاح، ويقع فى شمال المدينة وسُمى كذلك نسبة إلى شجر التفاح الذى كان بكثرة فيه.
 حى الزيتون، ويقع فى جنوب المدينة وسُمى كذلك نسبة إلى تواجد أشجار الزيتون فيه،واشتهر بوجود سوق السروجية والنجارين ومسجد كاتب الولاية وهو موجود حتى اليوم وبنى فى العام 735 هجرية.

ثانياً: على الصعيد المعمارى

لقد تطورت مدينة غزة فى هذا العصر وخصوصاً فى الفترة المملوكية منه فتم إنشاء كثير من المساجد والمدارس والأسواق والذى تدلل على تقدم معمارى وتطور لا يستهان به..ونذكر على سبيل المثال،مسجد الطواشى والذى تم إنشاؤه فى عام 786.م وتميز بوجود حديقة وحوض كبير للوضوء فى ساحته الخارجية وعلى مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم وتعليم الكتابة.، مسجد الجولى فى الجنوب الشرقى للمدينة وعلى الطريق الرئيسية المؤدية لمصر ولكنه دُمر بمرور الزمن وتم إستخدام حجارته فى بناء مساجد أخرى.، مسجد على بن مروان وتم إنشاؤه فى عام 725.م واحتوى على صالة للصلاه ومحراب وعلى منارة أيضاً.، مسجد إبن عثمان وهو أكبر المساجد وتم إنشاؤه فى العام 1395.م ويقال بأن حجارته المستخدمة فى البناء تم أخذها من مسجد الجولى المدمر والذى احتوى على مدرسة وروضة للأطفال، وكذلك إحتوى على كنيسة (بيروفوريس) فى القرن الخامس الميلادى.

 هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تم إنشاء مكتبة كبيرة وسُميت(الطاهر) وكانت تحتوى على 4 غرف و2 صالة وتحولت فيما بعد إلى مقبرة فى العام 966.م.
كذلك تم إنشاء بيمارستان أى مستشفى وقد دُمر فى حملة نابليون على فلسطين فى العام 1799.م.
 إنشاء آبار للمياه لأن مياه الشرب مثلت ومازالت تمثل مشكلة كبيرة حتى اليوم ومن أهم هذه الآبار بئر الأجمكية فى العام 1452.م والذى إستمر بالعطاء حتى عام 1926 عندما تم تحويله بواسطة ماتور بخار.
 إنشاء سوق مركزى أو ما سُمى بالقيسرية بجوار المسجد الرئيسى،وقد أشرنا إلى طبيعة تلك الأنواع من الأسواق آنفاً.
 التمدد الحضرى والمعمارى خارج نفوذ المدينة:

فى العصر الإسلامى تمددت مدينة غزة بشكل ملحوظ وذلك للزيادة الديموغرافية للسكان مما أدى إلى الحاجة لإنشاء مدن وقرى جديدة وبالفعل فقد أُنشئت قرى فى الشمال ومدن وقرى فى الجنوب وهى النواة الحالية لما عُرف بقطاع غزة فى النصف الآخير للقرن العشرين.

القرى الناشئة فى الشمال وهى:

 بيت لاهيا، وتميزت بوجود آبار للمياه بكثرة نافت عن العشرين بئراً وهذا دليلاً على إزدهار الزراعة فى هذه المنطقة لخصوبة أراضيها وعذوبة مياهها الجوفية.
 بيت حانون، إحتوت على مكتباً للبريد ومركزاً للثقافة وكانت تمثل رمزاً للصمود والنصر على الصليبيين فى هذا العصر.

القرى الناشئة فى الجنوب وهى:

 عبسان، نسبة إلى سكانها اللذين ينحدرون من أصول لبنى عبس ومرجعهم شبه الجزيرة.
 خزاعة، نسبة إلى سكانها اللذين ينحدرون من قبائل فى العراق ومن منطقة دمياط المصرية.
 بنى سهيلا، نسبة إلى قبائل بنى سهيل واللذين ينحد

رون من شبه الجزيرة.
 داتن (المغازى حالياً) وكان يشتهر بآبار المياه على شكل بيضاوى.
 النصيرات، نسبة إلى رجلاً تقياً وعلى درجة كبيرة من التدين إسمه الأنصارى كان يقطن المنطقة وينحدر من شبه الجزيرة.

المدن الناشئة فى الجنوب وهى:

خان يونس، كلمة خان فى اللغة العربية معناها المكان الذى ينام فيه الناس ويدفعون أجرة على ذلك أى(بنسيون بالأجنبية) والإسم يونس هو الشخص الذى أنشأه فى العام 1387،وهذا الخان تم تصميمه على شكل مربع طول ضلعه يبلغ 85.5.م وإحتوى على أربعة أبراج توزعت على الأربعة زوايا له وفى ساحته تم بناء مسجداً وفى الجهة المقابلة إسطبلاً لمبيت الحيوانات وكذلك إحتوى علىساحة لعرض البضائع وتبادل التجارة وفى الطابق العلوى كانت غرف النوم واشتمل كذلك على بوابة رئيسية ذات قوسين أمامى وخلفى،وبمرور الوقت أخذت المدينة إسم خان يونس.

رفح، وهى المدينة على الحدود مع مصر حيث تميزت بوجود كثير من الأعمدة الرخامية كشواخص تدلل على الحدود وإحتوت المدينة على موريستان (مستشفى) وعلى سوق مركزى ومسجداً وعلى خان للنوم،وكون المدينة على الحدود فقد تميزت بنشاط التبادل التجارى وإزدهاره فهى تقع على الطريق الرئيسية والتى تربط مصر مع بلاد الشام.

نشوء المصطلح السياسى (قطاع غزة):

مع إلحاق كلمة قطاع إلى مدينة غزة فإنها أصبحت عبر التاريخ القريب جداً تعرف بإسم قطاع غزة وهى تعود إلى إتفاقيات رودس 1949 حيث أنها ظهرت لأول مرة فى التاريخ بهذا المصطلح فى العام 1950 وهى الشكل المستطيل بعرض 9 كم فى الشمال و16 كم فى الجنوب وبمساحة 365 كم مربع وتقع على ساحل البحر المتوسط فى أقصى الجنوب الساحلى لفلسطين بطول 45 كم.

(الفصل الثانى)

العوامل الرئيسية التى أثرت على العمارة والنسيج الحضرى فى مدينة غزة وضواحيها

  العوامل السياسية:

إن العوامل السياسية عبر القرون الماضية والتى تمثلت فى تبدل وتنوع الحضارات المختلفة والمتعاقبة على المنطقة بوجه عام وعلى مدينة غزة بوجه خاص قد أثرت على النسيج الحضرى بكافة جوانبه بما لا يقبل الجدل بدءاً بالرومان البيزنطيين والمسلمين إلى العهد الأوروبى متمثلاً فى الصليبيين والعثمانيين والفترات الإستعمارية والتى جميعها تركت آثارها على الحياة الإجتماعية والإقتصادية وعلى العمارة والنسيج الحضرى بوجه خاص.

الفترة الرومانية -البيزنطية - وتطور النسيج الحضرى للمدينة:

بقدوم الرومان وخصوصاً فى الشق الأول من هذا العهد نشأت فى المدينة طرق وشوارع حلت بدل الطريق الوحيدة والتى كانت عبر التاريخ تُعرف(بطريق البحر) وعليه أخذت المدينة فى زيادة قوتها الإقتصادية والتجارية من جهه ومن جهة أخرى تم إنشاء أماكن للرياضة وأول كنيسة بناها جرينيوس فى العام 363.م وسُميت إيرينا أى (السلام).وبإنقسام الإمبراطورية الرومانية بدأ الشق الثانى وهو ما عُرف بالفترة البيزنطية عادت على أثرها المدينة لتأخذ طابعها القوى كمدينة للتبادل التجارى العالمى وجاء وصف المدينة فى هذه الفترة كالآتى:

تم إنشاء المدينة على شكل مستطيل وإشتملت على أربعة بوابات رئيسية تفتح فى سور منيع يحيط بها،تشكلت على طريقين رئيسيين شرق/غرب، وشمال/جنوب يتقابلان فى ساحة رئيسية حيث منطقة السوق المركزى (القيسرية).

ميناء المدينة البحرى تواجد فى الغرب بطول 1.5.كم وقد أُحيط بسور لحمايته وتميزت هذه الفترة بنشوء قرى جديدة على أثر التزايد الديموغرافى مثل دير البلح وكذلك تم إنشاء كنيسة الروم/الأوتودوكسية فى العام 425.م، وعلى العموم فالأحوال السياسية وللأسباب التى تخدمها نجد بأن المدينة أُحيطت بسور لحمايتها من الهجمات المعادية.

وبقدوم العثمانيين للمدينة والتى إستمرت فترة سيطرتهم قرابة 500 عام خضعت المنطقة العربية بكاملها ومدينة غزة على وجه الخصوص فى إسترخاء ونوم عميق على كل المستويات والذى ما فتىء العالم العربى حتى السنوات الأخيرة فى التخلص منه. وبضعف الإمبراطورية العثمانية وتقهقرها وبقدوم القوى الجديدة فى المنطقة وعلى رأسها بريطانيا العظمى وفرنسا خضعت على أثرها غزة تحت الإحتلال البريطانى كبقية فلسطين،ومع بداية القرن العشرين وفى العام 1948 -1949 تم إحتلال فلسطين وإقامة الدولة العبرية على أرض فلسطين وخضعت غزة للوصاية المصرية والتى تم إحتلالها بعد ذلك فى العام 1967.م والذى على أثرها أصبحت المنطقة تعرف بما يسمى الأراضى العربية المحتلة والتى تميزت بإنشاء المستوطنات بكثرة والطرق التى تهدف لخدمتها وعلى منع التمدد العمرانى والحد منه وبإختصار شديد على إنحطاط قوى فى البنية التحتية لمدينة غزة وضواحيها وإختلال شديد وسوء الأحوال الإقتصادية والإجتماعية...والذى سنتحدث عنه لاحقاً تحت عنوان(غزة تحت الإحتلال).

الفترة 100 عام قبل الحرب العالمية الأولى:

وهى الفترة التى توضح النسيج العمرانى فى مدينة غزة فى أواخر العهد العثمانى وبداية عهد الإستعمار الجديد.

بلغ التعداد السكانى لمدينة غزة فى بداية القرن الثامن عشر 7 آلاف نسمة وتضاعف ليصل إلى 18 ألف نسمة فى العام 1875 إلى 20 ألف نسمة فى عام 1886 ثم وصل تعدادهم إلى 40.000 نسمة فى عام 1906 هذا من ناحية ونستعرض بعض من الملامح العمرانية التى ميزت المدينة:

المدارس، فى العصر العثمانى فقدت المدارس إستقلاليتها حيث أن العثمانيين لم يشجعوا على العلم أو التعليم وهى من أولى سياساتهم للتحكم بالشعوب فحكم الجاهل أسهل بكثير من حكم المتعلم..لهذا عادت المساجد لتأخذ دورها فى التعليم البدائى وتحفيظ القرآن فقط،وبقيت قليل من المدارس التعليمية وهى معدودة للغاية نذكر منها مدرسة الحسينية فى حى الدرج والتى بعد ذلك يستطيع الطالب والمقتدر إقتصادياً أن يكمل دراسته فى الأزهر فى مصر.وتواجدت كما ذكرنا المدارس المرتبطة بالمساجد وكانت تسمى بالكتاب ومنها الجولى وأبو ركاب فى حى الزيتون، ست رقية والغزالى فى حى الشجاعية.

أماكن العبادة:- فى هذه الفترة أُنشئت فى المدينة كنيستين الأولى سُميت دير اللتين بنيت فى العام 1889.م وهى موجودة حالياً، والثانية سُميت كنيسة الأنجلوبروتوستانت فى العام 1893 وهى موجودة بداخل المستشفى الأهلى حالياً.
 أما بالنسبة للمساجد فقد بلغ تعدادها قرابة 26 مسجداً تنتمى فى معظمها للفترة الإسلامية المملوكية ولم يتم إنشاء أى جديد منها سوى بعض أماكن الأولياء الصالحين وهى للزيارة لا العبادة.
 الأسواق،من أهم الأسواق التى وجدت فى هذه الفترة قبل أن تهدم فى خلال الحرب العالمية الأولى هى: سوق الصوافين، سوق الغزل، سوق العطارين، وسوق الجلود.وتم إنشاء أكبر الشوارع التجارية فى المدينة ويقطعها من الشرق إلى الغرب وسُمى بشارع عمر المختار فى العام 1914.م وهو التطور الملحوظ والهام فى تلك الفترة.
 المساكن، وهى نفس النمط العربى للمساكن وقد شرحناها آنفاً فى مستهل حديثنا السابق على العمارة التراثية فى المشرق العربى.

  العوامل الإجتماعية والثقافية:

الرجل العربى بوجه عام يتميز بالخصوصية والمحافظة فى حياته الخاصة هذه الخصائص الإجتماعية تولدت نتيجة العادات والتقاليد والبيئة الصحراوية فى معظمها والتى عاشها عبر القرون ونتيجة لثقافة دينية مميزة فيما بعد والتى كان لها تأثيراً واضحاً وملموساً على نسيجه العمرانى بأكمله وعلى الأساليب المعمارية التى إستخدمها فى عمارته.
ففى مدينة غزة وضواحيها - محافظات غزة - تم إنشاء المساكن بشكل يطل على داخل فناء خاص وبصفات مطابقة للمساكن التى ميزت المشرق العربى (راجع العمارة فى المشرق العربى)، إذن فالعامل الإجتماعى والثقافى أثر بشكل واضح على نمط وشكل وتكوين العمارة فى مدينة غزة.

  العوامل المناخية:

نعلم بأن التغيرات فى الأحوال المناخية يعنى بالدرجة الأولى تغيير فى الأحوال الجغرافية على وجه الأرض وعليه فهو يؤثر بشكل مباشر على السكان سواء فى القرى أو فى المدن أو يأتى بشكل مدمر فيلغى مناطق كبير من على وجه المعمورة.

ولكن بقاء مدينة غزة عبر القرون المختلفة لهو دليل قاطع على إستقرار الأحوال المناخية واتى تتميز بمناخ صحراوى حار/جاف وحيث أنها تقع فى الجزء الشمالى الغربى لصحراء سيناء على ساحل البحر المتوسط فهى عديمة الأمطار فى فصل الصيف وممطرة فى فصل الشتاء حيث تختلف كمية الأمطار من عام إلى آخر.

إن إختلاف كمية الأمطار عملت على عدم وجود تلك الأشجار الكبيرة فى المنطقة وبالتالى على الإفتقار إلى الأخشاب كمواد أولية لهذا لم تستخدم فى البناء وإنما تم إستخدام الطين والحجارة فى البناء وسعف النخيل مع الطين فى بناء أسطح المساكن والتى أخذت طابعاً مستوياً حتى تنحدر عليها مياه الأمطار هذا حدث فى مساكن العامة من الناس وأما فى مساكن الأغنياء تم إستخدام الحجارة من الكركار ونظام القباب فى الأسطح وذلك لتخفيف الحرارة أثناء الصيف.(شرحنا فى السابق أهمية القبة كتكنكة فى البناء).

كذلك ونظراً للمناخ الحار الجاف فإنه تم إنشاء نظام الساحة السماوية والتى يتواجد أسفلها نافورة مياه وذلك لغرض تبريد الأجواء الداخلية للمسكن وكذلك لوحظ وجود نظام المشربيات فى حى الدرج لنفس السبب.

  العوامل الجيولوجية:

الأوضاع الجيولوجية التى تميز غزة وضواحيها من حيث التلال الرملية والكركارية والتى تمتد من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها على إمتداد ساحل البحر المتوسط بعرض يتراوح بين 3- 5.كم،وكذلك من طينة حمراء اللون ساعدت أثرت على العمارة بشكلها ونمطها وذلك كون المواد المستخدمة فى البناء هى الموجودة فى الطبيعة والبيئة المحلية.وتم إستخراج الشيد الأبيض لدهان المساكن من الصخور الكركارية بعد حرقها وتركها لعدة أيام فى حفرة مليئة بالمياه.
أما من ناحية الزلازل فقد خلت المدينة من تلك التى تأخذ طابعاً مدمراً سوى ذلك الذى حدث غى أعوام 1032.م وفى عام 1546.م والتى تميزت بمتوسطة القوة،فهى منطقة مستقرة ساعدت فى عمليات التواجد والتمدد البشرى والعمرانى.

(الفصل الثالث)

النسيج العمرانى فى محافظات غزة فى فترة الإحتلال الإسرائيلى(67 – 94)

مقدمة:

لقد مرت سنوات كثيرة على قرار الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة فى 29 نوفمبر 1947 وهو تاريخ تقسيم فلسطين بين العرب واليهود والتى كانت فى حينها تخضع فلسطين للإنتداب البريطانى والذى رفضه العرب فى حينه لتصبح المنطقة على مشارف 14 مارس 1948 وهو تاريخ إنشاء الدولة العبرية تحت إسم إسرائيل على أرض فلسطين،..وعلى أعقابها وقعت سلسلة من الحروب بين الدول العربية وإسرائيل حيث جرت أولى الحروب فى نفس العام لإنشاء إسرائيل وهى ما سُميت بحرب النكبة والتى أُحتلت على أثرها الأراضى التى أعطاها إياها قرار التقسيم للعرب فى فلسطين، ثم تلتها حرب السويس فى العام 56 ثم حرب النكسة فى العام 67 والتى بها تم إحتلال مناطق الضفى الغربية وقطاع غزة، ثم تلتها بعد ذلك حرب رمضان فى العام 73 وبها تم إستعادة قناة السويس وسيناء فيما بعد، ثم حرب لبنان وحصار بيروت فى العام 82 والتى إنتهت بخروج منظمة التحرير الفلسطينية إلى أرض المنافى العربية وذلك لتجنيب سكان العاصمة من التدمير الكامل وقتل عشرات الآلاف من الأبرياء من جراء القصف العشوائى المتواصل… وبعد ذلك إندلاع الإنتفاضة المباركة على أرض فلسطين والتى دامت 7 سنوات من النضال بالحجارة والإضرابات والإعتصامات والمواجهات مع الإحتلال وسقوط آلاف من الشهداء والجرحى والمعاقين،والتى تتوجت بعودة القيادة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية بقيادة الأخ/ الرمز المناضل ياسر عرفات بعد توقيع إتفاقات السلام بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة إسرائيل فى العام 94 … وبهذا دخلت المنطقة فى مرحلة جديدة وهى إنهاء مرحلة الصراع والحروب فى المنطقة إلى مرحلة الصراع الإقتصادى والسياسى لنيل كافة الحقوق الشرعية للشعب الفلسطينى حسب قرارات هيئة الأمم المتحدة وحسب إتفاقيات السلام الموقعة فى أوسلو والقاهرة.

ويمكن تقسيم أثر الإحتلال على النسيج العمرانى إلى فترتين متميزتين هما :-

النسيج العمرانى فى النصف الأول من عهد الإحتلال وقد تميز بالآتى:

نقص خطير وتدهور فى الأوضاع الإقتصادية والخدماتية والعمرانية المختلفة للسكان بشكل سافر ومتعمد.

فقد تفشت البطالة لعدم وجود إمكانيات للعمل داخل إسرائيل أو فى المناطق المحتلة وكذلك عدم الإكتراث بالنسبة للخدمات المقدمة للسكان فنجد بأن الخدمات الصحية من عيادات ومستشفيات لا تكفى حاجة السكان المتزايدة لهذا فقد تدهورت الحالة الصحية،ولم تتفاعل سوى تلك المفدمة من الوكالة لإغاثة اللآجئين فقد كانت ومازالت تؤدى خدماتها مجاناً وخصوصاً للأطفال… وكذلك بالنسبة للخدمات التعليمية فقد كانت بسيطة جداً ولم يسمح بإقامة مدارس إضافية أو تلقى أى معونات لها لتحسين أدائها فسائت بشكل كبير..وكذلك إنعدمت البنية التحتية فى المدن والقرى والمخيمات فى معظم محافظات غزة.

  إنشاء عدد كبير من المستوطنات:

فقد إنتشرت بشكل كبير وذلك نتيجة للسياسة الإسرائيلية التى شجعت وحفزت وساندت على إنتشارها فقد أعطت الحكومة الإسرائيلية كل التسهيلات والحوافز للمستوطنين على الإقامة والإستيطان فعلى سبيل المثال قامت بإعفائهم من الضرائب ومنحهم القروض بغير فوائد وكذلك قامت بتخصيص جزء كبير من الموازنة العامة للدولة من أجل بناء المستوطنات والتى بلغت 18 مستوطنة توزعت من الشمال إلى الجنوب بنسبة 16% من المساحة الكلية لمحافظات غزة بمجموع بلغ 59.000 /دونم ويمكن تقسيمها إلى مستوطنات الشمال وتضم كل من (إيرز، ايلى سيناى، دوغيت، نيسانيت) ومستوطنات الوسط وتضم كل من (نتساريم، كفار داروم) ومستوطنات الجنوب وتضم كل من (جان طال، جان أور، جديد، قطيف، نفى داكاليم، نيتسر حزانى، ياكال، بات سدى، بدولح، بنى عتصمونا، رافيح يام، ميراج).

• النصف الثانى من عهد الإحتلال وأهم ما تميز به على الصعيد العمرانى هو:

  عمل مخططات هيكلية للمدن والقرى والمخيمات تخدم السياسة الإسرائيلية فى المناطق:

وقد شملت جميع المدن والمخيمات الفلسطينية وقد هدفت فى معظمها إلى هدم المساكن وإلى تحديد النفوذ العمرانى ومنعه من التمدد وذلك للتضييق على السكان وحتى يقيموا مستعمراتهم على الأراضى الفضائية القريبة من التجمعات السكانية وكذلك لتسهيل حركة الجيش فى المناطق – الذرائع الأمنية المعتادة- وعلى تحديد إعطاء رخص بناء وذلك لسوء إستخدامات الأراضى المقصودة فى المخططات الهيكلية..فكل ذلك كان ينصب فى خدمة أهداف الإحتلال وخير دليل على ذلك الطرق المقترحة والعريضة والتى إنتشرت فى كثير من المناطق بغير منطق أو دراسة علمية أو عملية سوى خدمتها للسياسات العليا للإحتلال فى ربط المستوطنات ببقية المناطق الإسرائيلية.

  بعض التحسينات النوعية كإدخال الكهرباء إلى المخيمات.

فقد كان سببه الحقيقى إنارة الظلام فى المخيمات لسهولة دخولها من قبل الجيش فقد كانت الظلمة عنوان إستقلال حيث ساعد دخول الكهرباء إلى قمع حركة الفدائيين التى كانت تسيطر على المناطق ليلاً.

  إصدار الأوامر العسكرية وإعطائها صبغة قانونية وتشريعية:

وهذا بدوره أثر سلباً على النسيج العمرانى والحياتى للسكان عامة ونذكر منها على سبيل المثال بعض الأوامر التى تم التدليل بها كقوانين تشريعية فى كثير من المخططات الهيكلية مثال الأوامر رقم:498 (بشأن المياه)، رقم:421 (بشأن الممتلكات الخصوصية)، رقم:78 (بشأن أموال اليهود)،رقم:79 (بشأن تعداد السكان)،رقم:105 (بشأن الأموال المتروكة)،رقم:423(بشأن الأموال الحكومية)،و…إلخ

  عمل مخطط إقليمى شامل للقطاع ديسمبر 93 وذلك قبل دخول السلطة بشهور قليلة:

وقد تم عمله قبل دخول السلطة وكان الغرض منه ترسيخ حدود النفوذ للمدن والقرى والمخيمات وعدم توسيعها أو تمددها وكذلك لتسهيل ربط المستعمرات المتواجدة بكثره بطرق جديدة تخدم الإتصال بها بل وتتقاطع مع الطرق الرئيسية والمارة فى التجمعات الفلسطينية المكتظة، ناهيك عن رسم سياسة مرتبطة بالمصالح العليا للسياسة الإسرائيلية فى المناطق المحتلة وليس لمصلحة السكان أو الشعب الفلسطينى وبوجه عام تم تحديد المراكز العمرانية بخط نفوذ لكل منها ثابت ولا يمكن تعديله لأى سبب كان وتشمل المناطق الآتية من الشمال إلى الجنوب (بيت لاهيا،بيت حانون،جباليا،غزة،مخيم الشاطىء،مخيم النصيرات،مخيم البريج،مخيم المغازى، دير البلح،الزوايدة،خان يونس،القرارة،عبسان الكبيرة،عبسان الصغيرة،بنى سهيلا،خزاعة،رفح،مخيم رفح).كذلك عمل على تكريس بعض الخدمات الإقليمية فى مناطق غير مناسبة لها وعلى سياسة مياه تخضع كلياً تحت تصرف اليهود وعمل على تكريس الحدود الجديدة – خط الهدنة- والذى بدوره يقلل إجمالى المساحة لمحافظات غزة بواقع لا يقل عن 40.000 /دونم كما جاء فى بعض الدراسات الخاصة.وهى ما تعرف بسياسة تهويد الأراضى وقد جاءت واضحة وجلية فى خريطة الإتفاقية مارس /94.

(الفصل الرابع)

النسيج العمرانى فى محافظات غزة فى ظل السلطة الوطنية الفلسطينية (94 – اليوم)

بعد إنقشاع عهد الاحتلال بكل سلبياته ومخلفاته والتى كانت من أهم العقبات التى واجهت السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى كيفية التغلب عليها وما زالت كل الجهود من جميع الشرفاء منصبة فى هذا المضمار الشائك حيث الامكانيات المادية الضعيفة هذا من جانب ومن جانب آخر ذهبت السلطة وبشكل موازى فى بناء المؤسسات الرسمية على إختلافها لتكون النواة الفعلية لدولة المستقبل.

وكذلك لجأت إلى الدول المانحة لتلقى الدعم من أجل بناء المشروعات المختلفة حسب الخطة الوطنية الشاملة للتنمية فهذا التوجه إلى المجتمعات الدولية حق للشعب الفلسطينى نتيجة لتواطؤ تلك المجتمعات منذ العام 48 واستيلاب الأرض الفلسطينية إذن فهو حق له وليس مْنة عليه.

وقد تم تقسيم محافظات غزة إلى خمسة مناطق وهى: محافظة الشمال وتشمل(بيت لاهيا، بيت حانون، جباليا) ومحافظة غزة وتشمل (غزة ومخيم الشاطىء) ومحافظة دير البلح وتشمل (مخيمات كل من البريج والمغازى والنصيرات والزوايدة ودبر البلح) ومحافظة خان يونس وتشمل (خان يونس والقرارة وعبسان الصغيرة وعبسان الكبيرة وخزاعة)ومحافظة رفح وتشمل (رفح ومخيمها).

وأهم الأعمال والإنجازات على الصعيد العمرانى فى الفترة 94 –2006 هى:

أولاً داخل نفوذ مدينة غزة:

ولادة المشروع الهيكلى لمدينة غزة 96 والذى تبنته وزارة التخطيط والتعاون الدولى بالتعاون مع بلدية غزة والجهات المعنية والذى ر سم سياسة عمرانية محددة ومدروسة ونظم استخدام الأراضى حتى عام 2015 وهو يعتبر أول تخطيط هيكلى فى ظل السلطة الوطنية الفلسطينية والذى عمل على الحد من إنتشار ظاهرة الأبراج بشكل عشوائى فى المدينة وهى الطفرة فى المجال العمرانى والذى حدثت فى مدينة غزة عن سواها فى فترة دخول السلطة وقبل دخول المخطط حيز التنفيذ.

  إنشاء طرق جديدة وتعبيد الطرق القائمة فى جميع المناطق.
  عمل شبكة للصرف الصحى والمجارى فى كثير من المكناطق.
  إنشاء كثير من الخدمات التعليمية من مدارس جديدة أو إعادة اعمار القديم منها،وادخال تحسينات على الخدمات الصحية بشكل ملموس.

ثانياً خارج نفوذ مدينة غزة:

  عمل المخطط الاقليمى لمحافظات غزة والذى تبنته وزارة التخطيط وسبق ذلك عمل المخطط لحماية المصادر الطبيعية.
  بناء مطار غزة الدولى جنوب رفح.
  إنشاء كثير من الطرق والخدمات التعليمية والصحية وخصوصا فى المخيمات كالمدارس والمستشفيات.
  عمل مخططات هيكلية لكثير من المدن والقرى والمخيمات والتى حلت بدل القديمة فى عهد الاحتلال.
  نشوء كثير من المجالس القروية فى محافظات غزة وذلك نتيجة لعوامل ديمغرافية وسياسية،وقد تم اعتماد معظمها من وزارة الحكم المحلى وبالتنسيق مع وزارة التخطيط حتى لا يتعارض ذلك مع المخطط الإقليمى وهى:

• المجلس القروى لجحر الديك:

وتقع هذه المنطقة فى الجنوب الشرقى من مدينة غزة بمساحة 6900/ دونم ومعظم التجمعات السكنية عبارة عن بيوت من الاسبست والزينكو والمنطقة ذات طبوغرافية غير مستوية وتتراوح بين 30-40 متر فوق مستوى سطح البحر، ويوجد بها مدرسة ابتدائية تبعد مسافة 1500 متر بالقرب من مفترق البوليس الحربى.

• مجلس قروى وادى السلقا:

وتقع هذه المنطقة إلى الشرق من مدينة دير البلح بمساحة 3600 / دونم وهى ذات أراضى زراعية وطبوغرافية المنطقة متفاوتة الإرتفاع من 30-60 متر أعلى مستوى سطح البحر من الغرب إلى الشرق والمبانى خليط من الاسبست والباطون.

o مجلس قروى الفخارى:

وتقع فى الجنوب الشرقى لمدينة خانم يونس بمساحة 1200 /دونم وهى أراضى مستوية ترتفع ب 55 متر عن مستوى سطح البحر فقيرة الزراعة ومبانيها من الباطون والاسبست ويتجمع سكانها فى الوسط والغرب،وتحوى على مستشفى مركزى تابع للوكالة وبه كلية تمريض و3 مساجد وومدرسة ابتدائية/ اعدادية.

• مجلس قروى البيوك:

ويقع فى الجنوب الشرقى من مدينة رفح بمساحة 5000/دونم وهى أراضى بعلية سنوية الزراعة ترتفع بمعدل 55-70 متر أعلى مستوى سطح البحر، تحوى على مسجدين ومدرسة ابتدائية.

• مجلس قروى شوكة الصوفى:

وتقع فى الجنوب الشرقى من مدينة رفح بمساحة 1200/ دونم وترتفع عن مستوى البحر ب 60-90 متر من الشرق إلى الغرب وبها تقع المنطقة الصناعية.

• مجلس قروى المصدر:

ويقع إلى الشرق من مدينة دير البلح وإلى الجنوب من المغازى بمساحة 4150 /دونم وأراضيها زراعية خصبه.

• مجلس قروى المغراقة:

وتقع إلى الشمال الشرقى من وادى غزة وأراضيها زراعية سنوية وبها كروم العنب والزيتون.

• مجلس قروى قاع القرين:

ويقع فى الجنوب الشرقى من خان يونس وأراضيها بعلية،قليلة الزراعة.

الخلاصة والتوصيات

بعد استعراض العوامل الأساسية المختلفة والتى أثرت فى تطور العمارة والنسيج الحضرى فى المشرق العربى سواء كانت عوامل سياسية أو إجتماعية أو ثقافية أو بيئية وذلك عبر تاريخ الحضارات والمجتمعات المتعاقبة فى المنطقة واظهار الجوانب الإنسانية والقيم الأصيلة والتى تتناسب مع البيئة والعادات والتقاليد للمجتمع العربى هذا من جانب ومن جانب آخر بتحليل لواقع وحاضر العمارة التى نعيشها اليوم والأزمة التى تمر بها وتصور لمستقبلها بشكل عام، وكذلك بالتفكير الجاد لكيفية ربط تلك القيم التراثية الأصيلة فى العمارة العربية القديمة بواقع العمارة الجديد والذى نحياه اليوم بكل تعقيداته الإجتماعية والإقتصادية والتى تنعكس على متطلبات واحتياجات الإنسان العربى فى المنطقة فإنه يتضح جلياً لقارىء هذه الدراسة الأهداف المرجوه والمتوخاه منها،فالبرغم من مجموع العوامل والظروف السياسية والإقتصادية والتشريعية والتى تؤثر بشكل مباشر فى تطور العمارة فإن ذلك لا يمكن أن ُيحيدنا عن الصبو والأمل نحو عمارة تحقق فى مضمونها تلك القيم الأصيلة وهذا لا يعنى أبداً ولا يفهم خطأً بأننا ندعو إلى تطبيق خصائص العمارة القديمة بشكل كامل ولكننا نهدف ونأمل للوصول إلى القيم الإنسانية والجمالية والأصيلة فيها والتى تنعكس إيجابياً على المجتمع فى كافة مراحله التاريخية وعصوره المختلفة وعلى الأجيال القادمة.

إذن فالحلول لا يمكن أن تكون بإستيراد تكنولوجيا البناء الحديث والمواد المعقدة المستخدمة فيها والمرتفعة ثمناً فقط،ولكن فى إيجاد الوسائل والأساليب الخاصة بالعمارة والتى تتلائم وتتناسب مع الثقافة التى تميز المنطقة والبيئة بكل أنواعها المختلفة، ومكملة لإحتياجات وإمكانيات السكان العملية والمعنوية ومع الإمكانيات الإقتصادية لأى قطر فيها.

وعليه فمن الأهمية القصوى والضرورة الملحة -طبقاً لوجهة نظرنا - أن يحدث تغيير جذرى فى القواعد والنظم والإدارات سواء فى القطاع العام أو الخاص وضرورة تحديث وتطوير الكتب المدرسية والتعليم فى مختلف الكليات الجامعية للهندسة المعمارية بشكل يسمح للقواعد والنظريات واللوائح الخاصة بالعمارة أن تكون أكثر ملائمة وواقعية مع البيئة بكل جوانبها والإقتصاد وقبل كل ذلك مع المجتمع بعاداته وتقاليده وثقافاته،وكذلك يجب فحص وإختبار التكنكة المستخدمة فى البناء بطريقة علمية وعملية. وبهذا نستطيع الوصول لإيجاد إحتمالات ربط العمارة الحديثة مع العمارة التراثية الأصيلة فى المشرق العربى.

ومما لا شك فيه بأن اللوائح والتشريعات المتوخاه للمدن العربية تساعد فىترسيخ العلاقة والربط مع القيم الأصيلة للتراث المعمارى وحتى نصل إلى تجسيد وتنفيذ هذه الأهداف والتطلعات فلا بد وأن تترافق وتتلازم مع حملات صحفية للتوعية من خلال الصحف اليومية والمجلات المتخصصة والإذاعة المرئية والمسموعة ضمن برامج هادفة ومدروسة لهذا الغرض وهى ليست موجهه إلى الرأى العام فقط وإنما إلى ذوى التخصص ونعنى بالمعماريين والمخططين بالأساس.

فضرورة إعادة التقييم من جديد لجميع التشريعات والقوانين الحالية والتى ساعدت فقط فى فقد القيم والخصائص للعمارة التراثية الأصيلة فى السنوات الأخيرة، فمنذ أن بدأت عمليات التطور المعمارى فى معظم الإنشاءات ومنذ أن بدأت عمليات التحديث الصارخ فى المدن العربية فقد لوحظ وشُوهد مدى تأثرها بالوائح والقواعد والنظم الأجنبية فعلى سبيل المثال،العلاقة بين إرتفاعات المبانى وعروض الشوارع المتواجدة عليها -بغير أى شروط أو إستثناءات خاصة- فهى فى المدن الغربية عامة 1.5 من عرض الشارع ولا تزيد عن 35 متر وهو على سبيل المثال لا الحصر حيث يطبق فى جميع المدن العربية فى المشرق العربى ولكننا لسنا بصدد الخوض فى نقاش كل تلك اللوائح والتشريعات فى معظم أقطار المشرق العربى ولكن لتوضيح وإظهار القواعد والنظم الجديدة والتى تساعد فى التقريب من المدن التراثية الأصيلة وقيمها الإنسانية وللحفاظ عليها فى هيكلية وشكل العمارة الحديثة والمتوخاه والمرجوه ونذكر أهمها:-

 تحديد الطرق الرئيسية والتى تنتهى فى قلب مركز المدينة حيث الساحة الرئيسية حيث تتركز كل النشاطات للحى وتحويل المواصلات إلى خارجها وتحويلها إلى ممرات مشاه مما يسهل عمليات التنقل والوصول إلى المناطق الأخرى للحى أو إلى المدينة.
 إستثناء جميع الظواهر الغريبة والمخلفات الناتجة عن الإنشاءات المختلفة أو الناتجة عن الإستهلاك الآدمى.
 العمل على تمييز إرتفاعات المبانى وبألوان موحدة ومختلفة عن البقية لتلك التى على الطرق التجارية والخدماتية والتى تمثل الطرق الرئيسية والمنتهية بمركز الحى أو المدينة.
 وضع لمسات من التراث الأصيل فى المبانى مع التركيز على الألوان المناسبة بغير المساس بالطابع التراثى المميز لها.
  الأخذ فى الإعتبارات العوامل البيئية والإجتماعية والإقتصادية والسيكلوجية أيضاً للسكان وللمواد المستخدمة من ناحية ملائمتها للبيئة أو للإقتصاد وذلك فى المناطق الجديدة المراد التخطيط لها لإنشاء مدن جديدة.

وهناك نماذج كثيرة ومحاولات عديدة لتحقيق القيم التراثية الأصيلة فى العمارة الحديثة فى المشرق العربى، فعلى سبيل المثال:

أولاً:المبانى

سواء على صعيد المكونات والتوزيع الداخلى ونواحى الشكل الخارجى للمساكن والمنشآت أو من الناحية التكنكية للبناء كإستخدام القباب والمشربيات أو من الإستفادة الطبيعية كأنظمة التبريد الطبيعى للمنازل كملاقف الهواء، كل ذلك ينصب فى الأهداف الرئيسية من أجل الوصول إلى الغايات المنشودة وهى:

 مواجهة الضروريات والمستلزمات للسكن ومبانى الإدارة الحديثة من خلال ومضمون العمارة التراثية الأصيلة.
 إستخدام الوسائل والمواد المتوافرة والتى من خلالها يمكن إظهار العمارة التراثية دون اللجوء إلى المواد المرتفعة ثمناً وذلك مرآعاة للظروف الإقتصادية لمعظم السكان.
 مواجهة التشريعات واللوائح والقوانين الحالية حتى لا تكون عائقاً يستحيل من خلاله تحقيق تلك الأهداف.
  الحفاظ على العمارة التراثية فى المناطق المحددة كمناطق آثار وذلك لأهميتها التاريخية والثقافية والحضارية والسياحية.

ومن تلك المحاولات توجد بعض النماذج فى مناطق مختلفة من المشرق العربى فى القاهرة والكويت والرياض وجدة وغزة على سبيل المثال.

ثانياً: تخطيط المدن:

وعلى صعيد تخطيط المدن فإن هناك محاولات لتحقيق الأهداف المرجوة فى الوصول إلى أحياء ومدن ذات طابع تراثى أصيل فى المناطق الجديدة والذى من خلال ذلك تطمح فى تحقيق الغايات المنشودة من خلال تطبيقها وتقيدها لمجموعة من المواصفات والشروط عبر:
 الحفاظ على المدن التراثية وترميم الضرورى منها بالإستعانة بالخبرات المحلية المدربة:
 مساعدة أصحاب المبانى فى إعادة تغيير واجهات المبانى الحديثة لتتلائم مع الأهداف وذلك عن طريق إستخدام المشربيات على الشبابيك وإستخدام اللون الأبيض للواجهات وأمور فنية أخرى.

 إعطاء روسومات طبيعية وأشكال هندسية (أرابسك) للمدن.

  إعطاء الرخص والتسهيلات للمنشآت الحديثة فقط لمن يقوم بتطبيق الشروط لتحقيق الخصائص التراثية سواء فى الشكل العام أو فى التوزيعات والمكونات الداخلية قدر الإمكان ومنح الحوافز للمنشأة التى تحقق أكبر قدر من تلك القيم.
  تغيير نسب الإرتفاعات بالنسبة لعروض الشوارع،وذلك للتقليل من إرتفاعات المبانى (كما حدث فى المخطط الهيكلى لمدينة غزة).
  نشر الكتب والمقالات التى تساعد وتشجع تخطيط العمارة التراثية الأصيلة فى المناطق الجديدة المراد إنشاؤها سواء للقطاع العام أو الخاص على حد سواء.

المراجع العربية للجزىء الأول

1- مركز التخطيط والدراسات المعمارية....(جامعة الأمم المتحدة).
2- المنظور التاريخى للعمارة فى المشرق العربى.
د.عبد الباقى إبراهيم، د. حازم إبراهيم
3- تاريخ سوريا-لبنان-فلسطين...الجزىء الأول بيروت1972
4- تاريخ الشعوب الإسلامية مؤلف: كارل بروكمان
ترجمة:نبيه فارس , منير بعلبكى بيروت 1977.
5- المدن فى العربية السعودية د.حازم إبراهيم، د.عمر القاضى 1981.
6- العمارة الإسلامية فى مصر د. كمال الدرسامى 1977.
7- الفن الإسلامى د.عبد الرحمن زكى 1984.
8- العمارة الإنسانية د.حسن فتحى

المراجع الأجنبية:

- Buildings in hot climates. Saini B.S New york.
- Shetter in Saudi Arabia. Talib Kaizer London 84
- The Kingdom of Saudi Arabia. London 1977
- The Arab House in the Urban Setting. H. F.
- Costruire Con La gente. Hassan Fathy
- Spazio e Socita Rivista. Marzo 1982 N 17 Dicembre 1983 N 24
- Storia dell Urbanistica il mondo islamico.Cuneo. P Bari 1986
- La citta Islamica. Fusaro. F 1984
- Edilizia Popolare Costrure con Le tecnologia. Maggio 1977 N 136
- Le meraviglie della archetettura in terra cruda. Galdierc Bari 1982
-Progettare con il chima. edizione muzio Padova 1981

المراجع العربية للجزء الثانى

1- تاريخ غزة. عاف العارف القدس 1942
2- غزة من الفتوحات الإسلامية حتى الإمبراطورية العثمانية
إبراهيم سكيك غزة
3- التاريخ السياسى، الدينى، الثقافى، والإجتماعى للإسلام.
د. حسن إبراهيم حسن القاهرة 1968
4- الفتوحات الإسلامية (الجزء الأول)
د.أحمد زين العابدين القاهرة 1968
5- جغرافيا المدن
د.جمال حمدان القاهرة
6- القيم الجمالية فى العمارة الإسلامية
د.ثروت عكاشة القاهرة 1981
7- الآثار فى فلسطين تأليف وليم أولبرايت
ترجمة: زكى إسكندر، محمد عبد القادر محمد القاهرة 1971
8- سبل معرفة بلاد الملوك (الجزء الأول)
المقريزى القاهرة 1957
9- تاريخ فلسطين
عمر برغوتى، خليل طوطح
10- تحف أجدادنا فى غزة
الشيخ عثمان طابة غزة 1943
11. أرشيف وزارة التخطيط الفلسطينية.

المراجع الأجنبية:

1- M.A. Meyel : Histoly of the city of Gaza. New York 1960
2- Condor and H. Kitchener : Survey of western Palestin. Jerusalem 1970
3- G. dawney ;Gaza in the early sixth century. Universty of acklahama 1963
4- Archetettura delle crociate in palestina; Santino lange 1965


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى