الأحد ١٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩

اسمها جميلة!

بقلم: رياض مصاروة

اسمها جميلة، كانت تلعب مع أختها وابن عمها على سطح البيت، كانت تمارس حقها كطفلة، حقها في اللعب، حتى في خضم الحرب على غزة، أرادت أن تنتزع هذا الحق. ألم يفهم الطيار النازي الاسرائيلي معادلات الطفولة حين كبس على الزر ليطلق الصاروخ، ويدمر طفولة؟ أنا متأكد أن هذا الطيار يعرف الآن ماذا فعلت يده المجرمة...ماذا سيحكي لأطفاله عن الطفولة، وعن حق الطفل أن يلعب، وأن يمارس طفولته؟

اسمها جميلة، وهي جميلة حقا، بشعرها الأسود، بوجهها الملائكي، بعينيها الواسعتين، بشفتيها، اللتان باستطاعتهما رسم ابتسامة تصلح أن تكون لوحة لليوناردو دي فينتشي ورفائيل.أوصلوها الى مستشفى الشفا في غزة، وهي لا تعرف أن أختها استشهدت، ولاتعرف أنها تمارس اللعب مع الأطفال الآخرين في الجنة...ماذا يلعبون هناك يا ترى؟ انهم لا يلعبون الآن، بل التقوا مع الأطفال اليهود، ضحايا النازية،انهم يخبروهم الآن عن أفعال آبائهم.هاهم أطفال اليهود في الجنة ينظمون مظاهرة ضد أفعال آبائهم، ها هم يصرخون، لقد أزعجوا الله النائم، الغارق في سباته، الضاحك من هؤلاء البشر المنتظرين تدخله...لن يتدخل الله ، لأنه قال لخلقه: لقد خلقتكم، ووهبتكم خيرات الأرض...لن أتدخل في حماقاتكم...

اسمها جميلة...وهي جميلة حقا! شاهدتها على قناة الجزيرة...وصلت الى مستشفى الشفا وبتروا رجليها، تحولت الكاميرا الى رجليها المبتورتين، وتامر المسحال يسألها: ما هي أمنيتك؟ وتجيب بهدوء أبكاني، نزلت دمعة واحدة، وشهقت عندما سمعتها تقول:" أريد أن أكون صحفية، لأرى ما وراء الكواليس.." .يا ألله!انها في التاسعة من عمرها...جميلة...مبتورة الرجلين، لم تبك،وكادت الابتسامة ترتسم على شفتيها الساحرتين...وقلت لنفسي: شعب يملك أطفالا مثل جميلة لا يمكن أن يموت وأن يفنى...جميلة تريد أن ترى ما وراء الكواليس...ماذا تعنين يا جميلتي، يا طفلتي؟ أنت أجبت على سؤالي هذا. لقد قلت أنهم دمروك، ولهذا السبب تريدين أن تري ما وراء الكواليس...تمنيت في هذه اللحظة لو أستطيع أن أتبناك،لكي تعلميني ما معنى الصمود، وما معنى الأمل، وما معنى الحياة...

وأنت يا تامر المسحال! من أي مادة مجبول أنت؟ أنت الذي تواكب كل هذا المشهد، الذي يثيرنا ونحن أمام الشاشة، وأنت...أنت الذي تشاهد كل شيء، الدم، الرؤوس المفجرة، الأشلاء، الأمهات اللاتي يتفجرن حزنا وغضبا، الآباء الذين لا حول لهم ولا قوة، الأطباء والممرضين والممرضات الذين سطروا تاريخا مضمونه الصبر والعطاء، والتضحية، ومضمونه الألم المواكب ، النابع من عدم مقدرتهم لانقاذ روح ،لأنهم محاصرون أيضا...

اسمها جميلة، وهي حقا جميلة بوجهها، وبروحها، وبداخلها...بتروا رجليها وما زالت متمسكة بالحياة وبالأمل..لم تبك، ولكنها خذلتني...أرادت أن ترسم ابتسامة وتراجعت...أه يا جميلة...! لماذا تراجعت؟ ابتسامتك هي اعلان الانتصار على مجلس الأمن، وعلى كل المتواطئين مع هذه الحرب من عرب ومن غير العرب... ابتسامتك، كانت بامكانها أن تعلن عن الانتصار الآن، الآن يا جميلة...ليس انتصار حماسن وليس انتصار محمود عباس، وانما انتصار شعب اسمه: الشعب الفلسطيني.

أعدك يا جميلة بأنني سأبحث عنك بعد انتصارك على الطيار الذي وجه القذيفة الى مساحة لعبك مع أختك وابن عمك، سأبحث عنك لكي تزوري الناصرة، ونحتفل بتخرجك من كلية الصحافة، فالساحة الفلسطينية يا جميلة هي أكبر كلية للصحافة العربية والعالمية...سأبحث عنك، واسأل تامر عن عنوانك، وأسأل صهباء بسيسو، زوجة الشاعر والمناضل الفلسطيني معين بسيسو، واسأل وليد العوض...أنت الآن مبتورة الرجلين...مهلا! تعافي!جسديا ونفسيا...أنت مبتورة الرجلين، ولكن فكرك وانسانيتك سيمشيان أمامك، بل هما رجليك يا جميلة...أنت ستمشين مع فكرك وانسانيتك، انسانيتك ،التي لن تستطيع نازية القرن الواحد والعشرين أن تخدشها.

وشيء آخر يا جميلة...! أنا بانتظار حفيدين، غازي وناي، يسمعان عن الحرب من محادثاتنا، ومن غضب أمهما عرين....سيخرجان الى هذا العالم وأمامهما قصة جميلة...الجميلة حقا في غضبها الهاديء، الذي سيتفجر يوما ما...لتكوني مثالا لأحفادي وأحفاد كل الفلسطينيين، بهدوئك المأساوي، وفي الوقت نفسه، هدوء ينبيء بانتصارك أنت على الموت المخطط.

وأنت يا جميلتي لن تسمحي لهذا المخطط ان يتحقق

بقلم: رياض مصاروة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى