السبت ٣١ أيار (مايو) ٢٠٠٨
مسرحية سلطانة
بقلم جميل حمداوي

بين جودة التشخيص وخلــل تركيب المشاهد

تمهيــــــد:

قدمت جمعية الجدار الرابع للمسرح والفنون الجميلة بالمركب الثقافي بالناظور يوم الجمعة 23 مايو 2008م ضمن المهرجان الثقافي والفني لجمعية التربية والتنمية عرضا مسرحيا اجتماعيا تحت عنوان" سلطانـــة" من تأليف سعد الله عبد المجيد، وإخراج: حميد الرضواني. أما السينوغرافيا فقد تكلف بها رشيد بنسليمان، في حين اهتم عادل بنكرينة بالتقنيات المسرحية.

ومن المعروف أن مسرحية " سلطانة" مدعمة من قبل وزارة الثقافة المغربية، ومدعمة أيضا من قبل مندوبية وزارة الثقافة بالناظور. إذاً، فماهي سمات هذه المسرحية دلاليا وفنيا وجماليا؟

1/ نبذة عن جمعية الجدار الرابع للمسرح والفنون الجميلة:

تأسست جمعية الجدار الرابع للمسرح والفنون الجميلة سنة 1991م حسب الورقة التي وزعت على المثقفين الحاضرين بمدينة الناظور. هذا، وقد قامت الجمعية بإنجاز العديد من الأعمال المسرحية، وساهم فيها العديد من الفعاليات المسرحية بمدينة فاس. ومن هذه الأعمال نذكر على سبيل الخصوص:

  مسرحية " الفم المفتوح": من تأليف: إدريس مقدار، وإخراج الإدريسي محمد من لايخافي؛

  مسرحية " فالدووليز": من تأليف الكاتب الإسپاني فيرناندو أرابال، وإخراج الإدريسي محمد من لايخافي؛
  مسرحية:" حكايات فلان الفلاني وفلتان": من تأليف وإخراج: محمد الكغاط؛
  مسرحية" المرتجلة الجديدة": من تأليف وإخراج محمد الكغاط؛
  مسرحية " عمي إدريس(عمل الطفل)": من تأليف وإخراج عزيز الحسني؛
  مسرحية "عمي الكبير(عمل الطفل)": من تأليف وإخراج عزيز الحسني؛
  مسرحية " بويديدة": من تأليف كنزة البورقادي،وإخراج محسن مهتدي؛
  مسرحية " حمان الخربيطي": من تأليف وإخراج حميد الرضواني؛
  مسرحية" أولاد العربي": من تأليف وإخراج الخمار المريني؛
  مسرحية " مأساة بائع الدبس الفقير": من تأليف الكاتب السوري سعد الله ونوس، وإخراج عادل بنكرينة؛
  مسرحية " سلطانة": من تأليف سعد الله عبد المجيد، وإخراج حميد الرضواني.

و ساهمت الجمعية في العديد من الملتقيات والمهرجانات المحلية والوطنية، وتعمل جاهدة على تنشيط الحركة المسرحية داخل مدينة فاس وخارجها، وتضم الجمعية في عضويتها فنانين محترفين يعملون في الحقل الفني المسرحي. وتقوم الجمعية بتأطير مجموعة من الورشات التدريبية في المجال المسرحي وفي مختلف التخصصات.

2/ المعطيات الدلالية والمرجعية:

تندرج مسرحية" سلطانة" ضمن المسرح الاجتماعي الواقعي، حيث تعالج مجموعة من المشاكل التي يعرفها المغرب المعاصر كالتفاوت الطبقي، والصراع الاجتماعي، والتبرجز الفاحش، واستغلال الآخرين، وانتشار ظاهرة الفقر والبطالة، وانفصام شخصية الفقيه والغني على حد سواء، وانبطاح الإنسان ماديا وتفسخه أخلاقيا، وتناقض قيمه ومبادئه الحياتية، وانحطاط الكائن البشري، واستفحال الفساد الاجتماعي والأخلاقي.

ومن هنا، تبتدئ المسرحية بپرولوگ يحيلنا على مشهد المحاكمة الذي يوبخ فيه القاضي الفتاة الفقيرة الحسناء " سلطانة"، ويتهمها بالخيانة والخداع والمكر والقتل. بيد أن سلطانة تدافع عن نفسها وتؤكد براءتها من خلال تجسيد مروياتها وسردها عن طريق الاسترجاع وفلاش باك.

ونفهم عبر ترديد سلطانة لمحكياتها الاسترجاعية أن أمها المسكينة الساذجة لما توفي عنها بعلها، استغلها فقيه الحي الذي تزوج منها طمعا في أموالها وحليها ومنزلها، فابتز كل أموالها. وبالتالي، دفعها من شدة الحسرة والإهمال والهجران إلى المرض العضال فالموت المحتوم، فطرد الزوج الفقيه سلطانة من منزلها بعد أن سيطر على كل الممتلكات وكتبها باسمه.

وقررت سلطانة أن تشتغل فلاحة وحصادة في الحقول المجاورة، وتأكل الحلال بواسطة عرق جبينها، لكن أحد الأغنياء العجزة أراد أن يغرر بها ويدفعها إلى مالا يحمد عقباه، فانتهرته وصدته عن نفسها حتى سقط صريعا في البئر.

وبعد ذلك، وجدت سلطانة نفسها في المحكمة عند قاضي التحقيق الذي يحاول أن يلصقها التهم المنسوبة إليها، لكن سلطانة تستنكر ذلك، وتعتبره باطلا لا أساس له من الصحة والموضوعية. بيد أن قاضي التحقيق كان يسقط عليها صراعه النفسي الذي كان يعيشه داخل منزله مع زوجته القاسية المتوحشة. لذا، كان يرى فيها صورة زوجته التي كانت تبتزه وتنهره وتسخر منه، وتذكره دائما بسلطة أبيها وقوة مركزها الاجتماعي وأبهة عائلتها، وتستصغره احتقارا وتذليلا، وتستحثه على الارتشاء والإفساد من أجل تحقيق أغراضها الدنيوية الدنيئة، والاهتمام بالإيتيكيت الاجتماعي والتسلق الطبقي والسعي وراء بريق الموضات الزائفة ومظاهر الأبهة الخادعة.

وفي مشهد الإيبيلوغ كتشف قاضي التحقيق خيانة زوجته عندما يفاجئ رجلا غريبا في سريره، فيثور القاضي غضبا وجنونا، فيتخلص من هذين اللعينين شتما وضربا. ومن ثم، يكتشف القاضي طيبوبة سلطانة وشهامتها ومروءة أخلاقها، فيطلب منها أن تنصرف من المحكمة، إلا أن سلطانة تطلب منه أن يحكم عليها قبل انصرافها، لكن القاضي هو الذي يطلب منها أن تحاكمه وتقاضيه. فتحضر زوجة القاضي والخائن إلى مكتب القاضي، ويطلب الجميع من الجمهور أن يصدروا حكمهم عليهم باعتبارهم مدانين في قفص الاتهام.

3/ المعطيات الفنية والجمالية:

تضم المسرحية مجموعة من الممثلين الذين لهم كفاءة عالية وخبرة جيدة في مجال التشخيص، ونذكر منهم: للاهشوم المراني، وعائشة زيدور، والخمار المريني، والشريف العلوي إسماعيلي، وعبد الرحمن الإدريسي من لايخافي. لكن أحسن ممثل في المسرحية يعرف كيف ينتقل فوق الركح، ويمتلك القدرة على إيصال انفعالاته وتبليغ شحنات تأزمه النفسي وتوتره الدرامي إلى الراصدين المتفرجين، وقد كان أيضا صادقا في معايشة دوره بمواصفات ستانسلافسكي هو الممثل الخبير الخمار المريني. فقد أقنعنا بتشخيصه الحقيقي الذي كان ينبض بحرارة الانفعال وكثرة التوتر الدرامي، وبصدق المواقف التي كان يمثلها من الداخل ويصرفها إلى الخارج في شكل أحاسيس متقدة ومشاعر إنسانية ثائرة.

ويتأرجح الديكور كثيرا بين مكتب قاضي التحقيق وفضاء المنزل، وبالتالي، فقد نجح السينوغرافي رشيد بن سليمان في خلق ديكور واقعي وظيفي متنقل، يتغير باستمرار وبالتناوب بين الصالون ومكتب القاضي الذي كان يستلزمه الاسترجاع وفلاش باك. إلا أن المخرج لم يحسن تركيب المشاهد الدرامية بعد تجزيئها وتركيبها، ولم ينجح على مستوى تقطيع المناظر وتركيبها في صورة درامية كلية. لذا، أصيبت المسرحية بخلل تركيبي أثر سلبا على جودة العرض السينولوجي والإخراجي، وخلقت لدى المتفرج نوعا من الملل والروتين الناتجين عن البطء في استبدال الديكور أثناء كل مشهد. وهذه الطريقة مرفوضة في بناء العرض المسرحي على مستوى الإخراج، وهناك عدة طرائق لاستخدام فلاش باك مثل تقنية السينما، وتقسيم الخشبة إلى قسمين: قسم خاص بفترة الحاضر، وقسم آخر خاص بفترة الماضي، وتوظيف الإضاءة المركزة في خدمة المشهدين معا عن طريق التبئير والتركيز على المشهد المعروض بالتنوير وإظلام مشهد آخر بشكل تقابلي وتجاوري.

وإذا كان التشخيص المسرحي على العموم جيدا إلى حد ما، فإن السينولوجيا المشهدية بسيطة جدا، تذكرنا بالمسرح التجاري الكلاسيكي الذي يحاكي الواقع. ومن ثم، فالمسرحية ذات سينوغرافيا واقعية قائمة على المحاكاة السطحية المباشرة المبتذلة، والاعتماد على الإيهام فنيا وجماليا بصدق الواقع.

خاتمــــة:

يتبين لنا، مما سبق، أن عرض " سلطانة" عرض مسرحي اجتماعي يناقش مجموعة من الظواهر الاجتماعية كالاستغلال والخيانة الزوجية وانحطاط القيم الأخلاقية، ويعتمد أيضا على السينوغرافيا الواقعية البسيطة التي توهم بصدق الواقع وصحة المرجع المحاكى. كما تتسم بالخلل التركيبي على مستوى تفكيك المشاهد المسرحية وتركيبها، وتعاني كذلك من الملل والروتين الناتجين عن استبدال الديكور والأثاث بسبب توظيف تقنية فلاش باك بطريقة مخلة أثرت على إخراج المسرحية بشكل سلبي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى