الأربعاء ٤ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم رضا سليمان

فاقد الوعى

كثيرا ما كان يرفض تصديق ما يحدث حول معلقا:
  الأصل فى الإنسان الفضيلة.
تفاقم الوضع مع مرور الأيام هَزُلَ جسده..
توالت الصدمات..
لم تعد لديه أىّ قدرة على تحمل ما يحدث..
حاول الصمود.
ولكن...
صوته تلاشى..
ماتت أطرافه..
نظر محلقا بين طرفى زمانه..
سقط مغشيا عليه وسط الطريق العام وقت الظهيرة..
المارة حوله كلُُ فى اتجاه..
لا أحد يعبأ به..
اقترب شاب قلب يديه..
كان يشعر به رغم سقوطه فى بئر الغيبوبة كأنه فى حلم..
سمع الشاب يستنجد..
  يا جماعه حد يلحق الراجل دا بيموت..
لم يقترب أحد..
نظر نحو الجميع مذهولا..
ألم يستمع إليه أحد..
صرخ أكثر وأكثر..
بصعوبة وصله صوت سيدة عجوز "تحوقل" وتاهت بين الزحام...
تمنى الرجل أن يشاهد هذا الشاب..
لكن الصورة التى تكونت كانت هلامية لم يستطع أن يمسك بأحد تفاصيلها..
حمله الشاب وانطلق إلى مستشفى عام فجيوبه الخاوية منعته من البحث عن مستشفى خاص بعد _ الفحص اقترب منه الطبيب وابتسم فى ود وكأنه يسدى خدمة جليلة..
  مافيش أمل يا ريت تشيله وتروح بيه الروح تطلع فى البيت أحسن بدل الإجراءات والمشرحة..
وفى همس شديد أكمل الطبيب..
  وما أدراك ما المشرحة؟!
خرجت الكلمات من الشاب بلا إرادية..
  بيت أيه؟ أنا ما أعرفش له بيت..!
  كمل جميلك وخرجه من المستشفى..
حمله الشاب وانطلق لا يدرى إلى أين.. وضعه فى جانب فى حديقة عامة..
جلس يستريح.. لا أحد يشعر بفاقد الوعى.. لا يراه غير الشاب الذى يبحث عن آخر يشاركه همه الجديد.. نظر إليه بشفقة
هل يتركه وينصرف؟ رفض الفكرة مباشرة.. كل همه هو محاولة إنقاذه
رغم ما قاله الطبيب كان يشعر بأنه لن يموت.. نظر إليه.. اقترب منه
فتش فى جيوبه عله يجد ما يفيده: اسمه.. إقامته.. رقم تليفون..سمع صوت يتسلل من بين صخب الجموع لينهشه:
  كدا.. سرقه فى عز الظهر!
التفت ليشرح الأمر.. لم يجد المتحدث
لم يجد أى شئ.. جيوب فاقد الوعى خاوية
جلس فى ظل شجيرة يتابع تنفسه المنتظم..
ليتنى أعرف من أنت؟
تنسم فاقد الوعى رائحة سؤال الشاب
ثقل جفونه كان رهيب.. تراخى أطرافه كان أشد رهبة.. إنه يحاكى الموتى..
خيط واهن ذلك الذى يربطه بالحياة يتنفس فقط من خلاله..
حمله الشاب وتوجه إلى قسم الشرطة..
هذا أخر ما هداه إليه تفكيره..
  أيه دا؟
  وقع وسط الطريق المستشفى رفضت وأنا
  شيل الجثة دى من هنا وإلا..
همس إليه الضابط وهو يشعل سيجارته:
  ممكن نوجه لك التهمة والقضية تنتهى أحسن لك تخرج بيه من هنا والروح فيه
ارتجف الشاب من شدة الاضطراب..
حمل فاقد الوعى وخرج..
لقد كان على شفا قضية تلقى به خلف القضبان
فى محطة الأتوبيس أجلسه وجلس إلى جواره
نظر إلى الزحام الرهيب.. بحث عن صديق أو رفيق.. لم يجد.. وقف ليطلب المساعدة
اقترب من صاحب ثياب أنيقة كالمسئولين..
 لو سمحت حضرتك..
نظر إليه باستغراب..
غمره بسخرية وكلمات تساقطت من بين أنيابه:
 يا أخى بدل التسول اشتغل فيك صحة حمار
وقف الشاب يقلب كفيه.. تسول؟!
صرخ من فرط دهشته.. انسابت الكلمات مختلطة بصراخ ملتهب
 أنا مش متسول.. أنا مش متسول..
لم يستمع إليه أحد.. علا صراخه.. تاه وسط الزحام.. الناس.. السيارات.. الأتوبيسات
أخرج بطاقته واقترب من أول وافد:
  أنا مش متسول.. بطاقتى..
لم ينظر إليه وجرى بأقصى سرعة متعلقا فى الأتوبيس المنصرف الذى امتصه مثل المئات قبله.. حاول الاقتراب من آخر.. دفعه بقوة وانطلق..
 ما الذي يحدث؟!
 يجرون.. يهرولون..
سقط على الأرض.. داسته الأقدام.. حاول أن يتماسك سقط مرة أخرى..تنفس بصعوبة
تذوق دماءه التى تسيل.. من بين الأقدام شاهد فاقد الوعى يتنفس بانتظام.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى