الأحد ١٣ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
بقلم أسامة عبد العزيز جاب الله

خطابُ النصّ ونَصيّة الخطابِ

مُدْخَل للتّلقّي والقِرَاءَة

لكل نص شفرة أوشفرات تميِّزه عن غيره من النصوص، وتكون بمثابة المفتاح للوصول إلى مكامن إبداعه، ثمّ الآلية المساعدة على فعْل الاتساق مع هيئته التي ظهر عليها، بما يجعله نصًّا له مميزاته الإبداعية والتأثيرية، وخروجه من دائرة (المُبْدِع بالفعل ) إلى دائرة أخرى تتمثل في وصوله إلى يد المتلقي (المُبْدِع بالقوة).

ودوران النصّ في دائرة الإبداع المتواصل بدءا من ( النّاصّ الأول ) إلى موجات أخرى من الإبداع المتراكب من خلال إبداعات القراءة، وإنتاجات التلقي، ما هوإلا فقرة في السيرة الذاتية لأي نص، ذلك لأنّ هذا الدوران هوما يمنح النص صفتي السيرورة والصيرورة معًا، ليكتسب النص في رحلته الدءوبة ملكة الثراء ومن ثمّ التأثير.

كما أنّ تبادل الأدوار بين الناصّ والمنصوص له ليصبح الفاعل مفعولاً به، والمفعول به فاعلاً، هوما يُدْخِل النصّ في دائرة أخرى من تماهي الأدوار، وتشبّع النص بنصوص مضافة تُكوّن ما يشبه الحفريات المعرفية ( بتعبير فوكو) التي تتراكم معًا في طبقات إبداعية لتَخْلق من النص منظومة متكاملة مفرداتها:

* ما قبل النص ــــــــــــ النص الغائب.
* النصّ ــــــــــــــــــــــــ إبداع ( النّاصّ )؛ الإنتاج البدائي.
* ما بعد النصّ ـــــــــــ إبداع ( المنصوص له )، إنتاج القراءة.
* تراكب القراءات، وأركولوجية المعرفة.
* نصية القراءات.
* خطاب النصّ.

هذه المنظومة الإبداعية هي بالضرورة ما يمنح النص صفة ( النصيّة ).

وبهذا نجد أنفسنا أمام ( خطاب النص ) عند ممارسة فعل القراءة - غير البريئة دوماً بتعبير بارت- هذا الخطاب الذي يتشكل في بنياته الداخلية من عوامل تميّز النص، لأنّ هذا النص لم ينشأ ( في ) فراغ أو( من ) فراغ، فالتحديد بـ( من ) أوبـ( في ) مهمّ لتحديد زاوية الرؤية لهذا النص، ومن ثمّ تشكّل الرؤيا الخاصة بهذه الرؤية.

كما أنّ الخامات الإبداعية لهذا النصّ تضَامت معًا لتشكيل هذه المنظومة.

وعلى هذا فإنّ مداخل القراءات النصية بأنواعها ما هي إلا حيَل فكرية للولوج إلى رحاب هذا الخطاب النصي للوقوف على ممكناته الإبداعية، وبنياته الجمالية، بغية ممارسة لذة ( الاستكشاف ) أولاً، ثمّ محاولات ( الكشف ) ثانيًا.

وهذه القراءات التي تغازل فعل ( البَوْح ) الإبداعي في جانب النصّ الذي يستعصي مختارًا عليها أملاً في العثور على ضَالته المنشودة ؛ القارئ الخبير القادر على امتطاء صهوة النصّ، وتوجيه ممكناته البنائية نحوفعل ( البَوْح ). وهذا القارئ الخبير يُفْتَرَض به وفيه التسلّح بانزياحات المعرفة، وتضامات اللغة في استنطقاتها الجمالية، إذ إنّ فاقد الشيء لا يعطيه.

تُرى !! هل ممارسة فعل ( القراءة ) التالي لفعل ( التلقي ) هوالمفتاح الصحيح للقبض على جمر الخطاب النصيّ، والتمتع بلذة الاكتواء بنار جمالياته ؟!

تُرَى !! هل يُصبح التناص النصيّ رافدًا إبداعيًا مساعداً لبلوغ خطاب النص، أم يصبح التناص بذاته نهراً للخطابات النصية ؟!

إنّ إبداع النصّ بمراحله المختلفة ما هوإلاّ حلقة في منظومة الوصول إلى ساحة خطاب هذا النصّ، فالنص ما هوإلّا الحجر المُلْقَى في الماء الراكد، وما الخطاب النصي إلّا كل الدوائر التي أحدثها فعل إلقاء هذا الحجر في هذا الماء.

إنّ خطاب النص - وليس خطاب النصوص - هوتلك المنظومة التي يمكن من خلالها إدراك إبداعية الكثير من النصوص المُفْرَدَة التي تُشَكِّل في إفرادها وتفرّدها ذاتاً إبداعية خاصة، وحالة من حالات التلاشي الإبداعي في فضاء الوعي اللانهائي، أوالوعي / العدم الذي هوسماء كلّ ( ناصّ ).

ثمّ إنّ هذه الخطابات النصية تتلاقى معًا في منظومة أكبر على مستوى التشكيل النصيّ لتتضامّ جميعًا في وحدة متّسقة تتميّز بالانسجام، ويمكننا أن نطلق عليها حينئذ ( نصّ الخطاب )، لكنه ليس إبداعاً من عدم مطلق، بل هوإبداع فوق الإبداع، وتلقّي فوق مستوى التلقيات، وقراءة على القراءات تتطلب عندئذ الولوج بحق إلى ساحة التأويل.

وعلى هذا فإنّ هذه المقاربة تحاول أن تطرح ما يشبه الآلية للتعامل مع النصوص قراءة وتلقياً من خلال:

* الوقوف على خطاب النص أولاً، ثمّ الإبحار في فضاء أرحب مع نصية هذه الخطابات، رغبة في القبض على ممكنات النصّ، ومحدداته الإبداعية.

* التعامل مع إمكانات النصّ القابلة لاستحداث أنماط قراءة تكون مدخلاً لنص جديد هو( خطاب النص ) الذي يضع القارئ أمام بنية جديدة تكاملت مفرداتها وتضامت معاً لأنها في ذاتها ( نصّ وناصّ ومنصوص له لا نهائي التحديد ).

مُدْخَل للتّلقّي والقِرَاءَة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى