الاثنين ٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٨
سيغريد أوندست
بقلم زكية خيرهم

حول ظاهرة مشاغبة في زمنها

قطات من السيرة الذاتية

سيغريد أوندست (1882_1949)

سيغريد أوندست، كاتبة نرويجية حصلت على جائزة نوبل في الآداب عام 1928، واشتهرت بكتاباتها حول نمط الحياة في الدول الإسكندنافية خلال العصور الوسطى. كانت بداية انطلاقتها في كتابة الرواية تتركز حول الموضوعات المعاصرة وبالتحديد حول مشاكل النساء اللواتي يعشن في المدن. أغلب بطلات رواياتها يواجهن عواقب مأساوية حين يكن غير مخلصات لحقيقة
ذاتهن الداخلية أو التحدي المثالي للأدوار التقليدية لكلا الجنسين.

روايات سيغريد التاريخية كانت ترتكز على محور أساسي وهو الحياة الجنسية والمشاكل النفسية المشتركة لكلا الجنسين، وبطبيعة الحال تتبادر اعتراضات إلى الأذهان في هذا الصدد عن هذه الكاتبة التي كانت كتاباتها أكبر من كلامها وتكره تحديدا أن تتحدث عن نفسها.

ولدت (سيغريد أوندست) في مدينة (كالوندبورغ) في الدانمارك، وهي ابنة (انجفالد) عالم الآثار،و أمها (أنا شارلوط) ابنة محامي دانماركي. تأثرت (أوندست) بوالدها فأصبحت لديها نظرة ثاقبة فيما يتعلق بالقصائد القصصية و المثيولوجيا وأساطير تاريخ العصر الوسيط في الدول الإسكندنافية. وأخذت من أمها نظرة واقعية للحياة بصفة عامة، لكنها لم تشارك قط أمها في مواقفها الإنتقادية تجاه الدين. انتقل والداها إلى (كريستيانيا) التي سميت فيما بعد أوسلو وأصبحت العاصمة النرويجية، وكانت أنذاك تبلغ سنتين من عمرها. توفي أبوها سنة 1893 وكان لذلك تأثيره السلبي على حياتهم الاقتصادية.

استطاعت الكاتبة (سيغريد) أن توصل أفكارها من خلال كتاباتها. يقول الكاتب "بروس باور" في جريدة نيويورك تايمز: " إن الروائية سغريد الإسكندنافية وشخصياتها الروائية مثل النرويج نفسها، نصف روحها ينتمي إلى الفايكنغ والنصف الثاني يتمزق بين مغامرات جريئة ورفض الذات بشدة. أن أعمال الروائية سيغريد، يعكس جمال وشفافية الشعر للنرويج القديمة. إن الوعي المجازي للطقوس الكاثوليكية تهيمن عليها بشدة وباقتناع متحقظ تلخص في جملتها الأخيرة، في رواية " الأساطير الأرثورية" قصص حول الملك أرثور، تقول : بالنسبة للعادات والأخلاق فهي دائما تحت قيد التغير بمرور الوقت، كما أن معتقدات الناس تتغير، كطريقة تفكيرهم حول الأشياء، لكن قلوب الناس تبقى كما هي لا تتغير، عبر كل الأيام وإلى الأبد".

الحرب والمنفى

صاحبة ثلاثية القرون الوسطى، ’’كريستين،’’ التي لاقت مجموعة واسعة من القراء في أمريكا عام 1920. وبعد عقدين من الزمن أقامت جولة في الولايات المتحدة تحاضر، فأصبحت تعد من اللامعين في أدبيات زمن الحرب في المنفى.لكن بعد وفاتها في عام 1949 لم يسمع عنها الأمريكيون إلا القليل. لكن بفضل (تاين بج)الذي عثر على كتابات (سيغريد أوندست)في قائمة الكتب المفضلة ل(داون بول)، حيث عثر على رواية" جيني" وطبعها فوجد نفسه يشارك (داون بول)في أعجابه بالكاتب أوندست والنتيجة أن أصبحت المجهولة (أوندست)التي تتمثل في قصتين قصيرتين وخمسين صفحة لرسائل منها إلى صديق سويدي أسمه (انديرا دي هيدبرج) تتواصل معه بالرسائل. في أحدى تلك الرسائل تكتب (أوندست)وهي في سن الثامنة عشر من عمرها " الحياة متألقة سواء كانت تحمل السعادة لك أو لي ".

في سن الحادية عشر تفقد (أوندست)والدها عالم الآثار الذي تعرض لمرض عانى منه سنوات طويلة. في سن السادسة عشر من عمرها تتخرج من كلية التجارة وتعمل في مكتب كئيب، قابض للصدر، عشر سنوات لتساعد أمها وأختيها ماديا.

في سن العشرين ظلت هادئة، منضبطة، تقوم بواجباتها في كافة ميادين الحياة، وكانت متعتها القراءة خاصة أنّ صديقها السويدي كان بعيدا في أوستوكهولم العاصمة السويدي، وفجأة يتغير كل شيء في حياتها بصورة سريعة ومدهشة.

تنشرروايتها " السيدة مارتا أولي" التي تستهلها بجملة: " كنت خائنة لزوجي". تلك الجملة كانت كافية لتثير زوبعة وفضيحة في المجتمع النرويجي المتزمت. وتلتها روايات أخرى، وفي سنة 1909 أصبحت قادرة على العيش من دخلها من كتاباتها.

روما والحرية... الزواج والعودة إلى النرويج

أستقرت (أوندست)في روما وهناك تعرفت على مجموعة من الأصدقاء أغلبهم من الفنانين الإسكندنافيين، و أحبت رساما نرويجي أسمه(اندرس سفرستاد)الذي طلق زوجته ليتزوجها. تلك الفترة القصيرة بحريتها ونشوتها كانت أسعد اللحظات في حياتها حيث شكلت ملامح و خلفية " جيني" التي ظهرت 1911.

بعد الزواج رجعت (أوندست)إلى النرويج حين كان زوجها يمارس الرسم، كانت هي تربي أطفالها الخمسة، ثلاثة منهم من زوجها السابق وكتبت رواية (كريستين)التي تصوّر مناحي مختلفة من احساسات قلب الإنسان وتشكيل خيالي شامل للمجتمع النرويجي كما تراه من خلال تجربتها خارج النرويج وداخلها.

أصبحت الرواية في النرويج مطلوبة بشكل متسارع،لكن في الدول الناطقة باللغة الإنجليزية لم يستطع الكتاب أن يصل ذروة النجاح بسبب الترجمة الرديئة. لحسن الحظ رواية (كرستين) أصبحت متاحة بوضوح وذلك بفضل (تينا نينالي)التي دققتها فأصبحت في المستوى الذي جعل من (أوندست) كاتبة مرموقة يتلهف القراء على قراءة أعمالها من جديد.

تستهل الرواية بالألوان والجمال وتضعنا الروائية في روما مع مجموعة من الشباب النرويجيين يشعون حيوية ونشاطا. كل شيء هناك كما الشخصيات التي قدمتها لنا تركض عبر الصفحات بنشاط وفرح وأمل وسعادة. بطلة الرواية فنانة. شخصية مرحة أسمها (جيني وينج)أصدقاءها كلهم رومانسيون وأنانيون، تدثرهم طاقة الشباب وطاقة الإبداع والطموح. شاب اسمه (هيلج جيرم)بسيط غير متغطرس كان يختلف تماما عن المجموعة، الذي سيطير من ذلك العش متلهف للعيش، والمدينة الخالدة نفسها بشوارعها وطقسها ووجوهها الغنية التي عرضتها الكاتبة بوصف تصويري مدهش.

الجزء الأول من الرواية يسلط الضوء على الحياة والحب. (هيلج)تقع في حب (جيني)وبعد شيء من التردد تجد نفسها تبادله نفس الشعور، نطورت علاقتهما إلى الخطوبة. هنا أستطاعت (أوندست)أن تصور أحساس (جيني)لتجعل القارئ يستنتج كيف يتصرف ويفكر المحبون. كيف يتفاعلون مع بعضهم البعض.

من العاطفة الشريرة إلى شر العاطفة

رجوعا إلى رواية (السيدة مارثا أولي) التي أحدثت ضجة في المجتمع النرويجي المتزمت آنذاك وقوبلت بالرفض من طرف دور النشر، ولكنها تجد طريقها للنشر بعد عناء شديد. رواية (السيدة مارثا أولي) لا غرابة في نجاحها وانتشارها السريع بين القراء، لأنها تناولت المحظور الذي لا يجب التحدث عنه في تلك الفترة في النرويج. ذلك التابو الذي كان مسجونا في قلب المجتمع وعقله،و يمارس وراء الكواليس، وتبقى تلك الممارسات الشاذة في المجتمع مدثرة بحجاب الصفاء والنقاء مادام المرء لا يتحدث عنها. تدخل الكاتبة القارئ إلى عالم كوامن المرأة ومتطلباتها. كما تضع القارئ بين علامات استفهام كثيرة حول المرأة والإنسان بصفة عامة. إنها إشكالية الذات والآخر. ومعضلة التملك والطموح إلى الكينونة، ثم اشكالية صراع الذات مع النفس " السوية" والمعاناة وتأنيب الضمير. إن الرواية ليست خيالا بقدر ما هي من الواقع، لشخصية تصارع ذاتها التي تريد الآخر أن يكون امتدادا لها لا أن يكون امتدادا لتحقيق شهوة التملك.

هل للنفس البشرية دخل في وجود ذلك الإنقلاب؟

تنتهي القصة لتضع اللقارئ أمام أبواب مفتوحة لتساؤلات متشعبة حول العلاقات الكائنة بين الزوج والزوجة وبين الأنا والآخر وبين الأنا ومعرفة الذات وبين وجود الآخر ودوره بالنسبة للأنا. وكيف يصبح الإنسان حين يفقد حبه، فيصبح كمن يقضي حياته ممدداً في العراء وسط صحراء يحيطها سراب من كل الجهات، وخالية من كل أثر للحياة. إنه موت الأحسايس والمشاعر الجميلة عند المحبين التي تموت عندما تتوقف القلوب عن دقاتها التي تعطي الحياة حسا، ونهاية العالم عند المحبين تعني موت الاحاسيس والمشاعر الجميلة، عندما تتوقف القلوب عن دقاتها التي تعطي الحياة حساً ومعنى للحياة....رواية مدهشة بكل المقاييس سواء ألآن أو في زمنها قبل عشرات السنين، مما يعني أن الأدب الجيد هو الذي يعرف كيف يصور النفس البشرية التي مهما اختلفت عبر العصور، تظل هي العامل الذي يعطي للحياة معناها، خيرا أو شرا. وبالنسبة للقارىء العربي الذي لم يقرأ الرواية من المهم أن يعرف أن محظور الحديث عن الجنس المعاشة في الوطن العربي ألآن، هي نفس المحظور الذي تجاوزته المجتمعات الأخرى منذ زمن طويل، ورغم ذلك فحديثهم عن الجنس لا يرقى مطلقا لانفتاح عاشه العرب منذ قرون، قبل سيطرة التيارات السلفية المتزمة....فمن تجرأ اليوم أن تصرخ: نعم...خنت زوجي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى