الاثنين ٢٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٨
بقلم جمال غلاب

قراءة نقدية في (أوجاع امرأة خلعتها القبيلة)

الاهداء : إلى والدي العزيز وأستاذي اللبيب محمد الصالح الصديق الذي لقنني حكمة ّ
ّ عد ولا تعد أهدي عصارة جهدي هذا المتواضع.

علق الروائي (طاهر وطار) عن المجموعة القصصية المعنونة ب : أوجاع إمرأة خلعتها القبيلة بقوله : هذه المجموعة القصصية إضافة لفن القصة القصيرة في الجزائر، وإضافة جادة للكتابة النسوية في بلادنا ـ.

...و أنا بدوري سوف أبدأ من حيث انتهى المعلق. بغية الاطلاع على مستوى النضج الذي بلغته الكتابة النسوية في مجال القصة تحديدا ؟. وكما هو متعارف عليه في الأوساط الابداعية. أن فن القصة التي نعني بها حضور مجموعة من العناصر الفنية المتمثلة أساسا في القدرة على الوصف، وابراز الحدث بالنص، واشتغال على جماليات اللغة، والقدرة على تحليل المشاعر النفسية..و من هنا سوف أنفرد بنص القصة المعنونة * بأوجاع امرأة خلعتها القبيلة *

لقد توخت القاصة في هذ ا النص القصصي طابع التسجيلي لسيرتها الذاتية، ولأهم محطاتها الحياتية.... وهو ما صرحت به في أكثر من منتدى أدبي أنها تربت في دير للراهبات. وبمعنى أوضح وأدق أنها عاشت تجربة صعبة في طفولتها ممزقة بين ثقافة شرقية وثقافة غربية وقبل الوصول إلى عتبات الرشد والنضج حينها تبقى علامات استفهام تحتاج إلى أكثر من جواب من القاصة المبدعة جميلة زنير ؟. كما يتطلب من القارئ الضمني أن يضع كل هذه المعطيات في كل اعتبارته القرائية للوصول إلى جوهر الحقيقة التي تريد القاصة نفثها كاملة ؟ والمقصود بالقارئ الضمني أو القراءة الضمنية وهي آخر ما توصلت اليه جهود النقاد في العالم لأهميتها في تفاعل المتلقي مع النص والتجاوب معه تارة مثريا وطورا محللا ومحاورا.

لقد اعتمدت القاصة ثانيا في ملامسة مشاعرها وأحاسيسها على فن المحاكاة لتتعداه إلى كل ما هو حي وجامد قصد الغوص في جوعر الحقيقة. ولإدراك الحقيقة بالمحاكاة لا يعني نقل صور طبيعية من الطبيعة. أو تصويرها تصويرا فوتوغرافيا بدون نقد ولا تحليل ولا مناقشة بل المحاكاة عند القاصة هي أداة فنية تتد خل بين ما سلف ذكره لتضيف لمسات جديدة على ما هو حي وجامد لكي يكتمل بناءه وحتى يظهر في صورة جميلة أو تصحيحه وترشيده وهو ما نجحت القاصة في الوصول إلى تنفيذه. من خلال تدخلها الايجابي والمناسب مما نتج عنه فتح جملة من الفضاءات التي بدورها بينت تفاعلات القلق والحيرة على مستوى حبكة القصة.

و ما يلفت الانتباه في النص القصصي أن شكله مضمونه يتوفران على التجانس والتناغم بحيث جاءت عناصر السرد مكتملة والمقصود بعناصر السرد ـ المكان والزمان والشخوص والحوار واللغة والخيال..الخ. والنص القصصي لا يعتمد على التجربة الحياتية للقاصة فقط بل يتعداه أيضا إلى ما علق بذاكرة القاصة من نصوص تكون قد تخمرت بذهنها ونتيجة التصادم والتفاعل من خلال تأثرها وتأثيرها في محيطها... هذا كله ألقى بظلاله على نصها فجاء راقيا وناضجا. حيث جاء ـ أي النص ـ ثريا ـ بالدلالات النصية وهو ما أنعكس على بنية اللغة والمقصود بالتناص عند الدارسين الأكدميين هو بروز نص جديد من خلال تراكم مجموعةمن النصوص. ومثل هذه الخاصية يتميز بها المبدعون عن غيرعم وعلى سبيل الاستدلال وهو ما يوضحة أرتير رامبو الشاعر الفرنسي عند تعريفه للغة : بأنها كمياء..ـ وبامكان المبدع أن يشتغل على مخبر ذاكرته لابتكار نصوص ذات لغة جديدة....
و بخصوص الوجوه البلاغية التي جنحت اليها القاصة.. فقد اختارت منها عنصرالمجاز لتدل على أفكار جديدة بحكم أن المجاز يكسب وضوحا وسموا وجاذبية.. والمجاز الذي أطنبت فيه القاصة من باب الايجاب.. تكون قد استندت عليه كوسيلة من وسائل الإحاء بالحقيقة عن طريق الخيال وبالنسبة لنا كمتلقين تعد مثل هذه الخاصية نوعا من البراهين التي تلقى قبولا عاما. وبخاصة لدى من يعتمدون على مشاعرعم أكثر مما يعتمدون على سلطان عقولهم. والغاية من بروز المجاز بشكل مكثف بنص القصة القصد منه تدعيم الحجة وتقوية المعنى وتحريك المشاعر للوصول إلى الاقتناع.

وهذه بعض العينات من صور المجاز بنص القصة القصة : ـ تجنح أحلامي وأنا الولهى يشدني الحنين فيحملني كف الشوق إلى مدينة باحت لي بمكنون السر....... فأعتلي سطوح القصور والمنازل لأستحم بضؤ القمر.. ويتوضأ الليل معي فاقترب من السماء لأقطف الأنجم....الخ. ولو حاولنا التمعن أكثر في النص وفي طريقة كتابته لأستخلصنا أن الميزان الذي وظفته القاصة في معظم فقرات النص هو : المحسوس ونصف المحسوس والمجرد ـ

وبخصوص الحدث فان جميلة زنير توحي من خلال عقدة الحدث أو قمة الحدث أنها عاشت معاناة صعبة في طفولتها التي يبدو كمونها ظاهرا على السطور وخاصة في المقطع التالي : ـ في باب السور السق ظهري حيث تتقاطع بي الدروب أحتار أين أقصد أبيتنا العتيق أم مدرسة الحياة للبنات.. أم سيدي أحمد أمقران أم المرسى. تتحدد المسافات أمامي وتتقاطع وجيجل غارقة في صمت والندى وأنا أشد الأعنة أسحب خلفي قافلة محملة بالأشواق والأوجاع وذكريات والصبا.. ـ عملية التقاطع التي أسست لها القاصة في هذه الفقرة نتج عنها مجموعة من الاختناقات التي بموجبها أزيح الستار عن الصراع النفسي والفكري اللذين لازما القاصة طيلة طفولتها الأولى فهي تبدو من خلال النص غارقة في التيهان ؟.
ومن خلال تحليل مشاعرها النفسية قصد الخروج من الدهاليز المظلمة بغية المسك بخيوط الحقيقية وفي زحمة هذه الصراعات النفسية يكتمل الحدث.

الحدث الذي نجحت القاصة في ابرازه بنص القصة يجعلنا نقر بأن القاصة الانسانة ليست ككل الجزائريات ـتربية وتكوينا وثقافة ـ وهو ما توضحة شراسة المعاناة التي غزت كامل وجدانها فهي لم تكتشف واقعها الذي تمتمد جذوره إلى الوالي الصالح ـ أحمد أمقرات ـ والمرسى ومدينة جيجل الا من بيتها القديم الذي هو عبارة عن دير للراهبات البيت الذي تربت فيه ومن هنا يبدأ جوهر الصراع فلمن تنتصر القاصة ياترى : لدير الراهبات أم لسيدي أحمد أمقران ؟.

وتواصل القاصة رحلة بحثها عن الحقيقة، معتمدة في ذلك على قدراتها الفكرية مطبقة العقلية ـ أعرف الحق تعرف أهله وأعرف الرجال بالحق ولا تعرف الحق بالرجال ـ.و شحناتها الفنية فمن خلال محاكاتها لثقافتين ثقافة الدير وثقافة الولي الصالح تغوص بذاكرتها المثخنة بالجراح في جسد ووجدان امرأة خلعتها القبيلة. وفي حنايا وجدانها تتوقف مستقرئة ما كان يزلزل كيانها من مشاعر عبر تقاطع ممرات الأحداث التي تظهر في شكل لوحات فنية كل لوحة منها تفصح عن سر يحتاج إلى استكناه... اضافة إلى بروز شبكة من الدلالات الدالة على الترميز ومن خلال توظيفها لشعورها الصادق نجحت في نسجه وحبكه تقديما وترتيبا وتسلسلا......

و كما أسلفت الذكر القاصة استندت في تعبيرها على تقنية اللوحات وهي طريقة حديثة وذكية تساعد على تبليغ الفكرة وكمثال على ذلك سوف اختار لوحتين لتوضيح المقصد :
اللوحة الأولى : صورت فيها القاصة الحياة اليومية للراهبات من خلال تمسكهن بقيم الكتاب المقدس التي توحي بالطهر وعدم كشف الراهبات على مفاتنهن وتدبرهن في الكون والله والقيام بالصلوات... الخ كل هذه المظاهر كانت تحدث في نفسية القاصة ردات فعل مبهمة. وما يلفت الانتباه في هذه اللوحة أن القاصة تثير فينا حاسة التشويق وخاصة عند عدم الكشف وتوضيح ما يسره الدير من أسرار التي قد تتسع لكتابة نص روائي من لدن القاصة.

اللوحة الثانية : القاصة بعد أن تتخذ من ضريح سيدي ـ أحمد اقران ـ مكانا آمينا وبعد أن تتخلص من الغربة المرهقة والتي كانت تتخبط فيها في دير الراهبات التي سئمت من أصواته الاستفزازية وحشرجات الرحى التي لا تقف عن الدوران والضبابية التي تغرق الدير تنتقل إلى الافصاح عن سر مفاده بأن الوضع داخل ضريح سيدي ـ احمد امقران ـ أرحم وأحسن والطف بقولها :

أنا أتطهر بقداسة المكان الذي لا يضجر منا أحياء أو غرباء أو فقراء.. ندخله مرتلات القرآن فينقض علينا الصمت،........ بعد هذا العرض السريع لأهم مال تضمنته اللوحتان وما سبقه من تفكيك وتشريح لمكونات القصة لغويا وفنيا وفكريا فانه حري ب أن انتهي إلى ما انتهى اليه الروائي ـطاهر وطار ـ كون أن النص تتوفر به جميع مواصفات القصة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى