الاثنين ٢٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم جميل حمداوي

مدخل إلى السيرة الذاتية

تستند السيرة الذاتية إلى الاستبطان الداخلي للشخصية في علاقتها بالواقع الموضوعي. وترتكز أيضا على سرد الحياة الشخصية للمبدع أو الكاتب أو الفنان من خلال استرجاع فترات من حياته وذكر المعيقات التي واجهها الكاتب في حياته منذ طفولته حتى شبابه ورجولته وكهولته.

ويعرف فليب لوجون السيرة الذاتية أو الأوطوبيوغرافيا بأنها عبارة:" عن محكي استرجاعي نثري يحكيه شخص واقعي عن وجوده الخاص عندما يركز على حياته الفردية وخصوصا على تاريخ شخصيته".

ويعني هذا أن السيرة الذاتية تمتاز بمجموعة من الخصائص التي تتمثل في استخدام ضمير المتكلم، والمطابقة العلمية، والتأرجح بين المسوغ الذاتي (الحياة الفردية والشخصية) والاستقراء الخارجي(استقراء أحداث الواقع)، وتمثل النثر والكتابة السردية المحكية طريقة في التعبير، والميل إلى استخدام الزمن الهابط وتقنية الاسترجاع وفلاش باك.

وثمة نوعان من السير الذاتية من حيث الإيقاع السردي: سيرة تمجيدية تشيد بانتصار الشخصية الرئيسة على مثبطات الواقع كسيرة" الأيام" لطه حسين، وسيرة مأساوية مريرة تنتهي بالعجز والموت والفشل كسيرتي " الألم" و"الرحيل" للكاتب المغربي العربي باطما.

ويعرف عبد السلام المسدي السيرة الذاتية باعتبارها:" جنسا أدبيا ينطلق من إطار اهتمام الإنسان بسيرته الشخصية تحمل في طياتها ضربين من الازدواج: تراكب غرض ظاهر مع غرض باطن من جهة ثم تضافر استقراء موضوعي مع تسويغ ذاتي من جهة أخرى، فإذا بهذا الازدواج المتضاعف يستحيل معاظلة فنية لايقاس توفق الكاتب في هذا الجنس الأدبي إلا بمدى إحكامه لنسج ظفيرتها. على أن الثنائية النوعية التي يجتمع فيها الاستقراء الخارجي للأحداث مع الاستبطان الداخلي للانفعالات والأحاسيس هي التي تدفع الناقد إلى استشفاف طبيعة الالتحام في هذا الجنس الأدبي بين مستلزمات ذات الـــ"أنا" ومقتضيات الغائب. وغير خفي ما بين هذين الجدولين من تباين في معين الإلهام ومصبات الإفضاء الشعري.".

ومن المعروف تاريخيا أن السيرة الذاتية فن أدبي قديم ظهر عند الكتاب الأمازيغ أولا وخاصة عند القديس أوغسطين صاحب كتاب "الاعترافات" ذات الطابع التيولوجي المسيحي. وقد عرفها الغرب بعد ذلك كما هو الحال عند جان جاك روسو في كتابه"الاعترافات"، والكاتب الفرنسي مارسيل بروست في روايته الخالدة" البحث عن الزمن الضائع"،والكاتب الإنجليزي جيمس جويس في " صورة الفنان في شبابه"...

وعرف هذا الفن الأدبي أيضا إشعاعه الفني كتابة وتصويرا وبيانا وبديعا لدى العرب في العصر الوسيط كما يدل على ذلك كتاب "المنقذ في الضلال" لأبي حامد الغزالي، وكتاب ابن خلدون: " التعريف برحلة ابن خلدون شرقا وغربا".

ويمكن تعداد الكثير من السير الذاتية في أدبنا العربي الحديث ككتاب " الساق على الساق فيما هو الفارياق" للشيخ أحمد فارس الشدياق، وسيرتي " الأيام" و" أديب" لطه حسين، وسيرتي " أنا" و" سارة" للعقاد، و" حياتي" لأحمد أمين، و" تربية سلامة موسى" لسلامة موسى، و" إبراهيم الكاتب" لعبد القادر المازني، و"عصفور من الشرق" و" يوميات نائب في الأرياف" و" عودة الروح " لتوفيق الحكيم، و" حياتي في الشعر" لصلاح عبد الصبور، و" في الطفولة" لعبد المجيد بن جلون، و" رجوع إلى الطفولةّ" لليلى أبوزيد، و" الرحلة الأصعب" لفدوى طوقان، و" الزاوية" للتهامي الوزاني، و" الخبز الحافي" و"الشطار" لمحمد شكري، وسيرتي" الألم" و" الرحيل" للعربي باطما، و" الحجرة الصدئة" لعمرو القاضي، و" قصتي مع الشعر" و" من أوراقي المجهولة" لنزار قباني، ورواية " أوراق" لعبد الله العروي...

وعلينا ألا نخلط السيرة الذاتية بالسيرة الغيرية؛ لأن البيوغرافيا الغيرية منتشرة بشكل كبير في الآداب الغربية والعربية على حد سواء، مادامت هذه البيوغرافيا ماهي إلا ترجمة توثيقية أو فنية أو إخبارية ترصد حيوات الآخرين على حساب ذات المبدع الكاتب، وتؤرخ لها من منطلقات نفسية واجتماعية وتاريخية وفنية.....

ومايهمنا في هذه التوطئة هي السيرة الذاتية التي تنبع من الذات الفردية في تفاعلها الجدلي مع الواقع المحيط صراعا أو تعايشا. ويلاحظ أيضا أن السيرة الذاتية قد تتخذ عدة أنماط تعبيرية كالرواية والقصة والدراما والكتابة الفكرية والإخبارية والسيناريستية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى