الخميس ٨ أيار (مايو) ٢٠٠٨
بقلم صبحي فحماوي

دير ياسين

9 نيسان 1948- في سكون الفجر الصامت، وقبل تبدد الظلام، هجموا على قرية (دير ياسين)، جيش منظم، بزّات عسكرية، وعصابات مدرّبة، بقيادة منحيم بيغن لعصابة الإرغون تسفاي لئومي، وعصابتي شتيرن، والهاجاناة، فحاصروها من جميع الجهات، قرية مسالمة نائمة - يا غافل، لك الله! - وراحت أحذية المجندين الغليظة تخلع أبواب البيوت الريفية الخشبية التقليدية الواهنة، ومواسير البنادق الرشاشة، تطلق زخات الرصاص أينما تشاهد حركة، أو تململ نائم لمعرفة ما يجري، أو قفزة صاحب بيت لحماية أطفاله وزوجته، أو استعداد شاب للمقاومة.. طُررررررررررررر فقتلوا كل رجالها وأطفالها الغافلين المسالمين، وجمعوا النساء في وسط البلد، وعرّوا الصبايا من ملابسهن، كما خلقتني يا ربي! وعند جدار في دير ياسين، جمعوا الحوامل منهن، وأمروهن تحت تهديد البنادق بالتعري التام! وكانوا يتباحثون، ويتغزلون بهن بهدوء، وبأحاسيس جمالية، ونظرات فنية، وتقييم نفسي فلسفي واجتماعي. كان القائد يُعلِّمهم التصرف بهدوء مع الضحية..

"لا تتشنج ضد الضحية"!
"لا تغضب عليهم "
"لا تفرح معهم"
"لا تتفاعل معهم"
" لا تزعل منهم "
"لا تحقد عليهم "
"لا تشتمهم "
"لا تتعاطف معهم "
"لا تفتح معهم حواراً"
"تصرف بهدوء وببساطة"!

"لا تلتفت ولا تحدق في مشهد القتل، فالقتل حقيقة كالشمس، ولكن من يحدق في الشمس، يصاب بالعمى"! هكذا كان قائدهم يعلمهم، فيمتثلون لتعاليمه!"

اقتلوهم ببراءة، تماماً كما تذبحون خروفاً باسم الله! اذبحوهم باسم الرب، الرب أباح لنا هذه الأرض، وكل ما عليها، وحتى لغة أصحابها، فالعبرية من العربية، والرب أباح لنا هذا الذبح! صحيح إنهم أرواح، ولكن مثل أرواح الخراف المخصصة للذبح! والتي لا يجوز دينياً أن نقول: ذبح الخروف حرام! وحلّلنا لكم..". ولذلك كان المجندون يتحركون ويتصرفون بهدوء، وكأنهم لم يشاهدوا شيئا من هول الموقف!

"هذه المُعرّاة إلى جواري، عيناها سوداوان، رائعتا الجمال"! يقول مجند نحيل الجسد.
" وتلك الحامل".يضيف زميله السمين مثل ثور هائج "بطنها مكوّر، فيه إثارة جنسية"!
"وهذه".يضيف ولد ضاحك. "فخذاها ممتلئان"! ويشير مقاتل أشيب الشعر بسونكي بندقيته الرشاشة نحو إحدى المعرّيات قائلاً:

" وتلك.. اليتها مربربة"! فيضحك مقاتل أصلع، تهتز حول أذنيه شعيرات شقراء طويلة وهو يقول:
" وهذه التي تخفي بيديها، حلمتي نهديها وفرجها، يبدو أنها قد نتفت شعرعانتها هذه الليلة "!... كان كلٌّ منهم يتحدث لزميله بهدوء، ويتضاحكون بأصوات عالية، ليبددوا رهبة الموقف!
" ماذا سنفعل بهن"؟ سأل أحد المغاوير.

"خيراً، أخت كريمة! وابنة أخ كريم"! قال القائد، وهو طويل نحيل الجسم، يلبس نظارات طبية، مقطب الجبين، ساخط على الدنيا كلها، وكأنه يحمل بين حاجبيه كل كبت يهود العالم، منذ ثلاثة آلآف عام ونيِّف، ويلبس زي الكاكي العسكري! "ماذا تقصد "؟ سأله أحد المجندين:

"ابقروا بطونهن"، أجاب القائد، "كي لا يلدن أولاداً أو بناتاً، فيعلمن أولادهن الانتقام لمجزرة دير ياسين أوغيرها"!

امتثل المساعد لأوامره قائلاً: " حاضر سيدي"!

هكذا كانت الأوامر! تقدّم أحدهم، فبقر بطن واحدة منهن بسونكي بندقيتة، وهم يتراهنون على جنّينها بدم بارد!

" أنا أقول: إن الذي سيطلع من بطن هذه الشابة الجميلة، ذات الخدود الزهرية ولد "!

كان الرعب من قبل المعتقلات، والفزع والصراخ، والذهول والمقاومة بالأظافر، والمهاجمة بالأيدي، لاتقاء سونكي البارودة التي تبقر بطن إحدى الحوامل منهن، والتي وقعت أرضاً تحت سنابكهم! وكان الرجاء، والبكاء، والصراخ، ورفع الأيدي إلى الله! ولكن يبدو أن الله..! هكذا كانوا يتصرفون بمزاج رائق:

" أنا أقول: ستطلع بنتاً" يتوقف المجند عن بقر بطنها، ويتابع مراهنته.

"وإذا كان الذي سيطلع من بطنها ولداً، فماذا ستدفع يا غبي"؟ يتضاحك المجند الآخر، وهو يراهن زميله :

"إذا كان ولداً يا مغفل فسوف تربح دوراً آخر، سنعطيك الفرصة لافتتاح بطن امرأة أخرى من هؤلاء الجميلات العاريات، الملتصقات بالحائط ".فيجيب الزميل السائم:

"لقد كرهت الافتتاح! أنا رفضت الزواج من خطيبتي حنة، لأنها كانت غير مفتتحة، قلت في نفسي: لو كان فيها خير، لما بقيت عذراء حتى هذا العمر ". يضحك الأصلع وهو يسأله:

"كم كان عمر خطيبتك حنة "؟ فيجيب خطيب حنة بسأم:

"عشرون سنة" يتابع الزميل بأسئلته، لقضاء الوقت، بينما الوحوش تبقر بطون نساء القرية المنزوية بين الجبال "هل كانت جميلة"؟ فيجيب المدجج بالسلاح ببراءة:

كانت من عصابة الهاجاناة!

وعندما كان أحدهم يحزر، ويكسب الرهان، وتفوح رائحة الدماء والبول من الجنين المنبلج، ومن النساء اللواتي، كانوا يتصايحون مبتهجين متفاخرين بأن الذي كسب الرهان كان ذكياً! ومن كان يخسر الرِّهان، كانوا يبهدلونه مازحين: " طول عمرك فاشل "! فيجيب الفاشل بكسوف:

" أنا لست غبياً مثلك "! فيرد عليه شاب أسمر يقف في حالة تحفُّز:

"لقد خسرت الرهان لأنك كنت أحول وعيناك تتناكحان!" ويقول مجند كَثُّ الشعر، حليق الذقن والشوارب، وهو يؤشر ببندقيته:

"أنت لا تعرف كيف تفتح علبة سردين، فكيف يوكلونك بفتح بطن امرأة حامل"؟ وقال مدجج آخر، وجهه مسوّد بأصباغ:

"تعتقد نفسك طبيب نسائي يا.."!

واستمرت اللعبة، فبعضهم كان يطالب بحقه في أن يُجرِّب حظه في المرأة الأخرى، ينحر بطنها المدوّر بالسونكي، بينما هي تسقط أرضاً، فيسيطر على ذبيحته، ويتابع مهمته بالوقوف فوقها، ليبقر بطنها، ويخرج جنينها، مُغلّفاً بغشاء المشيمة، المخضب بالدماء، بينما رفاقه يتجمهرون حول الذبيحة، يدخنون سجائر تبغ إنجليزي من نوع (ثلاث خمسات 555)، ويعلكون اللبان بتكاسل، ويترقبون ويتفحصون ويتجمّعون ويتضاحكون، ويتأكدون فيما إذا كان العضو التناسلي للجنين مذكراً أم مؤنثاً.
وبعد انتهاء لعب القمار، في تلك الساحة الحمراء، المشبعة بروائح الدماء البولية والبرازية، حملوا العذارى، وغير الحوامل منهن عرايا، في ثلاث شاحنات مكشوفة على شكل جماعي، وأخذوهن في جولة سياحية، ليحتفلوا بانتصاراتهم عليهن، في الشوارع المحتلة من القدس الغربية ".

من حديث أبي هذا، لم أفهم الدوافع النفسية، والفلسفة التي سيورثونها للتاريخ، من مثل تلك الاحتفالات الصهيونية، بانتصار عدّة جيوش قادمة من الحرب العالمية الثانية، على أهالي قرية صغيرة قابعة وراء الغيمات، آمنة حالمة مغدورة، ليس لها وليُّ أمر، ولا جيش، ولا حتى خفيرُ مختار مسلّح، سوى حكومة انتداب بريطانيا العظمى المانعة للحمل!

وفي الشاحنات المكشوفة، كانت الصبايا المصابات بالهستيريا الجماعية، يتقافزن من الشاحنة المنطلقة بسرعة قصوى، كل واحدة منهن تلحق بأختها، كي يمتن طاهرات، فلا يشاهدن ذلك العار الذي ما بعده عار! كان الموت قفزاً على الطرقات، أرحم من عرض الذُلِّ والهوان في شوارع القدس الغربية!

خاف الفلسطينيون العُزل، والممنوعون من حمل الأسلحة، وهوجمت بيوتهم في حيفا ويافا وعكا، ودُحرِجت فوق طرقات حيفا الكرملية براميل كبيرة مملوءة بالمتفجرات، انطلاقاً من أعلى هدار حيفا، لتنفجر في منطقة "معبد عباس"، فتُشَعِّبُ الصراع في مدينة موحدة.. وانتشرت العصابات المسلحة بأحدث الأسلحة، فاحتلت كل المواقع، وكانوا كلما احتلوا قرية أو مدينة، قتلوا شبابها، وأمروا من بقي من كبار السن والأطفال أن يدمروا بيوتهم بأيديهم، ثم يفتحون لهم الطريق من جهة واحدة، ليهربوا باتجاه الولايات العربية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى