الخميس ١٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم عبد الغفور الخطيب

أَوراقٌ مُهمَلَةٌ في مَهَبِّ الحُبِّ

إطلالةٌ أُولى قَبْلَ وُلوجِ القَصيدة

 
أَوراقٌ مبعثرةٌ
سوداءُ وبيضاءُ
أقلامٌ مكسورةٌ
محبرةٌ قَدِ انقلبَتْ
قُبَّعةٌ مرميّةٌ في زاويةِ الغرفةِ
منضدةٌ ترامتْ عليها الكُتُبُ
وبانَ وَهْنُها
ويدٌ تمتَدُّ ببطءٍ إلى عُلبَةِ سجائر..
وثغرٌ ينفُثُ حزمَةَ دُخَانٍ كثيفةً
وقِنينَةُ ماءٍ تبدو متعَبَةً
وَوَجْهٌ شاحِبٌ
وبقايا أَحلامٌ ميتَةٌ
ومزهريَّةٌ
تَتَّخذُ منها زهرةُ نرجسٍ مسكناً لها
وأَشياء وأَشياء لا حصرَ لها!!
 

القصيدة:

 
1
في صحائفِ الأَشجارِ
كَتبتُ للرّياحِ:
لا تَعودي مَرَّةً أُخرى،
لمْ أَعُدْ بحاجةٍ إِليكِ
لتحرِّكي الخمائلَ
وملايينَ الورودِ والزُّهورِ،
فَقَدْ غابَ حُبِّي
ومضى بعيداً بعيداً
إلى أَقصى المجهولِ.
لا تَعودي إِليَّ
لأَنّني اكتفيتُ مِنْ قِصَصِ العُشاقِ
ومِنْ قِصَصِ النُّبلاءِ والشُّرفاءِ
فَقَطْ سأَحتفظُ بقصَّةٍ رائعةٍ
لعاشقٍ كُنْتُهُ يوماً..
وأَيضاً لدونكيشوت عِشْتُهُ لحظةً.
2
في أَوراقِ النُّورِ
كَتبْتُ على عَجَلٍ:
كُنتِ شَهادَةَ ميلادي
وأَجملَ لحنٍ أَبدعتُهُ..
كُنتِ قِبلَةَ روحي
ودنياي..
كُنتِ تاريخَ قَلمي المشرِقِ..
يَتُهَا الحبيبَةُ
سَتَتَحَسَّرينَ عَليْكِ
وستلعنينَ يَومَكِ
وغَدَكِ..
وداعاً لروحِكِ الثَّمِلَةِ
لأَنفاسِكِ اللاهثَةِ خَلْفَ سَرَابٍ
وداعاً أَيَّتها الغائبةُ.
3
في أَوراقِ اليَاسَمينِ
سَجَّلْتُ:
الشُّعراءُ فَقَطْ
مَسموحٌ لهُمُ الدُّخولُ
إلى مدارِ العشقِ والعَبَقِ
ولهُمْ فَقَطْ
الحَقُّ بِفعلِ الحُبِّ
وما يحِقُّ لهُمْ
لا يحِقُّ لغيرِهِمْ.
4
في أَوراقِ القَمَرِ
وَجَدْتُ قُصاصَةً صغيرةً
كُتبَ عليها:
لا جَدوى مِنَ الحُبِّ!
لا جَدوى مِنَ الكِتابَةِ!
لا جَدوى مِنَ الشِّعرِ!
.....؟!
.....؟!
.....؟!
5
في أَوراقِ الليلِ
كَتبتُ:
لمْ يَحِنْ وَقْتُ نومِكِ
والغرفَةُ الحمراءُ
تنتظرُ راقصَتَهَا الغجريَّةَ
لا تَبوحي لأَحدٍ عمَّا دارَ بيني وبينَ القَمَرِ
لا تخبري أَحداً
عَنْ شَلالِ الشِّعْرِ النَّازلِ بينَ عينيكِ،
الوقْتُ مُلكُ العُشَاقِ
ودنيا الشُّعراءِ
فلا تَبخلي عَلَيَّ بِهِ..
6
في رُقَيمَاتِ الطِّينِ
سَجَّلْتُ:
أَحرَقَني حُبُّكِ سَيِّدتي
واكتويتُ بنَارِهِ
مِنْ أَوَّلِ حَرْفٍ
إلى آخرِ كَلمَةٍ
وبَيتٍ
وقَصيدةٍ..
ومِنَ الآنَ
لنْ أَتَّخِذَ المساءَ رفيقاً
ولا الفجرَ صديقاً
ولا الليلَ مؤنساً
ولا القَمَرَ سميراً
ولا أَنتِ أَيضاً.. حَبيبَةً.
أَوْ ملهمَةً،
فَقَدْ طهَّرتُ قلبي مِنْ حُبِّكِ
وما عَادَ مناسباً لي
ولا لقَلمي الرَّائِعِ.
7
في أَلواحِ الأَحجارِ
نَقَشْتُ:
ليَمُتِ الحُبُّ إِنْ كَانَ موجوداً في قَلبِ امرأَةٍ..
وبَعدَ زَمَنٍ رَجِعْتُ إلى ذَاتِ الأَلواحِ
وَوَجَدْتُ نقشاً يقولُ:
« سَيبقَى الحُبُّ خَالداً »
8
في أَشرعَةِ السُّفُنِ
كَتَبتُ:
رَاحِلٌ عَنكِ إِليَّ،
مغامراً كُنتُ مَعَكِ
ومقامراً وأَنا أَكْتُبُكِ
وأُبدعُكِ
وأَبتكِرُ حياتَكِ..
مِنْ دُونكِ استعدتُ ذاتي
لقدْ تحرَّرَ قلبي مِنْ سِجنِهِ الكبيرِ.
تحرَّرَ مِنْكِ...
......
أَيَّتها المرأَةُ التي أَحببتُ
تَركْتُ لَكِ فستاناً مِنْ كَلماتي
لنْ يَبلَى مَدَى الدَّهْرِ..
وتَركتُ لَكِ مِداداً
بحجمِ حُبِّي..
لنْ يُصيبَكِ الظَّمَأُ
فَقَطْ سَتبكِينَ
يَومَ تَتَذَكَّرينَ زَهرَةَ النَّرجِسِ
التي زَرعْتُهَا لَكِ
في حِضنِ الوادي..
ستعرفينَ كَمْ كُنتِ ظالمةً
حِينَ تخلَّيتِ عَنِّي وعَنِ القَمَرِ..
أَيَّتُها المرأَةُ التي وَدَّعْتُ
شُكْراً لَكِ:
سَأَذْكُرُ حُبِّي لَكِ
يَومَ أُبدِعُ حُبّاً آخرَ
يَومَ أَعجِنُ عجناً أَعظَمُ
لأَصنَعَ امرأةً جديدةً
تحملُ جيناتٍ أَبدَعَ مِنْكِ
وأَروَعَ مِنْكِ
وأَجمَلَ مِنْكِ...
جيناتِ الأُنثَى الكامِلَةَ
الأُنثَى الحقيقيّةَ.
9
في مَقَامٍ موسيقيٍّ
وَضَعْتُ:
أَحلى العلاماتِ
وأَبدعَ الإِشاراتِ
كي يخرُجَ لحنُكِ سِحريّاً
كَمَا تَشتهي النُّجومُ
وكَمَا يُريدُ المسَاءُ.
10
في فنجانِ قَهوَةٍ
أَظهَرْتُ:
ما كَانَ خَافياً في بقايا القَهوَةِ،
وكالسَّحَرَةِ تماماً
رأيتُ وجهَ غُولٍ
وأَفعى عظيمةً
تَسُدُّ الدّروبَ الموصِلةَ إليكِ
ثُمَّ تَبيَّنَ لي
أَنَّكِ مَنْ وَضَعَ السَّدَّ
بَينَ قلبينا؛...
بينَ مدادي وأوراقِكِ.
11
في جذوعِ الأشجارِ
حَفَرْتُ:
كانَ هُروبُكِ فَظيعاً
وقميئاً جدّاً جدّاً
لمْ يترُكْ وراءَهُ سوى الفوضى
الفوضى فَقَطْ..
ومَعَ ذلكَ
فَقَدْ رَتَّبْتُ المكانَ مِنْ بقاياكِ
وصارَ أَكثرَ أَلَقاً وجمالاً
أكثرَ سموّاً
أَعظمَ رِفعَةً
أَعدتُ لهُ الرُّوحَ.
12
في صحائفِ النَّهارِ
وثَّقتُ:
رحلاتِ قلبي إليكِ..
وظَفرتُ بالكثيرِ مِنَ الوَجدِ
وبالكثيرِ الكثيرِ مِنَ الاهتمامِ..
وثَّقتُهُ ذلكَ أيضاً
في سجلاتِ النَّهارِ الذَّهبيَّةِ..
ولمْ أَخشَ أَحداً قَطْ.
13
في قارعةِ طَريقٍ
تَلمَّستُ حلاوةَ الحبِّ
في كلِّ الوجوهِ التي مَرَّتْ
والتي لا يُشابه أَيٌّ منها وَجْهَ حبيبتي
القانطَ
الكئيبَ
الحزينَ.
وَمَعَ آخرِ نقطةٍ مِنَ الغروبِ،
أَدركتُ خسارتي الكبرى في حبيبتي.
لكنْ ربحتُ قلبي وقلمي..
وأوراقي النَّقيَّةِ أيضاً.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى