الخميس ١٠ تموز (يوليو) ٢٠٠٨
بقلم أحمد محمود القاسم

قراءة في رواية (أنثى العنكبوت)

تعتبر رواية (أنثى العنكبوت) للكاتبة السعودية قماشة العليان، من الروايات الرائعة، والتي حازت على جائزة رواية المبدعات العربيات للعام 2000م في إمارة الشارقة، وهي من الروايات، التي تتناول المجتمع السعودي، وتقاليده وعاداته الاجتماعية، بنوع من النقد الصريح والواضح والعميق، وهذه الرواية، تختلف كثيرا، عن باقي روايات بعض الكاتبات السعوديات، اللواتي ظهرن بالأعوام الماضية، مثل رواية (بنات الرياض)، ورواية (الأوبة) ورواية (الآخرون) و(تاء الخجل) و(اكتشاف الشهوة) و(برهان العسل) وغيرها من الروايات النسائية، من ناحية ابتعادها عن الإغراق بموضوع الجنس، وجسد المرأة وعواطفه المكبوتة وتفاعلاته، وان كانت تلك الروايات في معظمها، تتكلم عن المجتمع العربي والخليجي والسعودي خاصة فكلها تصب، في نفس الاتجاه وهو الانتقاد الشديد للمجتمع السعودي والعربي ولكل ما به من عادات وتقاليد بالية، أكل عليها الدهر وشرب.

قصة (أنثى العنكبوت) تتحدث عن رب أسرة سعودي متزمت، وذو أفكار متحجرة تماما، يمثل في عقليته وتفكيره الكثير من الرجال في المجتمع الخليجي بعامة والسعودي بخاصة، هذا الرجل، ورب الأسرة، بثقافته الذكورية المتحجرة، يتعامل مع زوجته وبناته وأبنائه بشكل من العجرفة والاستبداد والظلم، منقطع النظير، وهناك الكثير منهم على شاكلته، من المحيط الى الخليج، بحيث يفقد حب كل أبنائه وبناته، ويستبدل حبهم بحقدهم وكرههم له. ولا يستطيع حتى المحافظة على أسرته وتماسكها، بل، كل أبنائه يقعون بنفس المشاكل والمعاناة والظلم، سواء الأبناء أو البنات، وحتى زوجتيه الأولى والثانية، لم يرحمهما، من ظلمه لهن، وقسى عليهن كثيرا بدون رحمة او رأفة، على الرغم مما يتمتعن به من جمال، وهذا نابع من فهمه الخاطيء، وثقافته الذكورية المستبدة، بان الرجال قوامون على النساء، وان المرأة لا تخرج من بيت أبيها إلا الى بيت زوجها أو الى القبر، وان المرأة، صوتها وجسمها كله عورة، والنساء شاوروهن وخالفوهن، والمرأة، خلقت من ضلع آدم الأعوج، وثلثي من في جهنم، هم من النساء، والنساء ناقصات عقل ودين، والنساء إن كيدهن لعظيم، وغيرها من المفاهيم الظالمة، والتي تحث على احتقار واستعباد المرأة وإذلالها، بشكل ظالم جدا، وفي أحيان أخرى بشكل لا يتقبله العقل ولا الإنسانية.

أسرة البطلة في قصة (أنثى العنكبوت)، تتكون من الأب وزوجته وبناته، أحلام وبدرية وسعاد وندى وأبنائه خالد وحمد وصالح، أما الزوجة، فإنها أصبحت مقعدة في البيت بعد ما خلفت هذا العدد من الأبناء، وما لبثت أن أخذها القدر وماتت، وكانت سابقا تراوح، بين سرير المرض في المستشفى، وغرفة الزوجية نائمة، أو في أحيان أخرى بدون وعي، وسرحانة بخيالها الخاص، حيث كانت مصابة بمرض (الشيزوفرينيا) أو مرض انفصام الشخصية، لا تشعر بوجود أحد حولها، أو يشعر أحد بوجودها، بعد أن أوصلها زوجها بحقده عليها، وتفننه في ضربها وإيذائها وإذلالها وتعذيبها، الى ما وصلت إليه من حال يرثى لها، الى أن توفاها الله على فراش الموت في المستشفى (كما ذكرت سابقا)، وبعد وفاتها مباشرة تزوج زوجها من ثانية، واحضرها الى عش الزوجية وبسرعة البرق، واسكنها مباشرة في غرفة زوجته المتوفاة، دون مراعاة لشعور أبنائه، أو انتظار لفترة حداد مناسبة.

أما أحلام، بطلة القصة، وهي الابنة الصغرى للأسرة، فتقول بأنها وعيت على نفسها وأمها مريضة بالمستشفى، فلم تشعر بمعنى الأمومة أو حنانها، كل من تشعر به جيدا، هو أختها بدرية، الأخت الكبرى لها، والتي كانت بمثابة أمها وأختها، بل وتمثل كل شيء في حياتها، لذلك تبادلتا الحب والود والحنان المفتقد، من كلا الأب والأم.

تمكن الأب، من تزويج ابنته بدرية الى شاب بدون إرادتها ومعرفته به جيدا، او حتى بموافقتها عليه، حيث لم تعرف معه للزواج طعما، فقد أذاقها هذا الزوج، شتى صنوف العذاب، ومع هذا، فلقد خلفت له عدة أبناء، كانت كل ما تملكه في حياتها من ثروة، وهم من كانوا يضفوا على حياتها طعما ومعنى للحياة، بعد ظهور زوجها على حقيقته، فقد كان زوجا حاقدا وحشاشا وسكرجيا ومجرما، لا تعرف روحه الرحمة او الشفقة، أو معنى لبناء أسرة، كريمة، كل ما يعنيه ويهمه، هو وجود زوجة على السرير، وإدارة كؤوس الخمرة، وتعاطي المخدرات، والتشدد في ضرب زوجته، وإيذائها بسبب أو بدون سبب، وعندما شرحت بدرية لوالدها حقيقة زوجها وظروفها الزوجية وأحوالها، وطلبت منه أن يعمل على تطليقها منه، لأن حياتها عذاب في عذاب، ولا تطاق، رفض الأب طلبها هذا رفضا مطلقا، وقال لها:(لا يوجد لدينا كلمة طلاق، في قاموس العائلة، فالزوجة لزوجها، مهما كانت الأسباب، والا الى القبر)، وعندما رجعت في يوم من الأيام، الى دار والدها هربا من زوجها وإجرامه وإدمانه على شرب الخمرة والمخدرات، طردها والدها فورا، ولم يسمح لها حتى بمناقشته، وقال لها:

(ألزوجه، يجب أن لا تخرج من بيت زوجها، ويجب أن تتحمل معه وتشاركه قسوة الحياة، إلا عند طلاقها أو عند موتها)، استسلمت بدرية لواقعها المأساوي والمر، والتي عجزت عن تغييره، وحتى إخوانها وأخواتها لم يجرؤ واحد منهم للتدخل لصالحها، الى أن قدرت الظروف لها، بان يموت زوجها، لفرط تعاطيه المخدرات والمشروبات، بشكل جنوني، وعجزت المستشفيات عن علاجه، وبعد موته بفترة وجيزة، حاولت العودة الى بيت والدها، والطلب منه السماح لها من الزواج من رجل آخر، رفض والدها طلبها هذا بشدة وعنف، وزجرها وضربها ضربا مبرحا وقال لها: (الأرملة لها أبناؤها فقط، تسهر على تربيتهم وتحافظ على مستقبلهم، وليس لها غير ذلك)، مع أنها كانت تتمتع بقدر واسع من الجمال والحيوية، وتستطيع الزواج، لكن والدها أصر على حرمانها من الزواج، أو ترك بيتها لأي سبب من الأسباب.

صالح، الولد الأكبر بالأسرة، حاول الزواج من ابنة الجيران، التي كان يشعر بحب شديد لها، لكن والده رفض طلبه هذا، وقال له بأنه سيزوجه خلال أيام، من ابنة عمه، حيث كان قد خطبها له منذ مدة، وبدون علمه، على الرغم من أن صالح رفض مثل هذا الزواج من ابنة عمه وبشدة، إلا أن والده اجبره عليه منها إجبارا، وبكل إكراه وقسوة، مما حمل صالح على القبول بهذا الزواج مرغما، ودون موافقة او قناعة منه، ولأنه يشعر بعدم قدرته على مواجهة والده، ولشدة ضعفه، فقد خضع لأمر والده، وتزوج من ابنة عمه مرغما، وترك منزل والده الى عش الزوجية الجديد، في مكان بعيد عن أهله ووالده.

أما سعاد، والتي كانت بمشاكل يومية مع زوجة أبيها، بعد وفاة والدتها، فقد عمل والدها الى إبعادها عن البيت، ليتخلص من مشاكلها مع زوجته، فعمل على تزويجها أيضا من رجل يكبرها كثيرا، وفي قرية نائية، بحيث لم يتمكن احد من إخوانها أو أخواتها من أن يصلها لزيارتها، فأصبحت في طي الكتمان والنسيان.

أما ندى، والتي كانت في حالة نفسية غير طبيعية، تصرخ وتعربد بدون أن يفهم لها أحد شيئا، فقد كانت تشبه حالة والدتها المتوفاة، فقد شخص المستشفى حالتها بعد نقلها إليه بشكل مفاجيء يوما ما، بقولهم بأنها تعاني من حالة انفصام بالشخصية (شيزوفرينيا)، وما لبثت أن فارقت الحياة، لسبب غير معروف، وان شك الأطباء وقتها، بأنها تناولت كميات كبيرة من الدواء بهدف الانتحار. عندها حضر شخص الى بيت أحلام في ذلك اليوم، وقرع جرس المنزل، خرجت له أحلام لتعرف من هو الطارق، حيث سألها الطارق:

(هل هذا منزل عبد الرحمن محمد صالح؟

نعم إنه هو...

هل السيد عبد الرحمن "أبو صالح" موجود؟

كلا، هو في الخارج الآن... هل هناك ما نقوله له إذا عاد؟

نعم... أنا سالم عبد الله... من قسم شؤون المرضى في مستشفى الصحة النفسية، أبلغيه يا سيدتي.......... (صمت الصوت لبرهة)، جمدت فيها الدماء في عروقي...ثم تابع بأسى: إن ابنته المقيمة لدينا في المستشفى قد انتحرت...

(ابتلعت ريقي بصعوبة وأنا أجيبه...)

وهل ماتت...؟

يؤسفني إبلاغكم بذلك... إنها موجودة في ثلاجة المستشفى... نرجو سرعة استلام جثمانها...شهقت بجزع وأنا أسأله:كيف انتحرت... ولماذا؟ أرجوك أجبني بصراحة أنا شقيقتها.

سيدتي نحن لا نعطي معلومات لأحد... إذا حضر والدها إلى المستشفى سيعلم كل شئ... مع السلامة...). وهكذا كانت نهاية مصير إحدى أخواتها المدعوة ندى، نهاية مأساوية، القصة تتضمن الكثير من المواقف والمشاهد، التي تنم عن حقد الوالد وكرهه لأولاده ووقوفه ضدهم، بدون وجه حق، وبدون شفقة أو رحمة حتى في أحلك الظروف التي كانوا يمروا بها.

أما أحلام، وهي بطلة الرواية والبنت الصغرى في العائلة، والتي صبرت كثيرا على آثام وآلام والدها وتعنته وإجرامه واستبداده، بحق زوجته وبناته وأولاده، فقد تمكنت ببساطتها وحيلها وصبرها وتحملها كثيرا، من أن تكظم غيظها، وأن تكمل دراستها الجامعية، وتحصل على شهادة البكالوريوس باللغة العربية، وتتعين بعدها مباشرة، مدرسة للغة العربية، في مدرسة، في إحدى القرى النائية............ وتتذكر أحلام، كيف أن والدها انهال عليها ضربا مبرحا، عندما لم يحضر السائق الذي كان يوصلها مع زميلاتها المدرسات الى منزلها، فحضرت مع زميلتها وزوجها في سيارة واحدة، وصادفها والدها عند حضورها، وهي في معية زميلتها وزوجها، وكيف بعد نزولها من السيارة، ودخولها منزلها، أراها والدها نجوم الظهر، لأنها سمحت لنفسها أن تركب مع زميلتها وزوجها، والذي يعتبر محرم وعار عليها هذا التصرف في نظر والدها والمجتمع.

تتذكر أحلام أيضا، كيف رفض والدها زواجها من المدعو (سعد) الشاعر والأديب، والذي يقيم في القرية التي تدرس فيها، وهو أخ لإحدى الطالبات التي تدرسهن في المدرسة، وكيف انه سمع عن جمالها وأخلاقها وأراد خطبتها من والدها على سنة الله ورسوله، لكن والدها رفض طلبه هذا، وقال له: (نجوم الظهر، اقرب إليك من ذلك، ونحن ليس لدينا بنات للزواج، وأحلام مخطوبة منذ زمن بعيد)، وطلب منه عدم محاولة تكرار طلبه هذا، والا سوف يرى ما لا يعجبه.

صدمت أحلام صدمة عنيفة، حطمت أحلامها وأمانيها التي بنتها في أفكارها عن عيشها بحياة حرة كريمة، مع فارس أحلامها وزوج مستقبلها، لرفض والدها زواجها من حبيبها (سعد)، والتي لم تقابله او تجلس معه مطلقا، بل تعرفه من خلال أخته (وضحى) تلميذتها في المدرسة، وكانت قد أهدتها كتابا شعريا من كتبه، والتي قرأته من الغلاف الى الغلاف بتمعن وعمق كبيرين، حيث فهمت شخصيته من خلال الكتاب وما احتواه من عواطف جياشة، كما أن أحلام سبق لها أن تعرفت على والدته، التي زارتها مرة، وكانت مضطرة لذلك.

(وجدت نفسي لا شعورياً أتعاطف مع هذا الشاب سعد... لقد أحس بي كما لم يحس بي أقرب الناس، واستشعر حيرتي وعذابي، فكتب كلماته تلك مواسياً ومعزياً، إنه شاعر ولا ريب فلا يكتب كلمات كهذه، سوى شاعر من طراز رفيع، وإنسان، قبل أن يكون شاعراً
قلبت صفحات الكتيب وأنا أقرأه بلهفة... تدريجياً تخففت من أحزاني، ووجدت سلواي أحسست، بأن كلماته الرقيقة، موجهة لي فقط، تحثني على الصبر والنسيان، وقصص عديدة، لأناس واجهوا مرارة الفقد بشجاعة خارقة... احتفظوا بصور أحبائهم داخلهم، كطاقة تدفعهم على الاستمرار والعطاء، وعاشوا حياتهم وكما أراد الله من حياة...

غفوت تلك الليلة، والكتاب بين ذراعي، وكلماته تفترش أرض أحلامي).

تقول أحلام مخاطبة والدها في القصة:

(لماذا يا أبي؟ أيضيرك كلمة مواساة أو ضمة حنان...؟ هل تنقص من قدرك دمعة مشتركة؟ أو لمسة عزاء؟ هل ما زلت متحجر القلب فاقد الأحاسيس؟

فقدنا أسرتنا الواحد تلو الآخر، دون أن تدمع عيناك، أو يرف لك جفن، أو تتغير حياتك، و لو قيد أنملة، بل على العكس، ماتت أمي، فودعتها غير آسف، لتحل محلها زوجتك الجديدة... منعت شقيقتي بدرية من الزواج مرة أخرى، وحبستها في بيتها مع أطفالها، وأنت تفتتح شركتك غير آبه بالحطام الآدمي، الذي يتكسر تحت قدميك... أودعت ندى مصحة الأمراض العقلية، وأنت تستقبل مولودتك الجديدة، وكأن هذه بتلك... ويتفرق أهل البيت وأنت سادر في غيك، مستمتعاً بحياتك التي لم ينقصها شئ... والآن، ندى تموت... بل تنتحر... هكذا بكل بساطة، دون أن تتعذب بموتها، أو تذرف دمعة شفقة، أو رثاء، بل طويت هذه الصفحة السوداء من حياتك، وكأنها لم تكن. واستعجلتني أن أشفى من حزني... أنت مخطئ يا أبي، فالحزن، هو المرض الوحيد، الذي لا شفاء منه، بل أنه يتغلغل في الذاكرة، ويتعمق في الوجدان، ليتحول إلى بؤرة صديدية، تسيل أحزاناً ومرارة، وكلما عبرت الذكرى، أو لاح وجه المحبوب، ولو من وراء الغيوم).

يفاجأ الوالد ابنته أحلام، بعد أن رفض خطبة حبيبها لها، بتزويجها لرجل كبير جدا بالسن، وهو أحد معارفه من التجار، وطلب منها أن تستعد وتهيأ وتجهز نفسها لهذا الزواج السريع، وقدم لها صورته كي تتعرف عليه، وقال لها بأنه رجل غني جدا، وسيدفع له مهرا كبيرا، وانه سيأخذ هذا المهر، وسيقدم لها جزءا منه مقابل هذا الزواج، وهذا ما اتفق عليه مع العريس. أما أحلام، فقد صعقت عندما شاهدت صورة وجه العريس الشاحب، والمنفر والقبيح، حيث يوحي منظره في الصورة، بأنه اكبر من والدها، كما علمت فيما بعد، بأنه لا يملك أسنانا بالمرة، وهو بحاجة الى خادمة أكثر من حاجته الى زوجة، لم تستطع أحلام من مقاومة قدرها ووالدها، وكما يقول المثل: (لا تعتب على حبيبك، بل اعتب على نصيبك) وعندما حاولت الرد على رفضها له، كانت الصفعات والركلات بالأقدام، تنهال عليها من والدها واحدة تلو الأخرى وفي كل أجزاء جسمها، دون مراعاة كونها امرأة، فلم تعد تستطيع أن تفعل شيئا، خاصة وأنها تعلم عناد والدها وقسوته وشدته ووحشيته، في تعامله مع إخوانها وأخواتها ووالدتها سابقا.

جاء يوم زواجها وليلة دخلتها، والآلام تعتصرها عصرا، فهي تنتقل من سجن الى سجن، ومن عذاب الى عذاب أكبر، فكيف لها أن ترضى بمثل هذا الزواج قسرا، أليس من شروط الزواج الشرعي الإيجاب والقبول، ولكنها ترفض مثل هذا الزواج غير المتكافيء، فكيف لها أن تعيش مع مثل هذا الزوج العجوز، والذي يكبرها أكثر من أبيها، وكيف يمكنها التفاعل معه، وأين هو من حبيبها (سعد)، الذي يتألق لطافة واناقة وأخلاقا وجمالا وشبابا، لكنها رددت كلمة والدتها المعهودة والتي كانت تسمعها منها دائما قبل وفاتها، عندما كان يفرض زوجها عليها وعلى أولاده وبناته موقفا بشعا وقاسيا، حيث كانت تقول دوما: (لا حول ولا قوة إلا بالله ألعلي العظيم).

عندما حاول زوجها العجوز أخذها في تلك الليلة، لم تفعل له شيئا، سوى أنها فتحت له ساقيها على مصراعيهما، بعد أن نزعت كافة ملابسها وألقت بها جانبا، واستلقت على ظهرها على السرير، وقد حاول العريس العجوز الانقضاض عليها، بعد أن تناول أمامها، كافة المقويات من الحبوب الملونة، الزرقاء منها والحمراء وغيرها من الحبوب الملونة، كي تساعده على القيام بمهمته، لكنها لم تفعل له شيئا، ولم تشف غليله، فاشتاط غضبا وحقدا، وقد تكررت محاولاته اللاحقة كثيرا في الأيام التوالي، وأحلام لا تحرك ساكنا، ولا يعنيها ما يحدث أمامها من عجز وانكسار، ولا تعمل له شيئا، مما اضطره غيظه، الى ضربها ضربا مبرحا بعصاة، كان يتعكز عليها في تنقلاته، وقال لها، لماذا لا تحاولين مساعدتي بيديك؟ كي أتمكن منك؟؟؟ هل تريدين نقودا او ذهبا؟؟؟ إنني على استعداد لأدفع لك كل ما تريدين من مال او ذهب أو الماس. لكنها جاوبته وردت عليه، بأنها ليست بحاجة الى كل أمواله، كل ما تريده هو اختيارها وحريتها الشخصية، دع أموالك لك، فأنا لست بحاجة إليها، فانهال عليها ضربا مبرحا بعصاته، ولكنها تمكنت من الدفاع عن نفسها هذه المرة، وأخذت منه عصاته وضربته بها ضربة واحدة على رأسه، فخر صريعا على الأرض، مما أودت بحياته الى الأبد، واتصلت بأختها بدرية تعلمها بما حدث، وعند حضورها استكملت كافة تفاصيل شعورها وغضبها وحقدها على الرجال جميعهم، خاصة والدها، وقالت لأختها، بأنها قد انتقمت بقتله من والدها، وليست نادمة على شيء، وليأخذ القانون مجراه الطبيعي، في حقي ان كنت مجرمة.

الأديبة السعودية (قماشه العليان) في قصتها، تنقل صورة حية وصادقة، وبأسلوب شيق وممتع وجذاب وسهل جدا، لحقيقة المجتمع السعودي وعاداته وتقاليده، وكيفية تحكم الرجل بالمرأة، وتزمت وتعنت الرجل السعودي، وان كان الأب يظهر هنا، تجبره بأبنائه الذكور أيضا، وهي تحض المرأة على تحصين شخصيتها، وبتثقيف نفسها، وعلى الوقوف في وجه الظلم، ومحاربته، ودفعه، وبعدم القبول به، وتحضها على التمسك بالقيم والفضيلة، ولتعلم الآخرين، أن المرأة إنسان، قبل أن تكون تحفه، أو محط شهوة....إنسان سوي، وهبه الله العقل النير، والنفس السمحة الرقيقه، ولكنه، إنسان ذو حقوق، ليس عليه إلا الاعتماد على
نفسه، لتحقيقها بعيدا عن عصا الانتقام.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى