الأربعاء ١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٤
من رحلات أديب القصة المصرية الكبير محمود البدوي
بقلم علي عبد اللطيف, ليلى محمود البدوي

الصـين سـنة ١٩٥٧

فى نهاية عام ١٩٥٧ سافر محمود البدوى فى بعثة ثقافية إلى الصين وتضم نخبة من أساتذة الجامعات ورجال التعليم فى مصر .

وهبطت الطائرة أرض مطار " هاى تاك " فى الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة الموافق ٢٥|١٠|١٩٥٧ .. ويقول "لم تفتح لنا حقيبة واحدة فى الجمرك ولم نلاق أية مشقة ، وكانت الموظفة المكلفة بالمراقبة الصحية أنيقة وجميلة وترتدى ثوبا أنصع وأشد بياضا من وجهها ، نظرت إلى الاوراق الصحية ثم تركتنا نمر بابتسامة مشرقة إلى بوليس الجوازات ، وبعد ثلاث دقائق كنا خارج المطار " .

وخرج البدوى منشرح الصدر ، نشطا من حسن الاستقبال ، وحينما وضع قدمه فى المدينة شعر بالراحة ، وأحس بجاذبية وحرية استراح لها ، وأقام فى فندق " بنسيولا " بكاولون وهو على مبعدة أربعة أميال من المطار .

خرج يتجول فى المدينة ويود فى فترة وجوده أن يشبع منها ويحس بالاكتفاء ، ومشى وغاص فيها وهو شبه حالم ، ونسى تعبه ، وعبر الخليج إلى هونج كونج فى رحلة ممتعة تحت أجمل مناظر البر والبحر .
وفى شوارعها وجد جميع أجناس الأرض من البشر .. الصينى والهندى واليمنى والباكستانى والأرمنى واليونانى والإنجليزى والأمريكى .. والعيون مفتوحة وزائغة من كثرة البضائع المعروضة ورخص أثمانها وتنوع أشكالها ، وكانت تعترضه عربات الركشا بعد كل خطوة ويرفض الركوب ويشعر بالامتعاض من ركوب عربة يجرها الإنسان ، وحينما يشعر بالتعب يستريح فى مشرب على الطريق أو فى أى مكان يستطيع أن يشاهد منه العابرين .

قضى البدوى مدة فى قلب هذه المدينة ليكتشف أسرارها ما استطاع .

وفى جولة إلى تلال هونج كونج ركب الترام الكهربى الصـاعد ورأى من شاهق أجمل المناظر .. ويقول " إذا ذهبت هناك فى الليل فستقف مبهورا وأنت تعجب لكل ما صنع الإنسان ، وإذا ذهبت فى النهار ، ستعتمد على السياج الحديدى فى البرج وتسبح عيناك فى بحر من الجمال ليس له أول ولا آخر ، وستلعن معى كل الذين يثيرون الحروب فى العالم وكل الذين يشوهون جمال الطبيعة وجمال الإنسان .

وفى بكين القى عدة محاضرات فى النادى الدولى عن الأدب المصرى والصحافة المصرية والقصة ، وقدمت اليه عدة أسئلة من طلبة جامعة بكين " القسم الشرقى " وكان يترجم المحاضرات أحد أساتذة الجامعة . " من مقدمة كتاب محمود البدوى " قصص من هونج كونج ".. تقديم على عبد اللطيف وليلى محمود البدوى .. الناشر مكتبة مصر بالفجالة ٢٠٠١ "
ويقول البدوى بعد عودته من رحلته التى قام بها الى الصين واليابان والهند فى كتاب " مدينة الأحلام " الصادر عن الدار القومية للطباعة والنشر ١٩٦٣ :

"لقد ركبت البحر وأنا شاب فى العشرين ، ورأيت اوربا بعين الشباب وقلبه ، وهأنذا اركب الطائرة بعد الأربعين لأرى الشرق ، لأرى الهند والصين واليابان .

لقد رأيت الفضيلة فى الصين ، والشرف ، وسماحة الأخلاق ، والابتسامة المضيئة على الشفاة ، والنظام والعمل ، ورأيت السرعة وقوة الصناعة ، والحضارة الدافقة والجمال الآسر فى اليابان . والاستعمار الذى لا مظهر له والذى تميته قوة الشعب وحيويته .

ورأيت فى الهند الشعب الذى ينفض عنه الغبار ويتحرك ببطء ، ولكنه سيصل حتما إلى بغيته لأنه يحس بحريته وأصبح يعيش .

ورأيت النظافة فى كل هذه البلاد والنظام وسماحة الطبع والتـعاون ، ولم أر معركة واحدة فى الطريق ولا مشاجرة عابرة .

وجلت فى كل الأحياء ، فلم أسمع كلمة نابية ولا لفظة تحمر لها الخدود ، ولم أر شابا يطارد فتاة ، أو يريها ميوعته وخنوعته .

لقد رأيت الجمال فى الطبيعة وفى الإنسان ، ورأيت الحضارة العريقة والصناعة الحديثة .

ورأيت الآثار الخالدة والقصور الشامخة والمساجد والقباب التى لايستطيع أن يشيد مثلها انسان .

ولقد رحلت وأنا أحمل معى كل أخطائى كبشر ، ولكننى كنت أسمو فى كل الحالات عن كل دنس .

وفى ديسمبر من عام ١٩٧٤ .. يقول البدوى " عندما زرت أوربا والهند والصين واليابان ، لم أكن أفكر مطلقا فى كتابة قصص عن هذه البلاد . ولكنى وجدت نفسى وأنا فى اسطمبول وبوخارست وهونج كونج وشنغهاى وطوكيو ، فى حالة انفعال ، ويزخر رأسى بمئات الأحداث الصغيرة والكبيرة ، فكان لا بد أن أخرج هذه المادة على الورق ، ومع أنه قد مضى على هذه الرحلات أكثر من عشر سنين ، إلا أن صور هذه المدن وما قابلته فيها من شخصيات ، وما واجهته من أحداث تلهمنى الكتابة حتى الآن "

زار البدوى الصين أكثر من مرة ، زارها كأديب ومفكر ، وقدم المدينة التى أعجب وافتتن بها فى صورة قصص قصيرة ، وكتب عدة مقالات نشرها فى مجلة الجيل المصرية عام ١٩٥٨ وأعاد نشرها فى كتاب " مدينة الأحلام " الذى صدر عن الدار القومية للطباعة والنشر ١٩٦٣.

كتب ستة عشرة قصة استوحاها من تلك المدينة ، وأول قصة نشرت تحت اسم " التنين " فى صحيفة الشعب المصرية فى ٢٠|٣|١٩٥٨ وآخر قصة نشرت تحت اسم " الفقير " فى صحيفة مايو المصرية على عددين بتاريخى ٢٤ و٣١|١|١٩٨٣ وأعيد نشرها بمجموعة " قصص من هونج كونج " من تقديم على عبد اللطيف وليلى محمود البدوى .. الناشر مكتبة مصر ٢٠٠١ " .

تعريف بالقاص محمود البدوى

• قاص مصرى هو رائد القصة القصيرة فى مصر والعالم العربى .
• ولد فى إحدى قرى صعيد مصر " قرية الأكراد – مركز أبنوب – محافظة أسيوط " فى الرابع من شهر ديسمبر سنة 1908 وتوفى فى الثانى عشر من شهر فبراير سنة ١٩٨٦

• الكاتب العربى الوحيد الذى تقابل مع العالم النفسى الشهير " سيجموند فرويد " فى النمسا أثناء زيارته لها فى سنة ١٩٣٤ والتصق به فترة غير قصيرة ." كتاب محمود البدوى والقصة القصيرة .. للكاتب على عبد اللطيف .. الناشر مكتبة مصر ٢٠٠١

• صور بعض قصصه خلال رحلاته إلى أوربا واليونان وتركيا ورومانيا والمجر والهند والصين وهونج كونج واليابان وبانكوك وروسيا والدنمرك وسوريا والجزائر ، وهى البلاد التى حركت مشاعره وأثر أهلها فى عقله ووجدانه .

• انعكس أثر هذه الأسفار عليه ككاتب يؤمن بالإنسان ويهتم به فى كل بقاع الأرض ، وصوره فى كتاباته .
• أطلق عليه بعض النقاد والأدباء لقب " تشيكوف القصة المصرية " ولقب " تشيكوف العرب " ولقب " راهب القصة القصيرة وفارسها ".

• منح جوائز الدولة المصرية " الجدارة فى الفنون سنة ١٩٧٨ " و " التقديرية فى الآداب 1986 " ومنح اسمه بعد وفاته " وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى "

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى