الأربعاء ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٤
بقلم مهند عدنان صلاحات

أحمق... وأحلام صغيرة

ربما هي الأحلام المستعارة...

والأماني المستهلكة...

على خليج الحياة العاثرة أشعر أحيانا أن بعض الأحلام قد تبدد غيوم هذه العاصفة التي لا تريد أن تزول عن هذا الخليج المسمى حياتي.

أحمق أنا حين أفكر أن أجتاز هذا المحيط الاجتماعي دون أن أبيع ما أملكه من قيم ومبادئ أمام هذا الزحف للموت القادم من رأسمالية الغرب الأمريكي الذي يحمل رائحة رعاة البقر ودم الهنود الحمر.

لحظات التمني القاتل الذي لا يحقق أمل...

بحاجة لأكثر من أمنية...

بحاجة لعمل...

لكن ما العمل حين تحمل معك كل هموم الناس، وتعيش برأس مال هو الإحساس.
ما العمل حين تدقق في كل حساباتك اليومية مع الناس وفي أي مكان يمكن أن تجد فيه عملاً يومياً فلا تجد من يحتاجك مدقق حسابات أو عامل بناء...

أحمق حين أفكر أنه على امتداد هذا الوطن الممتد من البحر إلى البحر يمكنني أن أقدم طلب وظيفة بدون أن يدعمني من الخلف ابن عم في دائرة الأمن أو صديق مخبر وان لا يكون الجواب لديهم ( ليس لدينا شواغر)...

أحمق حين حينما تكون طموحاتى لا توافق إمكانياتي.. في بلد إمكانياته كإمكانيات راقصة لديها إمكانيات بارزة ولا أملك خلفية ثقافية كخلفيتها...

أحمق حين أحاول منح نفسي فرصه للعيش بقناعتي، في مساحات جغرافية لا تقتنع إلا بالدعم اللوجستي المقدم عبر رسائل قصيرة عبر الجوال في برنامج مثل سوبر ستار...

أحمق حين أحلم بمساحة حرية أوسع عند إشارة المرور الخضراء للمشاة في لحظة مرور موكب الوزير أو الأمير أو الخليفة، أو ربما الهارب من السقيفة والمتسلق على مجد أجداده ليصبح نديم السلطان ومستشار وزارة الاقتصاد أو التنمية السياسية...

أحمق حين أكتب مقالة أو قصيدة وأحاول نشرها في صحيفة وأشتري الصحيفة في اليوم التالي لأحاول قراءة هذه القصيدة كاملة دون أن أراها قد تعرضت لعملية جراحية أو تجميلية أو تجهيلية عبر مقص الرقيب ومقص المحرر ومقص الفراش الذي سكب القهوة عليها في مكتب رئيس التحرير...

أحمق حين أظن أني أقول الحقيقة فيما أكتب، وفيما أُحدِث، وحتى في تفكيري مع نفسي أصدّق، فالصدق كذبة تعلمناها من قصص الأجداد مثل كرم حاتم الطائي الذي ذبح فرسه العربية ليطعم ضيفه العربي وحين دخلنا بعض الدول العربية بحثنا عن حاتم بين المباني والحارات، وجدنا أنهم ذبحوه مع فرسه للضيف الأمريكي القادم على حاملة طائرات...

أحمق حين أفكر بزيارة صديق لي وأحدثه بما أحلم دون أن أحمل معي زوادتي التي أحمل بها ملابسي لأسبوع قادم أقضيه بزنزانة أو في التجوال بين المحاكم في أمن الدولة بتهمة التمني الزائد عن اللزوم، واضع بملفي الأمني نقطة سوداء تحت عنوان (رجل حالم)...

أحمق حين أفيق من النوم باكرا مخافة أن يضيع من وقت حياتي دقائق في نومي الذي يعادل دقائق حلمه كل حياتي ظناً مني أو حماقة مني أن أظن أنه لا يجب أن أقضي كل عمري في الأحلام...

أحمق حين أحس بأني في حلمي يمكن أن أتخلص من مراقبة المخبر السري في دمي وأفكاري، وأظن أن بإمكاني الدخول للمغرب أو تونس أو لبنان دون أن يراني في الحلم موظف الحدود، أو أن أحمل معي لأسوان سجائر مهربة دون أن يمسكني قبل أن أصحو موظف الجمارك بتهمة التهريب في المنام...

أحمق حين أفكر أن فنجان القهوة الذي أرتشفه وأنا أكتب لا يحمل بداخل عتمته السمراء مقتلي، وأني سأستمر على هذا الحال إلى أن أجد من ينشر لي مقال...

أحمق أنا حين أرفض بالتحدث في أمور الدين وأنا لا افقه بها شيئا، وأن لا أُفتى بما لا أعلم لصديقي أن الإفطار برمضان لا يشبه تعدد النسوان، وأن لا أحدث العامة في أمر الخليفة والسلطان، وأن لا أركز على أن الطاعة من الإيمان وأن أفتي بجواز السحر والسير على النيران، واللعب مع الغلمان مباح من باب إرضاء الحاكم ظل الله على أرضه مثلما يفعل مفتي الأمن العام...

أحمق أنا حين أفكر أن صنع الأزمات ليس حماقة...

أحمق حين أدقق أوراق كل إنسان يعبر حدود الذاكرة دون أن أتذكر أن هنالك مليون إنسان يدقق إلى جانب مخبر السلطان كل تصرفاتي ورقم بطاقتي وعبوري في الذاكرة، وأنسى أني يجب أن أقدم أوراقي ليدققها كل موظف حكومي أو غير حكومي، أو حارسة بوابة أمر بجانبه لأني لست أجنبي في وطني...

أحمق أنا حين أنتقد كل تصرفات المجتمع وعاداته وأنا لم أزل أعيش فيه بعاداته، أنتقد الولاء الأعمى وأنا لا احمل على صدري شارة رجل أمن أو صحفي يعمل لدولة أجنبية أو أصولي يتشدق بالدولة كي تبرزه معارضة.

أحمق حين أكتب كل ما سلف من حماقاتي وأضيف ثلاثة نقط في نهاية كل حماقة أشير بها أن الحدث ما يزال مستمرا وقابل للاستئناف...

أحمق حين أعرف كل حماقاتي السالفة وأرتكبها بمحض الإرادة الحرة والحماقة الحرة...

أحلام...

أحلام حمقاء... أحلام صغيرة... أحلام مستعارة... أحلام مستهلكة... أحلام مؤجرة
لكنها أحلام...

في محاولتي في الحلم أن اقنع نفسي أني امتلك رصيدا في البنك وعلبة سجائر لم استدنه من البقالة في أخر زاوية الحارة وطاولة جديدة للكتابة، ولدي عمل ولدي سائق بلا سيارة - كي لا يصبح الحلم مبالغاً فيه - يعمل في نقل أوراقي ويشتري لي صحيفة اليوم ويعدُ لي فنجان القهوة المُرة، ويصف لي ذات مرة امرأة شقراء كانت عندي ضرة لامرأة أخرى، وأني سأسافر هذا النهار لأقطع كل الأنهار العربية دون جواز سفر دون ضرر وضرار، وأني سأحلّق مثل العصافير المهاجرة فوق كل حروف اللغة ومفرداتها ،انتقي ما أشاء من كلمات من كل العيارات والعبارات الثقيلة والخفيفة وأكتب ما شئت لمن شئت، فأفيق من النوم فلا أعرف نفسي أكون قد ارتكبت أيضا حماقة...

حين أكتشف أني أمارس حماقة بفعل ما كتبته أو فعلته فاستمر بفعله وقوله دون أن اجدد مبررا لهذه الحماقة أكون قد ارتكبت أيضا حماقة...

حين أجد شخصاً يخصني في الشارع أو في المقهى أو في السرفيس يرتكب حماقة كأن يحاول أن يحلم ولا أساعده في التخلص من حماقاته أو أسانده في حماقته وأعطيه مدى للحلم والتمادي فيه دون أذن رسمي مصدق من مختار الحارة ومدير الدائرة الأمنية المجاورة أكون قد ارتكبت حماقة...

أن أكتب كل ما سلف وآتي بعد ذلك لأكتب أحلامي الصغيرة أكون مستمرا في ارتكاب حماقة وهذا ما يسميه القانون الجريمة المستمرة، حيث تكرر الفعل بالرغم من العلم بتجريمه حسب القانون الذي يسري، وأنا أعلم أن القانون يحاكم الأحمق الذي يحلم بمنعه من النوم أكون أيضا أحمق...

بالرغم من كل حماقتي السابقة لا بد أن أكتب أحلامي الصغيرة...

لدي بعض الأحلام وهي أحلام لا تفارقني منذ الطفولة،
فعلا أحلام طفولة لأنها لا تريد أن تفارقني منذ كنت جاهلا لا أعي مصالحي، فمنذ أن بدأت أعي وافهم معنى المصلحة العامة والشأن الداخلي وأمور البيت الداخلية والسياسة الخارجية امتنعت والحمد لله عن الأحلام التي تسبب الإزعاج الأمني لغيري...

لكني....

ما زلت مصراً على اقتراف هذه الأحلام عامدا متعمدا متقصدا إثارة كل من يعارض من يعارضون أحلام الفقراء بلا سبب سوى أنهم فقراء لا يملكون ثمن حلم جديد أو علبة حليب لأطفالهم فيكررون ذات الحلم كل مساء ويعيرونه أيضا لأطفالهم الذين ينامون جوعى، وقد أفاد مصدر مسؤول رفض ذكر اسمه أن بعض الفقراء يعيرون هذه الأحلام المستعارة لأصدقاء مقربين لهم، وذكرت صحيفة رسمية أنهم وفي حالات يأجرونها أحلاماً مفروشة وغير مفروشة...

أحلم بغرفة صغيرة أُعلق بها صورة لطفل رثِّ الثياب يخاطب ضفدع... لكنه يضحك رغم كل ما يتملكه من غضب وتملق...

أحلم في غرفة صغيرة نظيفة لا تملأها أكواب القهوة المُرة البلاستيكية من النوع الرخيص التي أبتاعها من صاحب المقهى اسفل منزلي لأني لا أملك غازا لتجهيز قهوة الصباح رغم أننا كدول عربية من أكبر الدول المصدرة للغاز في العالم...

بالفعل مفارقة غريبة حين تحلم أن تمتلك ما تمتلكه...

أحلم بأن أقرأ الصحيفة اليومية كل صباح وتكن أخبارها من ذات اليوم، ولا اقرأ الصحيفة التي أتي بها من المخبز حين يغلف لي الخباز الخبزً بجريدة البارحة وأخبارها ذات المذاق الغباري القديم.

أحلم بامتلاك طاولة صغيرة أتمكن من كتابة مقالاتي عليها بدلا من طاولتي المهترئة التي دوما تكلمني حين أكتب وأحسها تُملي عليَّ كلماتي عبر الصوت الذي تصدره نتيجة رقصها الدائم والمسامير البالية التي تحفرها من كل النواحي، وان لا اسقط في تقديري للأمور مثلما تسقط تلك الطاولة حين أحس بغضبي من فكرة تقف برأسي وترفض الخروج منه رغم كل النظريات التي تؤكد عدم صحتها فأطرق بيدي على الطاولة صارخا :........ كيف ‌؟؟؟

حين أصف أحلامي الصغيرة ولا أجد من يقرأها غير نفسي أكون قد ارتكبت حماقة، ولكن من الحماقة أيضا أن أسمح للناس بقراءة حماقاتي...

ألم أقل منذ البداية أني أحمق يملك أحلاما صغيرة...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى