الاثنين ٢٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
قصص قصيرة جدا
بقلم محمد متولي محمود

عزيزي الشرق الأوسط.. صباح الخير

الإمام والمرجع


عندما قام الإمام من ركوعه الطويل بدا له أن لمعة فضية خاطفة – كلمعة نيزك ساقط من جرم سماوي محمل بنهاية مملكة الديناصورات ومقيما لحقبة الحشرات الخالدة – قد مرقت من أمام عينية .. أنهى صلاته بتسليمة متأنية ثم واجة الرجل الواقف قبالته معترضا اتجاة قبلته مستلا سيفه حاميا حادجا إياه بعين خلت منها حياه البشر و بنظرة يصعب تفسيرها..

ابتسم الإمام وسأل الرجل:

 يا أبا لؤلؤة .. ألست أنا من حررك من سطوة الأكاسرة عليك؟

 بلى..

 ألست أنا من استقدمك من دار عبوديتك ليصنع منك سيدا هنا؟

 بلى..

 ألست أنا من أدخل الإيمان إلى قلبك المظلم فأضاءه؟

 بلى..

 إذا فأنا صاحب فضل عليك لأني من اكتشف فيك الإنسان بعد أن كنت حيوان أعجمي وعبد لأسياد أنت خيرا منهم..

هربت كلمة من بين أسنان أبو لؤلؤة كفحيح أفعى تحوم حول فريستها:

 لهذا أنا أمقتك..

الأعرابي

جلس الأعرابي بين قطعان غنمه يرقبها بفخر وهي تمرح وترعى..وبينما راحت أنامله تتحسس سلاحه المتلفع به وكيس النقود المستقر في منطقته لمح ذئبا يحوم حول قطيعه..عيناه صفراء حقودة..أنيابه زرقاء شرسة يسيل عليها زبد الاشتهاء..يتحين منه لحظة غفلة كي يلتهمه هو وقطعانه..فخلع الأعرابي سلاحه وأرقده على الأرض..وحبك الرباط حول كيس نقوده وراح يحفر حفرة عميقة في الرمال ثم دفن رأسه فيها..

عندما قذف الحذاء

الأضواء قوية ولامعة مسلطة على عيون الصحفيين المتراصين داخل قاعة المؤتمرات تعميها ولكنها تخترق الغشاء الشفاف إلى الأذهان الناعسة تستدعيها من حلم..من كابوس أو تستدعيها كي تفيق على كابوس عندما تعبث أصابعي بالكاميرا المعلقة بشريط رقيق في عنقي وأحملق أمامي حيث الزعيمين ( أو هكذا يدعونهما ) الواقفين كل خلف منصته وأمام رايته..الأول أمام رايته التي تتوسطها تكبيرة لم ترفعها عقيرته ونجوما لم تحلق به في ساحة الوغى يعلوها لون الدم الذي أساله من أجساد قومه ولم يذرف هو يوما قطرة منه..والآخر أمام رايته البهلوانية الساخرة من الجميع ومني أنا الذي انتصبت استقبل جحافله الغازية يوما بكاميرتي أصور لحظة انتصاره الكاذبة وأكلله بصوري بهالة من الإبهار والقوة والعرفان بما اعتبرته يومها جميلا طوق به أعناقنا كلنا..أنا شريك في كل ما تلا ذلك من جرائم..هذا هو الكابوس..الدماء زكية حارة تسيل على يدي وعلى الكاميرا..انظر إليها مشدوها مرعوبا..أحملق في الوجوة حولي..أحملق في الشريكين الواقفين خلف المنصات أجدني أنا وكأني انظر في مرآة..أبحث عن أداة أدمر بها المرآة أهرب من صورتي فلا أجد..أنزع حذائي من قدمي اقذف به المرآة..تتموج الصورة ولا تتلاشى وكأنها مرسومة على سطح الفرات الخالد..أنزع الفردة الأخرى اقذفها..تتشوة الصورة أكثر بمزيد من التموجات ولا تتلاشى..أفقت من الكابوس بكابوس آخر عندما ألفيت عشرات النسخ من صورتي تحيط بي تركلني بعشرات وعشرات من الأحذية..توقف سيل الدم على يدي ولكني أحسست بمذاقه غزيرا في فمي..

حديث كل ساعة وكل يوم

* مؤتمر وزراء الخارجية العرب..

كل يجلس على الطاولة المستديرة أمامه رايته..غارقا تحت أكداس من الأوراق والملفات الساخنة..العيون شاردة تجوب السطور بلا هدف والأذهان منصرفة إلى ساعة الانصراف والقلوب مثقلة بالملل..

ينفض الاجتماع..أحاديث صحفية كثيرة..بيانات متضاربة مبهمة..

* استاد العاصمة..مباراة ودية بين الشقيقين المنتخب ال(....) والمنتخب ال(....)

الكرة تتعلق في الهواء تتلاعب بها موجات هوائية متضاربة..غير مستقرة..غير معلومة الاتجاة والسرعة..

على الرقعة الخضراء تتلاعب القلوب بأصحابها..تتلاعب النفوس..تتلاعب صفحات متضاربة التفاصيل من كتاب تاريخ واحد..تتضارب الأقدام..تتطاحن..تنخرط في تمديد معركة تكسير عظام أزلية..

في المدرجات..يمارس الجمهور موهبة أزلية وعبقرية عربية متفردة قديمة قدم الخليقة ألا وهي التفنن في هجاء الآخر..

* في المسجد.. خطبة الجمعة..إمام منتصب على المنبر..مختنق الوجه..مبحوح الصوت دامع العينين يصرخ "وااإسلاماة..وااقدساة..وااعراقاة" ..تنتظره أمام المسجد سيارته الفارهة..دفع أقساطها للتو من أموال الزكاة والصدقات والتبرعات لفقراء ومجاهدي المسلمين..

أمامه تتراص صفوف مطرقة خاشعة محزونة..شاردة حيث فراش وثير يدفئه جسد امرأة..ومال يربو بأساليب سارقي القدس..وهجرة إلي أرض مغتصبي العراق..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى