الأربعاء ٢٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨

رجل وسيد الرجال

بقلم: حسان دهشان

في شهر مارس (آذار) وقبل عيد الأم بثلاثة أيام شددت على يد خالد واستعملت الطبقة الخشنة من صوتي حتى يبدو عميقا ورجوليا أكثر وقلت (البقية في حياتك..شد حيلك).واقف خالد أمامي وعيونه محمرة من كثرة البكاء على أمه وشاربه أسود ضخم وعظام فكيه العريضة ووسامة يمتلئ بها وجهه. بجواره يقف عم رشدي أقصر من خالد وأطول منى ووجهه خال من التعبير ويملك عيني قط عجوز لئيم. كنت ساعتها أعرف أن خالد يحب أختي الكبرى حنان.

في شهر يناير توقف رمزي النطع أمامى بدراجته البخارية. النطع لم يكن لقب رمزي ولكنه شهرته في الحي.توقف رمزي أمامي ونظر إلى بسخرية ثم قال لي (أنت مش راجل يا وله) جرى الدم في رأسي وفى أقل من خمس ثوان كنت قد سحبت مطوتى القرن غزال من الشراب وفتحتها وقفزت خلف رمزي على دراجته ووضعت المطواة في عنقه وقلت له (قول تانى كده يا روح أمك) لم يستطع رمزي أن يقول شيئا وأعتقد أنه توقف عن التنفس تماما قلت له بصوت أكثر هدوءا ومحمل بالغضب البارد والكراهية (متقول تانى كده يا ابن...) واصفا أمه بنعت مهين، تمالك رمزي نفسه وقال (خالد ماشى مع حنان أختك و أنا لسه شايفهم ماشيين في الجنينه وشبكين إديهم في إيدين بعض) تركت سن المطواة يصنع خطا رفيعا في رقبته أعرف أنه لن يقتله ولكنى أعرف أن هذه العلامه ستبقى لوقت طويل

ولم أنتظر تفجر الدم بل قفزت من خلفه وصعدت إلى بيتنا وتركته يولول كطفلة صغيره. صعدت السلام قفزا وقفت أمام أمي التي سألتنى حينما رأتني سألت بهدوء العارفين (إيه اللى حصل يا سان) قلت وأنا الهث (خالد ماشى مع بنتك حنان) أشرت لي أن أجلس.. هززت رأسي رافضا قالت (أقعد عشان تفهم) جلست والأدرينالين يجعل الدم يطن في أذني قالت (خالد وحنان بحبو بعض وحنان قيلالى على كل حاجه) صرخت وأنا أقف (يعنى إيه؟؟) ارتفعت يد أمي لتهبط على وجهي.. فجأة ذهب كل الأدرينالين من دمى و وجدت نفسي طفلا صغيرا تلمع الدموع في عينيه جذبتني أمي إلى حضنها. ربتت على رأسي. همست في أذني" أنا وخالتك عيشه أم خالد متفقين على كل حاجه. خالد حيخطب حنان في شهر سبعه.

في شهر مارس قبل عيد الأم بستة أيام أغلقت خالتي عيشه على نفسها الحمام وسكبت على نفسها الجاز وأشعلت النار. بعدها بيومين توفيت في مستشفى المواساة.ولم يعرف أحد أبدا لماذا فعلت خالتي عيشه ذلك حتى أمي صديقتها الصدوق والعالمة بكل أسرار المنطقة رجالا ونساء.

الرابع عشر من إبريل كنت وقفا قبل الفجر في البلكونه أدخن سيجارة بعيدا عن أنف أبى ويده التي لازلت أخشاها حينما سمعت صوت خالد في غرفته يصرخ " أنت مش بنى أدم ما عندكش قلب ".قبل أن أنهى سيجارتي التي دخنتها بتلذذ نزل خالد إلى الشارع يرتدى شوالا على جسده العار و أسند ظهره على الحائط يبكى وجسده يهتز.

نزلت إلى خالد جريا وسحبته من يده وأدخلته إلى غرفتي محاذرا أن يسمع أحد صوت فتح أو غلق الأبواب خاصة أبى.
من المعلومات المتداولة في حينا أن عم رشدي الشايب هو مدرس محترم سافر إلى الخليج وأنه ميسور الحال وحينما يتكلم يأتي كلامه دائما مدعما بالقرآن و الأحاديث النبوية.وأنه رجلا في حاله لا يحب الاختلاط.بل يكرهه.وجوده في بيته معناه أن لا تخرج خالتي عيشه وأن لا يزورها أحد. وإذا تصادف واحتاجتها أمي أو غيرها في أمر طارئ. يجيب عم رشدي من خلف الباب بتحقيق طويل ثم يختم كلامه بأن "مفيش حد هنا". أي كان هذا الزائر وأي كان مبرر الزيارة. كنا نتعامل في المنطقة مع الأمر على أن الرجل حر في بيته.

منذ خمس أعوام تقريبا تصادف أن كنت واقفا على ناصية الشارع وكانت خالتي عيشه تقف عند الجزار تشترى لحما.عم محجوب رجل مشهور بسرعة خاطرته وقدرته على صنع البسمة على وجوه زبائنه من الرجال و النساء بكلامه الظريف.كانت خالتي عيشه تبتسم وتدارى وجهها الأبيض الجميل في خجل برئ بينما ضحكة خالتي زينات الطويلة ترن في المنطقة كلها وزوجها وقف بجورها غارقا في الضحك هو الأخر.امتدت يد عم رشدي لتسحب يد خالتي عيشه بقوة, مخرجا إياها من المحل..كان وجهها مصفرا أقسم أن جسدها كان يرتعد كجسد طفل فتح فوق رأسه الماء البارد في شهر ديسمبر. كان عم رشدي يجرها من يدها حينما أسرع خلفه عم محجوب الجزار وأستوقفه وناوله كيلو اللحم الذى دفعت ثمنه خالتي عيشه وقال له" ماحصلش حاجه يا أستاذ رشدي.أنا بحب الاغى زباينى واللى كانت بتضحك هى الحاجه زينات وجوزها كان واقف جنبها " لم يجب عم رشدي وتنا ول منه اللحم و إبتسم إبتسامة عصبيه صفراء وتابع سيره جارا خالتى عيشه وعيونها تستغيث بكل من تراه ولكن بلا صوت وبمنتهى الاستسلام ليد عم رشدي.عند باب بيته دفعها تجاه المدخل وأقسم أنه ضربها شلوتا قذف بها إلى الداخل والقى بلفة اللحم في الشارع. حملت لفة اللحم إلى أمي التي وضعتها في الفريزر وهى تقول "عينى عليك يا عيشه يا أختى ربنا يصبرك على ما بلاك."

بعدها لم تخرج خالتي عيشه إلى الطريق مرة أخرى قط الا قبل عيد إلام بثلاثة أيام حينما خرجت محمولة في سيارة الإسعاف إلى المستشفى ولم تعد إلى بيتها قط.

من بين دموع خالد التي تخرج من عينه وانفه وهو جالس في غرفتي عرفت أن أباه قد طرده من المنزل وانه أصر أن يخلع خالد كل ملابسه التي أشتراها له حتى الملابس الداخلية ولم يجد خالد سوى جولا ليستر عورته.كان كيان خالد الرجولي الضخم ينتفض من البكاء كطفل صغير لا يثير سوى الشفقة, كنت أتأمل مندهشا التناقض بين حالته النفسية الطفوليه و رجولته التي كانت مثار اهتمام من في سني وكنا كلنا نتمنى شاربا كثيفا ضخما كشاربه. أخرجت له طقم داخليا من دولاب ملابسي وقميص وبنطلون انحشر فيهما و أفهمته بأنني لا أستطيع استضافته لأن أبى و أمي لن يوافقا على إقامته معنا لأن البيت فيه بنت في سن الزواج طلب من أن أسلم على حنان وأن أخبرها بأنه سيعود ولكن لم يعلم متى.

مرت ثلاثة أعوام ولم يعد خالد ولم يتقدم أحد لخطبة حنان.

وفى الحادي شهر يونيو كانت حنان تجلس في البلكونه وتصدر ضحكات خفيفة. لم تكن تراني ولكن من الواضح أن هناك أحد يشير لها وهى تهز كتفها وتضحك كانت تنظر إلى ناحية بلكونة خالد. أسرعت إلى البلكونه لأحيى خالد فوجئت بعم رشدي في البلكونه يقف في البلكونه مرتديا فانيلا حملات والشعر الأبيض يظهر في صدره ويشير إلى حنان نظرت إليها ونظرت إليه. والدم ينفع في رأسي جرت حنان إلى الداخل بصقت على عم رشدي ودخلت.كانت حنان تختبئ خلف أمي التي تشرب القهوة مع أبى في الصالة.كنت اصرخ في حنان وأشتمها وكان أبى يقف بجسده بيني وبينها حينما رن جرس الباب لنفاجأ جميعا بعم رشدي يبتسم في لزاجة قائلا" انا جاى أطلب أيد حنان" ونفاجأ أكثر حينما توافق حنان وتصر.

عشر سنوات مرت دخلت أختي حنان مستشفى الأمراض العقلية ثلاث مرات بسبب الإكتئاب الشديد وتكرار محاولات الانتحار وظهر خالد صار يلعب الكره بين السيارات المارة يوميا في ميدان سموحه مرتديا فقط ما يستر عورته غير مبال بالسيارات التي اعتدت على وجوده وصارت تتفاداه.وخرجت من سجن الحضره بعد أن قضيت ست سنوات بعد ذبحي لعم رشدي أمام محل عم محجوب الجزار. كنت قد وقفت على جثته منتظرا حضور البوليس بهدوء وأنا موقن أنني لم أخطئ.

بقلم: حسان دهشان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى