الاثنين ٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم حسن خاطر

فضيحة القراءة في العالم العربي

تكشف أحدث الإحصاءات... أن الفرد الأوربي الواحد يقرأ بمعدل 35 كتاباً في السنة، والفرد الإسرائيلي يقرأ 40 كتاباً في السنة، أما في الدول العربية فإنّ كل 80 شخصاً يقرءون كتاباً واحداً في السنة. وطبعا هذا متوسط الإحصاءات..
.. بعبارة أخرى، وحسب لغة الأرقام:

• 80 عربياً يقرءون كتاباً واحداً

• أوربي واحد يقرأ 35 كتاباً.

• إسرائيلي واحد يقرأ 40 كتاباً

إذاً، لكي يتم قراءة 35 كتاباً باللغة العربية، فإننا نحتاج إلى (2800 عربي) وهو رقم 80 عربي × 35 كتاباً.!!!!!

ولكي يتم قراءة 40 كتاباً، فإننا نحتاج إلى (3200 عربي) وهو رقم 80 عربي × 40 كتاباً!!!!!

الحصيلة:

ـ ثقافة أوروبي واحد = ثقافة 2800 عربي

ـ ثقافة إسرائيلي واحد = ثقافة 3200 عربي

على أي حال، لو كانت هذه الإحصائية صحيحة، لكنا بخير، لا بل بألف خير، لأن الأرقام التي تصدر عن دور النشر تشير إلى واقع أسوأ من ذلك بكثير. وحسب إحصائية اليونسكو فإن الدول العربية أنتجت 6500 كتاب عام 1991، بالمقارنة مع 102000 كتاب في أمريكا الشمالية، و42000 كتاب في أمريكا اللاتينية والكاريبي (تقرير التنمية البشرية لعام 2003، النسخة الإنجليزية، ص 77).

وإذا كانت بيانات اتجاهات القراءة غير متوفرة في العالم العربي لغياب الإحصائيات الدقيقة، فإن الكتب الأكثر مبيعاً حسب معرض القاهرة الدولي للكتاب هي الكتب الدينية، تليها الكتب المصنفة بأنها تعليمية ومن خلال متابعتنا لأخبار معارض الكتاب في الدول العربية، فإن ترتيب الكتب الأكثر مبيعاً هي التالي: الكتب الدينية، كتب الطبخ، كتب الأبراج.

الترجمة:

وعندما نعود إلى التقرير التنمية المذكور، فإن المعطيات التي يوردها حول الترجمة إلى اللغة العربية تبين بأن الدول العربية ككل هي أدنى القائمة، إذْ قال التقرير إن اليابان تترجم حوالي 30 مليون صفحة سنوياً. في حين أن ما يُترجم سنوياً في العالم العربي، هو حوالي خُمس ما يترجم في اليونان. والحصيلة الكلية لما ترجم إلى العربية منذ عصر المأمون إلى العصر الحالي 10000 كتاب، وهي تساوي ما تترجمه أسبانيا في سنة واحدة.

وتبين مقارنة أعداد الكتب المترجمة إلى اللغة العربية مع لغات أخرى سِعةَ الهوة بين العالم والعربي بمجمله وبين أية دولة في العالم، ففي النصف الأول من ثمانينات القرن العشرين، كان متوسط الكتب المترجمة لكل مليون، على مدى خمس سنوات هو 4.4 كتاب (أقل من كتاب لكل مليون عربي في السنة) بينما في هنغاريا كان الرقم 519 كتاب لكل مليون، وفي أسبانيا 920 كتاب لكل مليون.

إضافة لذلك، فحتى المقارنة العددية بين العناوين لا توضح بشكل كافٍ مدى بؤس الثقافة في العالم العربي، فعدد النسخ المطبوعة للعنوان هي ألف نسخة، وفي حالات خاصة، وعندما يكون المؤلف ذائع الصيت، فقد يبلغ عدد النسخ رقم 5000 نسخة، وبالتالي فإن المقارنة لا تكون صحيحة على أساس عدد العناوين التي تصدر بالعربية، طالما طبعة الكتاب الواحد في الغرب تتجاوز الخمسين ألف نسخة. ولهذا فنسبة كتاب واحد لكل ثمانين عربياً رقم يتجاوز الواقع، ونجد أنفسنا مرغمين على قبول ما جاء في المعطى التالي:

"إن كل 300 ألف عربي يقرءون كتاباً واحداً، ونصيب كل مليون عربي هو 30 كتاباً".

هذا الرقم الأدق يترجم إلى المعادلة التالية: ثقافة غربي واحد أو إسرائيلي واحد = ثقافة مليون عربي.

ظلام الجهل الذي يعم العالم العربي لا يشمل ميدان عالم الكتاب فحسب (تأليفاً وترجمةً وقراءةً)، بل يشمل حتى القدرة على القراءة والكتابة، ففي الوقت الذي صار فيه تعلم اللغات الأجنبية وإتقان التعامل مع أجهزة الحاسوب معياراً جديــداً للتعليم، فإن عدد الأميين في العالــم العربي وحسب ما صدر عن اليونسكو يبلغ (60) مليون من أصل (300) مليون. وقد لاحظ هذا الإعلان عن الأمية في العالم العربي أن التعليم الأساسي يحتاج إلى ست مليارات دولار سنوياً، وهذا رقم صغير بالمقارنة مع 1100 مليار تذهب إلى الإنفاق العسكري، و300 مليار إلى الإعلانات، و500 مليار ينفقها العرب على التبغ كل عامٍ.

هذه الأرقام، تُظهِرُ وضعاً مؤلماً تعاني منه الشعوب العربية، لا نفيه حقّه حتى إن وصفناه بالتخلّف الحضاري، والسؤال الذي ينتظر الإجابة:

هذه الشعوب التي لا تقرأ ـ وحتى لا تعرف القراءة ـ هل تستحق فعلاً أن تحلم بأن يكون لها دور في المستقبل، بينما لم تبلغ سن الطفولة الحضارية بعد؟هل تحتاج هذه الشعوب حقاً إلى مؤامرة لتكون متخلفةً؟ وأي تخلف أكثر من أن تعادلَ ثقافةُ مليون فردٍ في أمّةٍ ثقافةَ فردٍ واحدٍ في أمةٍ أخرى؟بعد كل هذا، ألا يجدرُ بأولئك الذين لا يفتأون يتحدثون عن الأخطار والمؤامرات التي تهدد كيان «الأمة»، أن يتساءلوا: مَنْ يُشَكِّلُ خطراً على مَنْ؟

والسؤال مفتوح لي ولك... بل لأفراد الأمة العربية ككل... هل سنقرأ لننهض بأنفسنا وبالأمة ؟!!.

القراءة ومساحات العقل

مقال نشرته جريدة الرياض السعودية – العدد 14017 بتاريخ 9 نوفمبر 2006 للكاتبة السعودية رجاء عالم وأنقله لكم للوقوف على مدى أهمية القراءة..

كتاب (تاريخ القراءة) للكاتب (ألبرتو مانجوي، يتكلم عن اكتشافه لهذا العالم السحري (عالم القراءة)، والذي يخترق بالمرء لعوالم خارج عالمه ولم تخطر له على بالٍ، ويُلاحق مانجويل ما توفره الكتبُ من مساحات في العقل البشري والتاريخ والمجهول. يبدأ الكتاب بلوحات تُصَوِّر القُرَّاء الأهم عبر التاريخ، لوحة تمثل أرسطو يقرأ مخطوطة، ولوحة رُسِمَت لفيرجيل بعد خمسة عشر قرناً من وفاته بوشاحه وبنظارتيه على أنفه الأقنى يقرأ مخطوطة، وأخرى للقديس دومينيك وأخرى للعاشقين باولو وفرانشيسكا تحت شجرة يقرآن بيتاً للشِعر سيقودهما في النهاية لدمارهما... ولوحة لعيسى بن مريم طفلاً يقرأ ويشرح من كتاب لكبراء قومه في المعبد بينما هم مذهولين وغير مصدقين يُقَلِّبون صفحات الكتاب للبحث عن إجابات لتلك المعجزة.

يبدو ميجويل مسحوراً بفعل القراءة، ويضمِّن ذلك الافتتان في كتابٍ هو مزيج من البحث العلمي والمقالات، يقول:

(نقرأ لنجد النهاية، من أجل خاطر الحكاية، نقرأ لكي لا نصلها، من أجل خاطر القراءة، نقرأ باحثين كمتتبعي الأثر، غائبين عن محيطنا. نقرأ بذهن مشتت، نقرأ صفحات دفعة واحدة... نقرأ في زخَّات من المتعة المفاجئة، دون أن نعرف ما الذي جلب تلك المتعة، "ما بحق السماء هي هذه المشاعر؟" تساءلت ريبيكا ويست بعد قراءتها لمسرحية الملك لير، "ما تأثير الملاحم الفنية العظيمة على حياتي والتي تُحرِّض فيَّ كل هذه السعادة؟" الحقيقة أننا لا نعرف، لأننا نقرأ بجهل، نقرأ مقيدين بكبريائنا، ممسوخين، نقرأ بكَرَمٍ، مصطنعين الأعذار للنص، ونملأ الثغرات، ونرتق الأخطاء، وأحياناً، عندما نكون محظوظين، نقرأ بأنفاس محبوسة، برعدة، كما لو أن ذاكرة قد تم إنقاذها للتو وفجأة من الضياع من مكان سحيق من نفوسنا. هذا الإدراك المباغت لشيء لم نعلم من قبل أنه هناك، أو لشيء كنا نشعر به وبشكل غامض مثل اختلاجة نور أو ظِل، والذي ينبعث خياله الشبحي ويخطو عائداً داخلنا قبل أن نستطيع رؤية ما هو).

و كما يقول تعليق مارجريت فيزر، (هذا الكتاب هو تاريخ أنفسنا، ويحتفل بأكثر ممارساتنا متعة: فعل القراءة).

يقول الكاتب أنه قد تعلَّمَ القراءة في سن الرابعة، ومنذ ذلك الحين صارت القراءة هي المعتكف الذي يلجأ إليه وسط الزحام ويشعر بالخصوصية فوق قدرة الآخرين على اقتحامه. بينما لم يتعلَّم الكتابة قبل سن السابعة، يقول إنه كان بوسعه أن يحيا من غير الكتابة بينما ليس بوسعه أبداً أن يحيا بلا القراءة، المجتمعات كلها بدأت بل ووُجِدَت بالقراءة حيث إن الكتابة تقتضي وتسبقها قراءة وترجمة رموز المجتمع والطبيعة قبل أن يشرع الكُتَّاب بإطلاق أقلامهم لكتابتها.

و في غمرة دخوله المبكر لعالم القراءة واستسلامه لسحرها صار ميجويل يقرأ كل شيء: الملاحظات، الإعلانات المطبوعة وراء تذكرة الترام، والرسائل الملقاة في الزبالة، والجرائد التي تذروها الرياح تحت مقعده في الحديقة. وقرأ أن سيرفانتس في ولعه بالقراءة كان يقرأ مزق الأوراق الملقاة في الشارع، وأن ما دفعه لهذا التنقيب هو هذا التقديس للكتاب. يقول إن الإسلام مضى في تقديس القراءة لحد أنه نَزَّه القرآن أن يكون من مخلوقات الله بل هو كلام الله مُتَعَلِّقٌ بذاته، وحيث إن ذاته أزليِّة ليس فيها حدوث، صار القرآن صفة أزليِّة من صفات ذاته كالرحمة أو مثل وجوده الكلي المعرفة، فالقرآن هو رحمة من رحمته وشفاء من شفائه وهداية من هدايته.

يقول ميجويل إنه قد تلقى خبراته الأولى من القراءة، حتى صار فيما بعد وحين تدرَّج في الحياة وكلما صادف موقفاً أو شخصية تشبه تلك التي سبق وصادفته في الكتب، يشعر بخيبة وبصعقة الإعادة، (مثل مشهد يعاد لعبه على خشبة مسرح) يقول لقد سبق ومرَّ بي هذا الموقف في الكلمات. يقول: "لقد وجدتُ في فكرة الشيء حقيقةً أكثر مما في الشيء ذاته، لأن الفكرة قد أعطيت لي ابتداءً وأُعطيت لي كشيء، كعَالَمٍ قائم، لقد حصل أن التقيت بالكون في الكتب: مهضوماً، مُصَنَّفَاً، مُعَنوناً، مُتَأمَلاً فيه، محتفظاً رغم كل ذلك برهبته" ويستشهد بمقولة عالم النفس جيمس هيلمان الذي يرى أن الأطفال الذين قرأت لهم القصص في طفولتهم يتقدمون على أولئك الذين سيتعرفون مؤخراً على القصص، يقول: "القدوم المبكر برفقة الحياة المقروءة هو منظور عميق للحياة يتسلح به الطفل، وأن خزين القراءات المبكرة برأس القارئ هي حياة معاش فيها ومن خلالها، وهي الطريقة التي تجد بها الروحُ ذاتَها في الحياة".

يقول لقد أردت أن أحيا بين الكتب، لذا فحين بلغتُ السادسة عشرة عملت بعد المدرسة في مكتبة بيجماليون، واحدة من ثلاث مكتبات متخصصة في الكتب الأنجلو جيرمانية في بوينس آيرس، لصاحبتها ليلي ليباك، والتي عهدت لي بمهمةٍ يومية هي نفض الغبار وتنظيف كل كتاب من الكتب اللانهائية على أرفف المكتبة. الوسيلة التي شاءت بواسطتها أن تضمن معرفتي لكامل مخزون الكتب ومواقعها على الأرفف "يُعَلَّق" للأسف فلقد أغرتني الكتب بما هو أفدح من مجرد تنظيفها، أرادتني الكتبُ أن أحملها بين يدي وأفتحها وأتفحَّصها، وأحياناً لم يكن ذلك كافياً، في مرات قليلة لقد قمت بسرقة الكتاب الذي يُغريني. لقد حملته لبيتي مدسوساً في معطفي، لأنه لم يكن كافياً أن أقرأه فقط، كان من الحيوي أن يصير ملكي. وتعترف الروائية جامايكا كينكيد، بجريمة مماثلة حيث أقدمت على سرقة بعض الكتب من مكتبة طفولتها، وتعترف بأنه لم يكن في نيِّتها السرقة وإنما، "بمجرد قراءتي للكتاب لايعود بوسعي مفارقته".

يقول ميجويل "سريعاً ما اكتشفت أن المرء ببساطة لا يقرأ رواية الجريمة والعقاب، لكن المرء يقرأ نسخة معينة لتلك الرواية، نسخة مُمَيِّزة بشيء من الخشونة أو النعومة لأوراقها، برائحتها، بشق طفيف في صفحة 72، ودائرة كوب القهوة على الركن الأيمن للغلاف الخلفي.

في القرون الوسطي، ربما قام الناسخون بتصحيح نسختهم من النصوص التي ينسخونها، وبالتالي ينتجون لنا نصوصاً أدق، رغم ذلك، وعلى أية حال فإن النسخة الأولى التي تقع بيدي وأقرأها تظل هي المقياس أو النسخة المُنَقَّحة المثلى التي أقيس عليها بقيِّةَ النُسَخِ، لقد أوهمنا اكتشافُ الطباعة بأن جميع القراء الذي يقرأون دون كيشوت يقرأون نفس الكتاب. بالنسبة لي، حتى اليوم، أشعر كما لو أن اختراع الطباعة لم يتم، وأن كل نسخة من أي كتاب هي نسخة فريدة فرادة طائر الفينيق.

مُتَضَمَّناً في كل كتاب نملكه يكمن تاريخُ القراءات السابقة التي تَمَّت لذاك الكتاب. بمعنى أن كل قارئ جديد للكتاب يتأثر بما يتخيله عن الأيدي التي تناولت الكتاب قبله. فمثلاً نسختي من سيرة كبليج (شيء من نفسي) والتي اشتريتها مستعملة من بوينس آيرس، تحمل قصيدة مكتوبة باليد مؤرخة بيوم وفاة كيبلينج، لقد أَثَّرَت هذه القصيدة على قراءتي لكيبلينج، وأدخلتني في جدلٍ مع شاعرها المجهول، وصارت تلك الحوارات جزءً من سيرة كيبلينج. لذا فإن الكتاب يحمل تاريخه الخاص لكل قاريء يقع بين يديه".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى