الجمعة ١١ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
رغم الفوارق النفسية والعضوية بينهما

دور المرأة في المجتمع

بقلم: سيد صباح بهبهاني

(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) آل عمران /195

وتؤكد هذه الآية الكريمة على دور المرأة في المجتمع منذ انطلاقته الأولى ودورها في الحياة وتحمل مسؤوليّتها في بناء الحضارة الإنسانية وإذ كانت المرأة في مجتمع الجاهلية كما مهملا يرزح تحت قيم العار والدونية.. فإنها عادت في مجتمع الإسلام شخصية تكون في معراجها القدوة ولأسوة لسائر المؤمنين.. وشهد التاريخ الإسلامي أدوار هامة لشخصيات نسائية بارزة كأمهات المؤمنين..وسيدة النساء والسيدة (سمية) أم الصحابي الجليل عمار بن ياسر.. قتلها قائد الشرك والرجعية..فقد دفعت حياتها ثمنا لمبادئ الرسالة الإسلامية حين بدأت المواجهة بين الإرهاب والطاغوت.. بين محمد (ص) والمستضعفين والعبيد الذين وجدوا في رسالة الإسلام المنقذ لحقوق الإنسان.. والمحرر من الجهل واستعباد الإنسان لأخيه الإنسان. وكما سارع العديد من النساء المستضعفات لتصديق النبي (ص) في بدأ دعوته.. وتحملن الأذى والتعذيب والاضطهاد..فهاجرن إلى الحبشة وإلى المدينة المنورة.. ونصرن الله ورسوله (ص) بكل ما أوتين من قوة.وتتألق شخصية المرأة الصالحة حين نطل على المشهد المحيط بالشهداء من تصوير القرآن.. وإخباره عنه بقوله تعالى : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).الزمر/69

إن المرأة المسلمة لماّ تكتشف مكانتها الحقيقية في الإسلام بعد..وانّ الرّجل المسلم لماّ يعرف مكانة المرأة في الإسلام على حقيقتها أيضا.. لذا أختل ميزان التعامل والعلاقة.. الذي لا يستقر إلّا بالعودة إلى مبادئ القرآن ليعرف كلّ منهم حقهّ ومكانته ومسؤوليّة تجاه الآخر وعلاقته به.

وإن المرأة اللاّهثة وراء سراب الحضارة المادية الذي يخفي وراءه مستنقع السقوط والاضطهاد للمرأة.. لو عرفت ما لها في الإسلام من قيمة وحق وتقدير لما نادت إلاّ بالإسلام..ولعرفت أنّ المنقذ لكرامة المرأة وحقها هي مبادئ القرآن..والقانون المستنبط من القرآن الكريم والسنة المطهرة لتنظيم المجتمع الإسلامي وفق الرؤية والقاصد الإسلامية لتكوين معالجته قائمة على أسس علمية..لا برى المتطرفين الجدد بوقاتهم القلندرية وأفكارهم التي بعيدة عن الفكر الإنساني المشاعر الإنسانية بأجمعها وكما في صحيح البخاري (رضوان الله عليه) /كتاب الأدب /باب (27) كما عبر عنها الحديث النبوي الشريف بنصه : ((ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جيده بالسهر والحمى))..وهذه هي السلوكية العلمية في العلاقة الإنسانية جميعها.. تمتد آثارها من البناء إلى الإصلاح والحفاظ على البنية الاجتماعية لذا نجد القرآن الكريم يوضح هذه الرابطة بقوله : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) التوبة /71 والآية المباركة تثبت مبدأ الولاء بين المؤمنين والمؤمنات بالله سبحانه ورسالته وتثبيت قاعدة فكرية ونفسية من أقوى قواعد البناء الاجتماعي.. وفي هذه الرابطة تدخل المرأة عنصرا أساسا مشخصا في الآية الكريمة..تدخل في دائرة الولاء، وتتحمل مسؤولية البناء والتغير والإصلاح الاجتماعي..كما يتحمل الرجل بشكل متعادل..ويظهر ذلك جلياّ واضحا في النص القرآني الآنف الذكر. وبذأ تحتل المرأة الموقع ذاته في هيكلية البنية الاجتماعية وتحمل المسؤولية من خلال رابطة الولاء للأفراد والمجتمع..والتي تحملهم السّلطة العامة فيه على احترامها، ولو بالقوة عند الضرورة لمتطلبات الفرد والجماعة.وانه من الطبيعي أن تختلف تبعا لذلك الوظيفة الاجتماعية للمرأة عن وظيفة الرجل ’. لذا فانّ استقامة الحياة الاجتماعية تحتاج إلى أن يحافظ كل من الرجل والمرأة على انتمائه الجنسي فتحافظ المرأة على أنوثتها..ويحافظ الرجل على رجولته..وتشير الدراسات العلمية إلى أن الهرمونات التي تفرزها الغدد الصماء تساهم في تكوين الفروق النفسية والسلوكية بين الرجل والمرأة كما يساهم الجهاز العصبي.

ولقد وضح القرآن الحكيم الفارق التكويني بين الجنسين الذي تبنى عليه الفوارق الوظيفية كما بين المشتركات التكوينية بين الجنسين أيضا قال تعالى في سورة النساء /32 : (وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا). وأكدت السنة أن مظاهر التكامل في شخصية كل من الرجل والمرأة ترتبط بتركيز الخصائص النوعية لدى كل منهما ومحافظته عليها واعتزازه بها ’. لذلك نهت السنة عن أن يتشبه أفراد الجنس الأُنثوي بالرجال.. كما نهت الرجل عن ذلك.. وتفيد الدراسات النفسية والتجارب التي أجريت على بعض حالات الانحراف النفسي عند الجنسين..أن ميل بعض الذكور إلى التشبه بالإُناث.. وميل بعض الإُناث إلى التشبه بالذكور..هو حالة انحرافية..وأن هذه الحالة يمكن السيطرة عليها ومعالجتها بالتربية والإجراءات الاجتماعية وإعادة تنظيم شخصيتهما..وقد جاء في الحديث الشريف النهي والزجر العنيف واللعن لهذا الصنف من الناس في صحيح البخاري ج7/ص55..قال: ابن عباس قال : ((لعن رسول الله (ص) المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال)). وروي عن الإمام الصادق (ع) , عن رسول الله (ص) قوله: ((كان رسول الله يزجر الرجل أن يتشبه بالنساء , وينهي المرأة أن تتشبه بالرجال في لباسها)). وأن تشخيص تلك الفوارق يترتب عليه التسليم العلمي بالفارق الوظيفي في بعض المجالات والتكاليف الحيوية التي كاف بها من الرجل والمرأة..وتأسيساً على ذلك تتحدد الفوارق والمشتركات في الوظيفة الاجتماعية. وإنّ السياسة في الفكر الإسلامي تعني شؤون الجامعة في مجالاتها الحيوية كافة وقيادة مسيرتها في طريق الإسلام..لذا فهي مسؤولية اجتماعية عامة..كلف بها جميعا. وتلك المسؤولية هي في مصطلح العلماء واجب كفائي.. فيه الأمر والخطاب لعموم المسلمين.

بغض النظر عن كونهم رجالاً ونساءً إلاّ ما ورد من استثناء..مثل قوله تعالى : (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ).الشورى/13) ومثل قوله تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ). النور/55) وقوله : (وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ).النساء 59) وفي كل تلك الآيات يتوجه الخطاب فيها إلى عموم الجامعة رجالاً ونساءً..فإقامة الدين بعقيدته وبكامل أنظمته السياسية والاجتماعية والتعّبدية....الخ هي مسؤولية الجميع..وخطاب الطاعة لأُولي الأمر الورد في الآية التي تحدثت عن الطاعة هو متوجه إلى جميع المكلفين.. والوعد بالاستخلاف متوجه إلى كل الذين آمنوا وعملوا الصالحات رجالاً ونساءً..وقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) الممتحنة/12).ممارسة عملية ودليل قرآني نفذه الرسول (ص) في حياته التبليغة والسياسية على قبول بيعة المرأة لولي الأمر بل ووجوبها..فانّ البيعة في هذه الآية هي بيعة طاعة لولي الأمر.. على الالتزام بأحكام الشريعة وقوانينها.. والإقرار بولايته.. وتمثل البيعة أبرز مصاديق الحقوق السياسية في المجتمع الإنساني.

ولعل من أوضح الأدلة على دور المرأة السياسي وحقوقها السياسية في الإسلام..ما جاء في آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..وآيات الولاية والولاء العامة الدلالة والشاملة للرجال والنساء.ومن هذه الأُسس القرآنية نفهم أن الحياة السياسية مفتوحة أمام المرأة في الإسلام..كما هي مفتوحة أمام الرجل..وعلى المستويين ـ الواجب العيني والكفائي ـ أو إباحة المشاركة في الحياة السياسية بكل ونستطيع أن نورد مثلاً علمياً لحقوق المرأة السياسية في الإسلام..هو مشاركة المرأة الفعلية في الحياة السياسية في كثير من البلدان الإسلامية والعربية والعالم..وهذا حقها المطلوب في شرع الله والإنسانية فليس أمام المرأة إلاّ أن تطالب بحقها كما حمله القرآن إليها..وتلتزم بواجبها كما حدده القرآن لها. كأم وبنت وزوجة.وفرد له حق الولاء والحبّ في المجتمع والطهر والصلاح. بعد أن جربت مرارة العيش في متاهات الحياة الغريزية المبتذلة في عصر الجاهلية والمخلفين الإعراب والمجوس وغيرها من حضارات هدته الرسالة الخالدة..وإنشاء الله يكون للمرأة منزلتها الرفيعة عندكم.

بقلم: سيد صباح بهبهاني

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى