الاثنين ٧ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
بقلم خالد المواجدة

بوحُ القُرى...سيمفونيةٍ عَدوانيةٍ بامتياز

تعليقاً على عمل جديد بعنوان: بوح القرى للروائي الأردني مفلح العَدوان...ويلاحظ في النص استخدام الكاتب لكثير من ألألفاظ الدارجة في الأردن

بوح القرى، عمل رائع يأخذك بعيداً إلى ذكرياتٍ ومشاهد عاشها البعض، وحُرم منها البعض الآخر، هو عمل إبداعي يمزج بين كبرياء عِقالٍ كركي يتكئُ على جبينٍ أسمرَ، وأصالة بلقاوية مزنّرةٍ بشماغٍ أردني.

هو إبداعٌ يأخذك بعيداً إلى عوالم الجزئيات، لدرجة تتخيل نفسك معها جزءاً من المشهد، فأنت حين تقرأه تتنفس ملء رئتيك عبق شيح السلط، ورائحة حصى الغور المعمّدِ بمياه نهر الأردن، وتقف على لحظة اندماج بين قطرة مطر وزعترٍ جنوبي من جبال الشرّاة، وعمل يُسمعك "قرطَ المناجلِ" في سهل قمحٍ إربدي، أو " هَضْلَ نِجْرٍ" عند بني صخر، أو سامرٍ مسائيٍّ في وادي القمر، تفترش فيه لآلئ رم، في بيت شعر حويطي، ليلة اكتمال البدر، ويصور لك وجهاً عجلونياً صبوحاً بغمّازتين وعين خَجْلى، أو سيّالاتٍ نقشت بدقة على خدود جدة من بني حسن.

بوح القرى، يفتح لك بهدوء شديد، مشاهد كانت تقتصر على من فيها، بعيداً عن الضوضاء والإبهار، فتعيش في عالم "الفانتازيا الملائكية الأردنية" وأنت تترجل من فوق سرج قصة، لتعتلي هضبة حكاية، ثم لترتقي لتجلس في بيت شعر في أوائل نيسان، محاطاً بالواسط والرّفّة والشِقّ والمْحَرمْ، تعلّلكَ خيوط شمس تتدفق بفوضى من بين شقوق رواقه، ويتنقل بك بين صهيل حصان مربوط بِمِقْدِم البيت، وثغاء حمل رضيع ينتظر أمه على الجهة اليمنى، وعزف " صاجٍ" كَحّلّ جسده النحيلُ كثرة الضيفان.

بوح القرى، مشهد سينمائي جميل من مشاهد هذا الوطن، استطاع فيه "المخرج" مفلح العدوان، أن ينقل للرائي بتناهٍ شديد تفاصيل تواقيع الزمن في وجه جدتي "دْهَمَهْ"، واستطاع أن ينقل لنا حفيف لمسات أصابع آبائنا الخشنة، في سيمفونية تعزفها قطرات ماءٍ تتسلل خلسة من بين شقوق صخرة حُبلى بالماء الزلال في وادي الموجب، وبنفس المهارة، استطاع أن ينقل لنا طعم زفرةِ " وَلَهٍٍ" تعتقت في صدر عاشقة لم تكمل عشرينيتها، وهي تنتظر إجازة خطيبها الذي يخدم في كتيبةٍ عسكرية.

هذا الإبداع العَدواني، يتيح لك أن تستمع لنمر بن عدوان وهو يحدثك في ذروة تجلي عن " غليونه" وعن بنات نابلس، ووضحى السبيلة، أو يعدد لك مزايا بندقيته " القَنْصَلِةْ " وقصص عشقه التي لم تُروَ لأحد، ثم تطيحُ برأسكَ سكرةُ "طرقوع لبن" من "جودٍ" أراحته وضحى في ظل صخرة قريبة، ومددته برفق فوق سيقان نبتة برية معطرة.

أخيراً وأولاً، بوح القرى مشهد أردني محض حتى نخاع الأصالة، تتجلى فيه عالياً عظمة آباء وأجداد، لو أنصفناهم لصنعنا لكل واحد منهم تمثالاً من ذهب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى