الاثنين ٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم جميل حمداوي

من أجل سياسة جهوية موسعة بمنطقة الريف

تمهيـــد:

أعلن ملك المغرب جلالة الملك محمد السادس نصره الله يوم سادس نوفمبر من سنة 2008م في خطابه السامي بمناسبة عيد المسيرة قراره الإصلاحي على المستوى الدستوري، والذي يتمثل في العمل بالسياسة الجهوية من خلال الارتكاز على ثلاثة مبادئ رئيسية وهي: الوحدة، والتوازن، والتضامن. بيد أن هذه السياسة الإصلاحية الشاملة التي ستنفذ في كل ربوع المملكة المغربية ستعتمد على سياسية جهوية متقدمة متدرجة لخلق أقطاب إدارية واقتصادية متنافسة. يقول العاهل المغربي في نص خطابه:" لذلك قررنا، بعون الله، فتح صفحة جديدة في نهج الإصلاحات المتواصلة الشاملة التي نقودها، بإطلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة، تشمل كل مناطق المملكة، وفي مقدمتها جهة الصحراء المغربية، مؤكدين عزمنا الراسخ على تمكين كافة ساكنتها وأبنائها من التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية ضمن مغرب موحد، سواء بإقامة جهوية واسعة وملائمة، وذلك طبقا لإرادتنا الوطنية، أو من خلال الحكم الذاتي المقترح متى تم التوافق السياسي بشأنه واعتماده كحل نهائي، من طرف المنتظم الأممي."

1- مفهوم الجهوية الموسعة:

من المعروف أن المغرب دولة بسيطة في بنيتها الدستورية، وتأخذ بالسياسة المركزية الموحدة على غرار فرنسا من خلال تجميع السلط وتركيزها في العاصمة. وعلى الرغم من وجود سياسة اللاتمركز على مستوى تقطيع التراب الوطني إلى جماعات محلية وجهات متكاملة. إلا أن هذا التقسيم الترابي والإداري لم يعط ثماره المرجوة المنتظرة، ولم تتجسد منافعه ميدانيا وإجرائيا ليستفيد منها الشعب المغربي قاطبة على الرغم من المجهودات الجبارة التي يقوم بها العاهل المغربي من أجل إسعاد شعبه الوفي، بل بقي تقسيما شكليا بسبب وجود الوصاية المركزية، وبيروقراطية الرقابة، وعدم ثقة المواطنين في المسؤولين ومجالسهم المحلية، وتفاوت الجهات من حيث الموارد المادية والمالية والبشرية.

ومن هنا، كان التفكير جديا في خلق جهات تنموية موسعة متقدمة من أجل تحقيق التنمية البشرية الحقيقية، ومن أجل تطويق الحركات الداعية إلى الانفصال كما في الصحراء أو إلى الحكم الذاتي كما في منطقة الريف ومنطقة سوس. ويعني هذا أن الجهوية الموسعة مطلب سياسي تنموي يعبر عن قمة الديمقراطية والانفتاح والوعي الذي وصل إليه المغرب في تعامله مع القضايا الوطنية والدولية.

وكثير من الدول الأوربية قد أخذت على المستوى السياسي بالجهوية الموسعة كإسبانيا وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا وسويسرا من أجل حل مشاكلها العويصة الناتجة عن مطالب ثقافية ولغوية وعرقية وإثنية.

وحسنا فعل المغرب عندما أعلن ملكه محمد السادس نصره الله الأخذ بسياسة الجهوية الموسعة من أجل تجاوز الدولة الموحدة الممركزة، وتخطي الدولة الموحدة اللامركزية استعدادا للانتقال إلى إرساء الدولة الموحدة الآخذة بالجهوية من أجل استدماج جميع المغاربة في بنية وطنية واحدة متضامنة ومتوازنة ومتكاملة ومندمجة، ولكنها تتمتع جهويا بامتيازات إيجابية على مستوى التدبير الإداري والمالي والسياسي مع احترام السيادة وشرعية البيعة ووحدة العلم والعملة والدفاع عن وحدة التراب.

وبتطبيق المغرب لسياسة الجهوية الموسعة الحقيقية سيكون قد دخل عالم الديمقراطية من أبوابها المفتوحة على مصراعيها، وصار أول دولة عربية تطبق الجهوية الموسعة بمفهومها التنموي المتقدم لصالح المواطن المغربي الذي صار بدوره يشارك في بناء جهته ووطنه بطريقة تشاركية إبداعية ووظيفية من أجل تحقيق التقدم والازدهار.

وبهذا المفهوم للجهوية الموسعة، لانظن أن هناك اختلافا كبيرا بينه وبين الحكم الذاتي ماداما يعترفان بالسيادة الوطنية والبيعة الشرعية وسلطنة الملك والتبعية للإدارة المركزية في ما يتعلق بدستورية القوانين والتشريعات.
وإذا طبق المغرب الحكم الذاتي في الصحراء، فمن الأفضل أن يطبق هذا الحكم في المغرب كله بشكل ديمقراطي دستوري، ومن المستحسن أيضا أن يمنح ذلك الحكم للريف وسوس وباقي الجهات الأخرى التي ترى نفسها قادرة على التسيير والتدبير الذاتي وتشكيل قطبها الجهوي التنموي. أما إذا خصصنا الصحراء بالحكم الذاتي لأسباب سياسية ودولية ودواع خاصة، وحرمنا المناطق الأخرى من ذلك الحق المشروع، فسيكون ذلك القرار بمثابة ظلم سياسي غير مقبول شرعا ولا عقلا ولا عرفا. وبالتالي، سيولد حقدا اجتماعيا في صفوف الأمازيغين على سبيل التخصيص؛ لكونه قرارا جائرا وحيفا كبيرا في حق المغاربة بصفة عامة والأمازيغيين بصفة خاصة. ومن ثم، ستخلق المشاكل التي يمكن الاستغناء عنها، وتندلع المظاهرات الدموية، وستكثر الندوات التي تشرح أهمية الحكم الذاتي بالنسبة للأمازيغيين، وسيخرج المواطنون والطلبة والمثقفون في المسيرات السلمية للمطالبة بالحكم الذاتي، وسيتولد الحقد والكراهية لدى المغاربة الأمازيغ ضد إخوانهم الصحراويين والعرب على حد سواء، وسيكون كراهيتهم للمخزن والقصر أشد وأدهى، في وقت نريد من القصر أن يقترب من الأمازيغيين لمحاباتهم والتوادد معهم لاحتوائهم ولاسيما الريفيين منهم.

لذا، لابد من إرساء العدالة المعممة وتطبيق المساواة الحقيقية على مستوى اقتراح الخيارات السياسية وتنفيذها أوأثناء أخد القرارات الدستورية للدولة. أي إننا حينما نطبق الجهوية الموسعة علينا أن نعممها على كل التراب المغربي، وحينما نطبق الحكم الذاتي فعلينا كذلك تعميمه على كل مناطق المغرب من أجل تحقيق ديمقراطية حقيقية منصفة ومص غضب الشارع المغربي، وإلا ستترتب عن هذه القرارت غير المنصفة نتائج سيئة لايمكن توقع آثارها مستقبلا، فالضغط قد يولد الانفجار، كما أن القمع لا يولد إلا الكره والثورة والتمرد كما رأينا ذلك جليا بسيدي إيفني حيث خدشت أحداثها الدموية صورة المغرب إعلاميا على المستويين: الوطني والدولي.

2- مرتكزات الجهوية الموسعة:

تستند الجهوية الموسعة في بنائها السياسي والدستوري إلى مجموعة من المرتكزات الضرورية التي تساهم في خلق الديمقراطية الحقيقية، وانتعاش الحريات الخاصة والعامة، وسريان فكر حقوق الإنسان، وتعزيز منطق الحوار والنقاش البناء بدلا من استخدام الإرهاب والعنف والقمع أثناء التواصل بين السلطة والشعب؛ لأن القمع لايولد إلا القمع، فلابد من خطاب الحجاج والتسلح بالتسامح والإقناع العقلي والمنطقي لمحاججة الآخر. ولايمكن تحقيق الجهوية الموسعة إلا بتطبيق المقاربة الإبداعية وتشجيع الابتكار وتطوير التعليم والتشبع بالمواطنة الحقيقية والانطلاق من طموح قومي عام.
وعليه، فالجهوية الموسعة لابد أن تنبني على مجموعة من المرتكزات الأساسية يمكن تحديدها في النقط التالية:

1- الاستقلالية النسبية.
2- التسيير الذاتي.
3- خلق المؤسسات الجهوية الموسعة.
4- تجاوز التدبير الإداري والاقتصادي نحو التدبير السياسي.
5- احترام السيادة الوطنية.
6- الالتزام بالبيعة الشرعية.
7- التمسك بالوحدة الترابية ووحدة الراية والعملة.
8- مرونة الوصاية.
9- الاندماج الجهوي المتجانس.
10- السياسة اللامركزية الجهوية.

3- خصوصيات منطقة الريف:

من المعروف أن منطقة الريف تمتد جغرافيا من مدينة الناظور شرقا إلى مدينة طنجة غربا مرورا بالحسيمة، وشفشاون، وتطوان. وتطل هذه المنطقة موقعيا على حوض البحر البيض المتوسط في شكل قوس هلالي. وتمتاز هذه المنطقة بتضاريس جبلية وعرة، وتنماز كذلك بصعوبة المسالك والطرقات التي تعبر الفجاج والجبال والأنهار. ومن هنا، تفتقد المنطقة إلى بنية تحتية صلبة. فما يوجد اليوم من بنية تحتية - أقصد الطرقات والمسالك- أقامتها إسبانيا أثناء احتلالها للشمال، أما المغرب، فقد جددها وأضاف إليها الطريق الساحلي الذي أعاد الحياة لهذه المنطقة الإستراتيجية، كما عضد هذه المنطقة بالطرق الوطنية الرئيسية والثانوية والثلاثية لإخراج المنطقة من عزلتها. بيد أنها غير كافية لتحقيق تنمية اقتصادية لصالح الساكنة مادامت تعيش في وضعية التهميش والإقصاء واللامبالاة.

ونعني اليوم بمنطقة الريف مدينتي الناظور والحسيمة، وتعرف المدينتان تجانسا كبيرا على مجموعة من المستويات: اللغوية، والاجتماعية، والأخلاقية، والتاريخية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية، والجغرافية. لذا، فهذه المنطقة أولى بالجهوية الموسعة أو الحكم الذاتي إلى جانب منطقة الصحراء المغربية، ومنطقة سوس، ومنطقة الأطلس المتوسط، ومنطقة جبالة. وبهذه الجهوية الموسعة المتجانسة والمتماثلة، يمكن أن تحقق هذه المنطقة نهضتها التنموية من أجل تأمين العيش الكريم وتجسيد السعادة الدنيوية والأخروية.

زد على ذلك، أن منطقة الريف تتوفر على موارد مالية هامة تتمثل في عائدات المهاجرين إلى الديار الأجنبية التي تدر على خزينة المغرب عملة صعبة تعد في المرتبة الثانية بعد عائدات الفوسفاط. ولا ننسى ظاهرتي التهريب والمخدرات اللتين يجب أن نتعامل معهما بشكل واقعي مدروس من جميع الجوانب بكونهما يساعدان في إثراء الخزينة المحلية والوطنية بله عن الموارد الجبائية وموارد قطاع العقار والخدمات. كما أن المنطقة مؤهلة للاستثمار الاقتصادي والسياحي لما تتوفر عليه من مؤهلات جذابة، ومازالت المنطقة لم تستكشف معدنيا وبتروليا بشكل موسع من أجل استغلال خيراتها الطاقية والمعدنية، ولم تستثمر أيضا فلاحيا وصناعيا وتجاريا بشكل منهجي معقلن.

هذا، وقد خرّجت المنطقة كثيرا من الأطر التربوية والفعاليات الثقافية والشخصيات السياسية والكوادر العلمية التي لها مكانة كبيرة على المستوى المحلي والوطني والدولي، وهناك الكثير من الكفاءات المثقفة التي لها مسؤوليات إدارية سامية دوليا ومركزيا وجهويا ومحليا يمكن لها أن تسير منطقتها تسييرا ناجعا على هدي السياسة الجهوية الموسعة، وعلى ضوء المواطنة الصالحة، واعتمادا على مبادئ المقاربة الإبداعية التي تتجسد في الابتكار والمردودية والإنتاجية والجودة.
ومن هنا، فمنطقة الريف منطقة فتية لها مستقبل زاهر مادامت بوابة إستراتيجية على أوربا تستطيع جلب الاستثمارات الاقتصادية والسياحية.

ومن دواعي الجهوية الموسعة في منطقة الريف، أن سكان المنطقة يحملون ذاكرة تاريخية حبلى بالنضال والمقاومة والاعتزاز بالذات والاسترخاص بالنفس والنفيس من أجل الحفاظ على الأنفة والكرامة والإباء. ويرفض الريفيون الظلم والحيف والجور، كما يتذمرون من سياسة التهميش والإقصاء والتغريب الذاتي والمكاني. كما يتسم الريفيون بطباع خاصة كسرعة الغضب والانفعال، وعدم التروي في اتخاذ القرارات التي تمس أنفته، والميل إلى الهيجان عندما يمس عرضه وشرفه، واستخدام العنف عندما يسبه الآخر ظلما ويشتمه تعييرا وقدحا.

ومهما تحمل الريفي وتجلد في معاناته ومأساته، فلابد أن ينفجر يوما إما عبر الصراخ الداخلي والتمزق النفسي، وإما عبر النقد والأخذ بسياسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإما عبر الانتفاض الجماعي الذي قد يجر إلى مالا يحمد عقباه.
وقد عرفت منطقة الريف مع العهد الجديد نوعا من الحركية السياسية الفعالة، وتأسيس الكثير من الجمعيات المدنية المتنوعة التي لها ضغوطات مؤثرة على السلطة المحلية والوطنية، وانتشار الصحف المحلية الجريئة بشكل بارز، وانتعاش الحركة الأمازيغية التي بدأت تفرض قوتها ميدانيا، ولها اتصالات هامة على المستوى الخارجي خاصة مع تأسيس الكونغريس الأمازيغي العالمي.

وإذا لم تسرع الدولة في منح منطقة الريف الحكم الذاتي أو الجهوية الموسعة، فإن الأمور ستتعقد مستقبلا من خلال شحن النفوس بالكراهية والحقد والعدوانية وكراهية الآخر، وقد تنفجر الأوضاع غدا أو بعد غد بسبب ضغوطات السلطة الحاكمة، وما يحدث من غش على مستوى التسيير الإداري في المنطقة.

وبعد أن استبشر الريفيون بمجموعة من الإنجازات الجبارة في المنطقة أثناء الزيارات الملكية المتكررة إلى المنطقة، فسرعان ما خاب أمل المواطنين وتحول إلى يأس قاتل وتذمر شامل حينما فضحت الفيضانات الأخيرة اندثار البنية التحتية واستفحال ظاهرة الغش على مستوى التجهيز والاستثمار والاستغلال والتسيير المحلي والجهوي. وقد ولد هذا التلاعب بمنجزات المنطقة في نفوس الريفيين الغضب الحانق الذي تم ترجمته واقعيا بخروج الريفيين والمجتمع المدني في مسيرات شعبية منددة بالمسؤولين المفسدين ومطالبتهم السلطة المركزية بمحاسبتهم قضائيا مع دعوتهم الصارخة إلى تطبيق الحكم الذاتي بالمنطقة في أسرع وقت.

وأخطر ما أخشاه في المستقبل انفجار الشباب الأمازيغي لاسيما المتعلم منه في الجامعات والمؤسسات التعليمية التأهيلية والمهنية انفجارا كبيرا مع تفاقم البطالة، وانتشار الظلم والحيف، وزيف الانتخابات، وبطلان المجالس البلدية والقروية، وكساد المجالس الجهوية المنعزلة عن المواطنين. كما أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بقي بعيدا لايحرك ساكنا، يرضى السوسيين بالمنح والدعم المادي والمالي، بينما الريفيون والشلوح يتأججون غضبا وانتفاضا، ويتقدون عداوة وكراهية للمخزن وللمعهد على حد سواء بسبب الانغلاق الإداري وإقصاء المثقفين الريفيين ومحاباة الجمعيات السوسية المعروفة، وكل ذلك على حساب خطاب أجدير التاريخي وقراراته السياسية السديدة والعادلة.

والأخطر من كل هذا، وعلى الدولة المغربية أن تتنبه إلى ذلك أيما انتباه إذا لم تغير سياستها نحو ساكنة المنطقة، أن الريفيين من ناحية العاطفة والولاء ميالون إلى الدول الأوربية الغربية خاصة إسبانيا التي يعتبرها الريفيون دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، وتصون الحريات العامة والخاصة، وأن إسبانيا قد أوتهم في مليلية وسبتة، وخصصت لهم مساعدات ومعاشات وأجورا ولاسيما للذين ساهموا في بناء إسبانيا الحديثة، وفتحت لهم أبوابها للشغل وبناء المستقبل، واحترمتهم أيما احترام، وصانت كرامتهم وحافظت على حقوقهم.

فإذا فكر الإسبان مستقبلا في غزو المنطقة ثانيا، وسيطرتهم على جزيرة ليلى المغربية القريبة من طنجة خير ذليل على ذلك، فإن معظم الريفيين سيميلون إلى الدولة المحتلة مادامت تحابيهم وتعطف عليهم وتشبع رغباتهم، ويرتاح لها المواطنون الريفيون ارتياحا كبيرا، بينما يخافون من بطش المخزن المغربي ومن سطوته الجبارة، ويعتبره سكان المنطقة تاريخيا عدوه اللدود، ويتوجس منه أيما توجس. ومازال الريفيون يتذكرون المجازر التي شهدها الآباء والأجداد في 1958و1959،و1984م، ومازالوا يحسون بالمهانة والذل كلما تذكروا كلمة الأوباش التي التصقت بهم منذ الثمانينيات في عهد الحسن الثاني رحمه الله سبا وتوصيفا.

4- آليات الجهويــة الموسعة:

تتمثل آليات الجهوية الموسعة في تأسيس المجلس الجهوي الموسع أو الحكومة الجهوية التي تتكون من الرئيس الذي ينبغي اختياره عن طريق الاقتراع العام وعبر انتخابات ديمقراطية شفافة عادلة. وبعد ذلك، يشكل الرئيس حكومته وديوانه الاستشاري ومكتبه الجهوي. وتتكون الحكومة أو المكتب الرئاسي الجهوي الموسع من الوزراء الجهويين الذين تسند إليهم مجموعة من الحقائب حسب القطاعات والحاجيات الموجودة بالمنطقة كالتركيز مثلا في الريف على وزارة الجالية ؛ لما لها من أهمية إستراتيجية على المستوى الاقتصادي. وتعضد هذه الحكومة الجهوية بمحكمة ريفية جهوية عليا تشرف على جميع محاكم الجهة، وترفق بسلطة تنفيذية أمنية يشرف عليها أطر وقيادات الريف، ويمكن الاستعانة بأطر وكفاءات خارجية إن استدعى الأمر ذلك.

وعلى المستوى الثقافي، يتأسس الفرع الجهوي للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وتدرس اللغة الريفية بالمنطقة إلى جانب اللغات الأخرى. وتلتزم الحكومة الجهوية بوحدة التراب الوطني وسيادة الدولة، والالتزام بالبيعة الشرعية، والإيمان الراسخ بالملكية الدستورية، واحترام وحدة العلم والعملة، مع الخضوع لوصاية شكلية مرنة هي وصاية مندوب الحكومة في مراقبة القرارات الجهوية ومدى ملاءمتها لقوانين الدولة. ويمكن للحكومة الجهوية أن تعقد شراكات مع مجموعة من الدول الصديقة والبحث عن موارد مالية ومادية وتبادل الزيارات الثقافية، والأخذ بمبدإ التعاون الدولي في إطار الشراكة ومشاريع المؤسسات. أما في ما يتعلق بالوزارة الخارجية ووزارة الدفاع فهذه أمور مرتبطة بالسلطة المركزية لادخل للحكومة الجهوية فيها.

ومن الضروي أن تكون هناك لجن تسهر على متابعة إنجازات الحكومة الجهوية وأدائها، كلجنة المشاريع والمصادقة عليها، ولجنة التنفيذ، ولجنة المواكبة والتتبع والتقويم. وفي نفس الوقت، تعين السلطة المركزية لجانها الخاصة لمراقبة الحكومات الجهوية الموجودة بالمغرب.

أضف إلى ذلك، أنه من الضروري أن يكون للجهة الموسعة برلمان جهوي، يختار من سيمثله مركزيا حسب المقاعد التي ستخصص لكل منطقة جهوية موسعة.

وعلى المستوى المالي، إما أن توزع السلطة المركزية مالية الخزينة على جميع الجهات الموسعة بشكل عادل، وإما بشكل متفاوت حسب طبيعة الجهات والمناطق من حيث التوفر على الموارد والإمكانات الاقتصادية، وإما تخصص السلطة المركزية الجهة الموسعة بماليتها الذاتية. ومن هنا، لابد من قسم الحسابات لمراقبة موارد الجهة ومصاريفها.
وعند تطبيق هذه الجهوية الموسعة بمنطقة الريف، علينا أن نضيف مجموعة من العمالات إلى المدن الموجودة الآن، كأن نقسم إقليم الحسيمة إلى عمالة تركيست- بني حذيفة، وعمالة إمزورن – بني بوعياش. كما يقسم الناظور إلى عمالة ميضار- تمسمان- دريوش، وعمالة زايو، وعمالة العروي، وعمالة أزغنغان، وعمالة بني أنصار- فرخانة- بني شيكار.

أما العاصمة الجهوية لمنطقة الريف فستكون طبعا مدينة الناظور لأهميتها الإستراتيجية، ولاحتوائها على الجامعة ومجموعة من المرافق الإدارية الحيوية والمؤسسات الهامة.

وعليه، فالحكومة الجهوية عليها أن تتكون إداريا وسياسيا من رئيس الحكومة ونائب له، ومكتب إداري حكومي، وديوان المستشارين، وبرلمان الجهة الموسعة الذي ينبغي أن يمثل جميع العمالات والتيارات السياسية والنقابية. أما وزراء الجهة الموسعة فيتشكلون حسب القطاعات وحاجيات المنطقة، ومن هذه الوزارات نذكر:

  وزارة الصحة.
  وزارة الجالية.
  وزارة الفلاحة.
  وزارة المالية.
  وزارة التعليم.
  وزارة الثقافة.
  وزارة العدل.
  وزارة الموظفين.
  وزارة التشغيل.
  وزارة الصناعة والاستثمار.
  وزارة السياحة.
  وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
  وزارة الإعلام.
  وزارة الشؤون الاجتماعية.
  وزارة الشباب والرياضة.
  وزارة الأمن الجهوي.

وينبغي أن يكون رئيس الحكومة الجهوية الموسعة مثقفا مؤهلا يتقن على الأقل ثلاث لغات، وحاملا لشهادة جامعية عليا، وأن يكون متخلقا وذا مكانة إشعاعية في مجتمعه، ينتخب بطريقة ديمقراطية من قبل ساكنة الجهة الموسعة.
ومن الديمقراطية كذلك أن تكون للجهة قناتها التلفزية وإذاعاتها المحلية مع الالتزام ببث الأخبار الوطنية وما يخص الأنشطة الملكية باللغة الريفية وباللغات الأخرى. كما ينبغي تحويل الكلية المتعددة الاختصاصات بالناظور إلى جامعة تحمل اسم جامعة عبد الكريم الخطابي أو قاضي قدور لإرضاء الأمازيغيين قاطبة.

5- أهداف ونتائج هذه السياسة الجهوية:

يتبين لنا مما سبق أن تطبيق السياسة الجهوية بمنطقة الريف لها أهداف هامة وآثار إيجابية ناجعة يمكن إجمالها في المقاصد التالية:

  تعزيز الديمقراطية الحقة في كل ربوع الممكلة المغربية وأرجائها المتنوعة؛
  تحقيق التنمية البشرية الشاملة بشكل متوازن ومندمج؛
  خلق الفكر التنافسي الإيجابي والتعاون المثمر؛
  إشراك السلطة للمواطنين في تسيير جهاتهم وتدبيرها بطريقة ذاتية مع احترام الثوابت الحمراء كوحدة التراب، ووحدة السيادة، ووحدة العلم، ووحدة العملة، والالتزام بالبيعة الشرعية؛
  تنازل السلطة المركزية عن مجموعة من سلطاتها للمناطق الجهوية للتخلص من مجموعة من المشاكل البيروقراطية والعراقيل الإدارية الجسيمة؛
  امتصاص غضب الشارع وزرع السلم الاجتماعي؛
  القضاء على فكرة الانفصال لدى الصحراويين والأمازيغيين الريفيين والسوسيين؛
  تحميل الأمازيغيين مسؤولية تدبير جهتهم، وترك المواطنين الريفيين هم الذين يحاسبون مسؤوليهم عن أخطائهم وهفواتهم وجنحهم ومخالفاتهم دون أن نحمل ذلك السلطة المركزية كما يقع الآن، حيث يحاسب المواطنون المسؤولين محاسبة لاذعة، ويحملون الملك سلطة متابعتهم ومراقبتهم ومحاسبتهم قضائيا.

6- المقاربة في التخطيط للجهوية الموسعة:

ليس هناك من مقاربة لفلسفة الجهة الموسعة أهم من المقاربة التشاركية المبنية على الحوار البناء والديمقراطية العادلة والجدال الهادف، وإشراك جميع المواطنين والمثقفين والمجتمع المدني في التفكير بجدية في إرساء مجتمع مغربي جهوي متجانس ومتضامن ومندمج يحترم الثوابت المتعارف عليها دستوريا ومؤسساتيا.

ونرى شخصيا أن من المقاربات الأخرى التي ينبغي الأخذ بها ليكون المغرب في مصاف الدول المتقدمة التي لها مكانة كبيرة ووضعية محترمة الأخذ بالمقاربة الإبداعية في جميع المجالات والميادين القطاعية، وترتكز هذه المقاربة على الإبداع والابتكار والإنتاج، وتطوير التعليم وتجديده،وتحفيز المواطن على العطاء والمردودية، وزرع المواطنة الحقة في نفوس المواطنين، واحترام الحريات الخاصة والعامة، وصيانة حقوق الإنسان، والاهتمام بالتصنيع الذاتي، وإنتاج الأسلحة المتطورة على غرار دولة إيران التي أظهرت قدرات عالية متطورة في مجال التسليح العسكري، والتشبع بالرؤية القومية لحل المشاكل الدولية والعربية المستعصية علاوة على الاهتمام بالكفاءات الوطنية المبدعة وتشجيعها وتعيينها في المواقع التي تستحقها عن جدارة، والقضاء على البطالة التي تتزايد من سنة إلى أخرى.

ولتطبيق الجهوية الموسعة في منطقة الريف لابد من توعية المواطنين بأهمية هذه السياسة الترابية الجديدة التي ينبغي أن تقوم على التخليق، والتسامح، واحترام الآخر، وتبني الديمقراطية، والابتعاد عن فكرة الانفصال، وترك كل مشاعر الحقد والعرقية والعنصرية تجاه العرب والمسلمين، وخلق مؤالفة حميمية بين العربية والأمازيغية والانفتاح على اللغات الأجنبية.

خاتمـــة:

تلكم نظرة موجزة ومختصرة عن السياسة الجهوية الموسعة بمنطقة الريف، وهي بمثابة حل سلمي للتعامل مع ملف الصحراء المغربية، وأيضا من أجل التصالح مع الأمازيغيين بالشمال المغربي من أجل نسيان الماضي وبناء مغرب ديمقراطي جديد في عهد الملك محمد السادس نصره الله الذي يريد أن يخرج بلده بجدية صادقة من معيقات السياسة المركزية الموحدة إلى إيجابيات مغرب اللامركزية القائمة على الجهوية الموسعة أو نظام الحكم الذاتي.
ويعلم الجميع كل العلم أن هذه السياسة الإصلاحية الجديدة التي أعلنها عاهل المغرب سيكون لها نتائج إيجابية في المستقبل، إذ ستحول المغرب حتما من بلد متخلف في رتبة 126 إلى بلد ديمقراطي أول من نوعه في العالم العربي، يؤمن بالتعددية الحزبية والفكر النقابي، ويعترف بحقوق الأقليات في ظل السيادة الموحدة، والتراب الواحد، والعلم الواحد، والعملة الواحدة، واحترام البيعة الشرعية العلوية التاريخية، والإيمان بالملكية الدستورية الحقة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى