الاثنين ٢٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٨

ضرتي

بقلم:د/عطيات أبو العينين

بيتي، مملكتي الخاصة، فيه أشعر بهويتي، صنعت كل ركن من أركانه، شعرت بكل لمسة من لمساته، طالما حلمت بنفسي فيه أميرة متوجة، وبالسلطان الذي سوف يعيش فيه معي، وأعيش معه كأميرة، كثيرا ما خشيت قبل أن أتزوجه أن يأخذني النوم منه، وكيف يغمض لي جفن وأنا معه وبجواره

مر عام علي إنشاء مملكتي وسلطاني معي، كانت أقصى سعادتي عندما نتبادل الزيارات مع الأقارب والأصدقاء، فنتحادث عن المستقبل عن أطفالنا الذين لم يولدوا بعد، وكأنهم حقيقة واقعة يعيشون بيننا.

وجدته هذه الأيام مشغولا جدا.. ربما هناك شيْ ما في العمل يستحق مزيدا من الاهتمام. قل الوقت الذي كنا نجلس فيه سويا. وعندما كنت أسأله عن سر تغيره المفاجئ كان يتهرب من سؤالي بأي شيء. لكنني سمعته ذات مرة يسأل زميلا له في التليفون عن شيء ما. قد يكون ماركة لجهاز أو سيارة لم أتأكد بعد، تركته وشأنه لحين يخبرني به هو.

تأخر على غير عادته.. خرج منذ الصباح ولم يأت بعد.. ساورني القلق عليه، لم أعتد منه هذا التأخير منذ زواجنا. عند منتصف الليل سمعت ضجة خارج البيت أرهفت السمع عرفت صوت زوجي وعبد المتعال البواب.. فتح باب الشقة ووجدتهما يدفعان شيئا داخل الحجرة وما أن أغلق الباب وانصرف البواب حتى انفجرت كالمدفع:

  أين كنت طول اليوم، ولماذا لم تتصل بي ؟

وجدته غير عابئ بما أقول. تخيلت أني أحادث نفسي، لولا أنني أراه أمامي.. وبكل هدوء رد على ثورتي العارمة..

  اشتريت كمبيوتر..

نظرت له بغيظ ثم سألته وأنا أزفر بشدة:

  أحضر لك العشاء.

كأنه لم يسمعني، مضى يتحدث عن الكمبيوتر كأنه مخترعه وأنه سوف يحقق بهذا الجهاز العجيب ما لم تحققه البشرية طوال عمرها المديد. تركته ودخلت لأنام بعد أن تجاوزت الساعة الثانية صباحا، حتى أنني لم أذق أي طعام منذ الصباح، فقد تعودت ألا أتناول طعاما بدونه..

استيقظت عند الفجر.. تحسسته بجواري. لم أجده. اندفعت أبحث عنه في أرجاء الشقة. سمعت هسيس أصوات صادرة من حجرته المغلقة كأن أشباحا تجوس فيها. فتحت الباب، وجدته قابعا أمامه.. وقد احمرت عيناه ولا يزال بملابسه..

  ألن تنم ؟
  ليس الآن. اكتشفت مواقع جديدة على الإنترنت..

صفقت الباب خلفي بقوة واندفعت نحو حجرتي وأنا أتميز غيظا. هل شعر بي ؟ هل أحس بما يعتمل بداخلي ؟. أبدا. اتسعت الهوة بيننا.. أنا في حجرتي الضيقة أعيش وحيدة كأنني في عالم واسع مترامي الأطراف، وهو العالم عنده قرية صغيرة طيلة النهار والليل معه أمامه يتلمسه يتحسسه يحتضنه. ونسي تماما أن هناك امرأة في حياته. كدت أجن.. حتى الوقت الذي لا يعمل فيه بجدية علي هذا الجهاز اللعين كان يلاعبه ويلهو معه أصبحت بينهما لغة للحوار في الوقت الذي انعدم فيه الحوار بيننا

سخطا لتلك الحضارة التي أنجبت لنا هذا الجهاز اللعين الذي خطف زوجي مني. أصبحت أغار منه بل صرت أكرهه. لذلك قررت في نفسي شيئا ما..

في اليوم التالي عاد من الخارج متلهفا للقاء محبوبه الذي غاب عنه طيلة النهار.. دخل كعادته حجرة مكتبه.. ما أن وقعت عيناه عليه حتى أصيب بحالة هستيرية اتهمني بالجنون والتخلف والغباء.. وبأن لدي الرغبة في التحطيم ومن الأفضل لي أن أعرض نفسي على أخصائي قبل أن أحطم من حولي وأخيرا قال كلمته الفاصلة التي يقولها كل رجل لامرأته عندما تضيق به السبل وتعييه الحيلة.

لا يهم يكفيني أنني انتقمت لكرامتي وكبريائي الجريحين.. وحطمت ضرتي.. درته الغالية..

بقلم:د/عطيات أبو العينين

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى