الأربعاء ٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
بقلم صالحة رحوتي

حتى تصدق الرغبة في نبذ العنف

في عالم متلاشية فيه القيم ومتهالكة مقومات الإنسانية، لا بد أن يطال الضعيف القهر وسوء المعاملة. ولما كانت المرأة قد صنفت ضمن فصيلة (الضعفاء) وتعورف على أنها "تستحق" العنف، فمن اللازم القول أنها تستحق أيضا التعاطف معها وأن يحتفل باليوم العالمي لنبذ العنف ضدها ولمواجهة الاحتقار لها...

لكن وقد اتُفق على أن العنف معيب في حقها، ويجب ردع مرتكبيه وردهم إلى الجادة أو حتى معاقبتهم إن لم يرعووا وينتهوا، يجب أن يُصطلح أيضا على أن كل أنواع العنف تجاهها المرفوضة وكل أصنافه الممقوتة.

إذ أغلب ما يتحدث عنه ذلك المُمارَس ضد المرأة في إطار الزواج...فهو العنف الكلامي من طرف الزوج ما يُشجب ويندد به، وكذلك الضرب... أو حتى ما يسمى ب(الاغتصاب) الزوجي...

ولا شك أن العنف الزوجي مخرب لأنسجة الأسر... ولا شك أيضا أن المطلوب هو إشاعة المودة والرحمة داخل البيوت انطلاقا من ضرورة احتساب كل من الطرفين للمسؤولية تجاه بعضهما البعض وكذلك تجاه الأبناء المشتركين،و لكن وبالرغم من الآثار مدمرة لهذا النوع من العنف يبدو وكأنه ليس الأعظم أثرا ولا الأشد ضررا بالمرأة وبالمجتمع ككل...
هو عنف آخر مقيت يطول منها الجسد ويفتك منها بالنفس ما هو الأحرى بالحديث عنه وبمحاربته، وكذا بشن كل الحروب الضاريةعليه،لكن وللأسف الشديد فإن ذلك الصنف استُمرئ تواجده، وتُعورف على استحلاله، وتووطئ على غض الطرف عن تداعياته وآثاره... أسواق للنخاسة منتشرة في كل ربوع العالم (المتحض) تعرض فيها الأجساد وبأبخس الأثمنة...وحتى يُعتبر ذلك البيع من مستلزمات التقدم وضرورات الحضارة...

والأنكى والأشد أن هنالك نساء ومثقفات ومن بيننا لا يستنكرنه، بل ويدعين إلى تقننيه وجعله تحت الإشراف الطبي ضمانا لإيجاد أحسن الظروف النفسية للرجال المستهلكين لتلك الأجساد المعروضة المعدة للاستهلاك...المخرجة السينمائية المصرية إيناس الدغيدي نموذجا..ملكيات أكثر من الملك... و(حداثيات)هن... بل و(تقدميات) أيضا أولائك المثقفات!!!!

يرمن (تحقيق الإشباع الجنسي) للرجال كيفما اتفق وأينما كان ذلك ولو في المواخير، وهن (النسويات) المناضلات اللواتي يضلن يجعجعن حول ضرورة التحرر من ربق العبودية لهم، وينفقن الكثير من الوقت في الحديث حول ضرورة تحقيق المساواة معهم... يُرِدْنَهم أن يكونوا المطمئنين غير الخائفين من الإصابة بالأمراض الجنسية حين ممارسة تفلتاتهم وعند القيام بانحرافاتهم.

يزعمن أنهن يدافعن عن حقوق بائعات اللذة لأنهن النساء مثلهن، يعترفن لهن بحق التصرف في الجسد، ثم ويتخذن لهن الأعذار لأنهن المضطرات بدافع الحاجة والفقر...

وقد تكون منهن فعلا الفئة من المحتاجات المعانيات من آثار الفاقة...لكن... أو لا يبدو امتهان مهن أخرى من طرفهن أقل ضررا وأقل عنفا على أجسادهن وعلى مقوماتهن النفسية؟؟؟

مجرد الأوعية نتنة لتفريغ الشهوات الدنسة الآثمة، هي ذي الصور لأنفسهن راسخة في أعماقهن يؤمن بها ويعتقدن فيها هن الداعرات، ولا يمكن لأية وسائل ولا علاجات نفسية أن تغير منها...فالنتائج للعهر ليست إلا الجراح في الأجساد تتآكل بفعل تواتر أمراض جنسية مدمرة،و سوى الشروخ في الحنايا تتناثر منها الشظايا بسبب صدمات عاطفية محطمة.

لا بد أنه من الواجب ـ والحالة هذه ـ أن يهب الجميع لدرء هذا العنف عن هؤلاء النساء... إلا إذا احتُسب أنهن من الدرجة الدنيا في سلم الطبقات، وما يُحتاج إلى الاهتمام بأوضاعهن، بل يجب تكريسها توفيرا للمتع تتطلبها الطبقات الأخر...
راضيات عن ما هن عليه... هكذا يقال...لكنهن أيضا الأميات الجاهلات في الأغلب الساحق ـ كما يقال عنهن مرة أخرى ـ وتقع على المجتمع مسؤولية إنقاذهن من أتون العنف لا يدركن مقدار عمق الهاوية كامنة فيه..

إحصائيات تسلط عليها الأضواء في يوم احتفال آخر قريب من اليوم الأول ـ الأول من دجنبر من كل عام ـ وتحصُر تلك الإحصائيات الأعداد المتصاعدة للمصابات بذلك الداء العضال...ذلك الأيدز المعجز لحد الآن...ثم ولا ربط بين ذلك المرض العنيف وبين ذلك العنف الذي يُسمح للنساء بأن يرتكبنه في حق أنفسهن حين يبذلن أجسادهن لمن أراد سواء أكن المحترفات أم الهاويات...

يُقترح عليهن ـ فقط ـ من طرف المسؤولات عن الجمعيات لمحاربة داء الإيدز إرغام الزبناء على استعمال العازل الطبي، وكأنهن غير العالمات بالحمولة الثقافية تختزنها العقلية الرجالية حول الجنس وظروف ممارسته في واقعنا المتخلف،ثم وكأنهن لا يدرين بأن المشتري هو من يحدد الشروط ويدفع الثمن،ثم أيضا وكأنهن لا يدركن أن استعمال تلك القطعة من اللدائن حتى وإن منعت مرور الفيروس القاتل،فإنها لا تدرأ جرثوم المهانة المدمر ولا سم الاحتقار المركس المشين.
ففي دراسة حول الممتهنات للجنس في المغرب أنجزتها المنظمة الإفريقية لمحاربة داء الإيدز يبدو وكأن سن المتعرضات لعنف الدعارة آخذ في التناقص بشكل رهيب...إذ هو السن بين التاسعة والخامسة عشر ذاك الذي ابتدأت فيه 59,4 في المائة من المحترفات في تقاضي أتعاب "المهنة"...فظاعة وعنف متفاقم بغيض إذا، ولا يطال البالغات فقط،و إنما هن الطفلات وتسرق طفولتهن وبراءتهن على اطلاع من المجتمع وعلى مرآى من (مثقفيه) ولا من منافح عنهن ولا مجرم للمستغلين لأجسادهن(2) بل هنالك فقط الأعداد من المبتهجين بالوفود المتناسلة من السياح القادمين الراغبين في قضاء الوطر وتحصيل المتع وتحقيق الشهوات.

هو عنف الدعارة إذا ما يجب أن يشجب قبل كل شيء... وهن النساء من يجب أن يمتنعن وحتى يُمنعن من أن يعنفن أنفسهن بامتهان العهر... وهم الرجال من ينبغي أن يبرهنوا على صدق الرغبة في القضاء على هذه الظاهرة المشينة بعدم استعمال بضائع أسواق النخاسة...

خطوات تستبطن الصدق حقيقة...و لعل هذا هو ما يلزم أن يُفعل وأن يُقام به عوض تلك الجعجعة المتواترة من الكل سنويا حول نبذ العنف ضد النساء...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى