الخميس ١٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
لي أخٌ مُتْعَبٌ يسكنُ الأرضَ
بقلم: ناصر البدري
نص مُهدى إلى أطفال غزة
عُدْ إليّْلا تَمُتْ فَجْأَةً مثلما يَفْعلُ الأصدقاءْعُدْ إليَّلعلي أقولُ لهمْجاءَ.. من حيثُ جاءْوما همّ ماذا أقولُ لهمْ !عُدْ إليَّالوجوهُ مخاتِلَةٌ.. والمساءُ بنادقْوأبوكَ بلا رئةٍ مُذْ رحلتَوأمُكَ بالبابِتحرسُ ظِلَّكَ كي لا يَذُوبَ مع الشمسِأختُكَ تبحثُ تحت سريركَ عن دمعتينِعلى ركبتيهِ جثا البردُإنَّ المساءَ ضريرٌ بدونكَعُدْ..فَلديَّ الكثيرُ من الواجباتِلماذا ذهبتَ بلا واجباتٍ؟لماذا تسرَّعتَ؟أحرزتَ أعلى علامةْكما قال استاذُكَ النحويُّ لنا في العزاءِوسلَّمَ في خشعةٍ دفترَكْعُدْ..فالدفاتِرُ مثقوبَةٌ في غيابِكَتَقْطُرُ بالدَّمْعِ ألوانُهاولي دفترٌ أحرفُ الجرِّ تُثْقِلهُيااااااااا.. تعالَ نُرتِبُهَا يا شَقيُّوأقسمُلنْ أتَنَاسَى، ولو بَعْدَ قُنْبُلَتَينِ، بأنْ أشْكُرَكْمكَانُكَ يبدو قَصيّاوقلبي على قِمَّةِ الفّقدُأسْـســـســـــســـــــســــــــــــقُطُمااااااااااااااااااااااالِعينيكَ واللَّافتاتْ!عُدْ إليَّاللياليْ.. وأنتَ بعيدٌ فُتاتْتجمَّلْ.. وشاكِسْ أخاكَ على خُبزَةِ الليلِإنَّ الدموعَ عليْكَوعينيكَ،لا تشبه الدمعَ منكَ !تعالَ.. لقدْ شقَّ قلبي اشتياقيَفرَّتْ زهورُ الحديقةِ خلْفَكَوالماءُ.. والطَّلُ.. والصبرُ.. والْ....لا تَمُتْمثلما يفعلِ الطَّيْبُونَ بقريتنا كلَّ عيدْعُدْ.. كما أنتَلستَ نبيّاً..وليستْ بنا حاجةٌ أنْ تمرَّ بخلقٍ وبعثٍ جديدْالسماءُ أشارتْ إليكَولمْ تفْقَهِ الأرضُمن دورانِكَ حولَ السؤالِلماذا تلفُّ الصبايا إليكَ الوجوهَومنذُ رَحَلْتَلماذا الصَّبَايَا نسينَ بأنْ يبتَسُمْنَفَعُدْ ليْ..لعلَّكَ أدركتَ أيَّ خواءٍ يرافقهُ الإرتقاءْعُدْ إليَّ..وعِدْني بألا تُكرِّرَها كلَّ يومٍ كما يَفْعلُ الأصدقاءْإذًا لمْ تَعُدْ!لقدْ مَرَّ صُبحٌ..وصبحٌ.. وصبحٌ.. وصُبحْأأعجَبَكَ القبرُ؟لا بَأسَ.. خُذْ زَهْرَةً واهدِهَا للإلهِلعلَّكَ تَضْرِبُ لي موعِدَاً عِنْدَهُقادمٌ، لا محالةَ، قلبيْإليْكَ.. ولو بعدَ حينْقُلْ لهُ: لي أخٌ متعّبٌ يسكنُ الأرضَ، بيتَكَ يا ربُّ، هلّا سمحتَ لهُبلقاءٍ صغيرٍ يعبِّرُ فيهِ عن البؤسِ حيثُ يعيشُ، وكيفَ الجنودُ يمرُّونَكلَّ دقيقةِ خوفٍ بقلبِ الصغارِ، وكيف العذارى تسيلُ مناديلُهُنَّ بلامُقْلَةٍ فيالطريقِ إلى القدسِ، كيفَ السياسةُ تكتبُنا كُلَّ مؤتمرٍ بالطباشيرِ حتَّىإذا جَنَّ مؤتمرٌ بَعْدَهُ مَسَحَتْنا هشَاشَتُنا، كيفَ يلهو بنا الموتُ مابينَ أمٍّ تيبَّسَ ثَدْيَا بكارتِها بالحَلِيْبِ وأرملةٍ بِعدُ لمْتَتَزَوَّجْ، إلى أينَ تأخُذُنَا في الملاجىءِ أفكارُنَا، مُذْ متى ماتَقلبٌ بلا طلقَةٍ، كمْ سجينٍ بلا جُنحةٍ منذُ عشرينَ عاماً تآكَلَ حتىاهْتَرَأنَا نَزِِيْفاً، لماذا نسينا منَ البردِ لذَّتَهُ، أينَ تَغفوالعصافيرُ كلَّ مساءْ...قُلْ لَهُ: إنَّنَا، ومن كثرةِ الفقدِ، صِرْنَا نُصَلِّيْهِ في اليومِسبعينَ فَرْضَاً، وإنَّ الصغارَ برغمِ الأماني الصغيرةِ ليسوا صِغاراً كماقدْ يظنُّ الكبارَ، وإنَّ أخاكَ يودُّ.. يودُّ.. يودُّ مقابلَتَهْقُلْ لهُ، كالمُصِرِّ على حُبِّهِ،: إنَّ قلبَاً صغيراً على الأرضِ ما زالَينبضُ قُدسيَّةً باتجاهِ السماءِ، وإنَّ الصغارَلنُصْرَتِهِ في أَشَدِّ احتياجْياااااااا بَعيْدُ..عرِفْتُ تمامَا لماذا كَتَبْتَ على دَفْتَرِ اللُّغَةِ العَرَبِيْةِ: إنَّالطَرِيْقَ زُجَاجْ !وأدْرَكْتُ مَا الفَرْقُ مَا بَيْنَ ’أنْتَ’.. وما بينَ ’كُنْتَ’وأصبحتُ أكرهُ أشعارَهُمْ.. والبُحُورْوأصبحتُ أكثرَ شركاً بِهِمْ مِنْهُربِّي الحَجَرْفليتَ القصائدَ قُدَّتْ من الصخرِما عُدْتُ أخشى التعثُّرَ في النَّحْوِإنَّ النُّعُوتَ قُبُورْوأمّا مدرِّسُكَ الَّلغويُّ فقدْ حزمّ الأمسَ عُدَّتَهُ من قواعدَ..قَرَّرَ أنْ يُكْمِلَ الدرسَ للغائبينَ عن الفصلِ، مِثْلُكَ،حيثُ الغياباتُ فاتحةٌ للحضورْوحيثُ المُصّلِّون صَفَّاً على بَابِهايستريحونَ فَقْداًويمْتلئونَ غِنَاءً تشَرَّبَ بالآهِ حتى الجذورْ!.
بقلم: ناصر البدري